38/07/05
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/07/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- المخصص المجمل مفهوماً أو مصداقاً - مبحث العام والخاص.
المخصّص المجمل مفهوماً أو مصداقاً:-
إذا وردنا عام وله مخصّص وكان المخصّص لا اجمال فيه فهو حجة في الباقي بلا كلام ، إنما الكلام فيما لو كان المخصّص مجملاً ، والاجمال تارةً يكون بنحو الشبهة المفهومية ، وأخرى يكون بنحو الشبهة المصداقية ، وكلامنا أوّلاً فيما إذا كان المخصّص مجملاً مفهوماً ، ثم بعد الانتهاء منه ننتقل إلى حالة ما إذا كان المخصّص مجملاً مصداقاً والتي يعبرونها بالشبهة المصداقية.
المخصص المجمل مفهوماً:- إجمال المخصّص له حالتان ، فتارةً يكون اجماله لدوران مفهومه بين السعة والضيق ، وأخرى يكون لدورانه بين المتباينين .
ومثال الأوّل:- ما إذا فرض أنَّ المولى قال ( اكرم كل نجفي ) ثم قال ( لا تكرم النجفي الفاسق ) وتردد مفهوم الفاسق بين مطلق المذنب أو خصوص فاعل الكبيرة فالفاعل للكبيرة جزماً هو فاسق ولا كلام فيه إنما الكلام في فاعل الصغيرة هل هو فاسق أو ليس بفاسق ، هذا اجمال للمفهوم بسبب دورانه بين السعة والضيق.
ومثال الثاني:- ما إذا قال ( أكرم كل نجفي ) ثم قال ( لا تكرم زيداً النجفي ) وكان لزيد فردان ولكن لا يدرى أنَّ المقصود هو زيد الأوّل أو زيد الثاني ، هذه شبهة مفهومية وليست مصداقية إذ المصداقية يعني أنك يلزم أن تعرف الذي خرج بالتخصيص وهو زيد بن فلان ولكنه دخل إلى المجلس ولا تعلم أنه هو زيد بن فلان أو لا فمصداقه مردد ومجهول فأنت تعرف الخارج من العام أنه زيد بن فلان ولكن لا تدري أنَّ الداخل للمجلس الآن هو زيد بن فلان أو ليس هو فهذه شبهة مصداقية ، أما لو فرضنا أنَّ الخارج من العموم لا نعرفه هل هو زيد الأوّل أو هو زيد الثاني فأصل الخارج غير معلوم من هو فهذه سوف تصير شبهة مفهومية ، فالتفت إلى ذلك ولا تشتبه.
إذن الشبهة المفهومية على نحوين ، فتارةً تكون للدوران بين السعة والضيق ، وأخرى تكون للدوران بين المتباينين ، وعلى كلا التقديرين تارةً يكون المخصّص متصلاً ، وأخرى يكون منفصلاً ، وعليه فسوف يصير مجموع الصور أربع:-
الصورة الأولى:- وهي ما إذا كان المخصّص مجملاً مفهوماً من حيث السعة والضيق وكان المخصّص متصلاً ، ومثاله ( أكرم كل نجفي إلا الفاسق ) هنا المخصص مجمل دائر بي السعة والضيق لأنا لا نعرف أن الفاسق وسيع يشمل حتى فاعل الصغيرة أو لا وهو متصل حسب الفرض ، ففي مثل هذه الحالة ما هو الحكم ؟
ومن الواضح أنه لكي يسهل التفكير فلنخرج الصورة التي لا كلام فيها ، وهي ما إذا كان هذا الفاسق فاعلاً للكبيرة فإنه لا إشكال في خروجه بالمخصّص ولا يجب اكرامه ، وأما الذي لم يكن فاعلاً للكبيرة ولا الصغيرة فهذا متقينٌ أنه يجب اكرامه ، ونحصر الكلام في فاعل الصغيرة فهو محل الكلام ، فهنا هل يشمله عموم العام ويجب اكرامه أو لا ؟ المناسب عدم جواز التمسّك بالعام ، يعني ( أكرم كل نجفي ) لا يمكن التمسّك به لا بلحاظ فاعل الكبيرة الذي قلنا هو متيقن ولا بلحاظ فاعل الصغيرة ، ولماذا ؟ أوليس عموم العام حجّة إلا ما جزم بخروجه بالتخصيص ؟
والجواب:- صحيح أنَّ عموم العام حجة فيما إذا كان له ظهور في العموم ونحن قد فرضنا أنَّ المخصّص متصل يعني اتصل بالكلام العام ما يصلح لتخصيصه واتصال ما يصلح للتخصيص يسلب الظهور عن العام في محل كلامنا ، فالعام لا ظهور له في العموم لفاعل الصغيرة لأنه قد اتصل به ما يصلح للقرينية فلا ينعقد له ظهور في العموم حتى يتمسّك بعمومه ، نعم هذا الكلام مقبول في المخصّص المنفصل لأنَّ العام منفصل عن المخصّص فينعقد له ظهور في العموم ، أما هنا فالمفروض أنَّ المخصّص متصل فلا ينعقد ظهور في العموم لفاعل الصغيرة ، فكما لا ينعقد لفاعل الكبيرة لا ينعقد لفاعل الصغيرة لأنها قال ( إلا الفاسق ) وهذا يحتمل أنه من مفهوم الفاسق فلا يوجد ظهور في العموم حتى نتمسّك به ، فماذا نصنع ؟ نرجع إلى الأصول العملية فنرى ماذا تقتضي ، فلو جاءنا شخص نجفي فاعل للصغيرة فهل نكرمه أو لا وقد قلنا العموم لا يمكن التمسّك به لأنه مجمل فالأصل العملي ماذا يقتضي فهل يجب اكرامه أو يحرم اكرامه أو يباح اكرامه ؟
والجواب:- إذا فرضنا أنَّ المولى حينما قال ( إلا الفاسق ) يعني يحرم اكرامه وغير الفاسق يجب اكرامه فإذا كان هذا مقصوده فسوف يصير فاعل الصغيرة أمره دائراً بين المحذورين بين وجوب الاكرام وبين حرمته وسوف تصير النتيجة هي التخيير العقلي لأنَّ الاحتياط هنا لا يمكن لأنه لا يمكن الجمع بين الحرام والواجب فإنه لا يمكن امتثالهما معاً ، وأما إذا كان مقصوده من ( إلا الفاسق ) يعني فلا يجب اكرامه فيصير المورد من الشك في أنه يوجد وجوب أو لا وقد قرأنا في علم الأصول أنه في بحث الأصل العملي عند الشك في وجوب صلاة الجمعة وعدم وجوبها نجري أصل البراءة والاباحة فيجري حينئذٍ أصل البراءة فمباح لك أن تكرمه أو لا تكرمه.
فصارت النتيجة عملاً واحدة ، لأنه في الدوران بين المحذورين أنت بالتالي تريد أن تختار التحريم أو تختار الوجوب ، فإما أن تكرم أو لا تكرم فهذا نتيجته صارت نتيجة الاباحة ، وإذا فرضنا أنَّ المقصود من ( إلا الفاسق ) يعني لا يجب اكرامه فهذا أيضاً يصير اباحة ، فنتيجتهما عملاً تصير هي الاباحة ، فيجوز الاكرام ويجوز عدم الاكرام لكن المنفذ والطريق مختلف ، فإذا كانت حرمة اكرام الفاسق ثابتة يصير وجه التخيير من باب دوران الأمر بين المحذورين ، وإذا كان من باب أنه لا يجب اكرام الفاسق يصير المورد من الشك في الوجوب وعدم الوجوب وكلّما دار الأمر بين الوجوب وعدمه فالأصل يقتضي الاباحة والبراءة.
إن قلت:- ألا يمكن أن نجري أصالة عدم القرينة بمقدار فاعل الصغيرة فنقول إنَّ القرينة على اخراج فاعل الكبيرة موجودة جزماً لأنه قال ( إلا الفاسق ) والقدر المتيقن هو فاعل الكبيرة ، أما وجود قرينة على فاعل الصغيرة هل هي موجودة أو ليست موجودة والأصل عدم القرينة على ذلك يعني على استثناء فاعل الصغيرة وخروجه بالمخصّص ، وسوف تصير النتيجة هي التمسّك بعموم العام فيجب اكرامه ، هذه شبهة عليمة فما هو الجواب عنها ؟
قلت:- ماذا تقصد من أصالة عدم القرينة ؟ فهل تقصد من ذلك أنه يوجد أصل عقلائي عند العقلاء في مثل هذه الموارد التي فيها المخصّص مجمل مفهوماً دائر بين السعة والضيق فالعقلاء عندهم أصالة عدم القرينة على اخراج فاعل الصغيرة ؟ فإن كان هذا مقصودك فجوابه: إنَّ هذا لم يثبت ، بل هو تحميلٌ على العقلاء - وأنَّ العقلاء عندهم أصالة عدم القرينة في هذا المورد فمتى ما شكوا فسوف يبنون على عدم القرينة ، يعني كلمة ( إلا الفاسق ) ليست قرينة على اخراج فاعل الصغيرة - ، فهذا الكلام ليس بثابت.
وإذا كان مقصودك من أصالة عدم القرينة يعني الاستصحاب ، فنقول: إنه قبل أن يتلفّظ المولى بقوله ( إلا الفاسق ) لم تكن قرينة وحينما تلفّظ نشك هل حصلت قرينة على اخراج فاعل الصغيرة فنستصحب عدم القرينة ، فهل مقصودك هو الاستصحاب ؟ وجوابه واضح:- وهو أنَّ هذا أصل مثبت ، فإن الحجّة هو ظهور العام - وهو أكرم العالم - في الشمول لفاعل الصغيرة فهذا الظهور حجّة ، فأنت أثبت لي الظهور وأنت باستصحاب عدم القرينة تريد أن تقول إذن يوجد ظهور في العموم ، ومن المعلوم أنَّ ( إذن ) هذه ليست شرعية إذ لا توجد آية ولا رواية تقول إذا لم توجد القرينة على اخراج فاعل الصغيرة فإذن يوجد ظهور في العموم فإنَّ الشرع لا يتدخل في هكذا أمور ، بل الظهور أمر تكويني عرفي فلا يمكن اثباته بأصالة عدم القرينة - يعني باستصحاب عدم القرينة - فإنَّ الاستصحاب يثبت اللوازم الشرعية دون اللوازم العرفية والتكوينية ونحن نريد الظهور وهو لازم تكويني فلا يثبت باستصحاب عدم القرينة.