1440/10/08


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 66 ) – شروط المتعاقدين.

الاشكال الرابع:- وحاصله أن يقال أنَّ الفضولي إذا باع عن نفسه فهو لم يقصد المعاوضة ولم يتحقق منه البيع فالاجازة تتعلق بماذا ، فنحن نريد أن الاجازة تتعلق بالمعاوضة وهذا الفضولي الذي قصد البيع عن نفسه لا معاوضة في حقه ولا بيع فالاجازة لا معنى لها ولا معنى لأن تصحح تلك المعاملة إذ لا يوجد بيع لأن المعاوضة تعني أن يدخل الثمن في كيس من خرج منه المثمن ويخرج المثمن من كيس من يدخل إليه الثمن ودخل المثمن من خرج منه الثمن ، وفي المقام ليس الأمر كذلك فإنَّ المشتري يدفع الثمن الذي يملكه وهذا لا مشكلة فيه ولكن الباع ماذا يدفع ؟! إنه لا يملك شيئاً لأن المفروض أنَّ هذا الشيء ليس له وهو يريد أن يبيع عن نفسه والمفروض أنه لا يملك المبيع فلم يخرج المبيع من ملكه حتى يدخل إليه الثمن وتتحقق المعاوضة فعلى هذا الاساس المعاوضة لم تتحقق والبيع لم يتحقق وبالتالي لا يعود مورد للإجازة لأنَّ الاجازة تتعلق بالمعاوضة وهنا لا توجد معاوضة ، فعلى هذا الأساس لا مجال للإجازة وتعلق الاجازة.

نعم لا يأتي هذا الاشكال إذا كان الفضولي يبيع عن المالك لأنه لا يريد أن يدخل الثمن في ملكه وإنما يدخل الثمن في ملك المالك أما هنا الفضولي يريد أن يدخل الثمن في ملكه في مقابل المثمن والمفروض أن المثمن لم يخرج ملكه فلا توجد معاوضة حتى تتعلق بها الاجازة ، والخلاصة أنه لا يوجد بيع حتى تصححه اجازة المالك.

وهو إشكال لا بأس به ، وقد أشار الشيخ الأعظم(قده) إلى هذا الاشكال وقال:- ( إنَّ الفضولي إذا قصد إلى بيع مال الغير لنفسه لم يقصد حقيقة المعاوضة إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخرُ فالمعاوضة الحقيقية غير متصوّرة فحقيقته يرجع إلى اعطاء المبيع وأخذ الثمن لنفسه وهذا ليس بيعاً )[1] ، وكان المناسب أنه لم يتحقق إنشاء البيع حتى يمكن تعلق اجازة المالك به.

الاشكال الخامس:- إنَّ الاجازة بم تتعلق فهل تتعلق بما أُنشِئَ أو بغير ما أُنشِئَ ؟ فإن تعلقت بما أُنشِئ فهذه الاجازة لا تنتج صحة البيع ، فإنَّ صحة البيع تعني أن يدخل المثمن في كيس من خرج منه الثمن ويدخل الثمن في كيس من خرج منه المثمن ، وفي المقام اجازة المالك لا تنتج الصحة بهذا المعنى ، إذ نتيجة الاجازة أنَّ الثمن سوف يدخل في ملك الأجنبي الفضولي الذي هو ليس مالكاً للمثمن ولا تنتج دخول الثمن في كيس المالك المجيز ، فعلى هذا الأساس الاجازة لا تنتج صحة البيع بالمعنى المطلوب.

وإن شئت قلت:- إذا تعلّقت الاجازة بما أُنشِئَ من قبل الفضولي فهذا لا ينتج صحة المعاملة بالمعنى المطلوب ، وإذا تعلقت بغير هذا الذي أنشأه الفضولي فذلك الغير لم تُنشَأ حتى تتعلق به الاجازة ، فما أنشئ لا ينفع تعلّق به ما ينفع تعلق الاجازة به لم يُنشَأ.

الفرق بين الاشكال الرابع والخامس هو أنا في الاشكال الرابع كنا نقول أصلاً لا توجد معاوضة حتى تتعلق بها الاجازة أما في الاشكال الخامس فقد غض النظر عن هذا وإنما يقال ما تتعلق به الاجازة لا يتنج الصحة المطلوبة وما ينتج الصحة المطلوبة لم يُنشَأ حتى تتعلق به الاجازة ، فإذاً أحد الاشكالين غير الآخر ، قال الشيخ الأعظم(قده):- ( ومنها أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فإن تعلقت اجازة المالك بهذا الذي قصده البائع كان منافياً لصحة العقد لأنَّ معناها هو صيرورة الثمن لمالك المثمن بإجازته ، وإن تعلقت بغير المقصود كانت بعقد مستأنف لا إمضاءً لنقل الفضولي فيكون النقل من المنشئ غير مجاز والمجاز غير مُنشَأ )[2] .

جواب الاشكال الرابع:- والجواب تارةً يقع الكلام فيه بمقتضى القاعدة وأخرى بلحاظ الروايات ، ونقدّم الكلام في الثاني لأنه أخصر ثم ندخل فيما تقتضيه القاعدة.

أما بلحاظ الروايات:- فتوجد بعض الروايات التي تحكم بصحة بيع الفضولي عن نفسه وبعد وجود الرواية لا مجال للإشكال حينئذٍ ، وهي صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ، فإن ولد المولى الذي باع الوليدة هو قد باعها عن نفسه إما لكون ذلك هو مورد الرواية أو لكونه مشمولاً لمورد الرواية بالاطلاق ، فبالتالي هو مشمول للرواية - يعني إذا باع عن نفسه - والامام عليه السلام علّم وأرشد مالك الوليدة الثاني إلى الطريقة وقال له ( خذ ابنه حتى يجيز لك البيع ) وبالفعل أخذ ابنه فأجاز المالك الأول البيع ، يعني بالتالي بيع الفضولي - والفضولي هنا هو ولد المولى الذي باع عن نفسه - يكون صحيحاً عن المالك فإنَّ الامام عليه السلام حكم بصحة البيع ، فإذاً الرواية دالة على صحة البيع ، وبالتالي يرجع الثمن إلى مالك الوليدة الأول الذي أجاز ، وبعد دلالة الرواية على هذا فلا حاجة إلى هذا التطويل.

وهناك رواية ثانية:- وهي رواية مسمع أبي سيّار المتقدمة:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إني كنت استوعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه ثم جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استوعته إياه فقال هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك فهي لك مع مالك واجعلني في حلّ فأخذت المال منه وأبيت أن آخذ الربح وأوقفت المال الذي كنت استودعته وأتيت حتى أستطلع رايك فما ترى ؟ قال فقال:- خذ الربح واعطه النصف وأحلَّه إنَّ هذا رجلٌ تائبٌ والله يحبّ التوابين )[3] ، ولكن نذكر هذه الرواية كمؤيد لا كدليل ، لأنَّ في سندها ضعفاً ، إذ السند هو:- ( الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن ابن محبوب عن الحسن بن عمارة عن أبيه عن مسمع أبي سيّار ) والمشكلة في ( الحسن بن عمارة عن أبيه ) فهذان الشخصان لم يثبت في حقهما توثيق ، فعلى أيّ حال تكون مؤيداً ، ووجه دلالتها هو أنَّ هذا الشخص الذي جعلت عنده الودعة قد تاجر بها وحينما باع وتصرّف فهو باع وتصرّف عن نفسه والامام عليه السلام حكم بصحة المعاملة بعد اجازة المالك ، فإنّ قوله عليه السلام للمالك ( خذ الربح ) معناه أنَّ الاجازة صادرة وتكون المعاملة صحيحة ، فإذاً الرواية تدل على أنَّ بيع الفضولي عن نفسه إذا أجاز المالك يقع صحيحاً للمالك ، وبعد دلالتها لا يعود هناك إشكال في البين ، ولكنها تنفع كمؤيدٍ لضعف سندها.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج2، 377.
[2] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج2، ص378.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج19، ص89، ابواب الوديعة، ب10، ح1، ط آل البيت.