36/11/13


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وقد أشار الشيخ الأعظم(قده)[1] [2] إلى ذلك بعبارة مختصرة حيث قال:- ( ثم إنّ المرجع في الصورة إلى العرف فلا يقدح بالحرمة نقص بعض الاعضاء ).

فهو قد جعل المرجع إلى العرف وقال ربما يكون نقص بعض الأجزاء لا يمنع من الصدق العرفي ، وهذا في الحقيقة إشارة إجمالية لتلك الشقوق المتقدّمة وأن بعضها إذا صدق عليها أنها صورة حيوان تثبتت الحرمة وإلا فلا.

ثم إنَّ له عبارة ثانية متصلة بالسابقة حيث يقول:- ( وليس فيما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها أو كسر رأسها دلالة على جواز تصوير الناقص)[3] .

وفي هذه العبارة يريد أن يشير إلى دفع دخلٍ فربّ قائل يقول:- إنّه يوجد في الروايات دلالة على أنّ تصوير الناقص ولو بمقدارٍ جزئي يكفي لارتفاع الحرمة ، فلو رسمنا صورة إنسان لا يد له أو لا عين له فالروايات يظهر منها أنّ هذا ليس بحرام والحال نحن انتهينا إلى الحرمة حيث قلنا أنّه يصدق عليه صورة أنسان أو صورة ، والشيخ الأعظم(قده) يدفع هذا الاشكال بهذه العبارة ، ولنقرأ الرواية وهي مثل صحيحة عليّ بن جعفر عليه السلام:- ( سألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل أيصلى فيها ؟ فقال:- لا تصلّ فيها وفيها شيء يستقبلك إلّا أن لا تجد بدّاً فتقطع رؤوسها وإلّا فلا تصلّ فيها )[4] ، فقد يقال إنّ هذه الرواية وما شاكلها تدلّ على أنّ رسم الناقص جائزٌ ولذلك قال الإمام عليه السلام اقطع جزءاً منها ، فإذن نستفيد من الروايات جواز رسم الناقص.

والشيخ الأعظم(قده) يريد أن يدفع هذا الاشكال ويقول:- إنّ هذا لا يستفاد من الروايات فإنّ هذه الروايات ناظرة إلى مسألة أخرى ، فنحن حديثنا في أنّه هل يجوز الرسم أو التجسيم للحيوان أو لا - فكلامنا هو في ايجاد الصورة ورسمها - ؟ ، بينما هذ الروايات ناظرة إلى مسألة ثانية وهي أنّه بعد الاكتمال إذا أردت أن تصلّي فلا ينبغي أن تصلّي وفي الحجرة تمثالٌ أو صورة إلّا بتغييرهما وهذه مسألة ثانية لا ترتبط بتلك المسالة ، فتلك المسألة ناظرة إلى أنّه هل يحرم الرسم أو لا - أي إيجاد الصورة وصنعها - بينما هذه المسألة فهي ناظرة إلى أنّه هل يجوز الصلاة وفي البيت تمثالٌ وهذا حكم كراهتي معروفٌ بقرينة الروايات الأخرى أو بقرينة الإجماع أو غير ذلك ، فالرواية قالت غيّر شيئاً منها ، وليس معنى ذلك أنّ إيجاد الصورة الناقصة جائز ، كلّا بل قد يكون إيجادها حرام ولكن في مسألة الصلاة ترتفع الكراهة إذا غيّر شيئاً منها . إذن المسألة لا ربط لها بتلك المسألة.

وأشير إلى قضية علميّة:- وهي أنّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) - من أنّ المرجع في صدق الصورة إلى العرف فرسم الرأس وحده لا يكفي للحرمة لأنّ الرأس لا يصدق عليه صورة حيوان - والسيد الماتن(قده) في عبارة لمتن يتمّ بناءً على ما صرنا إليه في النقطة الأولى فإنّنا أشرنا فيها إلى الروايات وقلنا إنّ جميعها ضعيفة الدلالة ، بل ربما السند كذلك أيضاً إلّا واحدة وهي رواية محمد بن مروان التي ورد فيها:- ( ثلاثة يعذبون يوم القيامة الأوّل من صوّر صورة حيوان ) [5] ، ونحن قلنا أنّ دلالة هذه الرواية لا بأس بها ، كما أنه لا بأس بسندها ، وإن كان محمد بن مروان محلّ إشكالٍ لأنّه مشترك ولكن توجد روايات أخرى يدعم بعضها بعضاً.

إنّه بناءً على ما ذكرناه من أن الرواية التامّة هي الثامنة فقط فما أشار إليه السيد الخوئي والشيخ الأعظم يكون تامّاً فإنّ المدار آنذاك يصير على صدق عنوان صور الحيوان وقلنا إذا رسمنا رأس إنسانٍ فقط لا يصدق أنّه صورة حيوان فيجوز ، وهكذا إذا رسمنا إنساناً بلا رأسٍ - أي لا يوجد الركن الركين - فهنا قلنا أنه يوجد مجالٌ في أن نحكم بالجواز لأنّ ( صور حيوان ) لا تصدق

أمّا إذا أردنا أن نبني على مسلك الأعلام حيث لم يناقشوا في كلّ روايةٍ كما نحن ناقشنا بل أخذو بها دلالةً وسنداً فعلى هذا يشكل ما ذكرناه في حكم الشقوق السابقة فإنّ في بعض الروايات السابقة يوجد ما له إطلاقٌ بحيث يشمل حتى رسم صورة الرأس وحده أو رسم إنسانٍ مقطوع الرأس حيث قال السيد الماتن(قده) إنّ المرجع إلى العرف وهكذا الشيخ الأنصاري يعني هو جائزٌ لأنّه لا يصدق عليه أنّه إنسان لأنّه يفقد ركناً ركيناً وهو الرأس فنحكم بالجواز ، بينما توجد بعض الروايا تدلّ على عدم الجواز ونقرأ الرواية السادسة والسابعة المتقدّمة.

فالرواية السادسة:- وهي رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال أمير المؤمنين عليه السلام:- بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:- لا تدع صورة إلّا محوتها ولا قبراً إلا سويته ولا كلباً إلا قتلته )[6] ، وهنا نحن ناقشنا في هذه الرواية وقلنا إنَّ هذه قضية في واقعة إذ لعلّ الصور الموجودة هي صور الأصنام - أي هي معبودات يعبدونها - ، ولكن الأعلام كالشيخ الأعظم(قده) وغيره أخذوا بإطلاقها وهي تشمل حتى صورة الرأس وحده أو صورة إنسانٍ بلا رأسٍ وبلا عنق ، فهذه الرواية يوجد فيها إطلاقٌ يستفاد منه التحريم في جميع تلك الشقوق التي أشرنا إليها ، وحينئذٍ لا يوجد تفصيلٌ ولا يوجد مرجعٌ إلى العرف.

وكذلك الرواية السابعة:- وهي رواية الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:- ( إياكم وعمل الصور فإنكم تسألون عنها يوم القيامة )[7] ، ونحن ناقشنا دلالتها فيما سبق وقلنا إنّه ورد فيها لفظ ( تسألون ) فهل المعنى أنكم تسألون سؤال عتابٍ وتوبيخٍ أو أنكم تُعذّبون على ذلك ؟ إنّ أقصى ما يدلّ عليه هذا اللفظ هو الكراهة ولا يدلّ على الحرمة ، ولكن الأعلام تمسّكوا بها بلا مناقشة وهي قالت:- ( إياكم وعمل الصور ) وهذا إطلاق فعمل الصور يصدق على رسم صورة رأس الإنسان أو رسم الجسد بلا رأس.

إذن على مبنى الأعلام يشكل ما ذكر من التشقيقات ، بل المناسب على رأيهم هو الحكم بالحرمة في الجميع.

إن قلت:- فلنُعمِل قانون الإطلاق والتقييد ؟ يعني أنّ هاتان الروايتان مطلقتان ولكن لتكن الرواية الثامنة - التي هي رواية محمد بن مروان - التي قالت ( ثلاثة يعذبون يوم القيامة الاول من صور صورة حيوان ) مقيدة لتلك الرويتان وبالتالي يصير المدار على رسم صورة الحيوان وليس على أيّ صورةٍ فيرتفع الإشكال عنهم.

قلت:- إنّ الرواية الثامنة وإن دلّت على حرمة رسم صورة الحيوان ولا تدّل على ثبوت الحرمة لصورة الرأس وحده لكن ليس لها مفهومٌ بل أقصى ما تدلّ عليه هو أنه فيها عقدٌ إيجابيّ وليس فيها عقدٌ سلبيّ فإنها قالت ( ثلاثة يعذبون يوم القيامة... ) وأحدهم من رسم صورة حيوانٍ ويكلّف بأن ينفخ في الصورة وليس بنافخ وهذه ليس فيها دلالة على أنّه إذا لم يصدق على الرأس أنّه صورة حيوان فإذن هو ليس بحرام !! كلّا بل لا يوجد فيه مفهومٌ أبداً ، فلا يصدق التقييد لأنّ شرط المقيِّد أن يكون له مفهومٌ ينفي ، أمّا إذا كان فيه إثبات فقط من دون نفيٍ فلا يصلح آنذاك للتقييد ، وهذه لرواية ليس لها مفهوم فهي لا تدلّ على أنّ رسم صورةٍ لا يصدق عليها صورة حيوان ليس بحرامٍ ، فلا تصير مقيّدة لذلك الإطلاق ، فيبقى الإطلاق على حاله ، وهذا إشكالٌ يتسجّل على القوم ، إلّا أن يدفعوا عن أنفسهم بأن يقولوا إنّ دلالة مثل هاتين الروايتين ضعيفة أو غير ذلك.

نعم على مبنانا لا يرد مثل هذا الاشكال لأنّنا لم نأخذ إلّا بالرواية الأخيرة - وهي رواية محمد بن مروان - وفيها عنوان صورة حيوان لا أكثر.

كلامٌ للشيخ الإيرواني:- ذكر(قده) في حاشيته على المكاسب[8] أنّ الحرمة الثابتة للتصوير يمكن أن تكون بأحد شكلين:-

الأوّل:- أن تكون ثابتة لكلّ جزءٍ جزء ، فلو فرض أنّ أجزاء الحيوان عشرة فإذا رسمت الجزء الأوّل ثبتت الحرمة ، وإذا ضممت إليه الجزء الثاني ثبتت حرمة ثانية ، وإذا اكملت الصورة تثبتت عشر حرمات - إن صحّ التعبير - ، وبالتالي تستحق عشر عقوبات لأنّك ارتكبت عشر مخالفات.

الثاني:- أنّ نقول إنَّ الحرمة الثابتة هي واحدة لا أكثر ، ومتى تحصل مخالفتها ومتى تحصل العقوبة ؟ قال:- يمكن أن نقول إنّه بمجرد إكمال الجزء الأوّل فحينئذٍ تثبت مخالفة الحرمة وتثبت العقوبة ، وإذا أكملتها سوف لا تتعدّد العقوبات وإلّا رجعنا إلى الاحتمال الأوّل وإنما تبقى العقوبة واحدة ثابتة للجزء وثابتة للكل.

أقول:- ما أفاده(قده) يتناسب مع الإطلاق الذي أشرنا ليه في الروايتين - أعني الرواية السادسة والرواية السابعة - فإنّه بناءً على ثبوت الإطلاق يكون ما أشار إليه من الاحتمالات شيئاً وجيهاً فإنّ الرواية السابعة مثلاً قالت:- ( إياكم وعمل الصور ) فقد يقال إنّه حينما ترسم اليد يصدق على هذا أنه صورة فتكون مشمولة للإطلاق فتوجد عقوبة ، وهكذا حينما ترسم الرجل فهي أيضاً مشموله للإطلاق فتثبت عقوبة ثانية .... وهكذا ، فالاحتمال الأول يمكن أن نحصل عليه من إطلاق الروايات ، وهكذا الإطلاق الثاني فنتمكن أن نقول إنَّ ( إياكم وعمل الصور ) إنّه بمجرد الشروع في الجزء الأوّل يصدق أني خالفت هذا التحريم ، وقد يقال إنّه يصدق إذا أكملت الصورة فيثبت التحريم بالإكمال.

إذن أفاده(قده) يتناسب مع إطلاق الروايات.

نعم قد نرجّح بعض الاحتمالات على البعض الآخر ولكن هذه قضيّة ثانية ، ولكن لا يمكن أن نقول إنّ هذه الاحتمالات هي بلا مستند ، كلّا بل يمكن أن نقول إنَّ الإطلاق يساعد على ذلك ولكن قد نرجّح بعض الاحتمالات على البعض الآخر.


[1] تراث الشيخ الانصاري، الانصاري، تسلسل14، ص189.
[3] لأجل أن مسألتنا من وادٍ وتلك من وادٍ آخر والذي تشير إليه الرواية هو من وادٍ آخر.
[8] الحاشية على المكاسب، علي الايرواني، ج1، ص132.