1439/10/22
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
39/10/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مبحث حجية الظواهر.
التفصيل الخامس:- ما ذكره صاحب القوانين(قده)[1] في موارد متعدّدة ، ومحصله:- إنَّ حجية الظهور تختص بالمقصود بالإفهام ، يعني الامام عليه السلام حينما يتكلّم فالشخص الذي يقصد الامام تفهيمه يكون ظهور كلام الامام حجة في حقة ، فتختص حجية الظهور بمن يقصد المتكلم إفهامه.
ثم نضيف مقدمة ثانية:- وهي أننا لسنا مقصودين بالإفهام وإنما الامام يقصد تفهيم من يتكلّم معهم كزرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما ، وعليه فسوف تصير النتيجة هي أنَّ ظهور كلام الامام عليه السلام ليس بحجة في حقنا لأننا ليسنا مقصدين بالإفهام والظهور حجة في حق من يقصد إفهامه ، فلا يكون الظهور حجة في حقنا.
إذن تفصيله يبتني على مقدمتين الأولى وهي المهمة ، وهي أنَّ حجة الظهور تختص بمن قصد إفهامه ، والمقدمة الثانية وهي الصغرى وهي أنا لسنا مقصودين بالإفهام ، والنتيجة هي أنَّ ظهور كلام الامام الروايات ليس حجة في حقنا.
ورتّب على هذا التفصيل أنه قال بانسداد باب العلم والعلمي وصار إلى حجية مطلق الظن ، يعني إذا كانت الروايات ليست حجة في حقنا فإذن باب العلم بالأحكام والظن الخاص منسدّ علينا فمن أين نحصل على الحكم فإنَّ كل ما هو موجود عندنا هو الروايات والروايات ظهورها ليس بحجة في حقنا ، فإذن باب العلم والعلمي مسندٌّ ، فإذن كلَّ ظنٍّ بالحكم يكون حجة.
فهو صار إلى حجية مطلق الظن نتيجة أنه يرى أنَّ حجية الظواهر تختص بمن قصد إفهامه ونحن لم يقصد إفهامنا.
وحاول الشيخ الأعظم(قده)[2] أن يذكر توجيهاً لهذا الرأي:- لأنَّ القمي(قده) لم يذكر توجيهاً لذلك وهذا غريب منه ، فإنه حينما قال إنَّ الظهور حجة فيمن قصد إفهامه التي هي المقدمة الأساسية لا بد أن يذكر الدليل على ذلك لكنه لم يذكر دليلاً ، والشيخ الأعظم(قده) حاول أن يذكر دليلاً لهذه المقدمة الأساسية وتقريباً وحاصله أن قال:- إنَّ المخاطب المقصود بالإفهام قد يحتمل أنَّ المتكلم يريد خلاف ظاهر كلامه ولكن لابد من قرينة إذا كان يريد خلاف ظاهر كلامه وتلك القرينة غفل عن بيانها المتكلم أو غفل عن الالتفات إليها السامع المقصود بالإفهام ، فهنا يمكن أن ننفي هذه القرينة بأصالة عدم الغفلة من المتكلم أو من السامع - أو سمّها أصالة عدم القرينة - ، فمادمت أنا المقصود بالإفهام والمتكلم يريد إفهامي فهنا تبانى جميع العقلاء على عدم نصب القرينة وعدم غفلة المتكلم عن نصب القرينة وعدم غفلة السامع عن الالتفات إليها بلا إشكال ، وأما إذا كان اشخص غير مقصود بالإفهام مثلنا واحتملنا أنَّ المتكلم يريد معنىً خلاف الظاهر لقرينةٍ فهنا لا يمكن نفي تلك القرينة مادمت أنا غير مقصود بالإفهام ، ولا يمكن اجراء أصالة عدم غفلة المتكلم وعدم غفلة السامع ، لأنه هنا يحتمل وجود قرينة لم نعثر عليها بسبب غير الغفلة ، كما إذا كانت القرينة عهدية بين الامام المتكلم وبين المقصود بالإفهام ، أو كانت القرينة حالية ، فإنه في بعض الأحيان الحال والمقام هو الذي يكون قرينة ، ففي مثل هذه الحالة لا يمكن نفي هذه القرينة المحتملة بأصالة عدم الغفلة ، لأنَّ المنشأ لعدم الالتفات إليها ليس هو الغفلة ، بل لأنَّ طبيعة القرينة هي خاصة بين المتكلم والمقصود بالإفهام ولا يمكن نفيها - أي القرينة الحالية أو العهدية - بأصالة عدم القرينة أو بأصالة عد الغفلة.
هذا منشأ تفصيل القمي بحسب توجيه الشيخ الأعظم.
ثم ذكر الشيخ الأعظم(قده) بيانين آخرين ادّعى فيهما وقال:- إنه حتى لو كنّا نحن مقصودون بالإفهام رغم ذلك لا نتمكن أن نجري أصالة عدم القرينة أو أصالة الظهور ، فالظهور ليس بحجة ، ولماذا لا يمكن أجراءهما ؟ وذلك لبيانين:-
البيان الأوّل:- إنَّ سيرة الأئمة عليهم السلام جرت على الاعتماد على القرائن المنفصلة ، وما دام المتكلم من شأنه الاعتماد على القرائن المتفصلة فنحتمل أنَّ هذا الكلام الذي تكلّم به الامام توجد على خلاف الظاهر قرينة منفصلة يذكرها في كلامٍ آخر يأتي في المستقبل إذا كنّا في عصر وجود الأئمة عليهم السلام أو هي موجودة في كلماتهم الأُخَر ، فبالتالي لا يمكن التمسّك بالكلام العام أو المطلق فإنَّ أصالة حجية الظهور أو أصالة عدم القرينة هنا لا تجري عند العقلاء مادام المتكلم يعتمد على القرائن المنفصلة ، فلا يمكن تطبيق أصالة عدم القرينة المنفصلة ، فهذا البيان يجري حتى لو قلنا بأنا نحن مقصودون بالإفهام.
البيان الثاني:- إنَّ أخبار الأئمة عليهم السلام وكلامهم وصل إلينا مقطّعاً ولم يصل بكامله ، لأنَّ الأصحاب كانوا يسجّلون كلامهم ولكن بعد ذلك فرّقوا الرواية على الأبواب فوصل كلامهم مقطّعاً ، ومادام قد وصل إلينا مقطّعاً فالظهور لا ينعقد ، أو قل الظهور ينعقد ولكن أصالة حجية الظهور لا تجري ، لأنَّ هذا ليس مل كلام الامام وإذا لم يكن هذا كلام الامام بأجمعه بل نحتمل وجود أجزاء أخرى ، فلعل القرينة موجودة في تلك الأجزاء الأخرى التي قُطّعت وأصالة عدم القرينة إنما تجري فيما إذا شك في أصل وجود القرينة لا ما إذا شك في قرينية الموجود ، لأننا نحتمل وجود كلام منقطّع ونحتمل أنه قرينة وعند الشك في قرينية الموجود لا نجزم بانعقاد سيرة العقلاء على العمل بالظهور ونفي القرينة فإنَّ هذا ليس بواضح ، إنما العقلاء يبنون على الظهور وحجية الظهور إذا كان كلام المتكلم وصل إلينا بأجمعه لا ببعض ولبعض الآخر موجود في مكان آخر ، نعم إذا وصل إلينا بأجمعه فنعم يعملون بالظهور وينفون القرينة بأصالة عدم القرينة ، أما إذا لم يصب بأكمله فأوّل الكلام العقلاء يبنون على حجية الظهور وأصالة عدم القرينة.
وما ذكره الشيخ الأعظم(قده) من البيانين لا بأس بهما.
فإذن صار للشيخ الأعظم ثلاث كلمات.
أما الكلام الأوّل الذي ذكره[3] :- فقد ردّ عليه العلمان النائيني(قده)[4] والسيد الخوئي(قده)[5] بما حاصله:- إنَّ الشخص إذا لم يكن مقصوداً بالإفهام نسلّم أنَّ أصالة عدم الغفلة لا تجري لأنه يوجد منشأ آخر لعدم الالتفات إلى القرينة غير الغفلة وهو الاعتماد على العهد وعلى القرينة الحالية ، فهنا صحيح أصالة عدم الغفلة لا تجري كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) ، ولكن يوجد أصل آخر أوسع وهو أصالة عدم القرينة ، فالعقلاء عندهم أصلان هما أصالة عدم الغفلة عن القرينة وهذا الا يجري في موردنا ، لأنَّ منشأ عدم العثور على القرينة ليس هو الغفلة بل احتمال العهد أو القرينة الحالية ، ولكن يوجد أصل ثانٍ ينفي ويرفع كل قرينة محتملة وهو أصالة عدم القرينة ، فلئن تعذّر جريان الأصل الأوّل فعندنا الأصل الثاني ينفي كل قرينة ، فهنا نحتمل وجود قرينة في كلام الامام عليه السلام ولكن من قبيل العهد أو الحال وصحيحٌ أنَّ هذه لا يمكن نفيها بأصالة عدم الغفلة ولكن يمكن نفيها بالأصل العقلائي الثاني وهو أصالة عدم القرينة ، فإذن لا مشكلة في البين.