جلسة 95

مفطرات الصوم

مسألة 1004: يكره للصائم ملامسة النساء وتقبيلها وملاعبتها إذا كان واثقاً من نفسه بعدم الإنزال، وإن قصد الإنزال كان من قصد المفطر، ويكره له الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق كالصبر والمسك، وكذا دخول الحمام إذا خشي الضعف، وإخراج الدم المضعف، والسعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق، وشمّ كل نبت طيّب الريح، وبل الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في الماء، والحقنة بالجامد، وقلع الضرس بل مطلق إدماء الفم، والسواك بالعود الرطب، والمضمضة عبثاً، وإنشاد الشعر إلاّ في مراثي الأئمّة ـ عليهم السلام ـ ومدائحهم، وفي الخبر: «إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا ولا تغتابوا، ولا تماروا، ولا تكذبوا، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغضبوا، ولا تسابوا، ولا تشاتموا، ولا تنابزوا، ولا تجادلوا، ولا تباذروا، ولا تظلموا، ولا تسافهوا، ولا تزاجروا، ولا تغفلوا عن ذكر الله تعالى...»[1] الحديث طويل    [2].

تعرّضت المسألة المذكورة لمجموعة من الأمور المكروهة للصائم، وقد حصر المحقق الحلي ـ قدّس سرّه ـ [3] الأمور المكروهة في تسعة أشياء، حيث قال: المقصد الثالث: فيما يكره للصائم وهو تسعة أشياء...، والمذكور في هذه المسألة أكثر من ذلك، وإذا رجعنا إلى الروايات فربّما استفدنا أكثر ممّا ذكر فيها أيضاً. وعلى أي حال فالمسألة تشتمل على عدّة نقاط:

النقطة الأولى: يكره للصائم ملامسة النساء وتقبيلها وسائر أنحاء المباشرة مع الوثوق بعدم الإنزال، ومفهوم ذلك أنّه مع عدم الوثوق يَحرُم. وعلى هذا الأساس هناك دعويان:

الأولى: يَحرُم على الصائم ملامسة النساء وتقبيلها وسائر أنحاء المباشرة مع عدم الوثوق بعدم الإنزال.

الثانية: يكره للصائم ذلك مع الوثوق بعدم الإنزال.

أمّا بالنسبة إلى الدعوى الأولى فإثبات التحريم فيها يحتاج إلى دليل، إذ المحرَّم هو الجماع أو الاستمناء، ومن الواضح أنّ الملاعبة على تقدير عدم الوثوق ليست مصداقاً لذلك، فيحتاج تحريمها إلى دليل.

ولقائل أن يقول: إنّه مع عدم الوثوق سوف يكون قاصداً للإنزال وبالتالي سوف يكون قاصداً للمفطر، ومن الواضح أنّ قصد المفطر هو قصد للمحرَّم، وقصد المحرَّم محرَّم ولو من باب التجرّي.

إلاّ أنّه يمكن الجواب عن ذلك بأنّ عدم الوثوق لا يلازم قصد الإنزال، فالشخص قد لا يكون قاصداً للإنزال ولكن بالرغم من ذلك لا يثقّ بنفسه ويحتمل الإنزال فجأة.

وعلى أيّ حال إثبات التحريم مع عدم الوثوق يحتاج إلى دليل، ولعلّه لعدم الدليل ذهب جماعة ـ بل لعلّه هو المعروف بينهم ـ إلى عدم الحرمة إلاّ في حالتين، فلاحظ (العروة الوثقى) [4] فإنّه ذكر ـ قدّس سرّه ـ أنّ الحرمة تختصّ بما إذا كان الصائم قاصداً الإنزال، أو كان ذلك من عادته، ومفهوم ذلك أنّه مع عدم الحالتين ـ كالذي لا يثق من نفسه ولكنّه ليس قاصداً للإنزال ولا من عادته ـ فلا يَحرُم.

وقد سبق إلى اختيار هذا صاحب (الجواهر) [5] ـ قدّس سرّه ـ فإنّه خصّص الحرمة بحالة القصد أو العادة.

هذا، ولكن السيد الماتن ـ قدّس سرّه ـ ـ كما قلنا ـ اختار التحريم في حالة ثالثة، وهي عدم الوثوق، واستدل على ذلك في التقرير [6] بروايتين:

الأولى: صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة جميعاً عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ أنّه سُئل: هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: «إنّي أخاف عليه، فليتنزه من ذلك إلاّ أن يثق ألاّ يسبقه منيه» [7]، حيث تدلّ على لزوم التنزّه ما دام لم يثق الشخص من نفسه، والتعبير بالتنزه لا يراد به الاستحباب أو الكراهة كما هو المتداول في استعمالنا اليوم، بل التعبير المذكور مساوق عرفاً لقولنا: وجب عليه التنزه، أي الترك.

الثانية: صحيحة منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: ما تقول في الصائم يقبّل الجارية والمرأة؟ فقال: «أمّا الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس، وأمّا الشاب الشبق فلا؛ لأنّه لا يُؤمن، والقُبلة إحدى الشهوتين»، قلت: فما ترى في مثلي تكون له الجارية فيلاعبها؟ فقال لي: «إنّك لشبق يا أبا حازم....» الحديث[8] ، فإنّها واضحة في التحريم معللاً بعدم الأمن، فيستفاد أنّه كلّما لم يؤمن فلا يجوز، وكلّما حصل الأمن فيجوز.

هذا ما استدل به قدّس سرّه.

وربما يناقش فيهما بأنّهما محتفتان بما يصلح للقرينية على إرادة الكراهة، فإنّ الأولى عبّرت بكلمة (أخاف عليه)، وهي توحي بإرادة الإرشاد دون الحكم التكليفي، والثانية علّلت بفقرة: (لأنّه لا يُؤمن)، ومتى ما اقترن الحكم بالتعليل زال الظهور في الحكم الإلزامي ويصير مجملاً ويحتمل إرادة الحكم الإرشادي منه، فالوالد إذا قال لولده: لا تدخّن، استفيد الإلزام، أمّا إذا علل وقال: لا تدخّن، فإنّ التدخين مضر ويؤذي صدرك، فيزول آنذاك الظهور في التحريم ويصير محتملاً للإرشاد. وعلى أي حال، ظهور الروايتين في التحريم قد يُشكك فيه.

وكان الأولى الاستدلال برواية أخرى وهي موثقة سماعة، أنّه سأل أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟ فقال: «ما لم يخف على نفسه فلا بأسه» [9]، فإنّ مفهومها ثبوت البأس ـ الذي هو ظاهر في التحريم ـ متى ما خاف على نفسه من الإنزال.

وقريب منها صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، قال: وسألته عن الرجل هل يصلح له ـ وهو صائم ـ أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها وفخذها وعجزها؟ قال: «إن لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به، وأمّا الشهوة فلا يصلح» [10]، فإنّها ظاهرة في التحريم إذا كانت المباشرة مع الشهوة، وهي وإن كانت أعمّ من السابقة حيث تدل على كفاية الشهوة في التحريم حتى مع الوثوق بعدم الإنزال، ولكن لابدّ من تقيّدها بالأولى؛ لأنها أخصّ منها. وعليه فالحكم بالتحريم عند عدم الأمن من الإنزال أمر وجيه لموثقة سماعة المتقدمة.

بقي هناك أمور أربعة تجدر الإشارة إليها تكميلاً للبحث المذكور:

الأول: قد يشكل بأنّ هناك رواية تدل على الكراهة حالة عدم الوثوق، وبالتالي تكون معارضة لموثقة سماعة فيتساقطان ونرجع إلى أصل البراءة، وتلك الرواية هي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنّه سُئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئاً، أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: «إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني»[11].

والجواب عن ذلك: أنّ التعبير بالكراهة في قوله ـ عليه السلام ـ: «إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب...»، لا يراد به الكراهة بالمعنى المصطلح، فإنّ ذلك مصطلح فقهي أو أصولي حدث في آونة متأخّرة، وإلاّ فالكراهة لغة هي للأعم، ومعه فلا يمكن أن تكون الصحيحة المذكورة معارضة لموثقة سماعة.

الثاني: قد يشكل أيضاً بأنّنا أجبنا عن الروايات التي استدل بها السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ بأنّها مشتملة على التعليل، واشتمالها على ذلك يسلب ظهورها في التحريم، وإذا قبلنا هذا فسوف تصير تلك الروايات التي استدل بها ـ قدّس سرّه ـ معارضة لموثقة سماعة حيث تدل تلك على الكراهة.

ويمكن الجواب عن ذلك: بأنّنا لا نقصد بما أوردناه على السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ دعوى أنّ تلك الروايات ظاهرة في الكراهة، بل أقصى ما ندعيه أن لا ظهور لها في التحريم لا أنّ فيها ظهوراً في الكراهة، فاقتران الحكم بالتعليل يسلب الظهور في التحريم لا أنّه يكسبه ظهوراً في الكراهة، ومعه فلا معارضة في البين.

____________________________

[1] وسائل الشيعة 10: 166، أبواب آداب الصائم، ب11، ح13.

[2] منهاج الصالحين 1: 268 كتاب الصوم، المفطرات.

[3] شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 1: 195.

[4] حواش العروة الوثقى 3: 587، كتاب الصوم.

[5] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 16: 316، كتاب الصوم.

[6] مستند العروة الوثقى 1: 383، كتاب الصوم.

[7] وسائل الشيعة 10: 100، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب33، ح13.

[8] وسائل الشيعة 10: 97، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب33، ح3.

[9] وسائل الشيعة 10: 98، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب33، ح6.

[10] وسائل الشيعة 10: 101، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب33، ح19.

[11] وسائل الشيعة 10: 97، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب33، ح1.