1440/06/12


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

الأمر الثالث:- ذكر الشيخ الأعظم(قده) في بداية مسألة الفضولي ما نصّه:- ( ومن شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع )[1] .

ونحن نريد أن نبيّن قضية أشبه بالفنيّة:- وهي أنه لو كان يخذف كلمة ( الشارع ) ويبدلها بتعبير ( أو مأذونين من المالك أو ممن له لولاية ) فلعله كان أولى ، والنكتة في ذلك: هي أنَّ الأب والجد هما مأذونان من قبل الشرع في التصرف في أموال الصبي ، ولكن لو نصباً شخصاً لذلك فهذا الشخص الذي يتصرّف لا ينطق عليه أحد هذه العناوين التي ذكرها الشيخ الأعظم(قده) ، يعني لا ينطبق عليه ( أو يكونا مالكين ) كما لا ينطبق عليه ( أو يكونا مأذونين من قبل المالك ) ، لأنَّ الأب والجد ليسا بمالكين لأموال الصبي ، كما أنه لا ينطبق عليه ( مأذون من الشرع ) فإنَّ المأذون من قبل الشارع هو الأب والجد أما هذا الشخص فليس بمأذونٍ منه ، فلذلك يبقى هذا الشخص خارجاً عن هذا التقسيم ، والحال أنه يجوز له التصرّف ، ولا يحتمل أحد أنه لا يصح تصرفه ، بينما لو عبّر بقوله ( أو ممن له الولاية ) فسوف يشمل نفس الأب والجد كما يشمل هذا الشخص المأذون من قبلهما ، وحينئذٍ تكون العبارة أحسن.

إن قلت:- إن هذا الشخص بالتالي ينتهي تصرفه إلى الشرع ، لأنه مادام الأب والجد مأذونان من قبل الشارع والمفروض أنهما قد أذنا له في التصرف فسوف يكون تصرفه منتهياً إلى إذن الشارع ، فلا يرد الاشكال ؟!!

قلت:- إنَّ بناءً على هذا سوف ينتهي تصرف الجميع إلى الشارع ، ويلزم أن نقول إنَّ الشرط واحدٌ ، وهو أن يكون الشخص مأذوناً من قبل الشارع إما بأن يكون مالكاً أو مأذوناً من قبل المالك ... الخ ، فبالتالي لا نجعل الشرط أن يكون مالكاً أو مأذوناً من المالك أو مأذوناً من الشارع ، يعني لا معنى لأنَّ نجعل الأقسام ثلاثية بل يلزم أن يكون الشرط واحداً وهو أن يكون مأذوناً من قبل الشارع ، والمأذون من الشارع له مصاديقه المتعددة ، والمفروض أنَّ الشيخ الأعظم(قده) لم يجعل الشرط واحداً - وهو أن يكون مأذوناً من قبل الشرع - بل جعله قسيماً ولم يجعله مقسماً ، وهذه قضية جانبية يلزم الالتفات إليها.

الأمر الرابع:- هناك اطلاق أو عموم يتمسّك به الفقهاء في مبحث الفضولي ، وهو عموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لتصحيح عقد الفضولي.

والسؤال الذي نطرحه هنا:- هل هذا العموم - أو الاطلاق - يراد منه اطلاقه وعمومه بعرضه العريض ولكن خرج منه ما خرج أو أنه لا يراد منه ذلك وإنما هو وارد في دائرة أضيق ولكن ما هي تلك الدائرة الضيق ؟

والجواب:- إنَّ في هذا احتمالات كما سنبين ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها:-

الاحتمال الأول:- أن يكون المقصود هو الاطلاق بعرضه العريض والخارج منه هو الذي يحتاج إلى دليل ، وهو ظاهر الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ، لأنه تمسّك لصحة عقد الفضولي بالاجازة ، حيث قال: ( إنَّ قوله تعالى ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعم جميع العقود والخارج هو الذي يحتاج إلى دليل والقدر المتيقن من الخارج هو العقد الذي لم يؤذن به ولم يُجَز أما ما أجير فيبقى تحت العموم ) ، وهذا يفهم منه أنه فهم منه الدائرة الوسيعة والخارج هو الذي يحتاج إلى دليل ، فهذه الطريقة من الاستدلال مبنية على ذلك ، قال(قده)في مقام اثبات صحة عقد الفضولي بالاجازة ما نصّه:- ( ومرجع ذلك كله إلى عموم حِلّ البيع وجوب الوفاء بالعقد خرج منه العاري عن الإذن والاجازة معاً ولم يعلم خروج ما فقد الإذن ولحقته الاجازة )[2] ، عبارته واضحة فيما ذكرنا.

ولعل من جملة من يظهر منه القول هذا الاحتمال السيد الخميني(قده) ، حيث ذكر هذا المطلب في مقام أنَّ الرضا الباطني وطيب النفس الباطني من دون ابراز ومن دون إذنٍ مصرّحٍ به يكفي ، قال ما نصه:- ( إنَّ بيع الفضولي مع مقارنته لرضا المالك مشمول لمثل أوفوا بالعقود وتجارة عن تراض منكم لأنَّ التقييد بعقودكم او تجارتكم أو بيعكم ليس في الأدلة وإنما هو من باب الانصراف ولا تنصرف الأدلة إلا عن أجنبي لا تنسب إليه المذكورات[3] بوجه وأما العقود المأذون فيها والمجازة والمرضي بها فلا وجه لانصرافها عنها بعد كونها صحيحة لازمة عرفاً وفي محيط العقلاء )[4] .

فإذاً يظهر من هذين العلمين أنَّ الآية الكريمة يقصد منها هذا العموم بعرضه العريض وخروج بعض الأفراد يحتاج إلى دليل.

وفي مقابل ذلك يقال:- إنَّ المقصود هو دائرة أضيق وأنَّ الآية الكريمة من قبيل مقابلة الجمع بالجمع ، والقرآن الكريم قد يستعمل هذه الطريقة ، من قبيل قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. ﴾ فالمقصود من ﴿ فاغسلوا وجوهكم ﴾ هو أنَّ كل فرد يغسل وجهه ولكنه جمع بلسان ( وجوهكم ) ، لا أنَّ كل واحدٍ يأتي ويغسل وجوه الجميع ، كلا بل هذا يعبّر عنه باللغة العربية والنحو مقابلة الجمع بالجمع ، فـ( وجوه ) مقابل وجوه الناس ، يعني كل واحدٍ يغسل وجهه ، وهنا يقال إنَّ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ من هذا القبيل ، يعني كلّ واحدٍ يفي بعقده ، فالمقصود هو الدائرة الضيقة بحيث يكون العقد عقده ، وبعدما كان المقصود هو الدائرة الضيقة يأتي تساؤل:- وهو أنه ما هي حدود تلك الدائرة الضيقة ؟

فإذاً لنا دعويان:-

الدعوى الأولى:- ليس المقصود من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ الدائرة الوسيعة بعرضها العريض.

الدعوى الثانية:- ما هي تلك الدائرة الضيقة ؟

والجواب:- إنه يوجد ثلاث احتمالات في تلك الدائرة الضيقة:-

الاحتمال الأول:- أن يكون المقصود من العقود هو العقد الصادر منكم ، يعني منك أو منك .... ، فيصير المقصود هكذا ﴿ أوفوا بالقعود ﴾ يعني أنت الأوّل فِ بعقدك وأنت الثاني فِ بعقدك .... يعني الصادر منك ، فالمنظور هو علاقة الصدور ، فمن صدر منه العقد وانتسب إليه فحينئذٍ يكون هو المخاطب بذلك ، فالمدار على حيثية الصدور وأن يكون العقد صادراً من الشخص ، ومن الواضح أنَّ الصدور ليس المقصود منه أن يكون هو الصدور المباشري ، بل ولو الصدور بالإذن أو بالوكالة ، فنعمّم من هذه الناحية.

الاحتمال الثاني:- أن يكون المقصود هو العقد المنتَسَب ، أي فِ بالعقد المنتسَب أو المنتسِب إليك ، وحيثية الانتساب يقال هي تصدق بالإذن أو الاجازة وإن لم يصدر منه بالمباشرة.

الاحتمال الثالث:- أن يكون المقصود هو العقد الذي التزمت به ، فعليك أن تفي بالعقد الذي التزمت به.

وربما يوجد غيره هذه الاحتمالات ، ولكن هذه الثلاثة هي التي تخطر إلى الذهن.

أما بالنسبة إلى الدعوى الأولى:- فيمكن أن يقال: إنه لا يحتمل عقلائيا أن يكون الخطاب في ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ موجهاً إلى الشخص الأجنبي عن العقد بتمام معنى الكلمة ، فلو فرض أنَّ شخصاً في بلاد الهند صدر منه عقد فهل أخاطب أنا أو أنت ويقال لنا ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ونقول خرج منه ما خرج ؟ إنَّ هذا لا معنى له ، فإن الارتكاز العرفي أو العقلائي يأبى عن ذلك أشد الاباء ، وهذا غير محتمل في حدّ نفسه - أي يكون المقصود هو الدائرة الوسيعة على اطلاقها وبعرضها العريض والخروج منها هو الذي يحتاج إلى دليل فإنَّ هذا ليس احتمالاً عقلائياً - ، فإذاً لابد وأن يكون المقصود هو الدائرة الأضيق ، وبهذا ثبتت الدعوى الأولى وهي أنَّ المقصود هو الدائرة الأضيق وليس الدائرة الوسيعة ، ومستندنا على ذلك الارتكاز العقلائي والعرفي فإنه هو المحكّم في فهم النصوص ولا يحتمل عاقل أو عرفي أنَّ الخطاب بـ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ موجَّهٌ إلى الجميع.

أما بالنسبة الدعوى الثانية:- وهي أنَّ الدائرة الضيق ما هي فهل هي العقد الذي صدر منكم أو الذي انتسب إليكم أو الذي التزمتم به ؟ ، فهذه احتمالات ثلاثة ، ولعل الأوجه هو الاحتمال الثالث ، يعني الذي التزمتم به ، فالمدار على حيثية الالتزام لا على حيثية الصدور وحيثية الانتساب ، والوجه في ذلك: هو أنَّ الآية الكريمة قالت ﴿ أوفوا ﴾ يعني يجب الوفاء ، ومناسبات الحكم والموضوع تقتضي وجوب وفاء الانسان بما التزم به على نفسه ، فحيثية الالتزام هي التي تناسب وجوب الوفاء ، لا حيثية الصدور ولا حيثية الانتساب.

إذاً النتيجة هي أنَّ قوله تعالى ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لا ينبغي أن يفهم منه الدائرة الوسيعة ، وإنما المفهوم منه أنَّ كل عقد التزمتم به - والالتزام يتحقق بأمور أحدها الالتزام فعنوان الالتزام يتحقق عرفاً بالإذن أو بإجازته - فالمدار على حيثية الالتزام ، فليس المقصود هو أنَّ كلّ عقدٍ يلزم الوفاء به والخارج هو الذي يحتاج إلى دليل والقدر المتيقن من الخارج هو الذي يؤذن به أوّلاً ولم يجرِ بعد ذلك كما صنع الشيخ الأعظم والسيد الخميني(قده) ، وإنما هذا الخطاب وارد في الدائرة الضيقة.

إذاً الطريقة التي سلكها الشيخ الأعظم والسيد الخميني(قده) مرفوضة ، لأنها مبنية على ارادة العقد أو العقود بعرضها العريض والحال أنَّ الارتكاز العقلائي يأبى عن كون المقصود هو ذلك ، وإنما المقصود هو الدائرة الضيّقة ومناسبات الحكم والموضوع تقضي بأنَّ المراد هو العقد الذي التزم به الشخص فإنَّ هذا هو الذي يتناسب مع وجوب الوفاء.

[3] المذكورات يعين العقود، اوفوا بالعقود أو تجارة، أي هذه العناوين المأخوذة في هذه الأدلة.