37/04/26


تحمیل

الموضوع:- معونة الظالمين.

وهناك قضيتان لا بأس بالالتفات إليها:-

القضية الأولى:- ذكرنا في الجواب الثاني عن العلامة الحلي أنه قال كلما قال الشيخ الكليني العدة عن احمد بن عيسى فهم فلان وفلان ..... الخ ، وذكرنا أن كلام العلامة لا يمكن الاعتماد عليه لأنه مرسل ، ولا نريد أن نقول هو لم يعتمد على طريق جزمي عنده ، بل عنده طريق جزمي بلا إشكال ولكن من قال إن ذلك الطريق الجزمي الذي عنده لو اطلعنا عليه لقبلناه ، فإذن لا يمكن الاعتماد على ما أفاده(قده).

ثم قلنا:- نعم طريقه إلى العدة عن احمد بن محمد بن عيسى يمكن أن يقال بالاعتماد عليه لأن النجاشي في ترجمة ابن عيسى ذكر طريقا إلى جميع كتبه يمر بالكليني وهو طريق معتبر والكليني يروي كتب ابن عيسى عن خمسة هم نفس الخمسة الذين ذكرهم العلامة ، وقلنا هذا الطريق لا بأس بالاعتماد عليه لأنه طريق معتبر ولا مشكلة من هذه الناحية.

والذي أريد أن أقوله:- هو أننا نلفت النظر إلى أن النجاشي قد ذكر في ترجمة الشيخ الكليني ما نصه:- ( قال أبو جعفر الكليني كل ما كان في كتابي عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى فهم محمد بن يحيى وعلي بن موسى الكميداني وداود بن كورة واحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم بن هاشم )[1] وتفسير العدة بهذا الشكل هو عين العدة الذين نقل عنهم الكليني حسب نقل النجاشي في ترجمة احمد بن محمد بن عيسى وهم نفسهم الذين أشار إليهم العلامة الحلي في الفائدة الثالثة ، ولكن الذي أريد أن أأكد عليه هو أن المعتمد ما ذكره النجاشي في ترجمة الكليني من انه قال ( كلما قلت عدة عن احمد بن محمد بن عيسى فالمراد هؤلاء ) فإن هذا يرد عليه نفس ما أوردناه على العلامة من أن هذا مرسل فلا يصح الاعتماد عليه وإذا كان له طريق جزمي - وحتماً له طريق جزمي - فعله إذا اطلعنا عليه لا نوافقه على ذلك ، فنفس ما أشرنا إليه بلحاظ العلامة في الفائدة الثالثة يأتي على ما نقله النجاشي في ترجمة الكليني ، وإنما المعتمد ما نقله النجاشي في ترجمة احمد بن محمد بن عيسى.

إن قلت:- إن النجاشي نعتمد عليه في توثيقاته فكيف لا نعتمد على نقله حينما يقول إن الكليني قال إن مرادي من العدة هؤلاء الخمسة فما الفرق بين الموردين ؟! فالمناسب إذا قبلت توثيقاته يلزم أن تقبل بما نقله عن الكليني في تفسير مراده من العدة عن احمد بن محمد بن عيسى ؟

قلت:- فرق بين الموردين ، فإنه في توثيقاته نحن نعتمد عليها من باب أنا نحتمل احتمالاً كبيرا وجود وضوح عنده في وثاقة هذا وعدم وثاقة ذاك وهذا الوضوح أخذه يداً بيد بحيث يكون حسّياً لا حدسياً كما نحن الآن نوثق العلامة الحلي والمحقق الحلي والشيخ الأنصاري والآخوند الخراساني ، فما هو مستندنا في توثيقهم ؟ إنه يوجد وضوح في أجواء الحوزة تلقيناه يداً بيد وهذا الوضوح ليس منشأه الحدس ، واحتمال الحسّ فيه كبير فتطبق أصالة الحسّ عند الدوران في الاستناد إلى الحس أو الحدس.

فإذن المستند هو الوضوح ، وهذه قضية جرت عليها سيرة العقلاء والمتشرعة في إثبات وثاقة الرجال المتقدمين ، فالكثير من الرجال نحن نوثقهم من خلال هذا الطريق ، بينما في النقل عن الشيخ الكليني وأنه قال إن مرادي هو فلان وفلان - يعني الخمسة - فهذا نقلٌ عنه ، ومن أين لك هذا النقل؟ وإذا كان هناك وضوح يلزم أن يكون هذا الوضوح متسرباً إلى غير النجاشي وتكون المسألة واضحة.

وليس مقصودنا أنه لا يوجد احتمال الوضوح ، بل نقول إن احتمال الوضوح ليس بتلك الدرجة التي يصلح الاستناد إليها وتطبيق أصالة الحس ، بينما هناك كتب التوثيق ونقل التوثيقات في باب التوثيقات كانت فنّاً من الفنون وهي كتب مؤسسة ومكتوبة في هذا المجال -أي في مجال التوثيقات وحال المشايخ -فاحتمال استناد التوثيقات إلى الوضوح كبير فنطبق أصالة الحس ، بينما هنا احتمال الاستناد إلى الوضوح لا نريد أن نقول هو ليس بموجود ، بل هو موجود ولكنه ضعيف لا يصلح أن نعتمد عليه.

القضية الثانية:- ذكرت أن الوجه المناسب في الاعتماد على العدة هو تطبيق حساب الاحتمال ببيانين ، البيان الأول كان هو البيان المبسط الواضح ، والبيان الثاني هو نفس الأول بإضافة تعميق له ، فذكرنا ثلاث مقدمات في هذا البيان الثاني ، والمقدمة الأولى هي أن الكليني ينقل كثيرا عن ستة كلهم ثقاة فنتمكن أن نقول إن ثلثي الكافي هو عن هؤلاء الستة ، وقلنا الثلث الباقي من الكافي نقله عن جماع القسم الكبير منهم ثقاة والقسم الآخر لم يثبت توثيق في حقهم ، والثانية هي أن الراوي عن احمد بن محمد بن عيسى بكثرة هو محمد بن يحيى وهو رجل ثقة والراوي عن احمد بن محمد بن خالد البرقي الكثير هو ابن بندار الذي يمكن توثيقه والراوي عن سهل الكثير هو ابن بندار أيضا ، والثالثة هي أن العدة أقلها ثلاثة.

إن قلت:- هل هناك هل هناك ضرورة إلى المقدمة الثالثة أو أنه يمكن الاكتفاء بالمقدمة الأولى والثانية بلا حاجة إلى المقدمة الثالثة ؟

قلت:- إن المقدمة الثالثة تسرّع في حصول الاطمئنان وتقوي الظن وترفعه إلى درجة الاطمئنان؛ إذ لو لم ندخلها في الحساب واقتصرنا على المقدمة الأولى التي كانت تقول أن الكليني روى ثلثي الكافي عن الستة الثقاة فحينما ينقل عن العدة ونفترض أن العدة واحد وليس ثلاثة - ونريد أن نرفض المقدمة الثالثة أو نغمض العين عنها - فاحتمال أن يكون هذا الواحد من أحد الستة احتمال جيّد يبلغ درجة الظن ، أما أنه يبلغ درجة الاطمئنان فربما يتوقف في ذلك حتى لو ظممنا إلى ذلك المقدمة الثاني - أعني إكثار محمد بن يحيى الروية عن ابن عيسى رب قائل يقول صحيح يحصل أنه ظن ولكن لا يرتقي إلى درجة الاطمئنان - ، أما إذا افترضنا أن العدة أقلهم ثلاثة فاحتمال أن الثلاثة ليسوا بأجمعهم من تلك الستة يكون احتمالاً ضعيفاً بحيث يتولد في المقابل - بالعكس – احتمال بدرجة الاطمئنان فلا يمكن آنذاك المناقشة في مسألة حصول الاطمئنان.

إذن إذا اقتصرنا في العدة على الواحد وفسّرناه به ففي مثل هذه الحالة يمكن أن لا يرتقي الظن إلى مستوى الاطمئنان بأن هذا الواحد هو من الستة أو هو محمد بن يحيى ، أما حينما نفترض أن أقلهم ثلاثة فحينئذ يحصل اطمئنان أن واحداً من هؤلاء الثلاثة هو من تلك الستة أو واحد من الثلاثة هو محمد بن يحيى.

إذن المقدمة الثالثة تساعدنا في هذا المجال.

وبذلك ننهي حديثنا عن العدة ونعود إلى صب الموضوع وهو ذكر الروايات المرتبطة بحرمة إعانة الظلمة وهل توجد رواية تامة الدلالة والسند يمكن الاعتماد عليها وعلى إطلاقها تشمل الإعانة في المباح وفي الحرام غير الظلم لا فقط في الظلم.

الرواية الرابعة:- رواية أو صحيحة ابن أبي يعفور وهي :- ( الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بشير عن ابن أبي يعفور قال:- كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له جعلت فداك انه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام:- ما أحب إني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاءاً [2] وأن لي ما بين لابتيها[3] ، لا ولا مدّة بقلم إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد ) [4]

وتقريب الدلالة على حرمة إعانة الظلمة بعد الالتفات إلى أن الوارد فيها عنوان أعوان الظلمة لا إعانة الظلمة:- هو أن الأمثلة التي ذكرها الإمام عليه السلام أمثلة من باب الإعانة وليست من باب الأعوان فمن وكى لهم وكاءً أو بنى بناء أو كرى لهم نهرا يصدق عليه عنوان إعانة لا أنه يصدق عليه أنه من الأعوان.

إذن بقرينة الأمثلة المقصود هو الإعانة ، وعلى هذا الأساس تدل هذه الرواية على أن الإعانة يرفضها الإمام عليه السلام ، ويظهر من الرواية انه يرفضها بشتى أشكالها حتى في المباح وكي الوكاء لهم أو إصلاح المسناة . إذن الرواية تدل على أن إعانة الظلمة بشتى الإشكال حتى في المباح هي محلّ رفض عند أهل البيت عليهم السلام.


[2] والوكاء هوالخيط الذي يشد به الكيس أو ما شاكل ذلك.
[3] يعني لابتا المدينة المنورة حيث كانت لها لابتان واللابة هي الارض ذات الحجر الاسود واحدى اللابتان وهما الحرتان الأولى حرة وأقم والثانية حرة ليلى، يقول في مجمع البحرين ومنها الحديث حرم رسول الله من المدينة من الطيب ما بين لابتيها قلت وما لابتاها قال ما أحاطت به الحرار مجمع البحرين، ج1، ص485.، وفي الهامش موجود الحرة ارض ذات حجارة سود