20-01-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/01/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
ثم إن هذا البيان لإثبات اعتبار عدم وقوع الحلق ليلة العيد يتم في حق من لا يجوز له تقديم الرمي والذبح فالذي لا يجوز له أن يرمي ليلة العيد أو لا يجوز له أن يذبح ليلة العيد يتم هذا البيان بالنسبة إليه وأما من جاز له ذلك فلا يتم في حقه كما هو الحال في الخائف فإنه يجوز له تقديم الرمي ويجوز له أيضاً الذبح ليلة العيد لأنه يخاف من العدو ويجوز له آنذاك أن يحلق ليلة العيد ، وهكذا بالنسبة إلى النساء فإنه يجوز لهنَّ أن يرمين ليلة العيد فإذا جوزنا لهنّ الذبح أيضاً ليلة العيد فسوف يجوز لهنَّ حينئذٍ الحلق بمعنى أن هذا البيان لا يتم آنذاك في حقهن . إذن هذا البيان خاص بمن لا يجوز له تقديم هذين أما من جاز له تقديمهما معاً ليلة العيد فلا يتم هذا البيان في حقه كما هو واضح ولذلك يلزم أن نستدرك ونقول إن الخائف يجوز له أن يرمي ويذبح ليلة العيد فمن المناسب أنه يجوز له أن يرمي إذ المفروض أنه خائف وخوفه بنفسه هو يجوّز له ذلك وإلا يلزم أن يترك الحلق والتحلل وهذا لا نحتمله وقد استثناه هو(قده) فيما سبق - يعني في رمي جمرة العقبة في نهاية الأمر السادس من الأمور المعتبرة في رمي جمرة العقبة - فإنه هناك ذكر أن الخائف يجوز له أن يرمي جمرة العقبة ليلة العيد - فهو قد صرح هناك فراجع - ويجوز له أن يذبح ويجوز له أن يحلق ويحل وكان من المناسب له تكرار الاشارة إلى ذلك هنا لأن عدم ذكر ذلك هنا قد يفهم منه عدم الجواز . إذن الكلام يقع بالنسبة إلى غير من يجوز له تقديم هذين ليلة العيد فهل هناك دليل يدل على أنه لا يجوز له أن يحلق ليلة العيد رغم أنه جوّز له تقديم الرمي والذبح كما في النساء والشيوخ والأطفال لو جوزنا لهم الذبح ليلة العيد ؟ فالكلام يقع هنا.
وقد استدل السيد الخوئي(قده) بوجهين لإثبات عدم جواز الحلق ليلة العيد – في حق من جاز له تقديم الرمي والذبح ليلة العيد وأما الذي لا يجوز له فها على طبق القاعدة حينئذٍ لا يجوز له تقديم الحلق - بوجهين:-
الوجه الأول:- السيرة . ولم يذكر شيئاً أكثر من ذلك.
وجوابه:- إن هذه السيرة لعلها من باب أفضلية الحلق يوم العيد لا تعيّن ذلك يوم العيد فإن السيرة لا تدل على الوجوب والتعيّن.
وإذا أراد أن يضيف إضافة ويقول:- لو كان ذلك جائزاً لنقل إلينا ولا أقل يقدّمه بعضٌ فينقل ذلك وحيث لم ينقل ذلك فلا يجوز ذلك.
كان الجواب:- إن هذا لو كانت الحالة الجائزة هي الحالة العامة والطبيعية ولكن المفروض أن محلّ كلامنا هو في المعذور الذي يجوز له أن يقدّم الرمي والذبح ليلة العيد وهذه شريحة قليلة وليست واسعة حتى تستحق الالتفات والنقل التاريخي . إذن هذا الوجه قابل للمناقشة.
الوجه الثاني:- صحيحة سعيد التي مرت أكثر من مرة حيث جاء فيها ما نصه:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- معنا نساء قال أفض بهن بليلٍ ولا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة )[1] بتقريب أنها تدلّ على أن الحج إذا كان حج إفراد يعني لا يجب فيه الذبح فالنساء يجوز لهن آنذاك أن يرمين ويقصرن ليلاً ويحصل لهن الاحلال أما إذا فرض أن الحج حج تمتع فلا يجوز لهن أن يذبحن ليلاً وبالتالي لا يجوز لهن أن يقصرن فالتقصير إذن لا يجوز ليلاً في حق النساء اللاتي جاز لهنَّ الرمي ليلاً لكن رغم ذلك لا يجوز لهنَّ أن يقصّرن ليلاً ، هكذا ذكر(قده).
وهذا مبنيّ على أن نستفيد من هذه الرواية أن النساء إذا كان عليهن ذبح فلا يجوز لهنَّ أن يذبحن ليلاً بل يتعيّن أن يكون نهاراً وحينئذٍ يتم ما أفاده(قده).
ولكن يمكن أن نقول كما أشرنا إلى ذلك سابقاً:- إن المقصود هكذا:- ( إنه لو كان عليهن ذبح فلابد وأن ينتظرن ولا يجوز لهنَّ الاسراع في التقصير والذهاب إلى بيوتهن والتحلّل بل عليهن أن يحققن الذبح آنذاك ) ، إن هذا شيء محتمل في المقصود من هذه الصحيحة فهي مردّدة بين احتمالين فيحتمل أن يكون المقصود ما شار إليه(قده) وهو أن الذبح لا يجوز لهنَّ ليلاً وبالتالي لا يجوز لهنَّ التقصير ويحتمل هذا الذي نقوله وهو أنه إذا كان عليهنَّ ذبح فالإسراع في القصير لا يجوز بل لابد وأن يحققن الذبح أوّلاً ثم بعد ذلك يقصّرن فإنها قالت هكذا:- ( فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ثم يقصّرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة ) يعني إن لم يكن عليهن ذبح فلا يجوز لهن أن يقصرن ويذهبن إلى مكة بل لابد وأن يحققن الذبح فالرواية تحتمل كلا المطلبين فتعود مجملة.
على أنه لو تمّ ما أراده(قده) فغاية ما يثبت بذلك هو أن من لا يجوز له الذبح ليلاً لا يجوز له – بموجب هذه الرواية - التقصير أما أنه من جاز له ذلك - أي من جاز له الذبح ليلاً - فرغم ذلك لا يجوز له التقصير ليلاً فهذه لا يستفاد منها ومحلّ كلامنا هو هذا يعني أن من جاز له الرمي والذبح ليلاً هل يجوز له التقصير ليلاً أو لا ؟ أما من لا يجوز له ذلك فلا يجوز له التقصير ليلاً بلا اشكال لشرطية الترتيب فلا يجوز له آنذاك التقصير أو الحلق ليلاً . إذن كلا الوجهين لا يمكن أن يثبتا ما أراد.
والنتيجة النهائية هي:- إن الشخص الطبيعي لا يجوز له التقصير أو الحلق ليلة العيد لاعتبار شرطية الترتيب أما مثل الخائف فحيث يجوز له الرمي والذبح ليلاً فيجوز له أيضاً التقصير أو الحلق ليلاً بمقتضى وظيفته لأنه خائف فنفس الخوف يجوّز له هذه الأمور الثلاثة مضافاً إلى أنه توجد رواية دلت على ذلك ، وأما بالنسبة إلى غير ذلك كالنساء والشيوخ والضعفاء فلا اشكال في جوازه لهم ليلاً ، وأما بالنسبة للذبح فإن جوّزناه لهنّ فالمناسب أيضاً جواز التقصير أو الحلق لعدم الدليل على المنع آنذاك وأما إذا لم نجوّز لهم الذبح ليلاً فلا يجوز لهم التقصير أو الحلق أيضاً باعتبار شرطية الترتيب بين الحلق والذبح.
هذا كله بالنسبة إلى تقديم الحلق أو التقصير ليلة العيد.
وأما النسبة إلى تأخير الحلق أو التقصير عن يوم العيد - يعني إلى ليلة الحادي عشر أو إلى يوم الحادي عشر أو الثاني عشر - فقد تقدّم من صاحب المدارك(قده) أن المشهور عدم الجواز ولكن المنقول عن الحلبي والعلامة في كتابيه الجواز باعتبار أن الشرع حدّد البداية ولم يحدّد النهاية ، هذا بالنسبة الى الفتوى الفقهية.
وأما بالنسبة إلى الدليل:- فقد نقل النراقي(قده) في مستنده وجهين لإثبات عدم جواز التأخير عن يوم العيد - يعني إلى ليلة الحادي عشر أو يوم الثاني عشر - والسيد الخوئي(قده) أضاف وجهاً ثالثاً فصار مجموع الوجوه ثلاثة وهي:-
الوجه الأول:- صحيحة محمد بن حمران:- ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج - غير المتمتع - يوم النحر ما يحلّ له ؟ قال:- كل شيء إلا النساء ، وعن المتمتع ما يحلّ له يوم النحر ؟ قال:-كل شيء إلا النساء والطيب )[2] بتقريب أن السؤال كان عن المتمتع ما يحلّ له يوم النحر ؟ فقال له:- كل شيء إلا النساء والطيب وهذا معناه أن الحلق يلزم ايقاعه في يوم العيد إذ لو لم يقع يوم العيد فالذي لا يحلّ حينئذٍ يكون أكثر من النساء والطيب بل كل محرمات الاحرام تكون حينئذٍ باقية على التحريم لأن التحريم يزول بشطره الأكبر بسبب الحلق أو التقصير فهذا معناه أنه يلزم ايقاعه في يوم العيد فلذلك قال الامام عليه السلام أنه يحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب . هكذا قد يستدل بهذه الرواية وقد تقدمت عندنا سابقاً.
والجواب ما أشرنا إليه:- وهو أنه من المحتمل أن يكون ذلك من باب جريان العادة والحالة الطبيعية والحاج يحب أن يتحلّل لا أن يتأخر فيأتي بالحلق أو التقصير يوم العيد فلذلك قال الإمام عليه السلام أنه يحلّ له كل شيء إلا النساء والطيب . إذن لا يمكن أن نستفيد من هذا تعيّن إيقاع الحلق أو التقصير يوم العيد بل لعلّ ذلك من أنه الحالة الطبيعية التي يميل إليها الانسان.
الوجه الثاني:- موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوم النحر يحلق رأسه ويقلّم أظفاره )[3] فإنها دلت على أن النبي صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك فإذا ضممنا إليه كبرى الإسوة ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ [4]فيثبت بذلك تعين ايقاع الحلق أو التقصير يوم العيد.
وجوابه واضح:- فإن الفعل أعم من اللزوم فلعله كان صلى الله عليه وآله يفعله من باب أنه الراجح ولا يدل على الزوم وآية الأسوة لا تدلّ على لزوم الفعل بل هي تدل على أن الـتأسي به صلى الله عليه وآله لازم والتأسي إنما يكون بالإتيان بالشيء على النحو الذي كان يأتي به فإذا كان يأتي به بنحو اللزوم فيصير علينا لازماً وإذا كان يأتي به بنحو الاستحباب فيصير علينا مستحباً . إذن كبرى الأسوة لا تثبت أنه كان يأتي به بنحو اللزوم فإذا كان يأتي به بنحو اللزوم فأنتم أيها الناس يلزم عليكم ذلك أيضاً أما أنه كان يأتي به بنحو اللزوم فهذا هو عين المتنازع فيه ، فإذن لا يمكن أن نتمسك بهذا الوجه أيضاً.
ثم إن هذا البيان لإثبات اعتبار عدم وقوع الحلق ليلة العيد يتم في حق من لا يجوز له تقديم الرمي والذبح فالذي لا يجوز له أن يرمي ليلة العيد أو لا يجوز له أن يذبح ليلة العيد يتم هذا البيان بالنسبة إليه وأما من جاز له ذلك فلا يتم في حقه كما هو الحال في الخائف فإنه يجوز له تقديم الرمي ويجوز له أيضاً الذبح ليلة العيد لأنه يخاف من العدو ويجوز له آنذاك أن يحلق ليلة العيد ، وهكذا بالنسبة إلى النساء فإنه يجوز لهنَّ أن يرمين ليلة العيد فإذا جوزنا لهنّ الذبح أيضاً ليلة العيد فسوف يجوز لهنَّ حينئذٍ الحلق بمعنى أن هذا البيان لا يتم آنذاك في حقهن . إذن هذا البيان خاص بمن لا يجوز له تقديم هذين أما من جاز له تقديمهما معاً ليلة العيد فلا يتم هذا البيان في حقه كما هو واضح ولذلك يلزم أن نستدرك ونقول إن الخائف يجوز له أن يرمي ويذبح ليلة العيد فمن المناسب أنه يجوز له أن يرمي إذ المفروض أنه خائف وخوفه بنفسه هو يجوّز له ذلك وإلا يلزم أن يترك الحلق والتحلل وهذا لا نحتمله وقد استثناه هو(قده) فيما سبق - يعني في رمي جمرة العقبة في نهاية الأمر السادس من الأمور المعتبرة في رمي جمرة العقبة - فإنه هناك ذكر أن الخائف يجوز له أن يرمي جمرة العقبة ليلة العيد - فهو قد صرح هناك فراجع - ويجوز له أن يذبح ويجوز له أن يحلق ويحل وكان من المناسب له تكرار الاشارة إلى ذلك هنا لأن عدم ذكر ذلك هنا قد يفهم منه عدم الجواز . إذن الكلام يقع بالنسبة إلى غير من يجوز له تقديم هذين ليلة العيد فهل هناك دليل يدل على أنه لا يجوز له أن يحلق ليلة العيد رغم أنه جوّز له تقديم الرمي والذبح كما في النساء والشيوخ والأطفال لو جوزنا لهم الذبح ليلة العيد ؟ فالكلام يقع هنا.
وقد استدل السيد الخوئي(قده) بوجهين لإثبات عدم جواز الحلق ليلة العيد – في حق من جاز له تقديم الرمي والذبح ليلة العيد وأما الذي لا يجوز له فها على طبق القاعدة حينئذٍ لا يجوز له تقديم الحلق - بوجهين:-
الوجه الأول:- السيرة . ولم يذكر شيئاً أكثر من ذلك.
وجوابه:- إن هذه السيرة لعلها من باب أفضلية الحلق يوم العيد لا تعيّن ذلك يوم العيد فإن السيرة لا تدل على الوجوب والتعيّن.
وإذا أراد أن يضيف إضافة ويقول:- لو كان ذلك جائزاً لنقل إلينا ولا أقل يقدّمه بعضٌ فينقل ذلك وحيث لم ينقل ذلك فلا يجوز ذلك.
كان الجواب:- إن هذا لو كانت الحالة الجائزة هي الحالة العامة والطبيعية ولكن المفروض أن محلّ كلامنا هو في المعذور الذي يجوز له أن يقدّم الرمي والذبح ليلة العيد وهذه شريحة قليلة وليست واسعة حتى تستحق الالتفات والنقل التاريخي . إذن هذا الوجه قابل للمناقشة.
الوجه الثاني:- صحيحة سعيد التي مرت أكثر من مرة حيث جاء فيها ما نصه:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- معنا نساء قال أفض بهن بليلٍ ولا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة )[1] بتقريب أنها تدلّ على أن الحج إذا كان حج إفراد يعني لا يجب فيه الذبح فالنساء يجوز لهن آنذاك أن يرمين ويقصرن ليلاً ويحصل لهن الاحلال أما إذا فرض أن الحج حج تمتع فلا يجوز لهن أن يذبحن ليلاً وبالتالي لا يجوز لهن أن يقصرن فالتقصير إذن لا يجوز ليلاً في حق النساء اللاتي جاز لهنَّ الرمي ليلاً لكن رغم ذلك لا يجوز لهنَّ أن يقصّرن ليلاً ، هكذا ذكر(قده).
وهذا مبنيّ على أن نستفيد من هذه الرواية أن النساء إذا كان عليهن ذبح فلا يجوز لهنَّ أن يذبحن ليلاً بل يتعيّن أن يكون نهاراً وحينئذٍ يتم ما أفاده(قده).
ولكن يمكن أن نقول كما أشرنا إلى ذلك سابقاً:- إن المقصود هكذا:- ( إنه لو كان عليهن ذبح فلابد وأن ينتظرن ولا يجوز لهنَّ الاسراع في التقصير والذهاب إلى بيوتهن والتحلّل بل عليهن أن يحققن الذبح آنذاك ) ، إن هذا شيء محتمل في المقصود من هذه الصحيحة فهي مردّدة بين احتمالين فيحتمل أن يكون المقصود ما شار إليه(قده) وهو أن الذبح لا يجوز لهنَّ ليلاً وبالتالي لا يجوز لهنَّ التقصير ويحتمل هذا الذي نقوله وهو أنه إذا كان عليهنَّ ذبح فالإسراع في القصير لا يجوز بل لابد وأن يحققن الذبح أوّلاً ثم بعد ذلك يقصّرن فإنها قالت هكذا:- ( فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ثم يقصّرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة ) يعني إن لم يكن عليهن ذبح فلا يجوز لهن أن يقصرن ويذهبن إلى مكة بل لابد وأن يحققن الذبح فالرواية تحتمل كلا المطلبين فتعود مجملة.
على أنه لو تمّ ما أراده(قده) فغاية ما يثبت بذلك هو أن من لا يجوز له الذبح ليلاً لا يجوز له – بموجب هذه الرواية - التقصير أما أنه من جاز له ذلك - أي من جاز له الذبح ليلاً - فرغم ذلك لا يجوز له التقصير ليلاً فهذه لا يستفاد منها ومحلّ كلامنا هو هذا يعني أن من جاز له الرمي والذبح ليلاً هل يجوز له التقصير ليلاً أو لا ؟ أما من لا يجوز له ذلك فلا يجوز له التقصير ليلاً بلا اشكال لشرطية الترتيب فلا يجوز له آنذاك التقصير أو الحلق ليلاً . إذن كلا الوجهين لا يمكن أن يثبتا ما أراد.
والنتيجة النهائية هي:- إن الشخص الطبيعي لا يجوز له التقصير أو الحلق ليلة العيد لاعتبار شرطية الترتيب أما مثل الخائف فحيث يجوز له الرمي والذبح ليلاً فيجوز له أيضاً التقصير أو الحلق ليلاً بمقتضى وظيفته لأنه خائف فنفس الخوف يجوّز له هذه الأمور الثلاثة مضافاً إلى أنه توجد رواية دلت على ذلك ، وأما بالنسبة إلى غير ذلك كالنساء والشيوخ والضعفاء فلا اشكال في جوازه لهم ليلاً ، وأما بالنسبة للذبح فإن جوّزناه لهنّ فالمناسب أيضاً جواز التقصير أو الحلق لعدم الدليل على المنع آنذاك وأما إذا لم نجوّز لهم الذبح ليلاً فلا يجوز لهم التقصير أو الحلق أيضاً باعتبار شرطية الترتيب بين الحلق والذبح.
هذا كله بالنسبة إلى تقديم الحلق أو التقصير ليلة العيد.
وأما النسبة إلى تأخير الحلق أو التقصير عن يوم العيد - يعني إلى ليلة الحادي عشر أو إلى يوم الحادي عشر أو الثاني عشر - فقد تقدّم من صاحب المدارك(قده) أن المشهور عدم الجواز ولكن المنقول عن الحلبي والعلامة في كتابيه الجواز باعتبار أن الشرع حدّد البداية ولم يحدّد النهاية ، هذا بالنسبة الى الفتوى الفقهية.
وأما بالنسبة إلى الدليل:- فقد نقل النراقي(قده) في مستنده وجهين لإثبات عدم جواز التأخير عن يوم العيد - يعني إلى ليلة الحادي عشر أو يوم الثاني عشر - والسيد الخوئي(قده) أضاف وجهاً ثالثاً فصار مجموع الوجوه ثلاثة وهي:-
الوجه الأول:- صحيحة محمد بن حمران:- ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج - غير المتمتع - يوم النحر ما يحلّ له ؟ قال:- كل شيء إلا النساء ، وعن المتمتع ما يحلّ له يوم النحر ؟ قال:-كل شيء إلا النساء والطيب )[2] بتقريب أن السؤال كان عن المتمتع ما يحلّ له يوم النحر ؟ فقال له:- كل شيء إلا النساء والطيب وهذا معناه أن الحلق يلزم ايقاعه في يوم العيد إذ لو لم يقع يوم العيد فالذي لا يحلّ حينئذٍ يكون أكثر من النساء والطيب بل كل محرمات الاحرام تكون حينئذٍ باقية على التحريم لأن التحريم يزول بشطره الأكبر بسبب الحلق أو التقصير فهذا معناه أنه يلزم ايقاعه في يوم العيد فلذلك قال الامام عليه السلام أنه يحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب . هكذا قد يستدل بهذه الرواية وقد تقدمت عندنا سابقاً.
والجواب ما أشرنا إليه:- وهو أنه من المحتمل أن يكون ذلك من باب جريان العادة والحالة الطبيعية والحاج يحب أن يتحلّل لا أن يتأخر فيأتي بالحلق أو التقصير يوم العيد فلذلك قال الإمام عليه السلام أنه يحلّ له كل شيء إلا النساء والطيب . إذن لا يمكن أن نستفيد من هذا تعيّن إيقاع الحلق أو التقصير يوم العيد بل لعلّ ذلك من أنه الحالة الطبيعية التي يميل إليها الانسان.
الوجه الثاني:- موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوم النحر يحلق رأسه ويقلّم أظفاره )[3] فإنها دلت على أن النبي صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك فإذا ضممنا إليه كبرى الإسوة ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ [4]فيثبت بذلك تعين ايقاع الحلق أو التقصير يوم العيد.
وجوابه واضح:- فإن الفعل أعم من اللزوم فلعله كان صلى الله عليه وآله يفعله من باب أنه الراجح ولا يدل على الزوم وآية الأسوة لا تدلّ على لزوم الفعل بل هي تدل على أن الـتأسي به صلى الله عليه وآله لازم والتأسي إنما يكون بالإتيان بالشيء على النحو الذي كان يأتي به فإذا كان يأتي به بنحو اللزوم فيصير علينا لازماً وإذا كان يأتي به بنحو الاستحباب فيصير علينا مستحباً . إذن كبرى الأسوة لا تثبت أنه كان يأتي به بنحو اللزوم فإذا كان يأتي به بنحو اللزوم فأنتم أيها الناس يلزم عليكم ذلك أيضاً أما أنه كان يأتي به بنحو اللزوم فهذا هو عين المتنازع فيه ، فإذن لا يمكن أن نتمسك بهذا الوجه أيضاً.