37/05/25

الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد, مسألة 2.

الرواية الثالثة عشر: معتبرة اسحاق بن عمار (إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا ، فقال لي : إن حدث بى حدث فأعط فلانا عشرين دينارا وأعط أخي بقية الدنانير فمات ولم أشهد موته ، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي : إنه أمرني أن أقول لك انظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير أقسمها في المسلمين ولم يعلم أخوه ان عندي شيئا ، فقال : أرى أن تصدق منها بعشرة دنانير)[1]

والظاهر عدم امكان الاستدلال بها لأن خبر المخبر في المقام يورث الاطمئنان لعدم جلبه النفع لنفسه بتبديل الوصية, مع أن الوصية لم يطلع عليها احد فعندما يخبر المخبر بمضمونها وتفاصيلها يورث اخباره الاطمئنان عادة, وعلى فرض عدم افادتها الاطمئنان لا مجال لحملها على أن العمل بها مقتضى الاحتياط لأنه من قبيل التصرف في مال الغير فيتعين أن يكون كلامه حجة.

الرواية الرابعة عشر: رواية زرارة (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، في رجل صلّى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنّه صلى بليل ، قال : يعيد صلاته)[2]

وقد يتخيل أن هذه الرواية فيها دلالة على حجية خبر المخبر لأن الامام رتب الاثر على ذلك وقال يعيد صلاته لكن هذه الرواية بأعتبار أن الفعل فيها مبني للمجهول(فأخبر) فيمكن أن يكون الاخبار من اشخاص متعددين فليس فيها وضوح أنه اخبر من قبل شخص واحد, مع أن صدر الرواية يفترض أنه صلى بليل (صلّى الغداة بليل).

الرواية الخامسة عشر: رواية محمّد بن علي بن الحسين في ( عيون الأخبار ) عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى (عن ( أحمد بن عبدالله القزويني ، عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي : ادن منّي ، فدنوت منه حتى حاذيته ، ثم قال لي : أشرف إلى البيت في الدار ، فأشرفت ، فقال لي : ما ترى في البيت ؟ قلت : ثوباً مطروحاً ، فقال : أنظر حسناً ، فتأمّلته ونظرت فتيقّنت ، فقلت : رجل ساجد ـ إلى أن قال ـ فقال : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، إنّي أتفقّده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحالة التي أخبرك بها ، إنه يصلّي الفجر فيعقّب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ، ثمّ يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس ، وقد وكّل من يترصّد له الزوال ، فلست أدري متى يقول الغلام : قد زالت الشمس إذ وثب ، فيبتدي الصلاة من غير أن يحدث وضوءاً ، فأعلم أنّه لم ينم في سجوده ، ولا أغفى ، ولا يزال إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثاً ، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة ، فإذا صلّى العتمة أفطر على شواء يؤتى به ، ثمّ يجدّد الوضوء ، ثمّ يسجد ، ثمّ يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ، ثمّ يقوم فيجدّد الوضوء ، ثمّ يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتى يطلع الفجر ، فلست أدري متى يقول الغلام : إنّ الفجر قد طلع إذ وثب هو لصلاة الفجر ، فهذا دأبه منذ حُوّل إليّ ، الحديث)[3]

والاستدلال بها بقول الرواية (وقد وكّل من يترصّد له الزوال) لكن ليس فيها دلالة على حجية خبر الثقة في الموضوعات لأنها تحكي فعلاً خارجياً لا قول الامام عليه السلام فلا يعلم ما هو حال من اوكله عليه السلام فلعله مورد ثقة فيرتب الاثر على اخباره.

الرواية السادسة عشر: رواية حريز (قال : كانت لإسماعيل بن أبي عبدالله ( عليه السلام ) دنانير ، وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن ، فقال إسماعيل : يا أبه إن فلانا يريد الخروج إلى اليمن وعندي كذا وكذا دينار ، أفترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن ؟ فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا بني أما بلغك أنه يشرب الخمر ؟ فقال إسماعيل : هكذا يقول الناس ، فقال : يا بني لا تفعل ، فعصى إسماعيل أباه ودفع إليه دنانيره ، فاستهلكها ولم يأته بشيء منها ، فخرج إسماعيل ، وقضى أن أبا عبدالله ( عليه السلام ) حج وحج إسماعيل تلك السنة ، فجعل يطوف بالبيت ويقول : « اللهم أجرني واخلف علي » فلحقه أبو عبدالله ( عليه السلام ) فهمزه بيده من خلفه وقال له : مه ، يا بني ، فلا والله مالك على الله هذا ولا لك أن يأجرك ولا يخلف عليك ، قد بلغك أنه يشرب الخمر فائتمنته ، فقال إسماعيل : يا أبه اني لم أره يشرب الخمر إنما سمعت الناس يقولون ، فقال يا بني ان الله عزّ وجّل يقول في كتابه : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) يقول : يصدق لله ويصدق للمؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم ، ولا تأتمن شارب الخمر إن الله عزّ وجّل يقول في كتابه : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) فأي سفيه أسفه من شارب الخمر ؟ إن شارب الخمر لا يزوج إذا خطب ، ولا يشفع إذا شفع ، ولا يؤتمن على أمانة ، فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على الله أن يأجره ولا يخلف عليه)[4]

قد يقال أن قول الرواية(( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) يقول : يصدق لله ويصدق للمؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم) يدل على حجية خبر الواحد في الموضوعات, لكن من الواضح أن هذه الرواية على فرض دلالتها فهي تدل على حجية اخبار المؤمنين أو الناس لا الشخص الواحد, وقد ذكر الشيخ في الرسائل أن المراد بالتصديق في المقام تنزيل فعل المسلم على الصحيح بأعتبار أن الاخبار فعل من افعال المكلف, وحمل فعله على الصحيح أن يقال أنه في فعله لم يرتكب حراماً, لا بمعنى صدّقه ورتب الاثر على أن كلامه واقع. وهذه الروايات غير تامة الدلالة.

 

هذه هي عمدة الروايات التي يستدل بها على حجية خبر الواحد في الموضوعات وقد تبين مما تقدم أن بعضها تام دلالة وسنداً.

وهناك امور اخرى يمكن أن تضاف إلى ما يستدل بها على الحجية في محل الكلام منها:-

الأمر الاول: ما ادعاه جماعة من الاولوية بتقريب أن الادلة الدالة على حجية خبر الواحد في باب الاحكام تدل على حجية خبره في باب الموضوعات من باب اولى بأعتبار أن باب الاحكام تترتب فيه وقائع كثيرة من طاعة وعصيان بالنسبة إلى نقل الاحكام الشرعية بينما في باب الموضوعات لا تترتب عليها الا واقعة واحدة من عصيان أو طاعة, كما لو قلنا هذا خمر بينما قولنا الخمر حرام فأنه يثبت في كل ما يصدق عليه أنه خمر فإذا كان الخبر حجة في نقل الاحكام فمن باب اولى يكون حجة في نقل الموضوعات.

ويجاب عنه بمنع الاولوية بل منع المساواة بحيث لا نستطيع التعدي من الدليل اذا تمت دلالته في خبر الثقة في باب الاحكام إلى باب الموضوعات وذلك لوجود خصوصية في باب الاحكام غير موجودة في باب الموضوعات وهي تتمثل في أن باب العلم بالأحكام منسد عادة وطريقه الطبيعي هو خبر الثقة بينما باب العلم في الموضوعات غير منسد ويثبت بطرق كثيرة كالمراجعة والفحص والتحليل, ولعله لأجل هذه الخصوصية جعل الشارع خبر الثقة حجة في باب الاحكام ولم يجعله كذلك في باب الموضوعات.

الأمر الثاني: ما ذكره السيد الشهيد (قد) حيث استدل على حجية خبر الواحد في الموضوعات بعدة ادلة منها:-

ما حاصله: أنه يمكن الاستدلال على حجية خبر الواحد في الموضوعات بما رواه الشيخ الكليني بسند صحيح عن أحمد بن إسحاق (عن أبي الحسن ( عليه السلام ) ، قال : سألته وقلت : من اعامل ؟ ( وعمن ) آخذ ؟ وقول من أقبل ؟ فقال : العمري ثقتي ، فما أدى إليك عني فعني يؤدي ، وما قال لك عني فعني يقول ، فاسمع له وأطع ، فإنه الثقة المأمون. قال : وسألت أبا محمد ( عليه السلام ) عن مثل ذلك ، فقال : العمري وابنه ثقتان ، فما أديا إليك عني فعني يؤديان ، وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ، فانهما الثقتان المأمونان. الحديث)[5]

حيث وردت فيه عبارة (العمري ثقتي ، فما أدى إليك عني فعني يؤدي) و(العمري وابنه ثقتان ، فما أديا إليك عني فعني يؤديان), والرواية في اعلى درجات الصحة كما أن السيد (قد) يرى بأنها قطعية الصدور أو تورث الاطمئنان بصدورها لوجود خصوصيات في سندها تورث الاطمئنان بصدورها عن المعصوم عليه السلام, نظراً لجلالة الذين وقعوا في سند هذه الرواية فالشيخ الكليني يرويها بطريق قصير, فهو معاصر لفترة الغيبة الصغرى وينقل عن شيوخ الطائفة كأحمد بن اسحاق الذي هو من اجلاء الطائفة, والسيد الشهيد يستدل بها على حجية خبر الثقة في الاحكام مع أنه لابد أن لا يكون بخبر ثقة عادي والا يلزم المصادرة بل لابد أن يكون بدليل قطعي الصدور وعلى كل حال أن الذي يستفاد من الرواية أن حجية اداء الراوي عللت ب(فإنه الثقة المأمون)و (فانهما الثقتان المأمونان) وهذا التعليل اشارة إلى كبرى كلية تتردد سعة وضيقاً بين عدة كبريات والقاعدة تقتضي الاقتصار على اضيق هذه الكبريات وجعلها هي العلة لحجية اداء الراوي, لكن هذا الاقتصار على اضيق التعليلات _كما يقول (قد) _يتم لو لم يكن هناك كبرى مركوزة في اذهان العقلاء يتبادر اليها الذهن اوسع دائرة من الكبرى الضيقة التي يمكن اشباع حاجة التعليل بأفتراضها, وعندئذ (أي عند وجود كبرى كلية اوسع دائرة مركوزة في اذهان العقلاء) ينصرف التعليل إلى الكبرى الاوسع دائرة, وهذا يطبقه السيد الشهيد (قد) على محل الكلام ويقول أن حاجتنا في محل الكلام في قول من ينقل الرواية يكفينا في التعليل أن نقتصر على الكبرى التي تقول بحجية خبر الثقة في باب الاحكام, فقول العمري وابنه ثقتان فما اديا اليك عنه فعني يؤديان فأنهما الثقتان المأمونان (في باب الاحكام الشرعية) وهذا المقدار يكفي لإشباع حاجة التعليل.

لكن يقول (قد) في خصوص هذه الرواية اذا افترضنا وجود كبرى_ اوسع دائرة من هذه الدائرة _ مركوزة في اذهان العقلاء فحينئذ يكون الانصراف اليها وفي المقام توجد هذه الكبرى وهي حجية خبر الثقة مطلقاً ( في باب الاحكام والموضوعات), وعلى هذا الاساس يفهم من الرواية حجية الخبر الثقة مطلقاً لا خصوص ما في باب الاحكام.

هذا ما ذكره (قد) لكن قد يشكك في تماميته لوجود تشكيك في اصل دلالة الرواية على حجية خبر الثقة في الاحكام, فيحتمل على الاقل أن الرواية ليست ناظرة إلى نقل الثقة للأحكام الشرعية فيحتمل أن تكون ناظرة إلى الارجاع لخبر الثقة في مقام نقل توجيهات الامام عليه السلام وتعليماته في بداية عصر الغيبة وتمهيداً لتحقق الغيبة لأن الامام عليه السلام يحتاج إلى وسائط ينقلون توجيهاته إلى الشيعة لتنظيم شؤونهم.

وقد يقال أن هناك قرائن لعلها تساعد على هذا الفهم من جملتها:-

الاولى: مسألة الأمر بالإطاعة حيث قال (فاسمع له وأطع) وقال (فاسمع لهما وأطعهما) والامر بالإطاعة بعد الأمر بالسماع يناسب ما قلناه من نقل التوجيهات والتعليمات من الامام عليه السلام, ولا يناسب نقل الحكم الشرعي, ولذا لا يوجد الأمر بالإطاعة في شيء من الروايات التي يستدل بها على حجية الخبر في نقل الاحكام بل يوجد الأمر بقبول قوله مثلاً.

فيبدو أن القضية قضية تعيين سفراء وبدأت من زمان الامام الهادي عليه السلام بأعتبار التمهيد لعصر الغيبة.

لكن الرواية غير مختصة بهذا الجانب فمن الممكن أن يكون جواب الامام عليه السلام فيه من الاطلاق ما يشمل نقل الاحكام فقد يحتاج السائل (احمد بن اسحاق) إلى مسألة مستحدثة لم تصله عن طريق الروايات فيقول له الامام عليه السلام أن العمري هو من ينقل الاحكام الشرعية.

الثانية: أن المخاطب في فقرات الاستدلال هو احمد بن اسحاق الاشعري القمي وهو من اجلاء الطائفة وعلمائها ومن اصحاب الكتب ومثل هذا الرجل الجليل من البعيد جداً أن يخفى عليه حجية خبر الواحد في باب الاحكام الشرعية بحيث يأتي هو وجماعة منهم الحميري إلى العمري ويسألوه عن خبر الثقة وهل هو حجة في نقل الاحكام الشرعية أو لا؟؟

بل هو يأتي ليسأل العمري لأن وثيق الصلة بالإمام عليه السلام عمن نصبه الامام في نقل التوجيهات والتعليمات وهل هو انت أو غيرك؟؟

وذلك بعد أن نقل له احمد بن اسحاق أنه سمع الامام عليه السلام يقول في حقه العمري ثقي أو العمري وابنه ثقتان, فسجد العمري لله شكراً.

لكن بينا أنه من الممكن أن يرجع احمد بن اسحاق إلى العمري في المسائل التي لم تصل إليه في الروايات وقلنا بأن اطلاق كلام الامام عليه السلام يشمل ذلك(الارجاع في نقل الاحكام).

الدليل الثالث: الذي يذكر في المقام لأثبات الحجية وهو يبتني على شمول ادلة الحجية للخبر مع الواسطة وهو الصحيح, وبناءً على هذا يقال أن خبر الثقة مع الواسطة في واقعه اخبار عن خبر الواسطة, فمثلاً لو قال محمد بن مسلم حدثني زرارة سمعت الامام عليه السلام يقول كذا, فأن هذا خبر لمحمد بن مسلم مع الواسطة وخبر محمد بن مسلم هو حدثني زرارة وهذا ندخله في باب الموضوعات لا الاحكام فهو ليس حكماً شرعياً بل هو حديث لزرارة (موضوع من الموضوعات), فيقال اذا كان خبر الثقة حجة في اثبات خبر الواسطة( خبر زرارة) ليكن حجة في اثبات سائر الموضوعات الاخرى.

ويمكن التأمل في هذا الدليل بناءً على أن خبر الثقة مع الواسطة ليس اخباراً عن الواسطة بل هو اخبار عن الحكم الشرعي مباشرة غاية الأمر أنه مشروط بصدق الواسطة فكأنه يقول انا اخبرك عن الحكم الشرعي اذا كانت الواسطة صادقة, ولهذا شملته الادلة.

أو يقال بأن حجية خبر الثقة مع الواسطة من جهة أن مفاده حكم شرعي, فعندما يقول حدثني فلان يراد به أنه حدثني فلان بالحكم الشرعي(قول الامام عليه السلام أو فعله أو تقريره), واين هذا من سائر الموضوعات الاخرى عندما يقول هذا خمر أو هذا عادل, فليس مفاد هذا الخبر حكماً شرعياً, والادلة تقول اذا نقل الخبر حكماً شرعياً فهو حجة, فيمكن التشكيك بهذا الدليل, ومن هنا يتبين أن هذه الادلة الثلاثة ليست ناهضة لأثبات حجية خبر الثقة في الموضوعات الخارجية.