07-06-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- تتمة مسألة ( 420 )، مسألة ( 421 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حجّ التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وما يحتمل كونه مستنداً لذلك هو أحد الأمور الثلاثة التالية:-
الأوّل:- إننا ذكرنا فيما سبق أربعة احتمالات في فقرة ( فليقض عنه وليّه أو غيره ) وكان الاحتمال الثالث هو أن ذمة الميت مشغولة ويتوجه تكليفٌ إلى الولي وغيره بنحو الوجوب الكفائي بالقضاء وتفريغ الذمة المشغولة، إنه بناءً على هذا الاحتمال تكون ذمّة الميّت مشغولة ومادامت مشغولة فيلزم تفريغها من أصل التركة، فكما أن الديون تكون ذمة الميت مشغولة بها وتخرج من أصل التركة هنا كذلك أيضاً . إنه على الاحتمال الثالث وهكذا على الاحتمال الثاني تكون ذمة الميّت مشغولةً فيلزم تفريغها من أصل التركة.
وفيه:- إنّ هذا الانشغال ليس انشغالاً وضعيّاً كانشغالها بالدين وإنما هو انشغال تكليفي، فإن الذمة مشغولة بأيّ تكليف من التكاليف ولكنّ هذا انشغالٌ تكليفيٌّ فذمتنا مشغولة الصلاة أو الصوم وهذا انشغال تكليفيّ، وهناك انشغالٌ وضعيٌّ مضافاً إلى التكليفي كانشغال ذمتنا بالدَين للغير فإذا كنت مقترضاً من الغير شيئاً فذمتي مشغولة بذلك الدَين وهذا انشغال وضعيّ مضافاً إلى أنه تكليفيّ، والمهمّ هو أن الموجب للخروج من أصل التركة هو الانشغال الوضعي دون التكليفي . وعلى هذا الاحتمال الثالث بل وهكذا على الثاني لا يكون الانشغال وضعيّاً بل هو تكليفيّ . إذن هذا لا يصلح أن يكون مستنداً.
الثاني:- قصّة الخثعمية، فإنه قد روى الشيخ النوري في مستدركه:- ( أن امرأة خثعميّة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت:- يا رسول الله إنّ فرض الحج قد أدرك أبي وهو شيخٌ لا يقدر على ركوب الراحلة أيجوز أن أحج عنه ؟ قال:- يجوز، قالت:- ينفعه ذلك ؟ قال:- أرأيتِ لو كان على أبيك دَينٌ فقضيتيه أَما كان يجزئ !! قالت:- نعم، قال:- فدَيْنُ الله أحق )[1]، إنه يستفاد منها أن جميع الواجبات من دون خصوصيّة للحج - فإن الحج هو موردٌ - هي ديون لله عزّ وجل، ومادامت ديناً فنطبّق الكبرى وهي أن الديون تخرج من أصل التركة، فالصغرى إذن من هذه الرواية والكبرى من الروايات الاخرى المتّفق عليها - وهو أن الدين يخرج من أصل التركة -.
وفيه:- إن الرواية المذكورة قابلة للمناقشة سنداً ودلالة:-
أما سنداً:- فباعتبار أن الشيخ النوري(قده) ينقلها عن أبي الفتوح الرازي في تفسيره أمّا ما هو السند ومن أين ينقل أبو الفتوح ؟ إنّه لم يذكر ذلك، وهذا يحتاج إلى نفس طيّبة بأن نقول إن أبا الفتوح لابد وأنه اعتمد على سندٍ في النقل  ومن جهة ثانية أن نقول إن جميع أصحاب السند كلّهم ثقاة، ولكن كيف نثبت الأوّل ؟ وإذا أثبت الأوّل كيف تثبت الثاني؟!!.
وأما من حيث الدلالة:- فهي وإن دلّت على أن جميع الواجبات هي دَينٌ لله عزّ وجل إلا أنه لا يقصد من ذلك الدَين الوضعي وإنما الدين التكليفي، فنحن نسلّم أن ذمتنا مشغولة ومَدينة لله عزّ وجل والمقصود من مدينة أنها مشغولة شغلاً تكليفيّاً والذي يخرج من أصل التركة هو الدين بمعنى الدين الوضعي والانشغال الوضعي دون التكليفي . إذن هذه الرواية لا تنفعنا أيضاً.
الثالث:- الروايات المتعدّدة الدالة على أن حج الإسلام - أو مطلق الحج - يخرج من أصل المال فإنه توجد روايات متعدّدة تدلّ على ذلك يمكن ملاحظتها في الوسائل[2]، إن هذه الروايات دلّت على أن الحج يقضى من أصل المال، هذه مقدمة . ثم نضمّ إلى ذلك مقدّمة أخرى وهي أن طواف النساء حيث إنه مشمولٌ لعنوان الحج فيقضى من أصل المال.
والجواب واضحٌ:- فإنّا قد ذكرنا سابقاً أن طواف النساء قد اتفقت الكلمة على أنه ليس من الحج .
وربما يناقش بمناقشة أخرى:- وهي أنه حتى لو سلّمنا أنه من الحج ولكن الروايات التي تقول ( يقضى الحج من أصل التركة ) يعني هو الحج بالكامل لا مثل هذا الذي يكون جزءاً أخيراً ويؤتى به وحده بشكلٍ منفصل، إن كون هذا مشمولاً لتلك الروايات قد يتأمل فيه . وتكفينا المناقشة الأولى.
ومن خلال هذا كلّه اتضح:- أنه لا يوجد مستندٌ يدلّ على أن طواف النساء يقضى من أصل التركة.
ولو أردنا أن نتماشى مع الشيخ النائيني(قده) قليلاً فنصير إلى الاحتياط الاستحبابي لعدم وجود المستند الذي يطمئن إليه الفقيه ولو بشكلٍ ضعيف، وإن كان ظاهر عبارة السيد الماتن(قده) هو الاحتياط الوجوبي لأن تعبيره ليس مسبوقاً بالفتوى . وعلى أيّ حال لو أردنا أن نتماشى فنصير إلى الاحتياط فنقول:- الأحوط إخراجه من أصل التركة ولكن بشرطين لا كما أطلق السيد الماتن، الأوّل أن لا يكون في الورثة قُصّر وإلا فهذا الاحتياط معارَضٌ بالاحتياط الآخر وهو أن هذا يحتمل كونه تصرّفاً في أموال القصّر والإخراج من أصل المال سوف يكون إخراجاً من حصّتهم وتقليلاً من حصّتهم، والثاني أن يرضى الورثة الكبار بذلك وأمّا الأخذ من دون إجازتهم ورضاهم فهذا مخالفٌ للاحتياط أيضاً.
إذن هذا الاحتياط لو أردنا أن نصير إليه فهو مشروطٌ بهذين الشرطين خلافاً للسيد الماتن(قده).
وفي نهاية حديثنا نقول:- لو أردنا أن نكتب مناسك جديده فهذا الحكم - أي أنه يخرج من أصل التركة أو لا -لا نسلط الأضواء عليه . نعم لا بأس بذكر أنه لو نساه فهل يقضيه الوليّ أو غيره ؟، أمّا هذا الحكم فلا ؛ لأن هذا الحكم يتناسب مع ذلك الزمان لعدم وجود الموبايل فيه مثلاً فلابد من إرسال شخصٍ لتفريغ ذمة الميت فيأتي الكلام في أن هذا الذي نرسله هل لابد وأن نخرج له المال من أصل التركة أو لا ؟، أمّا في مثل زماننا فسوف نتّصل رأساً بمن كان هناك أو نكلّف أحد الذين يذهبون طيلة السنة بالطواف ويكون من دون أيّ شيءٍ فيأتي به عن الميت طلباً للثواب . إذن هذه المسألة ليست من المسائل التي تستحق أن تذكر.

مسألة( 421 ):- لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي فإن قدّمه فإن كان عن علمٍ وعمدٍ لزمته إعادته بعد السعي وكذلك إن كان عن جهلٍ أو نسيانٍ على الأحوط.

الكلام يقع في موقع طواف النساء من حيث الزمان تارةً ومن حيث بقيّة الأعمال تارةً أخرى، وعبارة المتن أشارت إلى الثاني دون الأوّل، فالأوّل لم تشر إليه - يعني بلحاظ الزمان متى يلزم الاتيان بطواف النساء فهل في خصوص ذي الحجة أو يمتد زمانه إلى ما بعد ذي الحجة ؟ -.
وعلى أيّ حال المناسب بمقتضى القاعدة جواز تأخيره إلى ما بعد ذي الحجّة غايته تبقى النساء محرّمة عليك وأنت سوف تُسرع قبل أن يحثّك الشرع على الاتيان - به لأن النساء محرمة -، وعلى أي حال يجوز تأخيره ولو إلى ما بعد أي الحجّة، والوجه في ذلك:- هو لأنه ليس جزءاً من الحج فقد اتفقت الكلمة على ذلك ودلّت بعض الروايات عليه ومعه فلا يمكن التمسّك بقوله تعالى ﴿ الحج أشهر معلومات ﴾ فإنه ليس جزءاً من الحج حتى يكون مشمولاً للآية الكريمة - والمقصود منها أن آخرها ذو الحجّة - فنبقى نحن والقاعدة ولزوم الاتيان به في ذي الحجّة يحتاج إلى دليل وحيث لا دليل فنتمسّك بالبراءة.
ولكن من الغريب ما أشار إليه في كشف اللثام حيث قال ما نصّه:- ( ولم ينصّ أكثر الأصحاب على آخر وقته، وظاهرهم أنه كطواف الحج [3] . وفي الكافي والغنية والإصباح أن آخر وقته آخر أيام التشريق . وفي المبسوط وموضعٍ آخر من الإصباح:- يطوف طواف النساء متى شاء مدّة مقامه بمكّة[4]. ويجوز أن يريدا بمقامه بها قبل العود إلى منى )[5]، يعني هو(قده) فسّر عبارة ( مدّة مقامه بمكة ) بأن المقصود منها هو قبل أن يأتي إلى مكة لأنه يأتي يوم العاشر لأداء أعمال مكّة فهذا اليوم الباقي فيه في مكة - أو أكثر من يومٍ - يستطيع أن يأتي بطواف النساء في أي وقت منه، فلعلّ هذا هو المقصود وليس المقصود هو ( يعني بعد أعمال منى أذا أكملها وانتهى فمتى ما بقي في مكّة لمدّة شهرٍ أو شهرين أو أكثر فيأتي به متى ما كان هناك ).
وقال الشيخ النائيني(قده) في متن دليل الناسك:- ( بل أثم عليه لو أخّره إلى آخر ذي الحجّة، نعم لو لم يأت به إلى أن خرج الشهر أثم )[6].
ما أفاده واضح الإشكال:- فإن إثبات الإثم عليه لو أخره عن ذي الحجّة يحتاج إلى دليلٍ ولا دليل بعد فرض كونه ليس جزءاً من الحج فكيف يحكم عليه بالإثم ؟!! . هذا أيضاً من القضايا الخفيّة.
والمناسب ما أشرنا إليه من جواز تأخيره إلى أيّ وقتٍ شاء.


[2]  وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص66، 68، 74 ب25، 26،29 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.
[3]  يعني مقصوده أنه لا يجوز تأخيره عن ذي الحجة.
[4]  وهل هذا يناسبنا أو لا فلماذا قال مدة مقامه في مكة فطبيعي أن مدة مقامه فقد يبقى مدة ثلاثة اشهر أو أربعة فهو مشمول فأنت مادام هناك فيمكنك أن تأتي به، ولكنه قال بعد ذلك ( ويجوز أن يريدا بمقامه بها قبل العود إلى منى ).
[5]  كشف اللثام، الفاضل الهندي، ج6، ص236.
[6]  دليل الناسل، السيد، ص420.