38/03/24
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/03/24
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – الدليل العقلي
كان كلامنا في جريان الأصول اللفظية في أطراف العلم الإجمالي فإذا علمنا إجمالا بصدور مجموعة من الروايات التي بأيدينا كأخبار الثقة عن المعصومين(ع) فهل تجري الأصول اللفظية كأصالة العموم أو الإطلاق من الكتاب والسنة في أطراف هذا العلم الإجمالي أو لا تجري؟
وذكرنا أن هنا صورا:
الصورة الأولى: ما إذا كانت الروايات متكفلة للأحكام الالزامية والأصول اللفظية متكفلة للأحكام الترخيصية وفرضنا أن هنا دليلا على حجية أخبار الثقة فلا شبهة في تخصيص عمومات الكتاب والسنة بها بناء على ما هو الصحيح من جواز تخصيص عموم الكتاب والسنة بخبر الواحد إذا كان حجة.
واما إذا كان وجوب العمل بالروايات بملاك العلم الإجمالي لا بملاك حجيتها إذ لم يقم دليل على حجية الروايات كأخبار الثقة ولكن من جهة العلم الإجمالي بصدور مجموعة منها عن المعصومين(ع) فيجب العمل بها بملاك هذا العلم الإجمالي فعندئذ هل يجوز التمسك بالعمومات في أطراف هذا العلم الإجمالي أو لا يمكن التمسك بها؟ والمراد من العموم أعم من الإطلاق
والجواب: انه لا يمكن لأن العلم الإجمالي بصدور مجموعة من الروايات عن المعصومين مخصصة لهذه العمومات وهذا العلم الإجمالي يشكل دلالة التزامية لكل عام من هذه العمومات ولكل فئة من فئاتها لأن كل عام فهو يدل على العموم والاستيعاب بالمطابقة ويدل بالالتزام على تخصيصها من آخر وكل فئة من هذه العمومات تدل بالمطابقة على العموم والاستيعاب وبالالتزام على تخصيص فئة أخرى فعندئذ تقع المعارضة بين الدلالة الالتزامية لكل من هذه العمومات وبين الدلالة المطابقية فإن الدلالة الالتزامية لكل من هذه العمومات تنفي المدلول المطابقي لهذه العمومات فعندئذ تقع المعارضة بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي بالنفي والإثبات فيسقطان من جهة المعارضة.
وتقريب ذلك بمثال ما إذا فرضنا أنه ورد بالدليل يستحب إكرام كل عالم فالعام متكفل للحكم الترخيصي وعلمنا إجمالا بتخصيص هذا العام إما بالعالم الفاسق أو بالعلم النحوي أي نعلم إجمالا إما بحرمة إكرام العالم الفاسق أو بحرمة إكرام العالم النحوي فتقع المعارضة على تقدير عدم حجية الروايات بين أصالة العموم بالنسبة إلى إكرام العالم الفاسق وأصالة العموم بالنسبة على إكرام العالم النحوي فإن أصالة العموم في الأول تدل بالمطابقة على استحباب إكرام العالم الفاسق وبالدلالة الالتزامية على حرمة إكرام العالم النحوي وأصالة العموم في الثاني تدل على استحباب إكرام العالم النحوي بالمطابقة وعلى حرمة إكرام العالم الفاسق بالالتزام فتقع المعارضة بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي لأن المدلول الالتزامي في كل منهما يكون نافيا للمدلول المطابقي فبطبيعة الحال يسقطان من جهة المعارضة هذا إذا كان المعلوم بالإجمال حكما ترخيصيا.
واما إذا فرضنا انه ورد في الدليل يجب إكرام كل عالم وعلمنا إجمالا بتخصيص هذا العام إما بالعالم الفاسق او العالم النحوي فهو يعلم إجمالا إما بكراهة إكرام العالم الفاسق أو بكراهة إكرام العالم النحوي فتقع المعارضة بين أصالة العموم بالنسبة إلى العالم الفاسق وبين أصالة العموم بالنسبة إلى العالم النحوي فإن أصالة العموم في الأول تدل بالمطابقة على وجوب إكرام العالم الفاسق وبالالتزام تدل على عدم وجوب إكرام العالم النحوي وأصالة العموم في الثاني تدل بالمطابقة على وجوب إكرام العالم النحوي وبالالتزام تدل على عدم وجوب إكرام العالم الفاسق فإذاً تقع المعارضة بينهما لأن المدلول الالتزامي لكل منهما ينفي المدلول المطابقي للآخر فيتساقطان.
هذا كله في الشبهة الحكمية.
واما في الشبهة الموضوعية فكما إذا فرض العلم التفصيلي بنجاسة كلا الإناءين الغربي والشرقي ثم علمنا بطهارة أحدهما إما من خلال ملاقاة الكر أو بملاقاة الجاري فعندئذ إذا قامت البينة على نجاسة الإناء الشرقي وقامت بينة أخرى على نجاسة الإناء الغربي فهذا العلم الإجمالي يشكل دلالة التزامية لكل من البينتين لأن البينة الأولى تدل بالمطابقة على نجاسة الإناء الشرقي وبالالتزام على طهارة الإناء الغربي والبينة في الثاني تدل على نجاسة الإناء الغربي بالمطابقة وبالالتزام على طهارة الإناء الشرقي هذا إذا كان المعلوم بالإجمال حكما ترخيصيا. وكذلك الحال إذا كان المعلوم بالاجمال حكما إلزاميا كما إذا علمنا بطهارة إناءين أسود وأبيض ثم علمنا بنجاسة أحدهما من خلال الملاقاة مع النجس فعندئذ إذا فرضنا أن البينة قامت على طهارة الإناء الأبيض والبينة الأخرى قامت على طهارة الإناء الأسود فهذا العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما يشكل دلالة التزامية لكل من البينتين لأن البينة الأولى تدل على طهارة الإناء الأبيض بالمطابقة وبالالتزام على نجاسة الإناء الأسود وهكذا البينة الثانية فتقع المعارضة بين البينتين أي بين المدلول الالتزامي لكل منهما وبين المدلول المطابقي.
ومن هنا تفترق الأصول اللفظية عن الأصول العملية فإن سقوط الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي ليس من جهة المعارضة لأن المعارضة إنما تتصور في الأصول اللفظية باعتبار أنها من الأمارات ومثبتاتها حجة فمن أجل ذلك يكون لها مدلول التزامي كما يكون لها مدلول مطابقي واما الأصول العملية فلا تكون مثبتاتها حجة لعدم المدلول الالتزامي لها.
وحينئذ إذا علمنا بنجاسة أحد إناءين كانا مسبوقين بالطهارة فلا يمكن جريان استصحاب طهارة كلا الإناءين لأن جريان الاستصحاب في كليهما يستلزم المخالفة القطعية العملية وجريانه في أحدهما المعين دون الآخر ترجيح من غير مرجح لأن نسبة الاستصحاب إلى كلا الإناءين على حد سواء واما جريانه في أحدهما لا بعينه فلا يمكن لأنه إن أريد من أحدهما لا بعينه المفهومي فلا واقع موضوعي له في الخارج غير وجوده في عالم الذهن فهو مجرد مفهوم موجود في عالم الذهن وإن أريد من أحدهما لا بعينه أحدهما المصداقي فهو من الفرد المردد في الخارج وهو مستحيل فمن أجل ذلك لا يمكن هذا الفرض، وعليه يسقط كلا الاستصحابين من هذه الناحية لا من جهة المعارضة، كما ان سقوط الاستصحاب من هذه الناحية مبني على مسلك المشهور من أدلة الأصول العملية تشمل بإطلاقها اطراف العلم الإجمالي وهذا السقوط إنما هو فيما إذا كان المعلوم بالإجمال حكما إلزاميا والأصول العملية متكفلة للحكم الترخيصي.
واما إذا كان المعلم بالإجمال حكما ترخيصيا والأصول العملية متكفلة للحكم الالزامي فلا مانع من جريانه كما إذا علمنا إجمالا بطهارة أحد إناءين كانا مسبوقين بالنجاسة فلا مانع من استصحاب بقاء نجاسة الإناء الشرقي واستصحاب بقاء نجاسة الإناء الغربي معا والعلم بطهارة أحدهما لا يكون مانعا عن جريان هذين الاستصحابين كما تقدم سقوط الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي فيما إذا كان المعلوم بالإجمال حكما إلزاميا والأصول العملية متكفلة للحكم الترخيصي فعندئذ لا يمكن جريان الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي. هذا بناء على ما هو المشهور وإما بناء على ما هو الصحيح من أن أدلة الأصول العملية في نفسها لا تشمل أطراف العلم الإجمالي فإنها منصرفة عنها على تفصيل يأتي بحثه في ضمن البحوث القادمة.
ومن هنا يظهر أنه لا تظهر الثمرة العملية بين القول بحجية الروايات والقول بوجوب العمل بها بملاك العلم الإجمالي بالنسبة إلى سقوط الأصول اللفظية في أطراف العلم الإجمالي لسقوط الأصول اللفظية على كلا القولين في أطرافه اما على الأول فسقوطها من جهة التخصيص للعمومات واما على الثاني فسقوطها من جهة المعارضة بين المدلول المطابقي لكل من العمومات والمدلول الالتزامي لها.
فالنتيجة أن الأصول اللفظية تسقط في أطراف العلم الإجمالي إما بالتخصيص او بالتعارض فلا تظهر ثمرة عملية بين القولين.
وكذلك الأصول العملية فإنها أيضا تسقط فيما إذا كان المعلوم بالإجمال حكما إلزاميا وكانت الأصول العملية الجارية في أطرافه متكفلة للحكم الترخيصي فعندئذ الأصول العملية أيضا لا تجري واما إذا كان المعلوم بالإجمال حكما ترخيصيا والأصول العملية متكفلة للحكم الالزامي فلا مانع من شمول أدلة الأصول العملية لها لأنه لا تنافي بين جريان كلا الأصلين في أطراف العلم الإجمالي ولا يلزم محذور المخالفة القطعية العملية.
هذا تمام كلامنا في الصورة الأولى.