1440/03/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المكروه/ صوم الضيف

 

كان الكلام في سند رواية الفضيل بن يسار، وقلنا أن المشكلة تكون في (محمد بن موسى بن المتوكل) و (علي بن الحسين السعد آبادي) الواقعين في طريق الشيخ الصدوق إلى الفضيل بن يسار.

 

أما بالنسبة إلى الأول منهما فقلنا أن السيد الخوئي (قدس سره)[1] بنى على وثاقته - مع عدم ورود توثيق خاص في حقه – إعتماداً على ما ذكره السيد إبن طاووس في فلاح السائل، حيث نقل حديثاً وقع (محمد بن موسى بن المتوكل) في سنده، وعلق بعده أن (رواة الحديث ثقات بالإتفاق)[2] ، وإدعى السيد الخوئي (قدس سره) أن هذا التعبير من مثل السيد إبن طاووس یـورث الإطـمئنان بـأن فـي جـملة الـمتّفقین بـعض الـقدمـاء الـذیـن نـعتمد عـلى تـوثـیقهم ولا أقـل مـن شخص أو شخصین، وھذا المقدار كاف في التوثیق.

 

قد يناقش هذا الدليل:-

 

أولاً: بأننا لا نحرز كون بعض المتفقين من القدماء الذين يعتمد على توثيقاتهم، وإثبات هذا يحتاج إلى قرينة، لإحتمال أن يكونوا من معاصري السيد إبن طاووس.

 

وفيه: أن إحتمال كون جميع المتفقين من معاصري السيد إبن طاووس بعيد، لأن الظاهر من العبارة هو إتفاق من يُرجع إليهم في باب التوثيق عادة، والسيد إبن طاووس يعتمد على توثيقات القدماء كالنجاشي، ولا يرجع الى معاصريه في ذلك. وعليه فما يحتاج اثباته الى قرينة هو الإحتمال المذكور لا ما هو الظاهر من العبارة.

 

وثانياً: بأن عدم وجود توثيق ل(محمد بن موسى بن المتوكل) في شيء من كتب الرجال الواصلة إلينا، وعدم نقل ذلك عن شخص، يبعّد دعوى الإتفاق على وثاقته، إذ لو كان هناك إتفاق لوصل إلينا وأشير إليه في بعض الكتب. وبناءاً عليه فالأقرب في تفسير العبارة هو أن السيد إبن طاووس وجد روايات وقع في سندها (محمد بن موسى بن المتوكل) - أو غيره من الرجال المذكورين في حديث فلاح السائل - ورأى أن الأصحاب لم يناقشوا في سندها من جهته، فإستنتج أنه موضع قبول عند الأصحاب فإدعى الإتفاق على وثاقته. فهذه دعوى الإتفاق ليست حسية بل هي تشبه الدعاوى الحدسية والإجتهادية، من قبيل دعاوى السيد المرتضى على الإجماع أو الإتفاق نتيجة رواية الأصحاب لرواية هو يراها دالة على حكم الشرعي.

 

وفيه: أن لازم قبول هذا الإشكال هو عدم قبول دعاوى إتفاق الأصحاب في بعض الموارد ،

مثلاً إدعى الشيخ الطوسي في العدة الإجماع على أن المشايخ الثلاثة لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة، و الحال أنه لا يوجد أثر واضح من هذا الكلام في كتب غيره من الأصحاب، بل لم يدعيه هو في باقي كتبه.

و كذا الكلام في الكشي، حيث إدعى الإجماع على تصحيح ما يصح عن جماعة ولم يشر إلى هذا الاجماع من المتقدمين غيره، فهذا الباب واسع وكثير مما يدّعى في هذا المجال ليس عليه شاهد، وحينئذ لا موجب لقبول دعوى الاجماع من قبل الشيخ و الكشي .

 

و ثالثا :ان عبارة (..... ورواة الحديث ثقات بالاتفاق ..... .) موجودة في بعض نسخ فلاح السائل كما انه عُلق في الطبعة الحديثة وكذا القديمة على هذه العبارة بانها نسخة، ونقل عن محقق بعض الطبعات ان هذه العبارة ليست موجودة في نسخة المكتبة الرضوية، ولدينا نسخة قديمة علق صاحبها (وهو احد مشايخنا) بان هذه العبارة غير موجودة في سائر النسخ، وهذا كله يثير التشكيك في وجود العبارة في فلاح السائل، ومنه يحصل التشكيك في صدور العبارة عن السيد ابن طاووس، نعم قد يقال بان توثيق العلامة وابن داوود لمحمد بن موسى بن المتوكل يمكن ان يجعل قرينة على وجود العبارة في كتاب فلاح السائل، لأنهما يعتمدان عليه.

ويرد عليه ان الذي يأخذان منه ويعتمدان عليه العلامة وابن داوود شيخهما السيد احمد بن موسى بن جعفر بن طاووس، الرجالي المعروف صاحب حل الاشكال، وهو اخو السيد علي بن موسى صاحب كتاب فلاح السائل، ومع اخذ هذا بعين الاعتبار لا يكون هناك وضوح في كون توثيق العلامة وابن داوود مأخوذاً من عبارة فلاح السائل.

وعدم ثبوت هذه العبارة في كتاب فلاح السائل ينعكس على كل من ذكرت في حقه من الرواة، وكانت دليلاً على وثاقته.

 

الدليل الثاني: على وثاقة محمد بن موسى بن المتوكل ترضي الشيخ الصدوق عنه.

الدليل الثالث: اكثار رواية _الجليل_ الشيخ الصدوق عنه، فان السيد الخوئي (قد) ذكر ان الشيخ الصدوق ذكره في المشيخة في طرقه إلى اصحاب الكتب في (48) مورداً.

اما علي بن الحسين السعد ابادي

فيستدل على وثاقته

اولاً : برواية الشيخ ابن قولويه عنه مباشرة في كامل الزيارات، وقد روى عنه بعنوان علي بن الحسين السعد ابادي رواية واحدة و روى ايضا عن علي بن الحسين في موارد كثيرة لكن علي بن الحسين يحتمل كونه السعد ابادي ويحتمل كونه علي بن الحسين بن موسى بن بابويه.

ثانياً: بتعبير أبي غالب الزراري عنه بـ ( مؤدّبي ) في رسالته المعروفة([3] ) ، والمراد به التعليم والتربية ، ومنه النبوي ) أدبني ربي فأحسن تأديبي ) ومنه قولهم ( هذا ما أدب الله به نبيّه( .

ومن هنا يظهر تمامية الرواية سنداً

و لا يخفى ان هذه الرواية رويت بطرق اخرى فان الشيخ الصدوق رواها في العلل بعدة اسانيد و الشيخ الكليني ايضا رواها عن علي بن محمد بن بندار و غيره لكن كل هذه الاسانيد فيها خدشة و بعد تمامية السند المتقدم لا داعى الى التعرض لباقي الاسانيد .

دلالتها

[عن أبي عبد الله [4] عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، _ المقصود الحث على استضافة الضيف _ ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا باذنهم لئلا يعملوا له الشيء فيفسد _ لعدم اكله _ ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا باذن الضيف لئلا يحتشم فيشتهي الطعام فيتركه لهم.]

قالوا بان عبارة (و لا ينبغي للضيف ان يصوم الا باذنهم لئلا يعملوا له الشيء فيفسد )ظاهرة في الكراهة و لذا استدل بها على الكراهة في المقام و ذكرت قرائن على استفادة هذا الحكم

منها : التعبير ب (لا ينبغي) _في قبال التعبير ب لا يحرم_ فان ظاهره الكراهة

لكنها غير تامة باعتبار اننا ذكرنا مرارا ان المستفاد من لا ينبغي ما يساوق لا يناسب كما في الاية الشريفة (و ما علمناه الشعر و ما ينبغي له )فالضيف باعتبار انه مؤمن لا يناسبه ان يصوم من دون اذن المضيف و من الواضح ان هذا اعم من الحرمة و الكراهة اذ كل منهما لا يناسب الانسان المؤمن و لذا اذا ثبت عندنا كل من الكراهة او الحرمة في المقام فان التعبير هذا لا ينافيه.

و منها : قوله صلى الله عليه و اله (لئلا يعملوا له الشيء فيفسد ) الذي ورد كتعليل للحكم بعدم الانبغاء و وجه استفادة الكراهة منه هو ان مثل هذا التعليل لا ينسجم مع الالزام

باعتبار انه لا يتوقف ارتفاع المحذور المذكور في الرواية على ان يستأذنهم اذ من الممكن ان يصوم بدون اذنهم لكنه يرتفع المحذور المذكور كأن نفترض انه يخبرهم بانه صائم _مع الاخذ بعين الاعتبار ان الاذن غير الاخبار_ او نفترض انه لم يستأذنهم في صيامه لكنه يعلم انهم لا يقدمون له طعاما او نفترض ان طعامهم يقدم عادة وقت الافطار او نفترض حالات اخرى

من هنا يظهر ان هذا التعليل انما هو لاحتمال ان يعملوا له طعاما فيفسد لا انه صومه بدون اذنهم يستلزم وقوع هذا المحذور حتى يقال ان افساد الطعام حرام فيكون الصوم بدون اذنهم حراماً و هذا اللسان يناسب التنزيه و لا يناسب التحريم.

 


[1] موسوعة الإمام الخوئي ج٢٢، ص٣٢١.
[2] فلاح السائل ص١٥٨.
[3] رسالة في ال اعين، ابو غالب الزراري، ص50.
[4] في نسخة ابي جعفر عليه السلام.