1440/03/26
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
40/03/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
ونحن نريد أن نبحث هذا الموضوع من خلال طرح مجموعة من الأسئلة ونجيب عليها:-السؤال الأول:- هل الحجة خصوص الخبر الصحيح أو يعم الموثق ، أو يعم أكثر من ذلك - يعني حتى الحسن - ، أو أنه يختص بالأول فقط ، أو الأول والثاني ، أو الثلاث الأُوَل دون الأخير ؟
السؤال الثاني:- إنه بناءً على أنَّ خبر الثقة حجة ولا تختص الحجية بالخبر الصحيح هل المدار على خبر الثقة ، أو أنَّ المدار على الوثوق ، أو أنَّ المدار على اجتماع كلا الأمرين ؟
السؤال الثالث:- هل الخبر الضعيف ينجبر بعمل المشهور أو لا ؟
السؤال الرابع:- هل الخبر الحجة - الصحيح مثلاً - يسقط عن الحجية بإعراض المشهور ، أو بتعبير آخر هل الشهرة كاسرة ، أو هي جابرة فقط وليست كاسرة ، أو هي كاسرة وجابرة معاً ؟
السؤال الخامس:- هل تنجبر دلالة الخبر بعمل المشهور[1] ، فالدلالة الضعيفة للرواية هل تنجبر بفهم وعمل المشهور ؟
السؤال السادس:- هل الحجة خصوص الخبر الحسّي أو يعم الحدسي ؟
السؤال السابع:- هل أخبار الكتب الأربعة قطعية جميعاً كما ينسب إلى بعض ، أو لا أقل هي معتبرة ، أو أنها ليست كذلك ؟
جواب السؤال الأول:-أما الخبر الصحيح[2] فهو القدر المتيقن من دليل الحجية ، وأما بالنسبة إلى خبر الثقة[3] فيمكن أن يقال بحجيته ، والوجه في ذلك هو السيرة ، فإنها منعقدة على ذلك ، يعني مادام ثبت أنَّ الشخص لا يكذب فسوف نأخذ بخبره وذلك بحسّنا العقلائي ، فلو عرفنا أنَّ الشخص يرتكب أموراً لكنه لا يكذب فسوف نأخذ بخبره ، لأنَّ المهم هو أنه لا يكذب.
إن قلت:- إنَّ هذه سيرة عقلائية وحجيتها مشروطة بعدم الردع ، والردع موجود في المقام ، وهو آية النبأ حيث قالت بمنطوقها ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبنوا ﴾ والتبيّن كناية عن عدم الحجية ، وغير العادل يشمله عنوان الفاسق بمقتضى منطوق الآية الكريمة.
قلت:- إنَّ مناسبات الحكم والموضوع تقضي بتفسير الفاسق بالذي يكذب لا الذي يرتكب المحرّمات الأخرى لكنه لا يكذب ، فيوجد عندنا أناس كثيرون يرتكبون المحرّمات كأن يستغيب ولكنه لا يكذب فهذا فاسق ، فالمقصود من الفاسق هنا هو الكاذب والمفروض أنَّ هذا ليس بكاذبٍ ، وليس المقصود من الفاسق هنا هو من يرتكب المحرّمات ولو غير الكذب ، هكذا تقتضي مناسبات الحكم والموضوع.
ولو قلت:- كيف أنَّ مناسبات الحكم والموضوع تقتضي ذلك ؟
قلت:- لأن الآية الكريمة ناظرة إلى الخبر وهي تقول خذ بالخبر ولا تأخذ بالخبر ، والحيثية التي تؤثر على الأخذ بالخبر وعدم الأخذ به هي حيثية أنه يكذب أو لا يكذب ، أما القضايا الأخرى كأنه كان يستغيب أو غير ذلك فهذه لا تؤثر على الأخذ بالخبر ، والآية الكريمة تريد أن تبيّن مطلباً عقلائياً وليس مطلباً تعبّدياً ، فعلى هذا الأساس هذه المناسبة تقتضي أن يكون المقصود من الفاسق الذي يلزم التبيّن عنه هو خصوص من يكذب - أي الذي لا ملكة له تردعه عن الكذب - وليس القصود أنه لا يرتكب المحرّمات ، فإنَّ هذا ليس له ربط مع وجوب التبيّن وعدم وجوب التبيّن ، فعلى هذا الأساس لا تصير الآية الكريمة رادعة.
ونتمكن أن نذكر توجيهاً وتقريباً لحجية خبر الثقة غير مسألة السيرة:- يعني أنَّ الخبر الموثق حجة لوجهين الأول هو السيرة والثاني هو هذا الوجه ، وهو رواية عبد العزيز بن المهتدي[4] ، وسندها:- محمد بن مسعود[5] عن محمد بن نصير[6] عن محمد بن عيسى[7] عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا عليه السلام:- ( قال:- قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال:- نعم )[8] .
وهذه الرواية صحيحة السند ، وقد قلنا إنَّ الصحيحة هي قدرٌ متيقّنٌ وقد دلت على حجية خبر الثقة ، فهو كان عنده كلام في الصغرى أما الكبرى فهي مسلّمة عنده ، فهي قد دلت على أنَّ كل خبر ثقةٍ هو حجّة ، والمفروض أنها صحيحة ، فلا يلزم من ذلك توقف الشيء على نفسه.إن قلت:- إنَّ هذه الصحيحة خاصة بمعالم الدين ، فهي قالت ( .... ثقة آخذ منه معالم ديني ؟ .... ) فلا تشمل مقامنا ؟
قلت:- إذا كانت هي حجة في معالم الدين التي هي مهمة فمن باب أولى تكون حجة في غيرها ، مثل كون فلان عادلاً أو ما شاكل ذلك.
وأما الخبر الحسن[9] :- فقد ذهب العلمان النائيني والخوئي(قده) إلى حجية خبره ، ولكن كل واحد تمسّك بتقريب:-
تقريب السيد الخوئي(قده)[10] :- وحاصله: إنَّ السيرة جرت على قبول خبر الممدوح ، فلو فرض أن العبد أوصل إليه شخصٌ ممدوحٌ أمراً من المولى وأنَّ المولى يأمرك بأن تصنع كذا وكذا ألا يأخذ هذا العبد بهذه الرسالة وينفّذ ما نقل إليه ؟ نعم هو يطبّق ذلك ، وهذا معناه أنَّ السيرة جارية على الأخذ بخبر الممدوح.
وفي الجواب نقول:- إنَّ المدح بشكلين ، فمرّة المدح لا يستلزم التوثيق ، كأن يفترض أنه قال ( هذا شخص عالم ذكي يقضي حوائج الناس) ، ومرة المدح يستلزم التوثيق ، فإذا فرض أنه كان هناك مدح ولكن لا يستلزم التوثيق ، يعني أنَّ الذي يوصل الرسالة إلى العبد كان شخصاً عالماً فاضلاً يدرّس ومن هذا القبيل فهل يقبل العبد الرسالة وهل السيرة جرت على قبول هذا ؟ إنَّ هذا ليس بثابت ، بل نشكك في انعقاد سيرةٍ من هذا القبيل ، وأما إذا كان المدح يستلزم التوثيق فذاك معناه أنه قد وُثِّقَ ، وهذا خروج عن محل الكلام.