37/07/16


تحمیل

العنوان: مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

وأما الشيخ الأعظم(قده) فقد تعرض إلى ذلك أيضاً وذكر أنّ قيء الإمام عليه السلام لعلّه لا لأجل ردّ هذا المأخوذ بالقمار ، بل لعلّه لأجل التجنب والتنزه بشكلٍ كلّيٍ عن كلّ ما يرتبط بالقمار.

ثم قال:- وكيف أكل عليه السلام من هذا المال الحرام والحال أنّ الحرام هو حرامٌ عَلِمَ بكونه حراماً أو لا ، فبالجهل لا ترتفع الحرمة ، وكيف يأكل الإمام الحرام ويصير جزءاً من بدنه ؟!

ثم حاول أن يجيب ويظهر من جوابه أنه وقع في ضيق فقال:- نعم هذا يندفع إذا قلنا إنَّ أكل الحرام هو من المحرمات العلمية ، فإذا قلنا هكذا فإذن لا مشكلة - يعني ليس المدر على الواقع وإنما على العلم -.

ثم واجه إشكالاً آخر:- وهو أنّ أكل الحرام هذا هو بنفسه له آثاره الوضعية ، فإنّ الحرام حينما يصير جزءاً من بدن الإنسان فهذا هذا له آثار وضعية غير صحيحة علم أو لم يعلم وحينئذٍ صار الحرام جزءاً من بدن الإمام عليه السلام.

فأجاب:- بأنه مجرد أن وصل الطعام إلى المعدّة وقبل أن تشتغل المعدة اطلع على ذلك فقاءه فلم يصر جزءاً من بدنه ، وعلى هذا الأساس لا مشكلة من هذه الناحية.

ثم قال:- هذا كلّه إذا أردنا أن نوجّه الرواية حسب القواعد فنجيب بما ذكرنا ، ولكن هناك جواب آخر وهو الأساسي وذلك بأن يقال:- إنّ لهم عليهم السلام في حركاتهم وأفعالهم شؤوناً نحن لا نعرف وجهها ، فالأمر يوكل من هذ الناحية إليهم ، ونصّ عبارته:- ( وما ورد في قيء الامام عليه السلام البيض الذي قامر به الغلام فلعله للحذر من أن يصير الحرام جزءاً من بدنه لا بالردّ على المالك ، لكن يشكل بأن من كان تأثيره كذلك يشكل أكل المعصوم عليه السلام له جهلاً بناءً على عدم اقدامه على المحرّمات الواقعية غير المتبدّلة بالعلم لا جهلاً ولا غفلةً لأن ما دلّ على عدم جواز الغفلة عليه في ترك الواجب وفعل الحرام دلّ على عدم جواز الجهل عليه في ذلك ، اللهم إلا أن يقال بأنّ مجرّد التصرّف من المحرّمات العلمية ، والتأثير الواقعي غير المتبدل بالجهل إنما هو في بقائه وصيرورته بدلاً عما يتحلّل من بدنه والفرض اطلاعه عليه في أوائل وقت تصرف المعدة ولم يستمر جهله ، هذا كلّه لتطبيق فعلهم على القواعد ، وإلا فلهم في حركاتهم من أفعالهم وأقوالهم شؤون لا يعلمها غيرهم )[1] .

وقبل أن نعلّق لا بأس وأن نقرأ الرواية وهي:- ( عن العدّة[2] عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن يونس بن يعقوب عن عبد الحميد بن سعيد قال:- بعث أبو الحسن غلاماً يشتري له بيضاً فأخذ الغلام بيضةً أو بيضتين فقامر بها فلما أتى به أكله فقال له مولىً له إنّ فيه من القمار ، قال:- فدعى بطشتٍ فتقيأ فقاءه )[3] .

وهي من حيث السند لعله لا مشكلة فيها إلا من ناحية عبد الحميد بن سعيد وإلا فسهلٌ فهو حتى لو قلنا بعدم وثاقته لكن هنا لا يضرّ لأنّ العدّة روت عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً فإذا لم يكن سهل ثقة فأحمد بن محمد بن عسى أو ابن خالد موجودٌ وهو ثقة فلا مشكلة من هذه الناحية ، فالمشكلة إذن هي من ناحية عبد الحميد بن سعيد فإنه لم يذكر بتوثيق ، إلا أنّ الشيخ الطوسي(قده) ذكر في أصحاب الكاظم عليه السلام أنه ( روى عنه صفوان بن يحيى ) ، وبناءً على تمامية كبرى وثاقة كلّ من روى عنه أحد المشايخ الثلاثة فهو ثقة ، وبناءً على هذا فهو قد روى عنه صفوان فيكون إمره سهل حينئذٍ ، فالرواية يمكن تمشية سندها بناءً على هذا المبنى.

فائدة علمية:- إنّ الرواية قالت:- ( فقال له مولىً له:- إنّ فيه من القمار ، قال:- فدعى بطشتٍ فتقيء فقاءه ) فإنّه قد يستشهد بهذه الرواية على حجية خبر الثقة ، فإنّ الإمام عليه السلام رتّب الأثر على كلام عبده ، فهذه الرواية إذن تدلّ على حجية خبر الثقة.

ولكن يرد ذلك:- بأنّه لعل الإمام عليه السلام قاءه لا من باب حجية خبر الثقة بل من باب أنه أراد الاحتياط لأنّ احتمال الصدق موجودٌ ، وهو هذا الاحتمال أيضاً لا يريده - احتمال أن يكون الحرام جزءاً من بدنه - ، فلعل الإمام عليه السلام فعل ذلك من باب الاحتياط ، أو قل من باب أهمية المحتمل لا من باب حجية خبره ، ومعه فهي لا تدلّ على حجية خبر الثقة . إذن اتضح أنّ الرواية يمكن تتميمها سنداً.

وبعد أن اتضحت الرواية نأتي إلى التعاليق التي نريد أن نذكرها:-

التعليق الأوّل:- إنَّ ذكر الفقهاء لهذه الرواية كشاهدٍ على الردّ هو في غير محلّه ، بل هي أجنبية بالكلّية عن مسألة الردّ ، فإنّ القيء مقولةٌ ثانية غير البيضة ، فالبيضة شيءٌ وقيؤها بعد أكلها شيءٌ آخر ومقولةٌ ثانية ، فلا يصدق أنّ هذا ردٌ للبيضة ، فلا يحتمل أن يكون القيء من باب الردّ حتى يأتي صاحب الجواهر(قده) ويجيب بأنه يحتمل أنّ هذا من باب استحباب الردّ لا وجوب الردّ ، إنّ هذا لا معنى له ، وهكذا ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من أنه لعلّ هذا لا من باب الردّ بل من باب مزيد الاهتمام بالتجنّب عن الحرام ، فكأنه يحتمل(قده) أن يكون من باب الردّ ولكن يريد أن يقول إنَّ الرواية مجملة فيحتمل أنه من باب الردّ ويجتمل أنه لا يجب الردّ ولكنه قاءه لمزيد الاهتمام بالتجنب عن الحرام ، إنّ هذا قد اتضح أنّه شيءٌ مرفوضٌ فإنه لا يحتمل أن يكون القيء مصداقاً للردّ بل هو مقولة أخرى غير البيض ، ومعه فلا يحتمل لأن يكون مصداقاً للردّ حتى يقول الشيخ الأعظم(قده) لعلّ القيء لا من باب الردّ بل من باب مزيد الاهتمام بالتجنب ، كما لا مجال لما ذكره صاحب الجواهر(قده).


[2] فائدة:- إذا ابتدأ السند بالعدة فاعلم أنه نقلها من الشيخ الكليني.