12-06-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 421 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حجّ التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وثانياً:- إنه(قده) ذكر أن العموم الذي هو ظاهرها لا يمكن العمل به وحملها على الناسي وإن كان يمكن العمل به ولكنّه ليس ظاهرها، فما هو ظاهرها لا يمكن العمل به وما يمكن العمل به ليس ظاهرها فتطرح الرواية آنذاك.
إنّ هذا المطلب مخالفٌ لما جرى عليه هو غيره من الفقهاء في الفقه فإن الرواية إذا كانت عامّة - وهذه قضيّة ومطلبٌ كلّيٌّ نافع ومهم - بمقتضى ظهورها ولكن العموم لا يمكن العمل به لسببٍ وآخر إمّا لأجل الاجماع أو غير ذلك فهل نطرحها رأساً أو نأخذ بها في المساحة التي يمكن الأخذ بها ؟ إنّ المتداول في كلماتهم هو الأخذ بها في المساحة الممكنة لا أنها تطرح رأساً، فمثلاً - على سبيل المثال دون الحصر - قضيّة حديث ( لا تعاد الصلاة إلا من خمسة أشياء ) فقد وقع الكلام في أن هذا الحديث يعمّ العامد أو لا ؟ قالوا هو لا يشمل العامد جزماً، ولماذا ؟ إنه إمّا لنكتة أن عدم الاعادة خلف كونها أجزاءً فإذا كان لا تعاد الصلاة لمن ترك الأجزاء عمداً فهذا خلف كونها أجزاءً، أو للانصراف مثلاً أو غير ذلك - وأنا الآن لست بصدد سبب ذلك - فبالتالي هم مسلّم عندهم أنه لا تعمّ العامد وهو لابد من إخراجه، وبقي الكلام بالنسبة إلى الناسي فهو لا إشكال في أنه نعمل بها إليه وهذا قدرٌ متيقن . يبقى الكلام بالنسبة إلى الجاهل فهل نعمل بها أو لا ؟ قال الشيخ النائيني(قده):- إن الجاهل لابد من إخراجه منها أيضاً لنكتةٍ ذكرها(قده)، وأما السيد الخوئي(قده) فقال:- نحن نفصّل بين الجاهل القاصر وبين الجاهل المقصّر، فالجاهل المقصّر خارجٌ من قاعدة لا تعاد والقاصر باقٍ تحتها[1] . إذن مبنى السيد الخوئي(قده) هو أن حديث لا تعاد يشمل الناسي والجاهل القاصر وأما المقصّر فقد خرج بالإجماع[2].
ونحن نقول:-  إن ظاهر الرواية وهو العموم، والشمول للعامد والجاهل المقصّر لا يمكن الأخذ به، وما يمكن الأخذ به - وهو الجاهل القاصر والناسي - ليس ظاهراً للحديث، فالحديث ليس له ظهورٌ في الجاهل القاصر والناسي، فما هو ظاهرٌ لا يمكن العمل به، وما يمكن العمل به ليس ظاهراً فيه، فعلى رأيه سوف لا نعمل بحديث لا تعاد، فإذا أراد أن يقول إنا لا نعمل بحديث لا تعاد فسيكون هذا فقهاً جديداً.
نعم قد أشرت في بعض الأبحاث السابقة أن عندي كلاماً في هذا المبنى - الذي يقول إنه إذا كان الظهور في العموم لا يمكن الأخذ به فنأخذ بالرواية في المساحة الممكنة - حيث قلت:- إذا فرض أن المعنى العام الكبير لا يمكن الأخذ به وتردّد الأمر بعد غض النظر عن ذلك المعنى العام بين معنيين أحدهما أوسع من الآخر فهل نأخذ بالأضيق الذي هو القدر المتيقن أو نأخذ بالمعنى الأوسع منه والذي هو أضيق بالنسبة إلى المعنى العام الوسيع ؟ فالذي يظهر من كلماتهم أنا نأخذ بالمعنى الأوسع لا بالقدر المتيقن، وأنا كنت أقول:- إنه بعد عدم إمكان الأخذ بذلك المعنى الأوّل الذي هو الظهور يتردّد الكلام بين هذين المعنيين اللذين أحدهما أوسع من الآخر فينبغي الاختصار على القدر المتيقّن ؛ إذ يعود مجملاً ولا نجزم بأن السيرة منعقدة على العمل بالمعنى الأوسع لكن بالتالي نعمل بالحديث لا أن نطرحه رأساً كما يريد السيد الخوئي(قده) هنا في مقامنا بل نأخذ به غايته في المجال الضيّق الذي هو القدر المتيقّن، فمثلاً في محلّ كلامنا بالنسبة إلى موثق سماعة فالمعنى الأول الذي هو العام الذي تعذّر هو شمولها للعامد والجاهل والناسي، فدار الأمر بين أن نعمل بها في المساحة الثانية - يعني في الجاهل والناسي معاً -  بعد تعذر المساحة الأولى وبين أن نأخذ بها بالمعنى الأضيق وهو خصوص الناسي لأن الناسي قدرٌ متيقّنٌ، فهل نعمل بها في خصوص الناسي الذي هو القدر المتيقن أو نعمل بها في الأوسع منه وهو الجاهل والناسي لا خصوص الناسي ؟ فكنت أقول:- إنّا نأخذ بالقدر المتيقّن - وهو العمل بالناسي - لا أنه نطرح الحديث رأساً ولا أن نعمل به في المساحة الأوسع - وهي الجاهل والناسي معاً - وهذا كلامٌ جانبي . والمهم لنا الآن هو أن السيد الخوئي(قده) ادعى في مقامنا أن المعنى العام إذا لم يمكن الأخذ به فيلزم نطرح الرواية رأساً، وهذا مخالفٌ لمبناه الفقهي ولمبنى غيره ويلزم منه تأسيس فقهٍ جديدٍ كما ذكرت.
وثالثاً:- إنه(قده) قال إن الرواية ناظرة إلى حيثية الفصل بين طواف الحج والسعي وليست ناظرة إلى حيثية مخالفة الترتيب، فهي نتفي الضرر وتثبت الصحّة من حيث الأوّل دون الحيث الثاني فلعله من الحيث الثاني تجب الاعادة . ثم ذكر قرينةً على أنها ناظرة إلى حيثيّة الفصل لا حيثيّة مخالفة الترتيب والقرينة هي أن السائل حينما طرح سؤاله قال هكذا:- ( رجل أتى بطواف الحج ثم طواف النساء ثم السعي ) فلو كان ناظراً إلى حيثيّة مخالفة الترتيب فكان من المناسب له أن لا يذكر طواف الحج بل فقط يقول:- ( رجل أتى بطواف النساء قبل السعي ) فحينما ذكر طواف الحج في سؤاله فهذا معناه أنه كان ناظراً إلى حيثيّة الفصل.
ويردّه:- إن طرح السؤال بهذه الصيغة وبتلك الصيغة كلاهما عرفيّ، فالإنسان العرفيّ إذا أراد أن يبيّن أنيّ قدّمت طواف النساء على السعي وخالفت الترتيب فكما يمكن أن يطرح ذلك بصيغة ( أتيت بطواف النساء قبل السعي ) من دون ذكر طواف الحج يمكنه أيضاً أن يعبّر بتلك الصيغة فيقول:- ( أتيت بطواف الحج ثم طواف النساء ثم السعي )، فهذه الصيغة عرفيّة مقبولة ولا ينبغي أن نحمّل السائل شيئاً فوق عرفيّته، فالسائل الذي يسأل الإمام عليه السلام هو عرفيّ، ونحن نرى أنفسنا أنه إذا أردنا أن نطرح السؤال فنطرحه بهذه الصيغة أيضاً - أي نقول ( أتى بطواف الحج ثم بطواف النساء ثم السعي ) - فهذا التعبير لا بأس به فهو صيغةٌ عرفيّةٌ أيضاً.
هذا مضافاً إلى أنه(قده) ذكر أن الإمام عليه السلام حينما حكم بالصحة حكم بها من ذلك الحيث دون الحيث الآخر - يعني حيثية مخالفة الترتيب - . وهذا شيءٌ مرفوضٌ فإن الإمام عليه السلام لو كان يحتاج إلى طواف النساء فمن المناسب أن يبيّن للسائل فيقول له ( صحيحٌ أنّه لا ضرر من ذلك الحيث لكن عليك أن تعيد طواف النساء لمخالفة الترتيب )، إلا اللهم أن تقول إنّ هذا شيءٌ مفروغٌ عنه ولذلك لم ينبّه الإمام عليه، وهذا شيءٌ بعيدٌ خصوصاً وأن الإمام عليه السلام قد عبّر بقوله ( وقد فرغ من حجّه ) يعني لا شيء عليه، إنّه لا يحتمل أن يكون المقصود أنه فرغ من ذلك الحيث لا من هذا الحيث، إن هذا شيء ليس عرفيّاً.
إذن الرواية لا ينبغي التأمل في دلالتها على معذورية الجاهل والناسي معاً ، فهي من البداية ليست شاملة للعامد ومختصّة بالجاهل والناسي ونعمل بها في الجاهل والناسي بلا حاجة حتى إلى الاحتياط، فهي تامّة السند والدلالة ولا يوجد إجماعٌ أو شهرةٌ على خلافها فالعمل على طبقها شيء وجيه.


[1]  ولذلك لو سألنا شخص بأنه لم يأتٍ به أو جاء به في الركعة الاولى فماذا أصنع ؟ نجيبه:- بأنه هل هو قاصر أو مقصّر ؟ فإن كان مقصّراً أعاد لأن حديث لا تعاد لا يشمله فنبقى نحن والقاعدة الأولية فإنه ترك جزءاً ومن ترك جزءاً فيلزمه أن يأتي بالعمل من جديد، وإذا كان قاصراً فلا يحتاج على الاعادة لشمول قاعدة لا تعاد له، وهكذا كل جزءٍ من الاجزاء غير الاركان كالقراءة لو كانت باطلة. هذا على رأي السيد الخوئي(قده).
[2] وقد يسأل البعض ويقول:- هل يوجد حكم ثبت بالإجماع أو بالعقل من دون وجود رواية أو آية تدل عليه ؟ نتمكن أن نقول:- إن أحد الامثلة هو هذا على رأي السيد الخوئي(قده)، فإن المستند  لخروجه عن القاعدة هو الإجماع لا غير فلا توجد رواية . وهناك مورد آخر وهو جهالة المبيع فإذا كان المبيع مجهولاً قال ببطلان البيع ومستنده ليس هو حديث لا غرر فإن حديث لا غرر باطلٌ عنده فهو ضعيف السند وإنما مستنده هو الاجماع . إذن هنا يوجد مثالان على رأي السيد الخوئي(قده) المستند فيهما هو الاجماع بلا آية أو رواية.
وهناك مثال للذي مدركه العقل – وأنت تأمل في ذلك فعله مثال باطل والسيد الشهيد(قده) في الفتاوى الواضحة قال لم أعثر على مثال للذي مستنده العقل فقط بلا رواية – وهو أنه يمكن أن نقول هو حرمة الفعل المتجرّى به كأن شرب مقطوع الخمريّة، وهو ليس بخمرٍ واقعاً، فيوجد كلامٌ في أن هذا الفعل – أي الشرب – هل هو حرام أولا ؟ فإذا قلنا بأنه حرام فهذه الحرمة ليس شرعيّة – أي هي  ليست من دليلٍ شرعي - وإنما هي حرمة عقليّة من باب قبح الفعل المتجرّى به.