32/10/27


تحمیل

الاستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

32/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 هذا وقد نقلها صاحب الوسائل ثانية عن الشيخ الكليني(قده) عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار - والسند معتبر - عن أبي عبد الله عليه السلام ( قلت له الرجل يخرج - وكتب في الهامش "يجترح " - من حجته شيئاً يلزمه منه دم يجزيه أن يذبحه إذا رجع الى أهله ؟ فقال:- نعم ، وقال فيما أعلم:- يتصدق به ، قال إسحاق:- وقلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يخرج من حجته ما يجب عليه الدم ولا يهريقه حتى يرجع الى أهله ، قال:- يهريقه في أهله ويأكل منه الشيء )[1] ، وظاهر هذه الرواية أن إسحاق بن عمار سأل الإمام الصادق عليه السلام مرة وسأل الإمام الكاظم عليه السلام مرة أخرى عن نفس عن هذه المسالة والجواب كان نفس الجواب وبنفس الألفاظ ، وهذه قضية ليست مهمة ، وإنما الذي نريد التأكيد عليه هو أن بعض ألفاظ هذه الرواية يختلف عن ألفاظ نقل الشيخ الطوسي(قده) وهذا ربما يؤثر فيما يأتي فانتظر.

 وعلى أي حال ان هذه الموثقة دلت على أنه إذا كان على الحاج دم فيجزيه ان يذبحه عند أهله ، ولكنها مختصة بالحج.

 هذا بالنسبة الى الروايات المعتبر.

 وأما الروايتان اللتان تصلحان للتأييد باعتبار ضعف سندهما فهما:-

 الاولى:- مرسلة أحمد بن محمد التي رواها الشيخ الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام ( من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء إلا فداء الصيد فان الله عز وجل يقول هدياً بالغ الكعبة )[2] ودلالتها واضحة وتعم الحج والعمرة معاً ، ولكنها ضعيفة السند من جهات ويكفي الإرسال عن بعض رجاله.

 والثانية:- رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام ( لكل شيء خرجت جرحت من حجك فعليه فعليك فيه دم تهريقه حيث شئت )[3] فانها دلت على أن المكلف إذا خرج من حجه وعليه دم جاز له ذبحه حيث شاء ، ولكنها ضعيفة السند من ناحية عبد الله بن الحسن الوارد في الطريق.

 هذا هو مهم روايات المسالة.

 وهناك رواية أخرى أجنبية عن المقام ولكن قد يتوهم ارتباطها به بادئ ذي بدء وهي موثقة أخرى لإسحاق بن عمار ونصها ( ان عبَّاد البصري جاء الى أبي عبد الله عليه السلام وقد دخل مكة بعمرة مبتولة[4] وأهدى هدياً فأمر به فنحر في منزله بمكة ، فقال له عبَّاد:- نحرت الهدي في منزلك وتركت أن تنحره بفناء الكعبة وأنت رجل يؤخذ منك ؟ فقال له:- ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله نحر هديه بمنى في المنحر وأمر الناس فنحروا في منازلهم وكان ذلك موسعاً عليهم فكذلك هو موسع على من ينحر الهدي بمكة في منزله إذا كان معتمراً )[5] ، وهي كما ترى أجنبية عن المقام فان كلامنا في كفارة الإحرام وهذه ليست ناظرة الى ذلك بل الى من ساق هدياً والإمام عليه السلام ذكر أنه يجوز ذبحه في مكة وهذا لا يرتبط بالمقام.

 نعم يبقى هذا الهدي ما هو والحال أن هذه عمرة مفردة وهي ليس فيها هدي ؟ إلا أن هذه قضية جانبية ليست مهمة ، والمهم هو أنها لم تكن ناظرة الى كفارة الإحرام ، فلا ينبغي عد هذه الرواية من روايات المقام وإنما ذكرناها لدفع الوهم لا أكثر .

 هذا كله بالنسبة الى روايات المقام.

 وبعد هذا نرجع الى صلب الموضوع فنقول:- الكلام تارة يقع في كفارة الصيد وأخرى في كفارة غيره:-

 أما كفارة الصيد:- فقد ذكرنا أن الأصحاب لم يعرف خلاف بينهم في التفصيل بين أن يكون الاصطياد في إحرام العمرة فالجزاء يذبح في مكة وبين أن يكون في إحرام الحج فيذبح في منى ، هذا هو المعروف بين الأصحاب ، وادعى صاحب المدارك عدم الخلاف ولكننا نقلنا عن صاحب الحدائق أنه تعجب وذكر أن العلامة قد نقل الخلاف في المختلف ، وهذا ليس شيئاً مهماً ، وإنما المهم هو مستند ذلك وهو الروايتان السابقتان أعني صحيحة عبد الله بن سنان ويؤيدها رواية زرارة فان صحيحة ابن سنان قالت ( من وجب عليه فداء صيد أصابه وهو محرم فان كان حاجاً نحر هديه الذي يجب عليه بمنى وان كان معتمراً نحره بمكة قبالة الكعبة ).

 وأما الآية الكريمة فهي لم تفصِّل بين إحرام الحج وإحرام العمرة فلذلك تمسكنا بالرواية فانها توضح الآية الكريمة.

 ولا يوجد لهاتين الروايتين معارض فان روايتي العمرة هما مطلقتان فأنهما وان دلتا على أن من وجب عليه دم في العمرة فهو مخير بين الذبح في منى أو في مكة والأفضل هو مكة ولكنهما مطلقتان من حيث كون الكفارة كفارة صيد أو كفارة غيره فتصير صحيحة ابن سنان مخصصة لهاتين الروايتين ، أي هو مخير في غير كفارة الصيد وأما فيها فيلزمه ان كان ذلك في إحرام الحج الذبح في منى وان كان في العمرة ففي مكة المكرمة . إذن لا معارضة.

 وهكذا الحال بالنسبة الى موثقة إسحاق بن عمار الواردة في الحج فانها دلت على جواز الذبح عند الأهل فانها مطلقة أيضاً فتقيد بغير كفارة الصيد.

 إذن صحيحة ابن سنان الواردة في كفارة الصيد حيث أنها أخص مطلقاً من روايتي العمرة وهكذا أخص مطلقاً من موثقة إسحاق فتصير مقيدة لهذه الروايات بغير جزاء الصيد.

 والنتيجة فنياً سوف تتلاءم مع ما عليه المشهور .

 ونسب صاحب الحدائق[6] الى الأردبيلي(قده) أنه قال لا يلزم ذبح كفارة الصيد في مكة أو في منى بل يجوز في موضع الإصابة ، فلو أصاب صيداً في إحرام العمرة وقد تجاوزها الى مكة فيجوز له ذبح الجزاء في موضع الإصابة ولا ينتظر وصوله الى مكة المكرمة ، هكذا نُسب إليه ، وتمسك لذلك ببعض الروايات الأخرى التي لم نقرأها ولكن حيث أن المسألة ليست ابتلائية وحذراً من التطويل لا نتعرض الى ذلك.

 وأما كفارة غير الصيد:- " والمهم هو كفارة التظليل التي هي محل الابتلاء في زماننا " فقد قلنا ان المشهور لم يفرقوا بين كفارة الصيد وبين كفارة غيره ، فلو كان مذاقنا حجية ما عليه المشهور لأخذنا بما عليه المشهور وكان ذلك بنفسه دليلاً ومدركاً ونهجر الروايات ، ولكن حيث أنه لم تثبت حجية فتوى المشهور فلا بد من ملاحظة ما يقتضيه المدرك الآخر.

 والكلام تارة يقع في الحج وأخرى في العمرة:-

 أما بالنسبة الى الحج:- فمقتضى موثقة إسحاق بن عمار جواز ذبح الحيوان عند الأهل ولا يتعين في مكة أو منى ولكن قد يشكل بأن الرواية المذكورة ناظرة الى العاصي ، فصحيح هي قالت يجزئه أن يذبح عند أهله ولكن قالت ذلك بعد فرض أن المكلف قد عصى ولم يذبح في مكة أو في منى فقالت بعدما حصل العصيان منه ( يجزيه أن يذبح عند أهله ) فهي لا تدل على أن المكلف مخير من البداية بل يمكن الجمع بينها وبين ما دل على أن الواجب هو الذبح بمنى بما إذا عصى ووصل الى أهله فانها عبرَّت هكذا ( قلت له الرجل يخرج من حجه وعليه شيء يلزمه فيه دم يجزيه أن يذبح إذا رجع الى أهله ) فالسؤال عن الاجزاء بعد أن عصى ورجع الى الأهل ، هكذا قد يقال.

[1] الوسائل 14 90 في أبواب ذبح الهدي ب5 ح1.

[2] الوسائل 13 96 49 كفارات الصيد ح3.

[3] الوسائل 13 158 8 بقية كفارات الإحرام ح5.

[4] مبتولة يعني مقطوعو عن الحج أي عمرة مفردة.

[5] الوسائل 13 99 52 كفارات الصيد ح1.

[6] الحدائق 15 331 .