38/06/07
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
38/06/07
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مسألة ( 32 ) حكم الرشوة – المكاسب المحرمة.
ثالثاً:- إنه ذكر في الوجه الثاني للاحتمال الأوّل إنَّ الأصل هو الضمان في اليد ، وقد قلنا إنَّ معنى هذا بالعبارة الصريحة هو التمسّك بعموم على اليد فإنها تثبت الضمان في كل يدٍ إذا كانت يداً على مال الغير.
وفي مقام التعليق نقول:- صحيحٌ أنّ الأصل هو الضمان في اليد لقاعدة على اليد ولكن هذا فيما إذا كانت اليد يداً على مال الغير ، والمفروض أنَّ الصغرى ليست ثابتة في المقام ، إذ يحتمل أنَّ الهبة صحيحة لازمة - يعني كما يقوله القاضي - ، ومادام يحتمل أن تكون لهبة صحيحة فهذه اليد من قبل القاضي ليست يداً على مال الغير وإنما هي يدٌ على مال نفسه ، وعلى هذا الأساس يصير هذا من باب التمسك العموم أو الاطلاق في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز ، وهذا من دون فرقٍ بين أن يكون مستند ( على اليد ) هو الرواية أو السيرة العقلائية الممضاة ، فإننا نعرف أنَّ قاعدة ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) لم تثبت في معاجمنا الحديثية بطريقٍ معتبر رغم أنها مشتهرة على الألسن بل كادت أن تصير من واضحات الفقه ، نعم نقلها بن أبي جمهور الأحسائي(قده) في عوالي اللئالي بطريقٍ مرسل[1] ، ونقلها عنه الميرزا النوري(قده) في مستدرك الوسائل[2] ، وكذلك نقلها الشيخ الطوسي(قده) في كتاب الغصب من كتاب الخلاف[3] بشكلٍ مرسل أيضاً.
نعم المستند المهم هو السيرة العقلائية الممضاة ، لأنَّ سيرتهم جرت على أنَّ كل شخص وضع يده على مال الغير من دون أمانة فسوف يكون ضامناً ، وهذه سيرة ثابتة لدى العقلاء في زمن المعصوم جزماً فإنَّ هذا المعنى هو من لوازم حياة العقلاء ، وحيث لم يصدر الردع فيثبت الامضاء.
والذي أريد أن نقوله:- هو أنه سواء كان المستند لقاعدة ( على اليد ) هو السيرة أو كان هو الرواية فعلى كلا التقديرين الموضوع هو اليد على مال الغير ، فإنه حتى لو قال الحديث الشريف ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) فالمقصود هو مال الغير وهذا شيء واضح ، بل توجد قرينة لفظية على ذلك وهي قوله ( ما أخذت ) ، وحتى إذا لم تكن هذه القرينة موجودة فأصلاً هذا مخصّصه معه وإلا يلزم أن يكون الانسان ضامناً بوضع يده على مال نفسه وهذا غير مقبول ، فسواء كان المستند هو الحديث أو كان المستند هو السيرة يكون وضع اليد على مال الغير هو الموجب للضمان ، وهنا نشك في أنَّ هذا الوضع هو وضعٌ لليد على مال الغير أو على مال نفسه فلا يجوز التمسّك حينئذٍ بقاعدة على اليد وأصالة الضمان التي قال بها الشيخ الأعظم(قده) فإنَّ هذا لا معنى له كما هو واضح.
وربما يقال[4] :- يمكن أن نثبت أن يد القاضي هي يد على مال الغير وذلك بأن نقول: إنه بلا إشكال أنَّ للقاضي يدٌ على المال يبقى أنَّ هذا المال من قال هو مال الغير بل لعلّه مال القاضي فيمكن أن نتمسّك بالاستصحاب ، لأنَّ هذا المال كان سابقاً ملك الغير - أي ملك الدافع - والآن نشك حيث نحتمل أنه كان هبة فاسدة وإذا كانت هبة فاسدة فهو لم ينتقل أبداً من ملك الدافع فنستصحب بقاءه على ملك الدافع ، وبذلك يثبت أنَّ اليد هي يدٌ على مال الغير.
وفيه:- إنَّ غاية ما يثبت بهذه الطريقة أنَّ المال هو مال الغير أما أنَّ يد القاضي هي يدٌ على مال الغير فهذا لا يمكن أن يثبت بالاستصحاب وإنما بالملازمة العادية وإلا فالاستصحاب يقول هو باقٍ على ملك الدافع أما أنَّ يد الحاكم هي يدٌ على مال الغير فهذا لا يثبته الاستصحاب وإنما ملازمة عادية وحينئذٍ يثبت بالملازمة العادية أنَّ هذه يداً على مال الغير ، نعم لو كان الموضوع للضمان مركّباً - يعني يدٌ وكون الشيء هو مال الغير - وليس مأخوذاً بنحو التقييد فهذه المحاولة تكون جيدة ، حيث هي يدٌ بالوجدان وكون هذا مال الغير يثبت بالاستصحاب ، ولكن نحتمل أنَّ موضوع الضمان ليس مأخوذاً بنحو التركيب بل لعلّ مأخوذ بنحو الوحدة لا بنحو التركيب ، وحينئذٍ لا يمكن أن نثبت بهذا الاستصحاب موضوع الضمان كسائر الموارد التي يكون الموضوع فيها واحداً مقيّداً وليس بنحو التركيب ، فكما هناك لا يمكن ضم الوجدان إلى الاستصحاب فهنا كذلك.
ولو قلت:- من أين تثبت أنَّ الموضوع هو بنحو الوحدة وليس بنحو التركيب ؟
قلت:- يكفيني الاحتمال ، لأنَّ المدرك للضمان ليس دليلاً لفظياً حتى نتعامل معه وإنما المدرك المهم هو سيرة العقلاء الممضاة ، وحينئذٍ نحتمل أنَّ موضوع الضمان هو وحداني أي هو يدٌ على مال الغير بنحو الوحدة لا بنحو التركيب ، ومعه لا يجري الاستصحاب في المقام.
فإذن لا ضير في جريان هذين الأصليين الطوليين في المرحلة البعديّة ، وبذلك تصير النتيجة هي أنه مع بقاء العين ترجع العين إلى صاحبها لاستصحاب بقاء الملكية وعدم الخروج عن ملكه ، ومع تلفها يجري استصحاب عدم الضمان ، وحكم الشيخ(قده) بعدم الضمان حيث طبّق أصالة الصحّة وبالتالي حكم بعدم الضمان وقال وهو أقوى فهو وإن لم يبيّن توجيهاً لذلك ولكن لعلّه يقصد هذا المعنى.
فبالنتيجة هي أننا توافقنا مع الشيخ(قده) ولكن بهذه الطريقة التي أشرنا إليها[5] .
إن قلت:- يوجد عندي طريق لإثبات الضمان وذلك بأن يقال:- نحن نتمكّن أن نحرز أنَّ هذه اليد هي يدٌ على مال الغير وذلك باعتبار أننا نشك أنه هل تحققت هبة صحيحة – يعني ناقل مجاني أو تمليك المجاني - أو لا ، فحينئذٍ موضوع الضمان مركّب من جزأين ، من اليد وهو ثابت بالوجدان لأنَّ العين موجودة عند القاضي فهو له يدٌ عليها جزماً ولم نختلف في هذا الشيء ، والجزء الثاني وهو أنه ليست هناك هبة صحيحة نتمكن أن نثبته من خلال الاستصحاب.
وفي المقابل قد يشكل مشكل آخر على هذا فيقول:- كما أنَّ الأصل عدم تحقق الهبة الصحيحة كذلك الأصل عدم تحقق الهبة الفاسدة ، فنحن نشك أيضاً بأنَّ الهبة الفاسدة قد تحققت أو لا فنستصحب عدم تحقق الهبة الفاسدة ، فإنها لم تكن متحققة سابقاً فنشك في تحققها فنستصحب عدم تحقق الهبة الفاسدة ، فيكون استصحاب عدم تحقق الهبة الصحيحة معارضاً باستصحاب عدم تحقق الهبة الفاسدة ، وبالتالي لا يمكن اثبات الضمان ، وحينئذٍ هذا الاقتراح لإثبات الضمان لا يكون جارياً.
ولكن هذا الاشكال مدفوعٌ:- باعتبار أنك ماذا تريد أن تثبت من خلال استصحاب عدم تحقق الهبة الفاسدة ؟ فهل تريد أن تثبت أنه قد تحققت الهبة الصحيحة فلا ضمان لأنه توجد هبة صحيحة فهذه اليد ليست ضامنة ؟!! ولكن من الواضح أنَّ هذا أصل مثبت ، وإذا كان هدفك هو أنك تريد أن تثبت عدم تحقق الهبة الفاسدة فقط ؟! فهذا لا أثر له ، فإنَّ هذا لا ينفع في اثبات الضمان أو نفيه ، فإنَّ الضمان وعدمه لا يدور مدار تحقق الهبة الفاسدة وعدم تحققها ، بل يدور مدار تحقق الهبة الصحيحة وعدم تحققها ، يعني هو يدور مدار التمليك المجّاني الصحيح ، فإذا كان هناك تمليك مجّاني صحيح فلا يوجد ضمان ، وإذا لم يكن موجوداً فلا ضمان ، فالضمان وعدمه يدور مدار التمليك المجاني الصحيح - يعني الهبة الصحيحة المجانية - ولا يدور مدار الهبة الفاسدة وجوداً وعدماً ، فإذن هذا الكلام الذي ذكر كمعارضٍ لذلك الاستصحاب مدفوعٌ.
ولكن يبقى اشكال أنه يمكن اثبات الضمان بضمّ الوجدان إلى الاستصحاب فيقال توجد يدٌ بالوجدان وإلى جنبها يوجد عدم الهبة الصحيحة بالاستصحاب فيثبت الضمان وهذا في صالح الشيخ الأعظم(قده).
ويمكن أن نجيب عن هذا الاشكال بجوابين:-
الجواب الأوّل:- إنك قلت إنَّ موضوع الضمان هو اليد زائداً عدم الهبة الصحيحة ، ونحن نقول:- إنَّ قولك ( إنَّ الجزء الأوّل هو اليد ) هي أي يد ؟ فهل هي اليد ولو على مال نفسه ؟ فإنَّ هذا لا معنى له فعادت المشكلة ، فإنَّ اليد التي توجب الضمان بضمّها إلى استصحاب عدم الهبة الصحيحة هي اليد على مال الغير ، فإذا وضعت يدي على مال الغير ولم يهبني ذلك الغير هبةً صحيحة ففي مثل هذه الحالة نقول يثبت الضمان ، فالموضوع هو وضع اليد على مال الغير ، فعادت المشكلة من جديد لأنَّ المفروض أنّا نشك أنَّ هذا مال الغير أو ليس ماله ، فأنت لم تصنع شيئاً.
الجواب الثاني:- إنه بغضّ النظر عن الذي قلناه أوّلاً نقول إنَّ استصحاب عدم تحقق الهبة الصحيحة لا يجري لوجود حاكمٍ عليه وهو أصالة الصحة في العقد الواقع ، لأنه يوجد عقد قد وقع وتشك في أنه صحيح أو ليس بصحيح فهما متفقان على وقوع الهبة جزماً ولكن نشك هل هذه الهبة صحيحة أو لست بصحيحة فعندنا أصالة الصحة في العقود فتكون مقدّمة على استصحاب عدم الهبة الصحيحة فلا يجري الاستصحاب.
وهنا نوضّح مطلبين حتى يتجلّى المقصود:-
المطلب الأول:- ما هو مدرك أصالة الصحة ؟
المطلب الثاني:- إذا عرفنا مدرك أصالة الصحة فلماذا هي مقدّمة على استصحاب عدم الهبة الصحيحة فإنَّ هذا يحتاج إلى اثبات ؟
أما بالنسبة إلى المطلب الأول – وهو أنه ما هو مدرك قاعدة الصحّة في العقود -:- فهو أمران:-
الأوّل:- سيرة المتشرعة والعقلاء ، فإنها جارية على أنهم يبنون على صحة العقود ، فإذا وقع عقدٌ قبل سنة مثلاً وشك في صحته فهل يعتنى لهذا الشك من قبل المتشرعة أو العقلاء ؟ كلا لا يعتنون به وهذا عبارة أخرى عن انعقاد السيرة على أنَّ كل عقدٍ إذا وقع يبنى على صحته مادام هناك شك ولا توجد قرائن تثبت فساده ، ومن الواضح أنها إذا كانت سيرة عقلاء فحينئذٍ تقول وحيث لا ردع فيثبت الامضاء ، وإذا كانت سيرة متشرعة فلا نحتاج إلى ضم ضميمة بل هي بنفسها تكشف عن الأخذ يداً بيد من معدن العصمة والطهارة.
الثاني:- موثقة محمد بن مسلم:- ( كلُّما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو )[6] ، فإنَّ هذا قانون وقاعدة عامة تشمل كلّ العقود ، فالعقود أيضاً نبني على صحتها.
إذن أصالة الصحّة ثانية ومدركها إمّا السيرة ، أو هذه الرواية ، أو الاثنين معاً.