39/08/19


تحمیل

الموضوع: مسألة ( 51 ) وقوع البيع بالمعاطاة - المكاسب المحرّمة.

والجواب:- ربما يقال هناك بدائل يمكن التعويض بها عن حديث السلطنة وهي:-

البديل الأوّل:- السيرة العقلائية ، يعني لنفترض أنَّ حديث السلطنة ليس بموجود فذلك لا يؤثر شيئاً ، إذ السيرة العقلائية قد انعقدت على أنَّ كل إنسان له الحق في أن يتصرّف في أمواله كيفما يشاء إلا ما خرج بالدليل ، أي إذا فرض أنه يوجد منع شرعي فالسيرة العقلائية تتوقف ، كما في موارد الاسراف والتبذير أو في مورد الوصية بأكثر من الثلث وما شاكل ذلك من موارد المنع الشرعي.

وفيه:- إنَّ القدر المتيقن من السيرة العقلائية هو انعقادها على الاحتمال الثالث من الاحتمالات المتقدّمة في حديث السلطنة والذي ذهب إليه الشيخ الخراساني(قده) وهو أنَّ الإنسان له السلطنة على كلّ تصرف ثبتت شرعيته بالدليل بلا توقفٍ على الاستيذان من أحد ، فالأب إذا أراد أن يعطي نصف أمواله إلى الفقراء أو إلى إحدى زوجاته فله الحق في ذلك شرعاً ، وكذلك الزوجة يجوز لها أن تعطي قسماً من أموالها إلى أحد أقربائها ولا يحق للزوج منعها ، فهنا صحيح السيرة منعقدة على ذلك ، فمادام التصرّف مشروعاً فلا يتوقف على الاستيذان من أحد ، وانعقاد السيرة بهذه المساحة نسلّم بتماميته أما في أوسع من ذلك فلا ، ومقصودنا من الأوسع هو فما إذا شككنا في شرعية تصرّفٍ من التصرّفات فدعوى إنَّ السيرة منعقدة حتى في هذا المجال ليس بواضح.

البديل الثاني:- سيرة المتشرعة ، وذلك بأن يقال:- إنَّ سيرة المتشرعة قد جرت على أنهم يتصرفون في أموالهم كيفما شاءوا ، وبذلك يثبت البديل لحديث السلطنة.

والجواب:-

أولاً:- ذكرنا في بعض الموارد أن سيرة المتشرعة لا يمكن دعوى ثبوتها مادام هناك سيرة عقلاء ، ففي كل مورد توجد فيه سيرة عقلاء جزماً أو احتمالاً بدرجة وجيةٍ لا يمكن أن تتمسّك بسيرة المتشرعة ، كما في حجية خبر الواحد وحجية الظواهر وحجية واليد وما شاكل ذلك ، فالبعض قد يتمّسك بسيرة العقلاء وسيرة المتشرعة ، فإذا كان مقصوده التمسّك بهما في عرض واحد فهذا محل إشكال ، لاحتمال أنَّ المتشرعة قد جرت سيرتهم بما هم عقلاء على العمل بخبر الواحد مثلاً لا بما هم متشرعة ، فإذن لا يكون هذا دليلاً مستقلاً ، اللهم إلا أن يكون المقصود الطولية ، يعني لو فرضنا أنه لا توجد سيرة عقلاء فتوجد متشرعة لا أنه نتمسّك بهما في عرضٍ واحد ، وهذه قضية فنية ينبغي الالتفات إليها ، فإذن في موردنا لا يمكن دعوى وجود سيرة متشرعة بعد فرض وجود سيرة عقلاء.

ثانياً:- لو غضضنا النظر عن هذه القضية نقول: إنَّ سيرة المتشرعة يرد عليها ما أوردنا على سيرة العقلاء ، بمعنى أنَّ الثابت هو انعقاد سيرة المتشرعة على أنهم يتصرّفون في أموالهم مادام ذلك التصرّف قد ثبتت شرعيته في مرحلةٍ سابقة فحينئذٍ يقال لا يحتاج إلى كسب الإذن من الغير ، أما إذا شكوا في أصل الشرعية فدعوى انعقاد السيرة أوّل الكلام.

البديل الثالث:- الآية الكريمة ﴿ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئا ﴾[1] ، وما كان على هذا المنوال ، بدعوى أنَّ المستفاد من هذه الآية الكريمة وما كان على منوالها أنَّ الأزواج لهن الحق في أن يتصرّفن بما أردن ولا يحق للرجال المزاحمة لهن ، فإذا كان المستفاد هو ذلك فإذن سوف يثبت أنَّ الإنسان مادام مالكاً للشيء وله حق التصرّف كيفما شاء يثبت بذلك ما أردنا وهو ثبوت السلطنة ، وموردها وإن كان هو الزوجات والنساء ولكن لا نحتمل الخصوصية لذلك ، فحينئذٍ نتعدّى إلى كل مالكٍ ، وبذلك يثبت أنَّ كل مالك له الحق في أن يتصرّف في ماله كيفما يشاء ، وبذلك يثبت مفاد ما كنّا نريده من حديث السلطنة.

والجواب:- إنَّ غاية ما يستفاد أنَّ تصرّف الغير لا يجوز من دون طيب نفس الزوجات لا أنَّ الزوجات لهن الحق أن يتصرّفن في أموالهن بما طابت به أنفسهن كيفما شئن.

إذن مفادها شيء يغاير ما نريده ، ولا ربط بين المطلوب اثباته وبين ما تدل عليه الآية الكريمة[2] .

البديل الرابع:- موثقة سماعة ، ونصّها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عطية الوالد لولده ، فقال: اما إذا كان صحيحاً فهو ماله يصنع به ما يشاء وأما في مرضه فلا يصلح )[3] ، بدعوى أنَّها تدل على أنه إذا كان الإنسان صحيحاً وليس به مريض فيجوز له أن يتصرّف في أمواله كيفما شاء ، وهذا هو المطوب من حديث السلطنة ، فإذن ثبت المطلوب.

والجواب واضح:- فإنَّ غاية ما يستفاد من هو أنَّ التصرفات المشروعة في زمان الصحّة لا تجوز في حال المرض ، أما أنَّ كل تصرّف في حال الصحة هو جائز فهي ليست بصدده.

هذه أربعة بدائل عن حديث السلطنة وقد اتضح أنها ليست بتامة ، وبالتالي اتضح أن حديث السلطنة بنفسه أو ببدائله ليس بتام ، كما اتضح أنَّ الدليل المهم لإثبات شرعية المعاطاة ليس هو حديث السلطنة ، وإنما هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ و ﴿ تجارة عن تراض ﴾ و ﴿ وأحلّ الله البيع ﴾ ولكن بضم صحيحة عمر بن يزيد حيث تمسك الامام عليه السلام بإطلاق ﴿ وأحلّ الله البيع ﴾ وإلا فقد قلنا إنَّ ثبوت اطلاق الآية الكريمة مشكل بقطع النظر عن الصحيحة ، ولكن بضم الصحيحة لا مانع آنذاك من التمسّك بإطلاقها.

هذه ثلاث مستندات يمكن التمسك بها لإثبات شرعية المعاطاة.

[2] قضية جانبية:- هذه الآية الكريمة تذكر أحاناً كدليل أن المدار على طيب النفس وليس على الإذن، فإنه يوجد كلام بين الفقها أن جواز التصرّف في أموال الآخرين هل هو منوط بالإذن كان يقول أنا أقبل بالتصرّف أو أنَّ طيب النفس وحده كافٍ، وتظهر الثمرة في اني لو علمت أن هذا الشخص طيب النفس فلا يوجد إِذنٌ ولكن يوجد عنده طيب نفس فالآية الكريمة تدل على طيب النفس وليس على الإذن، وإذا كان هناك نصّ آخر يدل على اعتبار الإذن فهو محمول على الطريقية إلى طيب النفس.