33-12-29


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 356 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الرواية الثانية:- صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه السلام ( سألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم ؟ قال:- لا بأس ) [1] فإنها دلت على أن المكلف ما دام لم يحرم بعد فيجوز له أن يأخذ من شعره بما في ذلك شعر رأسه من دون تخصيص بشهر شوال بل هذا ينطبق على شهر ذي القعدة أيضاً فما دام لم يحرم فيجوز له أن يأخذ من شعره فتكون معارضة لتلك الروايات السابقة الدالة على لزوم توفير الشعر في شهر ذي القعدة . نعم قد يقال بأنه نقيدها ، أي نقيد حكم الإمام عليه السلام بأنه ( لا بأس أن يأخذ من شعره إذا لم يحرم ) شريطة أو يكون ذلك بقرينة تلك الروايات السابقة إذا كان ذلك في شهر شوال ، ولكن هذا التقييد قد يكون صعباً وحمل الرواية على خصوص شهر شوال قد يكون شيئاً مرفوضاً.
 ويبقى الكلام في سندها:- من أن صاحب الوسائل قد رواها عن كتاب علي بن جعفر وقد تقدم مراراً أن السيد الخوئي(قده) - ووافقه على ذلك السيد الشهيد - قال:- يمكن تصحيح طريق صاحب الوسائل إلى كتاب علي بن جعفر باعتبار أن صاحب الوسائل له طريق لكل ما رواه الشيخ الطوسي(قده) وتلك الطرق مذكورة في آخر الوسائل والكثير منها معتبر ، ثم نقول:- إن كتاب علي بن جعفر قد رواه الشيخ الطوسي(قده) بطريق معتبر ذكره في الفهرست فيثبت من ذلك بضم تلك المقدمة إلى هذه المقدمة وجود طريق معتبر إلى صاحب الوسائل ينتهي إلى علي بن جعفر يمرّ في الوسط بالشيخ الطوسي ولا يضر ذلك بعدما كان طريق الحرّ إلى الشيخ الطوسي صحيح وطريق الشيخ الطوسي إلى علي بن جعفر صحيح أيضاً.
 ونحن علقنا على ذلك أكثر من مرة وقلنا:- لا يبعد أن الطرق التي ذكرها صاحب الوسائل في آخر وسائله هي طرق تبركية وليست طرقاً إلى النسخة بل هي طرق إلى الشيخ الطوسي والمهم هو أنّنا نريد الطريق إلى هذه النسخة حتى نأمن من التحريف والتزوير بلحاظها ولا يبعد احتمال ذلك ويكفينا التردد والاحتمال وليس من المهم تحصيل الاطمئنان بل يكفينا الاحتمال بشكل وجيه ، وقد ذكرنا عدّة قرائن على أن الطريق هو إلى الشيخ الطوسي وليس إلى النسخة من قبيل:- أن نفس صاحب الوسائل يقول في احدى فوائده ( إني أذكر لكم الطرق تبركاً وإلّا فهذه الكتب معتبرة بلا اشكال وإنما الهدف هو التبرك ) ، يعني مثلما كانت العادة جارية بأن تؤخذ الإجازة من أغا بزرك الطهراني صاحب الذريعة تماماً إذ هي إجازة ليس تنتهي إلى النسخ المعينة بل تنتهي إلى الشيخ الطوسي - أي إجازة إلى الشخص وليست إلى النسخ - وإلا فلا توجد لدينا نسخ معيّنة ونرويها بهذه الطرق المعينة فهي إجازة تبركية الهدف منها التبرك وإجازات صاحب الوسائل لا يبعد أن تكون من هذا القبيل فلا نتفع لتصحيح الكتاب وإنما تنفع للتبرك واتصال السند إلى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام لا أكثر.
 وحاول بعض تصحيح طرق صاحب السرائر في مستطرفاته كهذه المحاولة حيث لم يذكر طرقه إلى أصحاب تلك الأصول التي نقل منها وإنما قال ( إن أصل محمد بن علي بن محبوب كان بخط الشيخ الطوسي عندي ) فهذا الأصل يمكن تصحيحه باعتبار أن الشيخ الطوسي له طريق إلى محمد بن علي بن محبوب أما بقية الأصول فصاحب السرائر ليس له طريق إليها ، والبعض تمسك بأن صاحب الوسائل له طرق إلى الشيخ الطوسي والشيخ له طرق إلى هذه الأصول فيحصل لدينا طريق معتبر من صاحب السرائر إلى أصحاب هذه الكتب ، أما الطريق من صاحب السرائر إلى الشيخ الطوسي فهو مذكور في اجازات البحار فإن صاحب البحار ذكر أن هذه الكتب التي وصلته - أي صاحب البحار - قد وصلت في المحطة الأولى من السلسلة إلى ابن إدريس ومنه تنتهي إلى الشيخ الطوسي ، فإذن لصاحب السرائر طرق معتبرة إلى الشيخ الطوسي لكل ما رواه الشيخ الطوسي ، وحيث أن الشيخ الطوسي له طرق معتبرة الى أصحاب هذه الأصول فنحصل على طريق معتبر من صاحب السرائر إلى أصحاب هذه الأصول ، وعليه فسوف تخرج هذه الأصول إلى حدّ الاعتبار . وقد سمعت أنه قد طرح هذا على السيد الخوئي(قده) في أواخر حياته فقبلها.
 ولكن الاشكال الذي أوردناه على صاحب الوسائل بالنسبة إلى علي بن جعفر يأتي نفسه بالنسبة إلى هذه المحاولة التي أشرنا إليها.
 الرواية الثالثة:- رواية محمد بن خالد الخزاز ( سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول:- أما أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج إلى مكة للإحرام ) [2] فإنها دلت على أن الامام عليه السلام حينما يريد الخروج إلى مكة يأخذ من شعره بلا تقيّد بتوفير شعره في ذي القعدة بل يبقى يأخذ من شعره إلى أن يخرج إلى الإحرام من دون تقيد بكون ذلك الشهر هو شوال ولا يكون ذي القعدة فيدل على عدم لزوم توفير الشعر في شهر ذي القعدة.
 اللهم إلا أن يقال بتقييد فعل الامام عليه السلام بأحد قيدين فإما أن يقيد بأن ( أأخذ من غير الرأس ) أو ( بغير شهر ذي القعدة ) - أي في شوال - كما نقل عن الشيخ الطوسي بأنه قيّد بذلك ، وبذلك ترتفع المعارضة بينها وبين الروايات السابقة.
 وعلى أي حال هذه روايات لدفع التوفير ، ولكن نحن لا نحتاج إلى ذلك بعد أن ناقشنا في روايات التوفير بمناقشات خاصة فلا نحتاج إلى إبراز هذه المعارضة التي يجاب عنها بالتقييد.
 بقي شيء:- ذكرنا فيما سبق أن الدليل الذي قد يتمسك به لإثبات عدم جواز الحلق في ذي القعدة هو إما صحيحة معاوية وعلقانا عليها بما تقدم ، أو صحيحة جميل التي قالت ( في شهر ذي القعدة عليه كفارة و يجوز له ذلك في شهر شوال ) وهذه الرواية قلنا أنه رواها الكليني ورواها الصدوق أيضاً ولكن طريق الكليني يشتمل على علي بن حديد وأما طريق الصدوق فهو معتبر ، ولكن الصدوق ذكر طريقاً صحيحاً إلى جميل ومحمد بن حمران فإن لهما كتاباً مشتركاً ولم يذكر طريقاً إلى خصوص جميل وهذه الرواية رواية إلى جميل فقد يقال أنه لا ينفعنا الطريق الذي ذكره الشيخ الصدوق إلا على احتمال ابرزناه فيما سبق.
 ومن الملفت للنظر أن السيد الخوئي(قده) في المعجم قال في نهاية ترجمة جميل:- ( وطريق الصدوق إلى جميل صحيح ) ثم ذكر ذلك الطريق الذي هو نفس طريق الصدوق إلى جميل ومحمد بن حمران ولم يشر إلى ذلك بل ذكره كطريقٍ إلى جميل ولم ينبه على أنه طريق إلى جميل ومحمد بن حمران وهذا ما يوهم المراجع ، والحال أن الأمر ليس كذلك ، وهذا أمر ليس فنيّاً في مقام النقل بل كان عليه التنبيه على ذلك ويقول ( هذا طريق إلى جميل ومحمد بن حمران ولكن نحن لا نرى فرقاً بين أن يكون إلى جميل ومحمد بن حمران وبين أن يكون إلى جميل وحده فإن الشيخ الصدوق يقصد أن يكون طريقاً إلى الاثنين أو إلى كل واحد ولو منفرداً).
 وقد يقول قائل:- يمكن أن نحصل على طريق من الصدوق إلى جميل وحده وهو أن نرجع إلى فهرست الشيخ الطوسي في ترجمة جميل فنراه يذكر طريقاً إلى جميل بالشكل التالي حيث يقول:- ( أخبرنا به أي كتاب جميل الحسين بن عبد الله عن محمد بن علي بن الحسين عن مجمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وصفوان عن جميل بن دراج ) وهو طريق معتبر حيث أن جميع رواة السند أجلة ثقاة.
 ولكن الذي نريد أن نقوله:- هو أن هذا الطريق بدايته الحسين بن عبيد الله عن محمد بن علي بن الحسين ومحمد بن علي بن الحسين هو الشيخ الصدوق ، إذن صار للصدوق طريق الى جميل ولكن حصلنا عليه بواسطة الشيخ الطوسي إلى جميل ، وبالتالي سوف يكون هذا طريقاً صحيحاً للشيخ الصدوق ينتهي إلى جميل وحده.
 ونحن في قاعدة لا ضرر أشرنا إلى هذه المحاولة عند بحثنا في سند حديث لا ضرر بمناسبةٍ وأجبنا عنها بجوابين:-
 الجواب الأول:- إن هذه المحاولة وجيهة إذا فرض أن الصدوق قد التزم وقال:- ( أني كلما ابتدأت السند بشخص فأنا أروي الرواية من كتابه ) فإذا التزم بهذا الشيء فنقول:- إنه عندما ابتدأ السند بجميل فالمفروض أنه يأخذ الرواية من كتابه وهو عنده طريق صحيح إلى كتابه من خلال طريق الشيخ الطوسي فيثبت المطلوب ، ولكنه ليس له مثل هذا الالتزام فلم يذكر في المشيخة ولا في غيرها كما ذكر الشيخ الطوسي فإن الشيخ الطوسي ذكر أنه ( كلما ابتدأت السند بشخص فأنا أروي عن كتابه ) ، ولعل الصدوق أخذها من كتب مشايخه وليست من كتاب جميل ونحن نحتمل ذلك والمفروض أنّا حصلنا على طريق إلى الكتاب ولكن ليس من المعلوم أنه ينقل منه.
 النقطة الثانية:- احتمال تعدد نسخة كتاب جميل وأحداهما رواها الشيخ الطوسي عن الحسين بن عبيد الله عن الشيخ الصدوق والثانية موجودة عند الشيخ الصدوق ولعل الرواية التي سجّلها في الفقيه هي من النسخة الثانية التي لا نعرف طريقه إليها ونحتمل اختلاف النسختين ولا يمكن أن نجزم بوحدة النسخ . إذن لابد وأن نجزم بوحدة النسخة حتى ينفعنا هذا الطريق وإلّا فلا ينفعنا هذا الطريق . بهذا ننهي الحديث عن هذه المسألة.


[1] المصدر السابق ح6.
[2] الوسائل 12 320 4 من أبواب الاحرام ح5.