30-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 420 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
ورب قائل يقول:- إن هذا وجيهٌ - أي إنه في مورد الاختلاف نرجع إلى الأصول والقواعد كما ذكر - بيد أن المورد ليس مورد الرجوع إلى الأصل - أي استصحاب بقاء حرمة النساء -، كلّا حيث يوجد إطلاق أو عموم اجتهادي ومعه لا تصل النوبة إلى استصحاب بقاء حرمة النساء بعد وجود هذا الدليل الاجتهادي، فالقضيّة قضيّة فنيّة أريد أن أبينها، والنتيجة سوف لا تتغيّر، فبعد وجود الدليل الاجتهادي الذي يدلّ على حرمة النساء لا وجه للرجوع إلى الاستصحاب، وما هو الدليل الاجتهادي ؟ إنه صحيحة معاوية التي ذكرناها في النقطة الأولى من هذه المسألة - غير الروايات الخمس - حيث قلنا إن صحيحة معاوية التي تقول :- ( ..... فإذا زار البيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء، وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلّا الصيد )[1] بمقتضى إطلاق ذيلها الذي يقول ( وإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا الصيد ) أنه من دون أن يطوف طواف النساء تكون حرمة النساء باقية، وهذا مطلقٌ يشمل حتى حالة عدم إمكان المباشرة ولكن هذا نستثنيه من هذا الاطلاق للجزم من الخارج على أنه مع عدم إمكان المباشرة لا يلزمه الاتيان به بنفسه وإلا يلزم أن تحرم عليه النساء طوال عمره، إنّ هذا لا نحتمله في الاسلام - إمّا لهذا أو لغيره -، والمهم أن هذه الحالة خرجت بالاطلاق، أمّا ما ما زاد عليها - أعني حالة إمكان المباشرة فهل تجوز النيابة فيها أو لا - فهذه الحالة لا نعلم بخروجها من الاطلاق المذكور فنتمسّك بالاطلاق المذكور لإثبات حرمة النساء مادام يمكنه المباشرة فيلزمه أن يباشر ولا تكفيه النيابة، إن هذا الاطلاق نتمسّك به ولا تصل النوبة معه إلى الاستصحاب.
وهذا شيءٌ وجيهٌ فيما لو فرض أن الامام عليه السلام في مقام البيان حتى في حالة ما إذا فرض أنه ترك سهواً ولم تمكنه المباشرة، مع أنه يمكن أن يقال- وهو قريبٌ -:- إن الإمام عليه السلام بصدد بيان أن حليّة النساء هي موقوفة على طواف النساء لا أكثر ولا يكفي فيها طواف الحج والسعي أو التقصير، أمّا أنه في مقام البيان من ناحية أنه يلزمه أن يباشر طواف النساء بنفسه إن تركه سهواً وأنّ الحليّة تتوقف عليه - أي هو في مقام البيان حتى في هذه التفاصيل والمساحة الواسعة من التفاصيل والجزئيات - أو في مقام بيان أصل المطلب دون الزوائد ؟ ربما يقال هو في بصدد بيان أصل المطلب أمّا التفاصيل والزوائد فليس هو الآن بصددها فالتمسّك بالاطلاق يكون مشكلاً.
وعلى أيّ حال فإن ارتأيت الأوّل - أي هو في صدد بيان توقّف الحليّة على طواف النساء دون بيان أصل المطلب دون التفاصيل - فحينئذٍ يبقى المجال مفتوحاً لأصل الاستصحاب، أمّا إذا قلنا هو ليس بصدد خصوص هذا المطلب بل حتى التفاصيل أيضاً فالمناسب التمسّك بالاطلاق دون الرجوع إلى  الاستصحاب.
الترك غير السهوي لطواف النساء:- وأما إذا فرض أن المكلف ترك طواف النساء عن جهلٍ وليس عن سهوٍ وبعد ذلك التفت فهل تلزمه المباشرة أو تجوز النيابة ؟ يعني هل يرجع فيعيد الطواف حتى لو رحل إلى بلده ؟
والجواب:- إنه لا توجد رواية تدلّ على الحرمة في هذه الحالة فإن الروايات السابقة كانت ناظرة إلى من ترك طواف النساء سهواً أما من تركه جهلاً فلا توجد رواية تدلّ على حكمه فنبقى نحن والقاعدة، وهي ماذا تقتضي ؟ فهل يلزم أن يباشر بنفسه سواء كان يصعب عليه ذلك أو لم يكن صعباً أو أنّه يوجد شيء آخر ؟
والجواب:- إذا فرض أنه كان بإمكانه المباشرة من دون عسرٍ وحرجٍ فتلزمه المباشرة، وأما إذا كانت غير مقدورة أو عسرّية حرجيّة فتكفيه آنذاك النيابة.
أما بالنسبة إلى الشق الأول:- فإن الوجه في ذلك هو الدليل الاجتهادي الدال على أن حليّة السناء تتوقف على طواف النساء وهذا يمكنه الاتيان به فإن له إطلاقٌ فنتمسّك بإطلاقه لمثل هذه الحالة، وإذا شككنا في الاطلاق فيكفينا آنذاك استصحاب بقاء حرمة النساء.
وأما بالنسبة إلى الشق الثاني:- فإن الوجه في ذلك هو أنه إذا لم تكن المباشرة مقدورة فيلزم من ذلك أن النساء تبقى حراماً عليه إلى أن يموت، وهذا لا نحتمله بعدما كنت المباشرة غير مقدورة فلا نحتمل أن الإسلام يحكم عليه هكذا بعد فرض كونه جاهلاً، وعلى هذا الاساس يتعيّن النيابة في حقه بعد عدم احتمال أن النساء تحلّ بلا طواف لا بالمباشرة ولا بالنيابة.
إن قلت:- لم لا نتمسّك بحديث ( رفع عن أمّتي ما لا يعلمون ) ؟
قلت:- إن الحديث يرفع الأحكام المترتّبة من قضاءٍ أو كفارةٍ أو غير ذلك، أمّا أنه ما كان محرّماً يصير حلالاً بالترك عن جهلٍ فهذا لا يستفاد من الحديث - يعني هذا الحكم الوجودي وهو حليّة النساء وأنها تحلّ له مادام قد ترك ذلك عن جهلٍ مرفوعٌ -، فالحديث قد يشكل التمسّك به . وبقطع النظر عن الحديث يكفينا أن بقاء الحرمة إلى الأبد شيءٌ ليس بمحتمل.
وأما إذا كانت حرجيّة فنتمسّك بقاعدة نفي الحرج التي مستندها ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ فإن حرمة النساء عليه حرجيّة فإذن تكون مرتفعة في حقّه.
ومضافاً إلى أنه قد يقال:- إنه حتى مع قطع النظر عن قاعدة نفي الحرج مع ذلك نحن لا نحتمل أن النساء تبقى محرّمة في حقّ الرجل التارك لطواف النساء عن جهلٍ بعد فرض أن المباشرة حرجٌ عليه، إنّ هذا احتماله ليس موجوداً بلا حاجةٍ إلى التمسّك بقاعدة نفي الحرج.
وعلى هذا الأساس نفصّل ، ففي حالة إمكان المباشرة تلزمه المباشرة وفي حالة عدم إمكانها تكفيه النيابة . هكذا ينبغي أن يقال.
بيد أن السيد الخوئي(قده)[2]ذكر وجهين لإثبات جواز النيابة في حالة عدم القدرة على المباشرة:-
الوجه الأوّل:- التمسّك بما دلّ على أن المرأة لا تبقى بلا زوجٍ والرجل يحتاج إلى زوجة، إن هذا التعليل تعليلٌ عامٌّ فنتمسّك به في المقام، يعني نقول:- إذا قلنا إن حليّة النساء تتوقف على المباشرة فإن الرجل سوف يبقى بلا زوجة والحال أنه محتاج إليها، ومقتضى التعليل أنه لا يمكن أن يبقى بلا زوجة لحاجته إليها، وهكذا المرأة لو كانت قد تركته.
وفيه:- إن هذا الكلام لم يرِد بعنوانٍ مستقلّ وكقاعدةٍ عامّة حتى نتمسّك بعمومها وإنما ورد ذلك في المرأة التي طُلّقت على غير السّنّة - أي طلقة على غير الشرائط المعتبرة عندنا في الطلاق - فلو طُلّقت المرأة من قِبَل زوجها الذي هو ليس على مذهبنا طلاقاً ليس واجداً للشرائط ففي مثل هذه الحالة هل يمكنها أن تتزوج أو لا ؟ هنا ذكر الإمام عليه السلام هذا الكلام، فلاحظ موثّقة عبد الرحمن البصري عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قلت له:- امرأة طلقت على غير السّنّة، فقال:- تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوجٍ )[3]، وعلى منوالها صحيحة عبد الله بن سنان[4].
إذن مورد هاتين الروايتين هو من طُلّقت على غير السّنّة والإمام عليه السلام حكم بأنها ( تتزوّج لا تترك بغير زوج )، وهذا شيءٌ مناسبٌ ؛ فإن سبب بطلان الطلاق هو الرجل فلماذا تُحمَّل التبعات على المرأة مادام هو السبب وهي بريئة - ﴿ ولا تزر واورة وزر أخرى ﴾ - فحكم الإمام عليه السلام في مثل هذه الحالة وقال تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج، وأين ذلك من محلّ كلامنا الذي يفترض فيه أن السبب هو من نفس الشخص ؟! فأنا الرجل مثلاً تركت طواف النساء، أو المرأة لو تركت طواف النساء، فالسبب منها وليس من غيرها، فحينئذٍ كيف نستفيد أن هذا التعليل شاملٌ لمثل موردنا مع فرض أن خصوصيّة موردنا تختلف عن خصوصيّة مورد الرواية، فالجزم بإلغاء الخصوصيّة أو التمسّك بعموم التعليل أو عموم القاعدة شيءٌ مشكلٌ بعد فرض اختلاف الخصوصيّة كما أشرنا اليه.
الوجه الثاني:- اطلاق ما دلّ على أن من يتمكن أن يباشر الطواف فعليه المباشرة ومن لا يتمكن فيطاف به ومن لا يتمكن فيطاف عنه . إنّ هذه الروايات المذكورة في باب الطواف والتي تدلّ على هذه المراتب الثلاث هي بإطلاقها شاملة لمقامنا، فيقال:- إن مثل هذا الرجل الذي ترك طواف النساء إن أمكنه المباشرة فعليه ذلك وإن لم يمكنه الماشرة فيطاف به وإن لم يمكنه ذلك فيطاف عنه، فيشمله إطلاق هذه الروايات من دون حاجة إلى تطويل.
وفيه:- إن مورد هذه الروايات هو من كان موجوداً في مكة المكرّمة ويريد أن يطوف ولكنّه لا يتمكن من المباشرة فتأتي هذه الروايات وتقول إنه مادام لم يمكنك المباشرة فحينئذٍ يطاف بك فإن لم يمكن فيطاف عنك، وأين هذا من محلّ كلامنا الذي فرض فيه أن هذا الشخص ليس في مكّة وإنما ترك الطواف عن جهلٍ ؟!! فلعلّه بسبب تركه عن جهلٍ يُشدَّد أمره ويقال لا تكفي النيابة في حقّك، فيطاف به أو يطاف عنه حينئذٍ ليس بثابتٍ في حقك لأنه أنت بسبب جهلك تركت طواف النساء فلا تكون مشمولاً لهذا الحكم فإن محلّ ذلك الحكم هو ما إذا فرض أنه لم يترك الطواف بل يريد أن يأتي به ولكنّه لا يتمكّن منه، أمّا هذا فقد فرض أنه تركه بسبب جهله، فالسبب منه وصَعُبَ عليه أن يرجع، فمادام السبب منه فحينئذٍ لا تجوز لك النيابة وتبقى النساء محرّمة عليك.
إذن الفارق موجودٌ ولا يبقى عندنا إلّا ما أشرنا إليه وهو أنه لا نحتمل بقاء الحرمة إلى الأبد في حقّ الشخص الذي  يمكنه أن يرجع إلى مكّة المكرّمة بلا حاجةٍ إلى التمسّك بهذين الوجهين لاختصاصهما بموردٍ معين.
والنتيجة:- هي أنا نتّفق مع السيد الخوئي(قده) في النتيجة ولكن نختلف في الطريق الذي نصل به إليها.