33/01/16


تحمیل
 والجواب:- ان هذا يمكن استفادته من الروايات المتقدمة ، فانه بعد أن سُئل الإمام عليه السلام عن المرأة إذا حاضت قبل الركعتين وأجاب بأنها ليس عليها شيء إذا طهرت إلا الركعتين فهذا معناه أنها تواكب وتأتي بأفعال العمرة عند ضيق الوقت فان هذه حالة ابتلائية فلابد للإمام أن يتعرض إلى وظيفة المرأة المذكورة وسكوته عن بيان ذلك يفهم منه أنه ينبغي لها أن تأتي بأفعالها بالشكل الطبيعي وتؤجل الركعتين إلى ما بعد الطهر ، ولو كان يجب عليها شيء آخر - أعني الانتقال إلى حج الإفراد أو إعادة الطواف من جديد قبيل طواف الحج مثلاً - لكان عليه بيان ذلك .
 إذن سكوته يمكن ان نفهم منه أنه ليس عليها إلا أداء الركعتين ، ويمكن أن نصطلح على هذه الطريقة بـ(الإطلاق المقامي ) والأمر سهل من هذه الناحية فسواء صحت هذه التسمية أم لا فذلك شيء ليس بمهم والمهم هو أن سكوت الإمام عن كيفية الأفعال والاقتصار على الإتيان بالركعتين إذا طهرت يمكن أن يفهم منه أنها تأتي بالأفعال بشكلها الطبيعي.
 نعم قد تعترض على ما ذكرناه وتقول:- ان هذا وجيه لو فرض أن الإمام عليه السلام كان بصدد بيان تمام الوظيفة في حق المرأة المذكورة ، ولكن لِمَ لا نقول بأنه بصدد بيان هذا المقدار - أعني أن اختلال الموالاة بين الطواف وركعتيه لا يضر في مثل هذه الحالة - أما انه إذا كان الوقت ضيقاً فتاتي بالأفعال بشكلها الطبيعي فهو ليس في مقام البيان من ناحيته وقد غُضَّ النظر عن ذلك.
 ولكن الجواب هو:- ان هذا تضييق على النفس بلا موجب ، فنسلم أن الإمام عليه السلام هو بصدد بيان أن اختلال الموالاة لا يؤثر في المقام أما أنه بصدد بيان هذا المقدار فقط لا أكثر بحيث أن الإمام أجنبي عن بيان ما تفعله المرأة في هذه الحالة فهذا شيء لا نسلمه بل هو في مقام بيان هذا وذاك ، فلا موجب للتوقف من هذه الناحية.
 بل يمكن أن نصعد اللهجة ونقول:- حتى إذا كان الوقت وسيعاً ويمكنها الانتظار إلى أن تطهر فتاتي بالركعتين ثم بالسعي والتقصير ثم بأفعال الحج ولكن يمكن أن نفهم من الروايات المذكورة أنها تؤخر الركعتين في الحالة المذكورة إلى ما بعد الطهر أما بقية الأفعال فتاتي بها بشكلها الطبيعي ، إذ لو كان يجب عليها تأخير ذلك لكان على الإمام عليه السلام أن يشير إلى إليه ويقول إذا طهرت تأتي بالركعتين وبالسعي وبالتقصير وباقي الأفعال للحج لا أنها تأتي بالسعي والتقصير قبل ذلك ، ان هذا يحتاج إلى بيان ، فسكوت الإمام عنه واقتصاره على أن الواجب عليها هو تأخير الركعتين إلى حالة الطهر يمكن أن يفهم منه أنها تأخذ بسيرها الطبيعي حتى في حالة سعة الوقت ، ولعله هذا هو مقصود العلامة(قده) على ما نقل صاحب المدارك(قده) حيث قال( ولو حاضت بعد الطواف وقبل صلاة الركعتين فقد صرح العلامة وغيره بأنها تترك الركعتين وتسعى وتقصر فإذا فرغت من المناسك قضتهما واستدل عليه في المنتهى بما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني ، وفي الدلالة نظر وفي الحكم إشكال والله تعالى أعلم ) [1] فان قول العلامة بأنها ( تترك الركعتين وتسعى وتقصر فإذا فرغت من المناسك قضتهما ) يمكن أن يفهم منه أن مقصوده هو أنها تفعل ذلك حتى إذا كان الوقت وسيعاً ولا تنتظر إلى ما بعد الطهر فان الانتظار المذكور نحتاج إليه لأداء الركعتين فقط ، فلعل مقصود العلامة هو هذا ولكنه لم يصرح به . وصاحب المدارك(قده) أشكل عليه بأن هذه الاستفادة مشكلة .
 ولكن قد اتضح من خلال بياننا أن ما أفاده العلامة(قده) وجيه تمسكاً بالبيان المتقدم.
 نعم إذا أرادت الاحتياط فماذا تصنع ؟ إنها تأتي بالسعي والتقصير وصلاة ركعتين إذا طهرت وكان الوقت وسيعاً وهذا احتياط واضح ، أما إذا كان الوقت ضيقاً فتاتي بالسعي والتقصير قبل الطهر وبعد أن تطهر تأتي بالركعتين ثم تعيد الطواف من جديد مع الركعتين فان هذا احتياط كامل ، واحتمال عدولها إلى حج الإفراد ليس بموجود فان العدول يحتاج إلى مثبت وهو مفقود.
 
 
 مسالة ( 293 ):- إذا طافت المرأة وصلت ثم شعرت بالحيض ولم تدر أنه كان قبل الطواف أو قبل الصلاة أو في إثنائها أو أنه حدث بعد الصلاة بنت على صحت الطواف والصلاة ، وإذا علمت أن حدوثه كان قبل الصلاة وضاق الوقت سعت وقصرت وأخرت الصلاة إلى أن تطهر وقد تمت عمرتها.

 تشتمل المسالة على فرعين:-
 الفرع الاول:- لو أنهت المرأة صلاتها وبعد ذلك علمت بأن الدم قد نزل عليها ولكن احتملت أن نزوله بعد إتمام الطواف والصلاة وفي نفس الوقت احتملت أنه قبل ذلك - أي إما أثناء الصلاة أو قبل الطواف أو في أثناءه - وفي هذه الحالة تبني على صحة الصلاة والطواف.
 الفرع الثاني:- إذا فرض أنها علمت أن نزوله قبل الصلاة وبعد إكمال الطواف فعليها في حالة ضيق الوقت أن تسعى وتقصر وتنتظر بالركعتين إلى ما بعد الطهر.
 وهذا الفرع الثاني تكرار لما أفاده(قده) في المسالة السابقة ولا داعي إلى ذكره ، والأنسب حذفه والاقتصار على الفرع الاول.
 إذن الكلام يقع في الفرع الاول ، يعني إذا أنهت الصلاة وعلمت بنزول الدم ولا تدري متى نزل فأنها تبني على صحة الصلاة والطواف ، والوجه في ذلك أمران:-
 الأمر الاول:- التمسك بالاستصحاب ، بمعنى أنها تجزم سابقاً أنها كانت طاهرة وتشك هل أن الطهر استمر إلى ما بعد الصلاة أو لا فتستصحب بقاءه إلى ما بعد ، وبذلك يثبت صحة الصلاة والطواف.
 ان قلت:- ان هذا معارض باستصحاب عدم فعل الطواف والصلاة حالة الطهر ، بمعنى أنها لم تؤد الطواف والصلاة سابقاً - قبل ساعة أو ساعتين - وتشك هل أنها أدتهما حالة بقائها طاهرة أو بعد أن زال الطهر فتستصحب عدم وقوعهما إلى أن انتهت حالة الطهر وبذلك يثبت أنها قد أدتهما حالة الحيض.
 قلت:- ان هذا أصل مثبت ، إذ غاية ما يثبت بهذا الاستصحاب هو أنها لم تؤد الصلاة حالة الطهر ، أما أنها أدتها حالة الحيض الذي هو موضوع البطلان فهذا لا يثبت إلا بالملازمة وهي هنا ليست شرعية إذ لا يوجد نص يقول إذا لم تؤد المرأة العمل حالة الطهر فقد أدته حالة الحيض وإنما هي ملازمة عقلية أو عادية . إذن هذا الأصل مثبت فيبقى الأصل الاول بلا معارض فيجري وبه تثبت صحت الصلاة والطواف.
 ولكن يوجد سؤالان:-
 السؤال الاول:- انه قد ذكر أنا نستصحب بقاء الطهر إلى حالة الفراغ من الصلاة أَوَليس يُحتمل أن موضوع الصحة هو أن تقع الصلاة حالة الطهر لا مجرد بقاء الطهارة إلى نهاية العمل لا مجرد أن الطهارة باقية إلى ما بعد الصلاة ، فإذا كان الموضوع هو هذا فهو لا يثبت بالاستصحاب المتقدم إلا بالأصل المثبت ؟
 والسؤال الثاني:- لماذا قلنا ان موضوع البطلان هو وقوع الصلاة حالة الحيض ؟ ولِمَ لم نقل انه يكفي في البطلان عدم وقوع الصلاة حالة الطهر ؟ وبناءاً على هذا لا يكون الاستصحاب الثاني أعني المعارض لا يكون مثبتاً ؟


[1] المدارك 7 183 .