37/12/01
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
37/12/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد ــــ آية الكتمان
كان كلامنا في آية الكتمان وقد أورد على الاستدلال بها بوجوه، تقدم الكلام في الوجه الأول والثاني.
الوجه الثالث: أن الآية تدل على حرمة كتمان شيء وإخفاءه حينما يكون المقتضي لإظهاره موجودا بحيث لولا الكتمان والإخبار لظهر وعلم الناس به فإن الله تعالى قد بين رسالة النبي الأكرم(ص) في كتب العهدين وصفاته واسمائه وبشائره وعلائم نبوته بحيث لولم يكن من قبل علماء اليهود والنصارى كتمانها وإخفائها لظهرت وعلم الناس بها لكنهم بنوا على إخفائها وكتمانها، فالآية المباركة تدل على حرمة الكتمان والإخفاء إذا كان المقتضي لإظهاره موجودا.
ولكن المقام ليس كذلك فإن الراوي إذا سمع الروايات من الأئمة الأطهار(ع) أو وصلت إليه بطرق صحيحة فعدم قيامه بإخبارها للناس وبنقلها لهم لا يصدق عليه الكتمان والإخفاء حتى يكون مشمولا للآية الكريمة فإن المقتضي بهذا النحو غير موجود بحيث لولم ينقل هذه الأخبار للناس لظهرت ولعلم الناس بها.
فلهذا لا يمكن الاستدلال بهذه الآية المباركة على حجية أخبار الآحاد.
وقد أجيب عن ذلك:
أولاً: بأن صدق الكتمان لا يتوقف على وجود المقتضي وكتمان كل شيء بحسبه فالراوي إذا لم يرو ما سمع من الإمام أو وصل إليه يصدق عليه الكتمان والإخفاء سواء كان المقتضي للإظهار موجودا أم لم يكن موجودا فصدق الكتمان لا يتوقف على وجود المقتضي للإظهار بل يصدق الكتمان على عدم الإخبار بشيء وهو يعلم بهذا الخبر فالراوي إذا لم يخبر بما سمع من الإمام(ع) أو وصل إليه صدق عليه الكتمان والإخفاء ومشمول للآية المباركة.
وثانيا: أن الآية المباركة إذا دلت على حرمة الكتمان ووجوب القبول في فرض وجود المقتضي دلت على وجوب القبول في الفرض الثاني وهو عدم وجود المقتضي أيضا، فالآية المباركة تدل على حجية أخبار الأحاد.
ولكن الظاهر أن هذه الأجوبة بتمامها غير صحيحة كما تقدم في جواب الإشكال الأول والثاني والثالث وأن الآية المباركة لا تشمل أخبار الآحاد لأمرين:
الأمر الأول: أن الآية المباركة في مقام بيان رسالة النبي الأكرم(ص) وعلائم نبوته وبشائره وصفاته وهي من أصول الدين ومن الواضح أن الخبر لا يكون حجة في باب أصول الدين والعقائد. ولا يمكن التعدي من موردها الى فروع الدين.
الأمر الثاني: ان الله تعالى قد بيّن رسالة النبي الأكرم(ص) في كتب العهدين وعلائم نبوته وصفاته بشكل تفصيلي ولكن علماء اليهود والنصارى أخفوها وكتموها ولم يظهروها للناس بحيث لو لم يكتموها لظهرت وعلم الناس بها ومن الواضح ان الآية بهذا المعنى لا تشمل خبر الواحد فلا تدل على وجوب القبول تعبدا.
فالنتيجة ان الآية لا تدل على حجية أخبار الآحاد.
ومنها[ من الأدلة على حجية أخبار الآحاد]: آية الذكر وهي قوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[1]
وتقريب الاستدلال بها: ان وجوب السؤال يستلزم وجوب القبول وإلا لكان وجوب السؤال لغوا، فلا يمكن ان قال يجب عليك السؤال ولكن لا يجب عليك القبول، وحيث أن الله تعالى قد أمر بالسؤال فيكون السؤال واجب فلا بد ان يجب القبول وإلا لكان معنى وجوب السؤال لغوا، فالملازمة بين وجوب السؤال وجوب القبول موجودة.
ولكن للمناقشة في ذلك مجالاً سيأتي الكلام حولها.
ثم ان المراد من أهل الذكر ليس خصوص الأئمة الأطهار(ع) وإن كانوا من أظهر مصاديق الذكر بل المراد منه مطلق أهل الذكر فيشمل حتى الراوي فإن الراوي من أهل الذكر في الأخبار بالنسبة إلى غيره كما أن الفقيه من أهل الذكر بالنسبة الى غير الفقيه والطبيب من أهل الذكر في الطب بالنسبة إلى غير الطبيب. فأهل الذكر يختلف باختلاف الموارد.
وعلى هذا: فالراوي من أهل الذكر في الروايات بالنسبة إلى غيره وحينئذ تشمل الآية الراوي ايضا وتدل على وجوب السؤال منه ويجب قبول قوله وأخباره وهذا معنى أن خبره حجة إذ لو لم يكن حجة فلا يجب قبوله.
ولكن أورد على هذا الاستدلال السيد الاستاذ(قده)[2] بأمرين:
الأمر الأول: ان وجوب السؤال لا يدل على وجوب القبول مطلقا تعبدا وإن لم يحصل العلم او الاطمئنان بل لعل الغرض من السؤال بدافع حصول العلم او الاطمئنان او الوثوق بالواقع من السؤال لا قبوله تعبدا وإن لم يحصل العلم والاطمئنان والوثوق إذ يكفي في دفع اللغوية أن يكون الغرض من السؤال تحصيل العلم بالأحكام الشرعية فلا يكون وجوب السؤال على الجاهل لغواً وإنما الدافع له إنما هو تحصيل العلم بالأحكام الشرعية. فمن هذه الناحية فالآية المباركة لا تدل على حجية أخبار الاحاد لأن الغرض من السؤال كان داعي الحصول على العلم بالواقع لا قبول قول المخبر تعبدا.
الأمر الثاني: أن الآية المباركة موردها أصول الدين لأنها في مقام رد المشركين حيث استنكروا نبوة النبي الأكرم(ص) حيث كانوا يعتقدون ان النبي لا يمكن أن يكون بشرا بل لا بد أن يكون ملكا، والآية في مقام رد هؤلاء من خلال السؤال عن علماء اليهود والنصارى لأنهم هم المراد من أهل الذكر هنا باعتبار أنهم من أهل الذكر برسالة النبي الأكرم(ص) لعلمهم برسالته(ص) وصفاته وعلائم نبوته، فالآية في مقام ذلك وأجنبية عن الدلالة على حجية خبر الواحد فلا صلة للآية الكريمة على حجية خبر الواحد.
نعم قد يقال كما قيل: إن المراد من قوله تعالى: (إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) أعم من العلم الوجداني والعلم التعبدي غاية الأمر في موارد أصول الدين ينطبق العلم الوجداني فقط وأما في موارد أخبار المخبرين فيكون المراد من العلم العلم التعبدي.
ولكن هذا التفسير أيضا غير صحيح.