39/03/10
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
39/03/10
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حكم مجهول المالك – مسألة (39 ) حكم جوائز الظالم.
الاحتمال الخامس:- أن يكون حكم مجهول المالك حكم اللقطة وحكمها كما نعرف هو التعريف لفترة سنة وبعد ذلك يتصدّق بها أو تتملك مع الضمان ، والمستند في ذلك رواية حفص بن غياث وهي:- ( محمد بن الحسن بإسناده عن الصفّار عن علي بن محمد القاساني عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث قال:- سلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص[1] دراهم أو متاعاً واللص مسلم هل يردّ عليه ؟ فقال: لا يردّه فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولاً فإن أصاب صاحبها ردّها عليه وإلا تصدق بها فإن جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم فإن اختار الأجر فله الأجر وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له )[2] .
ودلالتها تكاد تكون واضحة على أنه إذا كان يعرف أهلها يرجعها إليهم وإذا لم يعرفهم فحكمها حكم اللقطة وهنا في الرواية ذكر التصدّق ولم يذكر التملّك ولكن هذا جمع بين هذه الرواية والروايات الأخرى وهذا ليس بمهم ، فإذن هي دلت على أنه إذا لم يمكن ارجاعها فحكمها حكم اللقطة ، فماذا نصنع ؟
يمكن أن يجاب:- بأنَّ الدلالة واضحة وتامة بيد أنها واردة في موردٍ خاص وهو الوديعة ويحتمل أنَّ لها خصوصية ، فحينئذٍ نجري عملية تخصيصٍ فنقول إنَّ مجهول المالك حكمه الفحص فإذا حصل اليأس يتصدّق به إلا وديعة الشيء المسروق فإنَّ حكمه حكم اللقطة ، وهذا شيء يمكن الالتزام به.
كما أنه يمكن الالتزام بذلك كالرواية التي تقدّمت سابقاً , يعني في الدار التي هي بيدي ووصلتني من آبائي وأجدادي لا نعرف مالكها وأجدادنا وآبائنا يقولون بأن هذه الدار ليست لنا فإن الامام عليه السلام لم يجوّز بيعها وإنما جوّز ايجارها والحال أنها مجهولة المالك ، فيمكن أن نجيب عن هذه الرواية كما أجبنا عن رواية اللص فنقول إنَّ هذه الرواية خاصة بالدار التي لا يعرف مالكها فنخصّص حينئذٍ ونقول إنَّ مجهول المالك حكمه بعد الفحص التصدّق إلا وديعة السارق والدار التي لا يعرف أهلها ، ونقرأ الرواية من جديد[3] ( الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن علي بن رئاب وعبد الله بن جبلة عن اسحاق بن عمار قال:- سألته عن رجل في يده داراً وليست له ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه أنها ليست لهم ولا يدرون لمن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها ؟ قال: ما أحبّ أن يبيع ما ليس له ، قلت: فإنه ليس يعرف صاحبها ولا يدري لمن هي ولا أظن يجيء لها ربّ أبداً ، قال: ما أحبّ أن يبيع ما ليس له ، قلت: فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول ابيعك سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي ؟ قال: نعم يبيعها على هذا )[4] وهي موثقة باعتبار الحسن بن محمد بن سماعة.
ودعنا عن رواية اسحاق بن عمّار وإنما الكلام في الرواية التي كانت بأيدينا وهي رواية اللّص فنقول نلتزم بعملية التخصيص إن تم سندها .
ورواية الدار تامة لا مشكلة فيها ، أما رواية اللص فسندها فيه مشكلة وهي في القاسم بن محمد المعروف بكاسولا فهو لم يوثق ولعلّ كل قاسم لم يوثق ، وإلا فبقية رجال السند يمكن توثيقهم فإن الصفار معروف ، وعلي بن محمد القاساني قد يمكن توثيقه ، وسليمان بن داود المنقري وثقه النجاشي ، وحفص بن غياث من العامة لكنه موثق ولو بتوثيق العدّة ، فإذن الرواية تشتمل على القاسم بن محمد ، فهي محل كلام سنداً من ناحيته.
اللهم إلا أن يقال: قد رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم الأربعة – يعني محمدون الثلاثة – ونفس روايتهم عنه للرواية قد يقال إنه يوجب الاطمئنان بصدورها ، فإن قبلت بهذا فلا بأس ، وإلا فسوف يكون فيها ضعف سندي ولا تصل النوبة إلى عملية التخصيص.
الاحتمال السادس:- وجوب الدفع إلى الحاكم الشرعي.
وهذا الاحتمال لا توجد رواية تدل عليه ، وقد ذكره الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[5] ويظهر أنه قد يميل إليه واستدل له بوجهين:-
الوجه الأوّل:- إنَّ الحاكم الشرعي ولي مستحقي الصدقة - أي ولي الفقراء - .
الوجه الثاني:- إنه أعرف مواقعها.
ونصّ عبارته ( نعم يجوز الدفع إليه من حيث ولايته على مستحقي الصدقة وكونه أعرف بمواقعها ).
وعلى هذا المنوال نضيف وجهاً ثالثاً استفدناه من كلامه:- وهو أن يقال: إنَّ الحاكم وليّ الغائب - أي صاحب المال الذي ضاع ماله - ، فالحاكم الشرعي ولي في التصرّف عن صاحب المال ، ولعل ذكر هذا أولى من ذكر الوجه الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) من أن الحاكم وليّ الفقراء ، إنما المهم أن يقول هو ولي صاحب المال ، فصاحب لمال قد غاب وهو وليّه في التصرّف ، فهو حينئذٍ يأخذ المال ويتصرّف فيه بالدفع إلى الفقراء ، فتدفع جهول المالك إلى الحاكم من باب أنه أشبه بالوكيل عن صاحب المال.
ويرد على الوجه الأول:-
أوّلاً:- إنَّ هذه الولاية وإن كانت ثابتة في الموارد الأخرى إلا أنه في المقام بعدما دلت النصوص على أنَّ من عثر على مجهول المالك يفحص وعند اليأس يتصدق فهذه الروايات جعلت الولاية لمن وجد المال وعثر عليه ، فحتى لو سلّمنا بولاية الحاكم الشرعي لأنَّ بعد وجود مثل هذه الروايات لا تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي وإنما تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي إذا لم تثبت لغيره بالخصوص وقد ثبتت لغيره بالخصوص أعني من عثر على المال فلا تصل الولاية إلى الحاكم الشرعي.
ثانياً:- إنَّ الولاية للحاكم الشرعي على الفقراء لم ثبت بنحو العموم وبشكل مطلق إنَّ هذا أوّل الكلام وإنما الثابت هو ولايته من باب الحِسبة ، ويقصد من باب الحِسبة يعني في الموارد التي تقتضي المصلحة فيها التصرّف جزماً من قبيل وجود مجون عندنا أو يتامى فهؤلاء يحتاجون إلى تصرّف شخصٍ في شؤونهم وأموالهم ، فلو كان لهم بيت مثلاً فهو يحتاج إلى اصلاح أو اجارة ، وكذلك المجنون فهنالك مصلحة جزمية ولا نحتمل أن الشرع يقول أهملوا هذا الطفل أو المجنون ، فحتماً الشارع يريد التصرّف ، وهذا معروفٌ لم يسنده الشرع إلى شخص بعينه فهنا نقول إنَّ القدر المتيقن هو الحاكم الشرعي ، ومن الوضح أن الحاكم الشرعي بسبب انشغاله ينصب آخرين لترتيب الأمور وهذا يعبّر عنه من باب الحسبة ، وفي مقامنا نفس الشيء نقوله فإنَّ الفقراء لم تثبت ولاية الحاكم الشرعي عليهم ، نعم إذا فرض أنه كان من باب الحسبة والمعروف فهذا مقبول ، كأن كانت هناك أموال للفقراء وتحتاج إلى شخص يتصرّف فيها ويستثمرها وإلا سقطت عن الاعتبار مثل وجود بستان للفقراء وهذا البستان إذا ترك فسوف يتلف فهنا الشرع يريد أن يتدخل شخص في ذلك جزماً ، فهنا نقول هذا من مورد الحسبة ، فالحاكم الشرعي من باب الحسبة يكون هو الولي على الفقراء ويتصرّف ، أما كون المقام من ذلك فهو أوّل الكلام فلم تثبت الولاية للحاكم شرعي ، نعم من يبني على أنه توجد مطلقات وأدلة تثبت الولاية للحاكم فالعهدة عليه ، أما إذا قلنا إنَّ تلك الأدلة ليست بثابتة وإنما هي ثابتة في مجال التقليد وفي مجال القضاء فقط أما في مجال تصرّف في أموال الناس كما هو ليس ببعيد فالولاية تكون من باب الحِسبة ، فعلى أيّ حال لم يثبت دليل عام.
ونفس هاتين المناقشتين نسجّلهما على الاحتمال الذي ذكرناه نحن أي الوجه الثالث وهو أن نقول: بأنها تدفع إلى الحاكم الشرعي من باب أنه ولي الغائب ، فنقول إنه بعد دلالة النصوص على أنَّ من عثر على المال هو الذي يتصدّى لا تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي ويقال هو ولي الغائب .
كما تأتي لمناقشة الثانية: وهي أنَّ ولاية الحاكم شرعي على الغائب بشكل مطلق لم تثبت وإنما ثبتت في موارد الحسبة ، فإذا كان هذا من موارد الحسبة فلا بأس بها.
وأما الوجه الثاني فيردّه:-
أوّلاً:- يأتي نفس ما ذكرناه في الردّ على الوجه الأوّل حيث يقال: إنه بعدما جوّزت نصوص الروايات السابقة للشخص نفسه أن يتصدّى للدفع فلا معنى لنقل الأمر إلى الحاكم الشرعي من باب أنه أعرف ، وهذا أشبه بالاجتهاد في مقابل النص.
ثانياً:- إنَّ كون الحاكم الشرعي أعرف بموارد الصدقة - يعني أعرف بالفقراء - أوّل الكلام ، فمن قال إنَّ الحاكم الشرعي هو أعرف بالفقراء ، إنما الصلحاء من المؤمنين لعلهم أعرف من الحاكم الشرعي بذلك ، نعم الحاكم الشرعي أعرف بموارد الصرف بنحو الشبهة الحكمية لا بنحو الشبهة الموضوعية ، كما يقال ذلك في مورد صرف سهم الامام عليه السلام ، فإنه في سهم الامام قيل بأنه لابد من استئذان الحاكم الشرعي باعتبار أنه أعرف بموارد الصرف ، هنا يمكن أن يتم هذا الكلام باعتبار أنَّ المقصود من موارد الصرف يعني موارد تقوية الدين لأنَّ موارد صرف حقّ الامام تلك الموارد التي ترضي الامام عليه السلام والموارد التي ترضية هي إذا كانت تقوية للدين وتشخيص ذلك هو بنحو الشبهة الحكمية وتشخيصه يعود إلى الحاكم الشرعي فيعطيه لطلبة العلم المشتغلين وحاجة الناس الماسّة ، فأيّ فرد له حاجة ماسة إلى المستشفى مثلاً أو غيره فيصرف فيه ، فمن حيث الكبرى هو أعرف ولكن من حيث الصغرى -كأنَّ هذا من الطلبة المشتغلين أو لا فقد لا يكون أعرف به أو أنَّ هذا البلد يحتاج إلى مستشفى أو لا وهل يحتاج إلى درا عجزة أو لا - فقد لا يكون أعرف بذلك ، فعلى هذا الأساس كونه أعرف بموارد الصرف يتم في سهم الامام عليه السلام يعني في تشخيص موارد الصرف الكلّية ، أما بالنسبة إلى مقامنا فموارد الصرف مشخّصة وهي الفقراء فإنَّ الرواية هي التي شخّصت حيث قلنا إنَّ المنصرف من التصدّق ليس مطلق الاحسان وإنما المقصود هو التصدق على الفقراء ، فإذا كان المقصود هو التصدّق على الفقراء فالحاكم الشرعي ليس أعرف بالفقراء ، فإذن هذا الوجه قابل للتأمل.
وبهذا اتضح أنَّ كلا الاحتمالين - الخامس والسادس - قابلان للمناقشة كما ذكرنا.