32/10/26


تحمیل

الاستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

32/10/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الرواية الاولى:- صحيحة عبد الله بن سنان ( قال أبو عبد الله عليه السلام :- من وجب عليه فداء صيد أصابه وهو محرم فان كان حاجاً نحر هديه الذي يجب عليه بمنى وان كان معتمراً نحره بمكة قبالة الكعبة )[1] .

 الرواية الثانية:- رواية زرارة التي هي بمضمون صحيحة ابن سنان[2] , وقد ورد في سندها المعلى بن محمد وهو لم تثبت وثاقته بل ربما ضُعِّف ، فالتعبير عنها بالصحيحة في غير محله كما عبَّر بذلك السيد الخوئي(قده) ، ولكن هذا ليس بمهم بل تكفينا صحيحة ابن سنان.

 هذا بالنسبة الى روايات كفارة الصيد.

 ولأجل أن تتضح المعالم أكثر لابد من عرض الروايات الأخرى لنلاحظ هل يتغير الموقف بسببها أو لا ؟

 انه توجد روايتان واردتان في باب العمرة إحداهما لا يبعد نظرها الى العمرة المفردة والثانية لا يبعد نظرها الى عمرة التمتع وقد ذكرتا أن من وجب عليه كفارة في العمرة فمحلها مكة وان شاء فعل ذلك في منى أيضاً ، وهناك روايتان أخريان ناظرتان الى كفارة التظليل من دون أن تفصِّلا بين العمرة والحج ودلّتا على أن محل الهدي هو منى ، وهناك رواية واحدة لإسحاق بن عمار تدل على أن من وجب عليه دم في الحج أجزأه أن يذبحه عند أهله إذا لم يذبحه في مكة المكرمة ، وهناك روايتان تصلحان للتأييد دون الاستدلال باعتبار ضعف سندهما تدلان على أنه يجوز ذبح الحيوان عند الأهل ، ولعله توجد روايات أخرى ولكن المهم هذه الروايات.

 أما الروايتان الناظرتان الى العمرة فهما:-

 الرواية الأولى:- صحيحة منصور بن حازم ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كفارة العمرة المفردة أين تكون ؟ فقال:- بمكة إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها الى منى ويجعلها بمكة أحب اليَّ وأفضل)[3] .

 وهذه الرواية كما ترى واضحة في النظر الى العمرة المفردة ودلت على أن الموضع هو مكة إلا إذا أحب تأخيرها الى منى .

 وهناك إشكال جانبي ان عجزنا عن حله فلا مشكلة وهو:- انه ما دامت العمرة مفردة فلا يوجد فيها ذهاب الى منى فلا معنى لقوله ( إلا أن يشاء صاحبها يؤخرها الى منى )

 وقد تقول في الجواب:- ان المقصود هو أنه إلا أن يشاء أن يفعلها في مكان آخر هو منى كما إذا أراد الذهاب لأجل الاطلاع والبركة ، فإذا أحب الذهاب الى منى بعد العمرة ولو للاطلاع يجوز له أن يؤخر ذبح الكفارة إليها.

 وهو شيء جيد ولكن لا معنى للتعبير بالتأخير وإنما كان المناسب أن يعبر بـ( إلا أن يشاء فعلها في منى ) فان التعبير بالتأخير لا مجال له بعد ما فرض أن منى ليست من الأماكن التي يذهب إليها المعتمر بالعمرة المفردة ، وسواء حل الإشكال أو لا فانه لا يؤثر على الاستدلال بالرواية فانها قد دلت بوضوح على أن موضع ذبح الكفارة ليس هو الأهل وإنما هو مكة.

 الرواية الثانية:- صحيحة معاوية بن عمار ( قال أبو عبد الله عليه السلام......... وسألته عن كفارة المعتمر أين تكون ؟ قال:- بمكة إلا أن يؤخرها الى الحج فتكون بمنى وتعجيلها أفضل وأحب اليَّ )[4] .

 وصدر هذه الرواية وان كان مطلقاً فان السؤال عن كفارة المعتمر أين تكون ؟ فهي تعم العمرة المفردة وعمرة التمتع ، ولكن بقرينة الجواب لا يبعد نظرها الى خصوص عمرة التمتع حيث قال عليه السلام ( إلا أن يؤخرها الى الحج ) فان الحج يكون بعد عمرة التمتع ولا يكون بعد العمرة المفردة فان العمرة المفردة قد يأتي بها المكلف ويرجع الى أهله من دون حج فالتعبير بالبعد قد يوحي باختصاص الرواية بعمرة التمتع ، وهي قضية ليست بمهمة.

 والنتيجة:- انه في كلتا العمرتين يكون موضع الكفارة هو مكة المكرمة وليس الأهل.

 وينبغي الالتفات الى أن مضمون هاتين الروايتين يتنافى ما عليه المشهور ، فان المشهور قال ان موضع ذبح الكفارة في العمرة هو مكة المكرمة بينما هاتان الروايتان دلتا على التخيير وعدم تعيُّن مكة المكرمة فهما تتنافيان مع ما عليه المشهور.

 هذا بالنسبة الى روايتي العمرة.

 وأما الروايتان الناظرتان الى كفارة التظليل التي هي محل الابتلاء من دون تشخيص أن ذلك في إحرام الحج أو إحرام العمرة فهما لمحمد بن إسماعيل بن بزيع وهما:-

 الرواية الاولى:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الظل للمحرم من مطر أو شمس ، فقال:- أرى أن يفديه بشاة ويذبحها بمنى )[5] انها دلت على أن موضع كفارة التظليل هو منى من دون تفصيل بين إحرام الحج وإحرام العمرة.

 وقد يقول قائل:- ان هذه الرواية لا تدل على تعين الموضع أنه منى لأنه عليه السلام قال ( أرى أن يفديه بشاة ويذبحها بمنى ) وهذا لا يدل على الإلزام.

 والجواب:- انه لو تم هذا فبالتالي لا يوجد لدينا دليل يدل على أن كفارة التظليل يجوز ذبحها عند الأهل ، فحتى إذا لم تدل على الإلزام فهذا لا ينفع بعد عدم وجود رواية تدل على أن كفارة التظليل يجوز ذبحها عند الأهل ، وإنما هذا ينفع إذا كانت توجد رواية تدل على جواز ذبح كفارة التظليل عند الأهل فهذه سوف لا تكون معارضة لها ، يعني ان التعبير بـ( أرى ) لا يكون موجباً للمعارضة ، ولكن نحن ليس لدينا دليل يدل على ان كفارة التظليل يجوز ذبحها عند الأهل حتى يكون زعزعة هذا الظهور نافعاً في رفع المعارضة.

 الرواية الثانية:- عن الرضا عليه السلام ( سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع ، فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى )[6] ، وهي من حيث الدلالة كسابقتها فانها تدل على أن موضع ذبح كفارة التظليل هو منى وتلك الدغدغة السابقة قد تأتي هنا أيضاً ، فانه هناك عبَّر بكلمة ( أرى ) وربما يقال انها لم تدل على الوجوب والتعيُّن وهنا لم تصدر صيغة الأمر من الإمام عليه السلام وهذه نكتة ظريفة وقد أشرنا إليها أكثر من مرة فالإمام عليه السلام لم يقل ( عليك ان تذبحها بمنى ) أو ( اذبحها بمنى ) وإنما الراوي قال ( فأمره ان يفدي شاة ويذبحها بمنى ) فالإمام أمر الشخص والراوي نقل أمر الإمام ولم ينقل تلك الصيغة التي صدرت منه ولعلها نحو صيغة يستفاد منها الاستحباب ، فان الأمر الاستحبابي هو أمرٌ أيضاً ، فحينما قال الراوي ( أمر الإمام ) فهو لا يدل على خصوص الوجوب ، وهذه نكتة ظريفة وعلى أساسها ينبغي التفصيل بين ما إذا كان الصادر من الإمام عليه السلام نفس الصيغة بأن قال ( اذبحها في منى ) فهذا يدل على الوجوب ، وبين ما إذا لم تنقل الرواية نفس الصيغة وان نقلت صدور الأمر من الإمام من دون تشخيص صيغة الأمر فهنا قد يشكل استفادة الوجوب ويقال ان هذا التعبير كما يلتئم مع كون الصادر صيغة تدل على الوجوب كذلك يلتئم مع كون الصادر صيغة تدل على الاستحباب إذ كلاهما أمر وهنا لم تشخص الصيغة فلا يمكن استفادة اللزوم . وعليه فقد يدغدغ في دلالة هذه الرواية على لزوم الذبح في منى.

 ولكننا قلنا ان هذه الدغدغة تنفع لو كان لدينا رواية أخرى تدل على جواز ذبح كفارة التظليل في مكان آخر فانه آنذاك ترتفع المعارضة.

 بقيت عندنا الرواية الواحدة التي تدل على جواز الذبح عند الأهل فهي موثقة إسحاق بن عمار ، وهي ما رواه الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن صفوان عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( قلت له:- الرجل يخرج من حجه وعليه شيء يلزمه فيه دم يجزيه أن يذبح إذا رجع الى أهله ؟ فقال:- نعم ، وقال فيما أعلم:- يتصدق به )[7] .

[1] الوسائل 13 95 49 كفارات الصيد ح1.

[2] المصدر السابق ح2.

[3] المصدر السابق ح4.

[4] الوسائل 14 89 4 من أبواب الذبح ح4.

[5] الوسائل 13 154 6 بقية كفارات الإحرام ح3.

[6] المصدر السابق ح6.

[7] الوسائل 13 97 50 كفارات الصيد ح1.