11-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 411 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 411 ):- الأحوط عدم تأخير طواف الحجّ عن اليوم الحادي عشر وإن كان جواز تأخيره إلى ما بعد أيام التشريق بل إلى آخر ذي الحجّة لا يخلو من قوّة.
هذه المسألة تتعرض إلى وقت طواف الحجّ وأنه هل يتعيّن أن يكون في اليوم العاشر أو يجوز تأخيره أكثر من ذلك.
وقبل أن نذكر الأقوال في المسألة نلفت النظر إلى أن الأرجح هو الاتيان به في اليوم العاشر وهذه قضيّة اتفق عليها الجميع وإلا ففي اليوم الحادي عشر، وإنما الكلام فيما زاد عن اليوم الحادي عشر وأن التأخير إلى أكثر من ذلك هل هو جائزٌ أو لا ؟ هذا شيء.
وهناك شيء آخر ينبغي الالتفات إليه:-  وهو أن محلّ الكلام هو حجّ التمتع ففيه وقع الكلام في أن طواف الحجّ هل يجوز تأخيره إلى ما بعد أيام التشريق أو لا، أو إلى اليوم الحادي عشر أو لا ؟ وأما حجّ الإفراد والقران فالأكثر بل لعله يدّعى الوفاق على جواز تأخير طواف الحجّ فيهما إلى آخر ذي الحجّة . إذن محلّ الكلام هو بالنسبة إلى حج التمتع.
وباتضاح هذا نقول:- الأقوال في المسالة ثلاثة:-
القول الأول:- ما ذهب إليه المحقّق(قده) في الشرائع في هذا الموضع - وإنما قيّدت بهذا الموضع لأنه ذكر هذه المسألة مرتين مرّة في بداية كتاب الحجّ من الشرائع حيث بيّن الصورة الإجماليّة للحجّ ومرّة ثانيةً حينما يذكر التفاصيل ووصل إلى أعمال منى وفرغ منها قال بعد ذلك ( يأتي الدور إلى زيارة البيت وأداء طواف الحجّ ) وفي هذا الموضع ذكر أنه إذا أخّره إلى ما بعد اليوم الحادي عشر أثِم، ونصّ عبارته:- ( الثانية:- إذا قضى مناسكه يوم النحر فالأفضل المضيّ إلى مكّة للطواف والسعي ليومه فإن أخّره فمن غده ويتأكّد ذلك في حقّ المتمتع فإن أخرّه أثِم ويجزيه طوافه وسعيه )، وظاهر تعبيره هذا هو عدم جواز التأخير عن اليوم الحادي عشر، وفي المدارك[1] نسب هذا الرأي إلى المفيد والمرتضى وسلّار، بل قال في الجواهر ما نصّه :- ( بل عن التذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا )[2]، وهذا التعبير قد يشعر بأن الأكثر يذهبون إلى هذا الرأي.
القول الثاني:- جواز تأخيره عن اليوم الحادي عشر إلى الثاني عشر بل إلى الثالث عشر أما ما زاد فلا فنهاية الفترة بانتهاء أيام التشريق - يعني لا تأخّره عن اليوم الثالث عشر -، وهذا الراي قد اختاره المحقّق في بداية كتاب الحجّ عند ذكر صورة حجّ التمتع باختصار ونصّ عبارته:- ( ثم إن شاء أتى مكّة ليومه أو لغده[3]فطاف طواف الحجّ وصلى ركعتيه وسعى سعيه وطاف طواف النساء وصلى ركعتيه ثم عاد إلى منى لرمي ما تخلّف عليه من الجمار وإن شاء أقام بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر ثم ينفر بعد الزوال وإن أقام إلى النفر الثاني جاز أيضاً وعاد إلى مكّة للطوافين والسعي )، إن عبارته هذه واضحة في أنه يجوز للناسك أن يبقى في منى لا يزور البيت في اليوم العاشر أو الحادي عشر بل يبقى إلى أن ينفر في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر ويأتي بعد ذلك بأعمال مكّة، إن هذا واضح في أنه يجوّز التأخير . وهذا التنافي غريبٌ منه(قده).
القول الثالث:- جواز التأخير إلى آخر ذي الحجّة، واختاره ابن إدريس حيث قال:- ( وله أن يأتي بالطواف والسعي طول ذي الحجّة لأنه من شهور الحجّ وإنما يقدّم ذلك على جهة التأكيد للمتمتّع )[4] - يعني تخوّفاً من أن يطرأ طارئ ولم يتمكّن من أن يأتي بالطواف بعد ذلك فأنت لأجل أن تتأكد من إتيان الواجب ولا يفوت عليك فأتِ به -، كما اختاره صاحب المدارك[5] وصاحب الجواهر[6]، وممن اختار ذلك السيد الماتن.
هذه هي أقوال المسألة.
ومنشأ هذا الخلاف هو الروايات فإنها متعدّدة بيد أنه يمكن تقسيمها إلى ثلاث طوائف، فالمهم منها ثلاث طوائف:-
الطائفة الأولى:- ما دلّ على جواز التأخير عن اليوم الثاني عشر بل ربما إلى الثالث عشر، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا أس بأن تؤخّر زيارة البيت إلى يوم النفر إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض )[7]، والمقصود من قوله ( مخافة الأحداث والمعاريض ) يعني خوف طروّ حوادثٍ أو عوارض تعرض تمنع من زيارة البيت، وهي دلّت على جواز التـأخير إلى يوم النفر وهو صادقٌ على اليوم الثاني عشر بل وعلى الثالث عشر، فهي إذن دالة على جواز التـأخير إلى اليوم الثالث عشر أيضاً.
وعلى منوالها صحيحة اسحاق بن عمار:- ( سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن زيارة البيت تؤخّر إلى اليوم الثالث ؟ قال:- تعجيلها أحبُّ إليَّ وليس به بأسٌ إن أخّرها )[8]، والمقصود هو أنه ليس به بأس إن أخّرها إلى اليوم الثالث وليس المقصود إلى نهاية ذي الحجّة . وما المقصود من ( الثالث ) ؟ إنه لم يُقَل اليوم الثالث عشر بل عبّر إلى اليوم الثالث ولعلّ المقصود منه هو اليوم الثالث من أيام التشريق الذي ينطبق على اليوم الثاني عشر.
ولكن إذا كان في هذه الصحيحة شيءٌ من الإجمال يعني ادُعِي أن غاية ما تدلّ عليه هو جواز التأخير إلى اليوم الثاني عشر لا إلى اليوم الثالث عشر فتكفينا الصحيحة السابقة فإنها جوّزت التأخير إلى يوم النفر وهو صادق على اليوم الثالث عشر.
الطائفة الثانية:- ما دلّ على جواز التأخير إلى ما بعد أيام التشريق ونهايتها يكون بانتهاء اليوم الثالث عشر فيستفاد حينئذٍ جواز التأخير إلى ما بعد اليوم الثالث عشر، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن رجلٍ نسي أن يزور البيت حتى أصبح[9]قال:- لا بأس إنما ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا تقرب النساء والطيب )[10]، وعلى منوالها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( لا بأس بأن أخّرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيام التشريق إلا أنّك لا تقرب النساء ولا الطيب )[11]، ودلالتها واضحة أيضاً على جواز التأخير إلى ما بعد أيام التشريق.
الطائفة الثالثة:- وهي ما فصّلت بين حجّ التمتع فلا يجوز فيه التأخير إلى اليوم الثاني عشر وبين الإفراد والقران فيجوز فيهما التأخير إلى نهاية ذي الحجّة، كصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله قال:- ( سألته عن المتمتّع متى يزور البيت ؟ قال:- يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر . والمفرد والقارن ليسا بسواءٍ موسّعٌ عليهما )[12]، وهذه الصحيحة واضحة على أن القارن والمفرد موسّع عليهما يعني يجوز لهما التأخير عن اليوم الثاني عشر أما المتمتع فلا يؤخّر.
وبعد اتضاح هذا نأتي إلى وجه الجمع فكيف نجمع بينهما ؟ وفي مقام الجمع يمكن أن نقول:- إن الطائفة الأولى وإن كانت ظاهرة في جواز التـأخير إلى نهاية أيام التشريق - يعني يجوز الـتأخير إلى اليوم الثاني عشر بل الثالث عشر لا أكثر من ذلك حيث عبرت وقالت ( لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر ) أي اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر وهذه ظاهرة في عدم جواز التأخير لا أزيد من ذلك - ولكن الطائفة الثانية واضحةٌ في جواز التأخير إلى ما بعد أيام التشريق لأنه عليه السلام قال ( أنا ربّما أخّرتُهُ حتى تذهب أيام التشريق ) . وعلى هذا الأساس يصير الأمر واضحاً فتحمل الأولى على رجحان الاتيان بنحو المسارعة في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر من دون تأخيرٍ خوف ما يحدث وما يعرض ولكن يجوز الـتأخير إلى أزيد من ذلك لأجل الطائفة الثانية تطبيقاً لقاعدة ( كلما اجتمع ظاهرٌ وصريح أوّل الظاهر لحساب الصريح )، هكذا ينبغي أن يقال.
وقد أشار إلى وجه الجمع هذا في الجواهر[13] ونسبه إلى السرائر والمختلف وغيرهما.
إن قلت:- إنه كما يمكن الجمع بهذا الشكل يمكن الجمع بشكلٍ آخر وذلك بحمل الطائفة الأولى التي لم تجوّز الـتأخير إلى ما بعد أيام التشريق على المتمتّع والطائفة الثانية التي جوزت التـأخير إلى ما بعد أيام التشريق على المفرِد والقارِن وبذلك تصير النتيجة هي التفصيل فالمتمتّع لا يجوز له التأخير إلى ما بعد أيام التشريق بينما القارِن والمفرِد يجوز له ذلك، والقرينة على هذا الجمع هي الطائفة الثالثة فهي صالحةٌ لأن تكون وجهاً للجمع، وعليه فمادام يمكن هذا الجمع الثاني فلماذا نصير إلى الجمع الأوّل ؟! ولا أقل يبقى الأمر مجملاً من هذه الناحية فيصار إلى ما تقتضيه القواعد مثلاً.
قلت:- توجد قرينتان تمنعان من الجمع بالوجه المذكور:-
الأولى:- إنه ورد في الطائفة الثانية ( أنا ربّما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا تقرب النساء والطيب )، إنه ذكر عبارة ( لا تقرب الطيب ) ومن الواضح أن الطيب بالنسبة إلى القارن والمفرد بعد أن يحلق ويقصّر يجوز له حتى وإن لم يأتِ بعدُ بطواف الحجّ . إذن الإشارة إلى هذه القضيّة يصلح أن يكون قرينةً على أنه لا يقصد بذلك القارن أو المفرد وإنما يقصد المتمتّع . وهذه قرينة قد أشار إليها صاحب الجواهر وغيره وهي واضحة.
الثانية:- إنه لو خصّصنا الطائفة الثانية التي قال فيها الامام ( أنا ربّما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ) وحملناها على القارِن والمفرِد كان ذلك حملاً على الفرد غير المتعارف فإن المتعارف هو الاتيان بحجّ التمتع فحينما يسأل الراوي أنه هل يجوز التـأخير أو لا فهو ناظرٌ إلى الحالة المتعارفة وهي حالة التمتّع، فعلى هذا الأساس لو حملنا هذا الحكم الذي ذكره الإمام عليه السلام - وهو أنه أنا ربّما أخّرت ويجوز التأخير إلى ما بعد أيام التشريق – على الفرد غير المتعارف فهذا معناه أن الامام نظر إلى الحالة غير المتداولة وغير المتعارفة وهذا قبيحٌ ومستهجن - أي حمل الاطلاق على الحالة غير المتعارفة - ولعلّه قريبٌ من فكرة حمل الاطلاق على الفرد النادر نظير أن يسأل شخص ويقول ( هل يجوز لي أن آكل الطعام الفلاني أو أشرب السائل الفلاني ؟ ) ونحن نقول له نعم ونقصد بذلك حالة كونه مريضاً أو مضطراً، إن هذا الشيء مستهجنٌ فإن السائل ناظرٌ إلى الحالة المتعارفة والحمل على الحالة غير المتعارفة قبيحٌ عرفاً .
إذن لأجل هاتين القرينتين يترجّح الجمع الأوّل وبذلك تكون النتيجة هي جواز التأخير إلى ما بعد أيام التشريق.


[3]  يعني اليوم العاشر أو اليوم الحادي عشر.
[9]  يعني أصبح لليوم الحادي عشر.