جلسة 100

مفطرات الصوم

تتميم

(المفطرات المذكورة إنما تفسد الصوم إذا وقعت على وجه العمد، ولا فرق بين العالم بالحكم والجاهل به، والظاهر عدم الفرق في الجاهل بين القاصر والمقصر، بل الظاهر فساد الصوم بارتكاب المفطر حتى مع الاعتقاد بأنه حلال وليس بمفطر. نعم، إذا وقعت على غير وجه العمد كما إذا اعتقد أن المائع الخارجي مضاف فارتمس فيه فتبين أنه ماء، أو أخبر عن الله ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه لم يبطل صومه،، وكذلك لا يبطل الصوم إذا كان ناسياً للصوم فاستعمل المفطر، أو دخل في جوفه شيء قهراً بدون اختياره) [1].

من الواضح أنه يثبت على أن من ارتكب أحد المفطرات السابقة أمران: القضاء، والكفارة. وهناك تساؤلان يرتبطان بهما:

الأوّل: هل وجوب القضاء عام أو يختص بحالة الارتكاب عن عمد؟

الثاني: أن الحكم بوجوب الكفارة هل هو عام أو يختص بحالة العمد؟

وقد تكفل المتن الذي بأيدينا بالإجابة عن السؤال الأوّل، بينما ما يأتي بعنوان الفصل الثالث [2] قد تكفل بالإجابة عن السؤال الثاني، وعليه فالمتن في المقام خاص بمسألة القضاء، وهو يشتمل على النقاط التالية:

النقطة الاُولى: وجوب القضاء يختص بحالة العمد، والمراد من العمد هو القصد، فمن لم يقصد ارتكاب المفطر فهو ليس بعامد، ويتصور ذلك في حالتين:

الاُولى: حالة النسيان، فإن الناسي لا قصد له.

الثانية: بعض حالات غير النسيان، مثل:

أ) إذا فرض أن الذبابة طارت ودخلت في الجوف، فإن هذا لا يعد نسياناً ولكنه لا قصد لارتكاب المفطر.

ب) إذا اُوجر في حلق الصائم الطعام والشراب، فإنه لا يصدق عليه عنوان الناسي، وفي نفس الوقت هو ليس بقاصد.

ج) إذا تمضمض ودخلت قطرة من الماء إلى الجوف من دون قصد.

هذه بعض الأمثلة لحالة فقدان القصد من دون نسيان، وقد مثّل السيد الماتن ـ قدّس سرّه ـ لذلك بأمثلة اُخرى غير ما أشرنا إليه، حيث قال: ـ قدّس سرّه ـ: (كما إذا اعتقد أن المائع الخارجي مضاف فارتمس فيه فتبين أنه ماء، أو أخبر عن الله ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه)، وما أفاده ـ قدّس سرّه ـ من المثالين جيد أيضاً.

وعلى أي حال لا إشكال في أن من لم يقصد المفطر لا يجب في حقه القضاء، وقد ذكر صاحب (الجواهر) [3] ـ قدّس سرّه ـ أن ذلك قول واحد في المسألة من دون فرق بين أقسام الصوم، كما ذكر الشيخ النراقي [4] أن ذلك بلا ريب ولا خلاف.

وعليه فمن حيث الفتوى لا إشكال في عدم القضاء على غير القاصد، وإنما الكلام في التوجيه الفني لذلك، والكلام تارة يقع في الناسي واُخرى في غيره ممّن لا قصد له.

أمّا الناسي فيمكن التمسك لنفي وجوب القضاء في حقه بالأدلة الخاصة والعامة، أمّا الأدلة الخاصة فصحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «كان أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يقول: من صام فنسي فأكل أو شرب فلا يفطر من أجل أنه نسي، فإنما هو رزق رزقه الله تعالى فليتم صيامه» [5]، وغيرها من الروايات الكثيرة. وموردها وإن كان خاصاً بالأكل والشرب إلاّ أنه يتعدى إلى غيره، إمّا لعدم احتمال الخصوصية، أو لأجل فهم ذلك من التعليل، حيث علل ـ عليه السلام ـ عدم تحقق الإفطار بقوله: «من أجل أنّه نسي»، فيفهم أنّ تمام النكتة هي في النسيان من دون مدخلية للأكل والشرب في البين.

وأمّا الأدلة العامة فهي من قبيل قاعدة كلّ ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر، المستندة إلى بعض الأحاديث، من قبيل ما جاء عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «كلّ ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء» [6]، وما جاء عن علي بن مهزيار، أنّه سأله ـ يعني أبا الحسن الثالث ـ عليه السلام ـ ـ عن هذه المسألة ـ يعني مسألة المغمى عليه ـ فقال: «لا يقضي الصوم ولا الصلاة، وكلّما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر» [7]، وحيث إن النسيان من مصاديق ما غلب الله عليه فيلزم ألاّ يترتب شيء من القضاء وغيره إذا ارتكب المفطر حالة النسيان.

ولسائل أن يسأل هل يجوز التمسك بحديث رفع النسيان، بدعوى أنه يدل على رفع كلّ ما يترتب في حالة العمد من الآثار ما دام الارتكاب قد تحقق نسياناً؟ والجواب عن ذلك يأتي في أبحاث آتية إن شاء الله تعالى.

هذا كله في النسيان، وقد اتضح في أنه لا إشكال في عدم وجوب القضاء عليه.

وأمّا غير الناسي ممّا لا قصد له فقد استدل السيد الماتن [8] لإثبات عدم وجوب القضاء في حقه بوجهين:

الأوّل: التمسك بفكرة القصور في المقتضي، بدعوى أن الوارد في صحيحة محمد بن مسلم عنوان الاجتناب، حيث قال ـ عليه السلام ـ: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال»[9]، ومن الواضح أن عنوان الاجتناب يصدق مع الارتكاب الفاقد للقصد، بمعنى أن الاجتناب له مصداقان:

أحدهما: أن يترك الصائم الأكل رأساً فيصدق أنه اجتنب.

وثانيهما: أن يأكل من دون قصد، فإنه أيضاً يصدق أنه اجتنب عن الطعام.

وعليه فمصداق عدم الاجتناب ينحصر بمن زاول المفطر عن قصد.

الثاني: أن الناسي إذا لم يجب عليه القضاء فبالأولى لا يجب على غير الناسي إذا لم يكن له قصد، إذ الناسي هو ناسٍ لكونه صائماً ولكنه قاصد للأكل ويصدر منه عن قصد، فإذا لم يحكم الشارع عليه بالقضاء رغم وجود القصد فيلزم بالأولوية عدم وجوب القضاء على من لا قصد له رأساً، كمن دخلت الذبابة في جوفه أو ما شاكل ذلك.

هكذا استدل ـ قدّس سرّه ـ على نفي وجوب القضاء في المورد المذكور.

____________________________

[1] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم ـ المفطرات ص269.

[2] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم ـ الكفارات ص269.

[3] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 16: 254.

[4] مستند الشيعة في أحكام الشريعة 10: 319.

[5] الوسائل 10: 52، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب9، ح9.

[6] الوسائل 10: 226، أبواب من يصح منه الصوم، ب24، ح3.

[7] الوسائل 10: 227، أبواب من يصح منه الصوم، ب24، ح6.

[8] مستند العروة الوثقى 1: 248.

[9] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب1، ح1.