38/04/05
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/04/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: جابرية عمل المشهور لضعف الرواية.
إلى هنا قد تبين امور:
الأمر الأول: ان محل الكلام إنما هو في الشهرة بين قدماء الأصحاب واما الشهرة بين المتأخرين إذا لم تكن بين المتقدمين فلا أثر لها.
الأمر الثاني: أنه ليس بإمكاننا إثبات عمل المتقدمين برواية ضعيفة ولا إعراضهم عن رواية صحيحة، فإن إثبات ذلك بحاجة إلى إثبات وصول هذا الإعراض والعمل إليهم يدا بدي وطبقة بعدم الطبقة بنحو التواتر أو بطريق معتبر ولكن لم يكن الموجود في كتب المتأخرين شيء من ذلك وإنما الموجود هو نقل الشهرة بخبر حدسي ونقل الإجماع بخبر حدسي وهو لا يكون حجة.
فإذاً الصغرى غير ثابتة وليس بإمكاننا إثبات أن المشهور قد عملوا برواية ضعيفة حتى يكون جابرا لضعف سندها ولا يمكن إثبات أن المشهور قد أعرضوا عن رواية صحيحة حتى يكون مسقطا لها عن الحجية.
الأمر الثالث: على تقدير الصغرى وهي ثبوت الشهرة بين القدماء إلا أنها في نفسها لا تكون حجة فإن الشهرة الفتوائية لا دليل على حجيتها بل لا دليل على حجية الإجماع فضلا عن الشهرة الفتوائية.
والدليل على حجية هذه الشهرة إثبات أنها وصلت من زمن الأئمة(ع) إليهم يدا بيد وطبقة بعد الطبقة بنحو التواتر أو بطريق معتبر.
ولكن لا يمكن إحراز ذلك إذ لو وصلت الشهرة إلى القدماء من زمن أصحاب الأئمة(ع) لأشاروا إلى ذلك في كتبهم لأنه حدث مهم مع انهم أمناء على الروايات بلا فرق في ذلك بين الشهرة التي تكون في العمل بخبر ضعيف او الشهرة في الإعراض عن خبر صحيح، ولكن لا عين ولا أثر لمثل ذلك، وهذا كاشف عن عدم الوصول.
وعلى هذا لا تكون الكبرى ثابتة ولأجل ذلك لا أثر لدعوى الشهرة بين القدماء على العمل برواية ضعيفة أو إعراض المشهور عن رواية صحيحة في المسألة.
نعم استثنى السيد الاستاذ(قده)[1] ما إذا كان هناك تسالم بين أصحابنا المتقدمين والمتأخرين على العمل برواية ضعيفة او تسالم على الإعراض عن رواية صحيحة، فإنه يمكن على ذلك القول بأن الأول جابر لضعف السند والثاني مسقط لها عن الحجية.
ولكن للمناقشة فيه أيضا مجال:
أولاً: انه ليس لنا طريق إلى إحراز هذا التسالم، إذ لو فرض إحراز مثل هذا التسالم بين المتأخرين فكيف يمكن إحرازه بين المتقدمين والحال أنه ليس في كتب المتأخرين إشارة إلى وجود مثل هذا التسالم بين المتقدمين وإنما الحاصل من المتأخرين هو نقل التسالم بالحدس والاجتهاد وهو لا يكون حجة والمفروض أنه لا يوجد لكل واحد من المتقدمين كتاب استدلالي حول هذه المسألة وامثالها حتى نرجع إلى كتبهم ونعرف من خلالها آرائهم ومدركها او كانت لهم كتب ولكن لم تصل إلينا.
ولو فرضنا وجود مثل هكذا تسالم ولكن احتمال أنه تسالم تعبدي بين القدماء والمتأخرين معا بعيد جدا لأنه يمكن ان يكون مبني على الحدس أو حسن الظن أو على حجية الظن المطلق أو ما شاكل ذلك.
وعلى كل حال لا يمكن إثبات أن هذا التسالم تعبدي.
ولو فرض أنه تعبدي ولكن لا يمكن ان يكون كاشفا عن أنه وصل إلينا من زمن الأئمة(ع) او يكون كاشفا عن وجود الإمام(ع) بين المجمعين، إذ لا طريق لنا إلى ذلك.
فالنتيجة أنه لا يمكن الاعتماد على هذا التسالم على تقدير ثبوته بين الأصحاب المتقدمين والمتأخرين منهم.
هذا تمام كلامنا في أدلة حجية أخبار الآحاد.
وقد ظهر من خلال ذلك أن عمدة الدليل على حجية اخبار الآحاد كأخبار الثقة السيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بأخبار الثقة، ولم يرد ردع عنها من قبل المعصومين(ع) وهذا يعني أنها ممضاة شرعا.
واما سائر الأدلة من الروايات والآيات والاجماع وسيرة المتشرعة جميعا لو كانت تامة فمفادها التأكيد للسيرة العقلائية ولما بنى عليه العقلاء لا التأسيس.
وبعد ذلك يقع الكلام في دليل الانسداد
وهذا الدليل وهو وإن لم يترتب عليه أي أثر عملي ولكن يترتب عليه أثر علمي لأنه دليل يقام على حجية مطلق الظن وهو متأخر عن الأدلة الخاصة التي تدل على حجية الأمارات الخاصة كأخبار الثقة وظواهر الالفاظ وأن هذا الدليل في طول تلك الأدلة ومبني على عدم حجية الأدلة الخاصة القائمة على اعتبار الأخبار الخاصة كروايات الثقة، ولكن بما أن الأدلة الخاصة تامة على حجية أخبار الثقة وظواهر الالفاظ فعندئذ لا فائدة عملية لهذا البحث ولكن يترتب عليه أثر علمي ولهذا نقتصر في هذا البحث على أركانه ومسائله المهمة ونترك الفروع المبنية على التقدير والفرض فقط.
ثم ان هذا الدليل مركب من مقدمات ويقع الكلام في هذه المقدمات في عدة جهات:
الجهة الأولى: في بيان هذه المقدمات كما وكيفا.
الجهة الثانية: في صحة هذه المقدمات وعدم صحتها كلا او بعضا.
الجهة الثالثة: في نتيجة هذه المقدمات هل هي الحكومة او الكشف.
الجهة الرابعة: أيضا في نتيجة هذه المقدمات هل هي مهملة او مطلقة.
اما الكلام في الجهة الأولى: فقد ذكر شيخنا الأنصاري[2] ووافقه السيد الاستاذ(قدهما)[3] على أن دليل الانسداد مركب من أربع مقدمات:
المقدمة الأولى: العلم الإجمالي بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة ودائرة أطراف هذا العلم الإجمالي دائرة الشريعة سواء كانت هناك إمارة أم لم تكن هناك امارة.
المقدمة الثانية: بما ان العلم الوجداني بمعظم الأحكام الشرعية منسد لأن معظم الأحكام الشرعية أحكام نظرية وإثباتها بحاجة إلى عملية الاجتهاد والاستنباط وتطبيق القواعد العامة الأصولية على عناصرها الخاصة لتكون النتيجة مسألة فقهية كوجوب شيء أو حرمة شيء او ما شاكلهما.
واما الأحكام الضرورية والأحكام القطعية فهي قليلة جدا ولا يتوقف إثبات الأحكام الضرورية على الاجتهاد لأن ثبوتها ضروري ولا تحتاج إلى أي مقدمة لأجل إثباتها وكذلك الأحكام القطعية لأن القطع يتعلق بالحكم مباشرة وبدون أي واسطة، ومن هنا كانت نسبة الأحكام الضرورية والقطعية إلى المجتهد والعامي على حد سواء فلا يرجع العامي إلى المجتهد في الأحكام الضرورية والأحكام القطعية وإنما يرجع إليه في الأحكام النظرية لأن إثباتها يتوقف على عملية الاستنباط والاجتهاد.
و حيث أن الأحكام الضرورية والقطعية نسبتها تقريبا لا تتجاوز 6% أو أقل أو أكثر بالنسبة إلى الأحكام النظرية فهي قليلة جدا ولا يمكنها حل مشاكل الإنسان الاجتماعية والفردية والمادية والمعنوية والعائلية والاقتصادية وما شاكل ذلك. فمن أجل ذلك نحتاج إلى إثبات الأحكام النظرية بعملية الاجتهاد والاستنباط وتطبيق القواعد العامة الأصولية على عناصرها الخاصة لتكون نتيجتها مسألة فقهية كالوجوب او الحرمة ونحوهما.
المقدمة الثالثة: عدم إمكانية الاحتياط التام في أطراف هذا العلم الإجمالي من المظنونات والمشكوكات والموهومات جميعا، ولو تنزلنا وقلنا بإمكان مثل هذا الاحتياط عقلا إلا أنه غير واجب لاستلزامه العسر والحرج. فعلى كلا التقديرين لا يكون هذا الاحتياط واجب.
المقدمة الرابعة: يدور الأمر بين تقديم المظنونات على المشكوكات والموهومات وبالعكس وحيث ان العكس يستلزم ترجيح المرجوح على الراجح فيتعين تقديم المظنونات على المشكوكات والموهومات. فلا بد من العمل بالظن.
هذا ما ذكره شيخنا الأنصاري(قده) ووافقه عليه السيد الاستاذ(قده).
وقد زاد صاحب الكفاية(قده) مقدمة خامسة ليصبح دليل الانسداد عبارة عن خمس مقدمات.