1440/08/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة مسألة ( 64 ) ، مسألة ( 65 )– شروط المتعاقدين.

الدليل الرابع:- السكون الذي هو دليل عادةً على الرضا فالرواية قالت مادام قد اطلع وسكت فهذا إقرار وهو كافٍ ولا نحتاج إلى إبراز ، واشيخ الأعظم(قده) لم يذكر نصّ الرواية وإنما قال ما ورد من أنه لو تزوج العبد وسكت المولى كان إقراراً ، وهي ما رواه الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد[1] عن علي بن الحكم عن معاوية بن وهب[2] قال:- ( جاء رجل إلى ابي عبد الله عليه السلام فقال: إني كنت مملوكاً لقوم وإني تزوجت امرأة حرّة بغير إذن مواليَّ ثم أعتقوني بعد ذلك فأجدد نكاحي إياها حين أُعتِقتُ ؟ فقال:- أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم ؟ فقال:- نعم وسكتوا عني ولم يغيّروا عليَّ ، قال فقال:- سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم اثبت على نكاحك الأول )[3] .

وتقريب الدلالة واضح:- فإنها دلت على أنّ سكوت الموالي الذي هو كاشف عن الرضا كافٍ في صحة عقد الفضولي ولا يحتاج إلى مبرز ، بل الرضا المنكشف بالسكوت كافٍ في صحة عقد الفضولي.

ويردّه:-

أولاً:- يمكن أن يقال إنَّ نفس مجيء العبد إلى الموالي واخبارهم بما فعل وهم يسكتون فهذا مبرز عرفي للرضا ، لا أنه لا يوجد إبراز للرضا ، فلا تقل إنه يوجد رضا من دون مبرز بل المبرز موجود وهو عرض القضية من السكوت عرفاً يرى أن هذا مبرز للرضا ، ولذلك إذا قال الموالي أو أي شخص من هذا القبيل أنا لم أكن راضياً يعترض عليه ويقال له لماذا لم تتكلم بذلك فإنه قد عرض القضية عليك وأنت سكتت ؟!! وهذا معنا أنه حينما تعرض القضية ويسكت الطرف فهذا بنفسه مبرز عرفي للرضا ، ولا أقل من وجاهة هذا الاحتمال فيبطل تسمك الشيخ بالرواية ، فلعل الرواية أمضت الفعل من باب هذا المبرز العرفي.

ثانياً:- لعله في باب زواج العبد يكفي طيب نفس المولى ورضاه ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك لخصوصية في المورد ، بخلاف سائر الموارد ، مثل الزواج بابنة أخ الزوجة أو ابنة أختها فإنه يكفي رضا وطيب نفس العمَّة أو الخالة إذا أراد أن يتزوج بابنة أخيها أو ابنة أختها ، والفقهاء يصرّحون بذلك من باب خصوصية المورد وأنَّ الروايات لا يظهر منها إلا هذا المقدار ، فلعل هذا المورد أيضاً هو من هذا القبيل ، ففي صحة نكاح العبد لا يشترط إلا طيب نفس الموالي أما أكثر من هذا فلا يشترط كما في الزوج من ابنة أخ الزوجة أو ابنة أختها فإنه يكفي رضا العمَّة أو الخالة.

ومن باب الفائدة الجانبية نساعد الشيخ ونقول:- إنه توجد رواية أخرى هي أيضاً على منوال زواج العبد من دون سب الاذن المسبق فسكوت المولى يكفي لأحد الوجهين اللذين ذكرناهما ، ولكن جوابنا عنها هو نفس الجواب فكلا الجوابين يأتيان هنا ، وهي ما رواه الشيخ الكليني أيضاً عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد[4] عن أحمد بن محمد بن أبي نصر[5] قال:- ( قال أبو الحسن عليه السلام في المرأة البكر:- إذنها صماتها والثيب أمرها إليها )[6] ، فإذا الرواية قالت صمتها كافٍ وهذه الرواية سوف تنفع الشيخ يعني سوف يصير الرضا كافياً فلو ذكرها لكان جيداً.

ولكن كلا الجوابين اللذين ذكرناهما هناك يأتيان هنا ، فنقول لعل نفس سكوتها مبرز للرضا ، أو نقول إنَّ البكر يكفي رضاها الباطني لخصوصيةٍ في المورد.

وعلى هذا المنوال ما وراه أبو علي المفيد الثاني ابن الشيخ الطوسي في أماليه بسندٍ ينتهي إلى الضحّاك بن مزاحم قال:- ( سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول وذكر حديث تزويج فاطمة عليه السلام وأنه طلبها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:- يا علي إنه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها ولكن على رسلك حتى أخرج إليك فدخل عليها فأخبرها وقال إنَّ علياً قد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين ؟ فسكتت ولم تولّ وجهها ولم ير فيه رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم كراهة ، فقام وهو يقول الله أكبر سكوتها اقرارها )[7] .

وإذا أراد الشيخ الأعظم(قده) أن يستدل بهذه الرواية أيضاً فنفس الجوابين اللذين ذكرناهما هناك يأتيان هنا ، فنقول أولاً: إنَّ السكوت في هكذا مقام هو مبرزٌ عرفي على الرضا ، ونقول ثانياً: لعله في مسألة زواج البكر توجد خصوصية كما في باب العمَّة والخالة يكون طيب النفس والرضا الباطني كافٍ لخصوصية في المورد.

الرواية الخامسة:- وراية عروة البارقي التي رواها أبو جعفر محمد بن علي الطوسي في ثاقب المناقب عن عروة بن جعدة البارقي قال:- ( قدم جلب فأعطاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ديناراً فقال اشترِ بها شاةً فاشتريت شاتين بدينار فلحقني رجل فبعت أحدهما بدينار ثم اتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشاة ودينار فردّ عليَّ وقال بارك الله لك في صفقة يمينك ، ولقد كنت أقوم بالكناسة أو أقوم بالكوفة فأربح في اليوم أربعين الفاً )[8] .

وقد تمسّك بها الشيخ الأعظم(قده) كوجهٍ لإثبات كفاية الرضا ، ببيان:- أنَّ عروة البارقي بعد ما اشترى شاتين بدينار باع بعد ذلك احدى الشاتين بدينار وهي ملك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فسلّم الشاة التي هي ملك الغير وقبض الدينار الذي هو ملك الغير ، فإذا كان الرضا الباطني لا يكفي في خروج العقد عن الفضولية لكان المناسب أن يعترض النبي عليه ويقول له ( لماذا أنت بعت شاةً من دون كسب الاجازة منّي فإنَّ هذا تصرف فضولي في مال الغير وهو لا يجوز ) ، ولكنه سكت عن ذلك وهذا يدل على أن مجرّد الرضا يكفي ، قال(قده):- ( حيث أقبض المبيع وقبض الدينار لعلمه برضا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان فضولياً موقوفاً على الاجازة لم يجز التصرف في المعوَّض والعوض بالقبض والإقباض وتقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما فعل دليل على جوازه )[9] .

ويرده:-

أولاً:- إنَّ النبي حينما وكلّه في شراء شاة بدينار بالأولوية قد وكّله بشراء شاتين بدينار فإنَّ هذا ثابت بالأولوية العرفية المسلَّمة ، فإذاً هو حينما اشترى الشاتين كانت عنده وكالة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمفروض أنَّ النبي يريد شاةً واحدةً ، فحينما باع عروة واحدة فقد باعها عن وكالةٍ ، فإذاً كلُّ شيءٍ وقع على طبق الوكالة وعلى مقتضاها ، لا أنه يوجد هناك تصرف في مال الغير من دون إجازة ويوجد الرضا الباطني فقط.

ثانياً:- إنَّ هذه قضية في واقعة ولا نعرف ملابساتها ، فلعل عروة كان وكيلاً مطلقاً في مثل هذه الأمور من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا تقل إنَّ الرواية لم تصرّح بذلك ، فنقول إنها قضية في واقعة فلا داعي أن تصرح الرواية بذلك ، بل هي قالت ( بعث ) ولا يلزم أن تنقل الأمور الأخرى ، فيحتمل أنه كان وكيلا مطلقاً ، ومادام وكيلاً مطلقاً فقد عمل على طبق وكالته ، فلا توجد فضولية في البين أصلاً.

ثالثاً:- سلّمنا أنَّ القبض الإقباض صار برضا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يكفي للخروج عن الفضولية ، ولكن نقول: إنَّ كلامنا هل هو العقد الذي هو أمر اعتباري أو أنه في غير العقد ؟ ، فحينما نقول يكفي الرضا أو لا يكفي فهل هذا في العقد أو غير العقد - الذي هو القبض والاقباض - ؟ إنَّ كلامنا هو في العقد ، فلا معنى لأن تذهب إلى القبض والاقباض ، وهذا أقوى الأجوبة.


[1] ليس من البعيد أنه ابن عيسى.
[2] والسند لا مشكلة فيه.
[4] أي ابن عيسى.
[5] والسند صحيح.