33-11-27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 النقطة الخامسة:- لا يكفي النتف عن التقصير ، بمعنى أنه لو فرض أن المكلف نتف شعره بحيث أزاله بالسحب وقطعه من جذوره - ولكن لا من البصلة بل من فوق ذلك - فهذا لا يكفي عن التقصير باعتبار أن التقصير مفهومٌ يغاير النتف فإن التقصير يكون قطعاً من الوسط بينما النتف يكون من أصل الشعر.
 ومحل الكلام ينبغي أن يكون فيما إذا لم يصدق عنوان الحلق بأن نتف قسماً من رأسه ما إذا نتف كل رأسه أو نصفه مثلاً فلعله يصدق حينئذ عنوان الحلق.
 وقد ذهب العلامة(قده) في المنتهى على ما جاء في الحدائق كفاية النتف باعتبار أن المقصود الأساسي هو إزالة الشعر وبالنتف يتحقق ذلك ونص عبارة العلامة هكذا ( لو قصّ الشعر بأي شيءٍ كان أجزأه وكذا لو نتفه أو أزاله بالنورة لأن القصد الإزالة والأمر ورد مطلقاً فيجزي كل ما يتناوله الإطلاق ... ) [1] ولم يناقش صاحب الحدائق ما ذكره العلامة بل يظهر من خلال تعليقه أنه يؤيده في ذلك ، بل وربما يظهر ذلك من صاحب الحدائق ايضاً حيث قال في الجواهر ( وقال الصادق عليه السلام أيضاً في صحيح معاوية بن عمار " ليس في المتعة إلّا التقصير " إلى غير ذلك من المعتبرة المستفيضة التي مقتضاها كإطلاق الأكثر الاجتزاء بتحقق مسمّاه بالإزالة للشعر أو الظفر بحديدٍ أو نتفٍ أو قرضٍ بالسن أو نحو ذلك ) [2] .
 وعلى أي حال ربما يظهر من هؤلاء الأعلام وغيرهم كفاية النتف باعتبار أن المقصود هو الإزالة وهي تتحقق بالنتف.
 والإشكال على هذا المطلب واضح لو بين بهذا المقدار والشكل إذ يمكن أن يقال:- إن عنوان التقصير يغاير عنوان النتف فالتقصير هو قطع لا من الأساس بل من الوسط مثلاً بينما النتف هو إزالة من الأساس ودعوى أن المقصود الأساسي هو الإزالة كيفما اتفق عهدتها على مدَّعيها.
 ولكن قد يبين المطلب بصيغة أخرى أكثر فنّيّة وذلك بأن يقال:- صحيح أن الروايات قد اعتبرت عنوان التقصير وقال بعضها ( ليس في المتعة إلّا التقصير ) ولكن هذا العنوان إنما أخذ في مقابل الحلق ، يعني يراد أن يقال ( لا يجوز الحلق ) فإن الحلق هو وظيفة المحرم في الحج وأما في عمرة المتع فالوظيفة هي التقصير . إذن التقصير قد أخذ في مقابل الحلق ، وإذا سلمنا بهذا فحينئذ يكون الذي يضر ولا يجوز هو عنوان الحلق اما إذا فرض أن بقعةً صغيرة من الرأس - بقدر سنتيمتر مربع مثلا - نتفت الشعر منها أو من اللحية فلا يصدق عنوان الحلق ولا يقال ( قد حلق ) ففي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال إن مثل هذا لا يضرّ لأنه لا يصدق عليه عنوان الحلق والتقصير قد جعل في مقابل عنوان الحلق.
 وهذا المقدار لا يكفي لإثبات جواز النتف بل هو أشبه بنفي المانع من النتف ولكن نفي المانع بمجرده من دون وجود مقتضٍ للصحة لا يكفي فلابد إذن من أن تثبت أن هذا المقدار يكفي ويجزي ومجرد أنه لا يصدق عليه عنوان الحلق لا يثبت الاجزاء فلذلك نحتاج إلى ضمّ مقدمة وذلك بأن يقال:- إنه قد ورد في بعض الروايات مثل صحيحة معاوية بن عمار قول ( وخذ من شاربك ) فإنه عليه السلام عبرّ بكلمة الأخذ وعنوان الأخذ يصدق على النتف بالمقدار الذي أشرنا إليه فحينئذ يكون مشمولاً لإطلاق ( خذ من شاربك ) الوارد في صحيحة معاوية . إذن نحن ألغينا خصوصيته عنوان التقصير بما تقدم - أي بما أشرنا إليه من أنه ذكر في مقابل الحلق - وأما المثبت والمقتضي لإجزاء النتف وكفاتيه عند زوال المانع هو صحيحة معاوية حيث ورد فيها ( خذ من شاربك ) فالمقتضي ثابت والمانع مفقود فيثبت بذلك كفاية الأخذ ولو بالنتف مادام لا يصدق عنوان الحلق.
 نعم قد تقول:- هذا بيان وجيه وصناعي ولكن غاية ما يثبت هو أنه يجوز ذلك في الشارب - أي يكتفي بالنتف - ولا يثبت أنه جائز في الرأس أو في اللحية.
 قلت:- إذا ثبت الجواز في الشارب ثبت في اللحية والرأس باعتبار أنه لا نحتمل ولا يحتمل فقيه الخصوصية للشارب فيثبت التعميم . إن هذا بيان فنّيّ يغاير ما تمسك به العلامة(قده) وغيره ، نعم يبقى الاحتياط شيء جيّد.
 والنتيجة:- إنه قد اتضح من خلال هذا أن كفاية النتف في عمرة التمتع شيء وجيه وان كان الاحتياط يقتضي التقصير.
 تبقى أمور ثلاثة:-
 الأمر الأول:- هل يلزم أن يكون التقصير بالآلة الخاصة - يعني المقص - ؟ فإن هذه قضية كان من المناسب أن يشير إليها السيد الماتن(قده).
 والجواب:- المناسب أن يقال بكفاية كل وسيلة للقطع دون الوسيلة الخاصة - أي المقص - وقد ذهب إلى ذلك غير واحد من الفقهاء كالعلامة في عبارته المتقدمة وصاحب الجواهر وغيرهم والوجه في جواز ذلك هو التمسك بالإطلاق فإن الروايات أمرت بالتقصير ولم تقيّد وتقول ( قصِّر بالمقص ) وعلى هذا الأساس يثبت جواز التقصير بأي وسيلة تمسكاً بالإطلاق بلا حاجة إلى دليل خاص ولعل السيد الماتن(قده) لم يشر إلى ذلك لوضوح المطلب.
 وربما يُؤيَّد - أو يُؤكَّد - كفاية مطلق الآلة ببعض الروايات الخاصة من قبيل صحيحة الحلبي فانه جاء فيها أن زوجته قرضت بعض شعرها بأسنانها وهذا يدل على كفاية مطلق التقصير وإن لم يكن بالآلة الخاصة ، ومن قبيل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن متمتع قرض أظفاره وأخذ من شعره بمشقص [3] ، قال:- لا بأس ليس كل أحدٍ يجد جَلَماً [4] ) فإنه قد يستفاد من هاتين الروايتين جواز القطع والتقصير بأي وسيلة كانت.
 ولكن يمكن أن يقال:- إن موردهما حالة الضرورة وفقدان المقص وكلامنا أعم من ذلك فإن كلامنا فيما لو فرض أن المكلف كان معه مقص ولكن لا يريد أن يقص فيه بل أراد أن يقطع بعض شعر لحيته بأسنانه مثلاً في حالة الاختيار وهاتان الروايتان لا تدلان على الجواز في حالة الاختيار فلذلك التمسك بهما في حالة الاختيار أمر مشكل ويبقى المستند لإثبات الجواز في حالة الاختيار هو الإطلاق.
 الأمر الثاني:- ما هو المقدار الذي يكتفى به في تحقق التقصير؟
 والجواب:- نقل صاحب الحدائق(قده) [5] عن منتهى العلامة أنه يكفي المسمى ولو بقطع شعرات ثلاث وعلّل ذلك بقوله ( لأن الامتثال يحصل به فيكون مجزئاً ) ، وعلّق صاحب الجواهر قائلاً ( إن كفاية هذا المقدار إن تم إجماع عليه فبها وأما إذا لم يقم إجماع على كفاية ذلك فهو محلّ نظر للشك في تحقق مسمّاه بذلك ) [6] أي في الشك في تحقق مسمّى التقصير بقطع ثلاث شعرات.
 وللتعليق على هذا المطلب نقول:- إن القضية ترجع إلى العرف من هذه الناحية والفقيه حينما يدخل للتحديد يدخل بما هو إنسان عرفي فمتى ما صدق عرفاً أن فلاناً قد قصّر كفى ولو بثلاث شعرات - ولو بشعرة - وإذا لم يصدق فلا يكفي ، وأما إذا شك بأن رجعنا إلى العرف وهو تردد فهل يكفي أو لابد من مجموعة من الشعر بحيث نجزم أن التقصير صادق ؟ المناسب هو الاشتغال لأنّا أمرنا بعنوان التقصير ونحن نشك في أنه هل تحقق بقطع ثلاث شعرات أو لا وحيث أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فالمناسب قطع كميّة يُجزَم معها بتحقق عنوان التقصير.
 الأمر الثالث:- هل يلزم في التقصير أن يكون على المروة أو يكفي في مطلق مكة أو لا يلزم حتى أن يكون في مكة بل يكفي في مطلق الأرض ؟
 والجواب:- نقل صاحب الحدائق(قده) [7] أن الشهيد في الدروس اعتبر أن يكون في مكة المكرمة ولكن لا يلزم أن يكون على المروة وإنما يستحب ذلك عليها.
 وعلى أي حال المناسب هو الجواز مطلقاً فإن ما دل على اعتبار التقصير لم يقيد بأن يكون على المروة ولا في مكان معين ، وقد يساعد عليه أيضاً صحيحة الحلبي المتقدمة فان زوجة الحلبي حينما قرضت شعرها بأسنانها إنما فعلت ذلك في المنزل فيثبت بذلك أن عنوان المروة ليس بلازم.
 أجل قد يناقش التمسك بها باعتبار أنها تحكي عن حالة ضرورة ولعله في حالة الضرورة جاز ما لا يجوز في غيرها ففي غير حالة الضرورة يلزم مثلاً أن يكون التقصير على المروة وأما في الضرورة فيجوز في غيرها ، فهذه الرواية لا تنفعنا بشكل مطلق والمهم الذي ينفعنا هو التمسك بإطلاق أدلة التقصير فانه ينفي عنوان المروة بل ينفي عنوان مكة المكرمة أيضاً ، وسيأتي تتمة هذا الحديث عن هذا الأمر في المسألة ( 353 ) حيث يتعرض السيد الماتن(قده) إلى ذلك.


[1] الحدائق 16 298.
[2] الجواهر 20 450.
[3] والمشقص:- على ما جاء في مجمع البحرين كمنبر نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض.
[4] والجَلَم:-على ما جاء في مجمع البحرين ما يجز به الشعر والصوف كالمقص.
[5] الحدائق 16 297.
[6] الجواهر 20 451.
[7] الحدائق 16 300.