25-02-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/02/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الرواية الخامسة:- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال:- ( ولد لأبي الحسن مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيصٍ[1] فيه زعفران وكنّا قد حلقنا قال عبد الرحمن فأكلت أنا وأبى الكاهلي ومرازم أن يأكلا منه وقالا لم نزر البيت فسمع أبو الحسن عليه السلام كلامنا فقال لمصادف وكان هو الرسول الذي جاءنا به:- في أي شيءٍ كانوا يتكلمون ؟ فقال:- أكل عبد الرحمن وأبى الآخران فقالا لم نزر بعد البيت ، فقال:- أصاب عبد الرحمن ، ثم قال:- أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه وأبى عبد الله أخي أن يأكل منه فلما جاء أبي حرَّشَهُ عليَّ فقال يا أبَ إن موسى أكل خبيصاً فيه زعفران ولم يزر بعدُ فقال أبي هو أفقه منك أليس قد حلقتم رؤوسكم )[2] وهي تدلّ على جواز استعمال الطيب بعد الحلق أو التقصير وقد دلت على ذلك في فقرات متعددة أحدها ( أصاب عبد الرحمن ) فهي تدلّ على أن فعل عبد الرحمن - وهو أكل الخبيص الذي فيه زعفران - قبل زيارة البيت جائز ، الموضع الثاني هو أن الامام موسى عليه السلام أكل خبيصاً ولم يأكل عبد الله الأفطح وهذا أيضاً فعلٌ للإمام وهو حجّة ، والموضع الثالث هو ( فقال أبي هو أفقه منك أليس قد حلقتم رؤوسكم ) فإنه يدل على أنه بحلق الرؤوس يجوز آنذاك أكل الطيب.
وذكر صاحب الوسائل(قده) في نهاية الحديث أن الشيخ الطوسي(قده) حمل هذه الرواية على غير المتمتع - أي حج القران أو الأفراد - ونحن نعرف أن حج الإفراد أو القران يجوز فيه استعمال الطيب بعد الحلق أو التقصير كما دلت عليه بعض الروايات كما نقلنا ذلك فيما سبق كما رواه محمد بن حمران:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحلّ له ؟ قال:- كلّ شيءٍ إلا النساء وعن المتمتع ؟ قال:- كلّ شيءٍ الا النساء والطيب )[3] ودلالتها واضحة على أن غير المتمتع بكلا قسميه القارن والمفرد قبل زيارة البيت - وإلا بعد زيارة البيت المتمتع أيضاً يحلّ له الطيب - يحلّ له الطيب وعمل بها جملة من الأصحاب ، فالشيخ الطوسي حمل صحيحة بن الحجاج على غير المتمتع ووافقه على ذلك صاحب الجواهر(قده)[4] ، هذا ما قيل.
ولكن يمكن أن يقال:- إن من البعيد إن الامام عليه السلام - وأقصد أبا الحسن عليه السلام - يحج مرتين ولا يكون متمتعاً والحال أن التمتع هو الحج الأفضل واللائق بالإمام أن يأتي بالحج الأفضل وربما في حجةٍ كان هناك عذر من الاتيان بحج التمتع لكن في حجتين فهذا شيءٌ بعيد والمفروض هنا أنه تحقّق ذلك في حجتين لأن الرواية تقول في حجة سابقة ( حرَّشَ أبي أخي عبد الله عليَّ ) والامام أكل وتناول الزعفران وهذه حجّة ثانية التي كان فيها عبد الرحمن ومرازم وعبد بن يحيى الكاهلي ، وعلى أي حال المقصود أنه في حجتين ربما يكون هذا بعيداً فعلى هذا الأساس تكون دلالة الرواية على جواز استعمال الطيب بعد الحلق أو التقصير تامّة ولا إشكال فيها.
نعم عبّر صاحب الجواهر(قده) عن هذه بالصحيحة أو الرواية فردّد بين الأمرين ولكن إذا رجعنا الى السند وجدناه هكذا:- ( محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج ) والجميع من الثقاة الأجلّة فالترديد لا نعرف له وجهاً.
وبهذا قد اتضح أن بعض روايات الطائفة الثانية يمكن أن تتم سنداً ودلالةً إن لم تكن جميعاً كذلك ومعه تقع المعارضة بينها وبين الطائفة الأولى - الروايات السبع - الدالة على أنه بالحلق أو التقصير يحلّ كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب فتحصل المنافاة والمعارضة بين هاتين الطائفتين فماذا نصنع ؟ وهذه هي النقطة الجديرة بالبحث.
وفي هذا المجال قد تذكر عدة وجوه:-
الوجه الأول:- ما ذكره صاحب المدارك(قده) حيث حمل الطائفة الأولى المانعة على الكراهة ونصّ عبارته التي تقدت سابقاً هكذا:- ( ولو قيل يحلّ الطيب للمتمتع وغيره بالحلق على كراهةٍ لم يكن بعيداً من الصواب إن لم ينعقد الاجماع على خلافه )[5] ، إذن هو مال الى حمل الطائفة الأولى على الكراهة ولم يذكر توجيهاً في هذا المجال.
ولكن يمكن أن نوجّه ما ذهب إليه بهذا البيان:- وهو أن الطائفة الثانية صريحة في جواز الطيب بعد الحلق أو التقصير بينما الطائفة الأولى ظاهرة في الحرمة وكلّما اجتمع ظاهر وصريح متنافيان أوّل الظاهر لحساب الصريح بقرينة الصريح ، والوجه في كون الطائفة الثانية صريحة في الجواز هو أنها قالت في الرواية الأولى لسعيد بن يسار:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع قلت:- إذا حلق رأسه يطليه بالحناء ؟ قال:- نعم الحناء والثياب والطيب وكلّ شيءٍ إلا النساء ) ، وهكذا الرواية الثانية وهي صحيحة أبي أيوب الخزاز:- ( رأيت أبا الحسن بعدما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمسك وزار البيت ) . إذن هذا دلالته صريحة على الجواز ، وهكذا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فإن الامام عليه السلام قال:- ( أصاب عبد الرحمن أما تذكر حين أُتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا وأبى عبد الله فلما جاء ....فقال أبي هو أفقه منه أليس قد حلقتم رؤوسكم ) فدلالتها على الجواز ليست بنحو الظهور وإنما بنحو الصراحة وتكفينا رواية واحدة من روايات الطائفة الثانية أن تكون صريحة في الجواز بينما الطائفة الأولى هي ليست صريحة في الحرمة فمثلاً صحيحة معاوية بن عمار قالت:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والطيب فإذا زار البيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء ) فهذه ظاهرة في أنه بالحلق أو التقصير تبقى حرمة النساء والطيب وكلّما اجتمعت طائفة صريحة وظاهرة أوّل الظاهر لحساب الصريح فنطبقها هنا فتنتج النتيجة التي أرادها صاحب المدارك(قده).
وذكر السيد الخوئي(قده)[6]:- إن الاحلال وعدمه هما من المتناقضين ولا يمكن الجمع بينهما إذا كانا في كلامٍ واحدٍ ويعدّ ذلك من المتنافيين.
وهو بهذه العبارة المجملة يشير الى مطلب تكرر منه في عبائره غير مرَّة وحاصله:- إن الجمع العرفي إنما يكون وجيهاً فيما لو فرض أن الكلامين المنفصلين جُمعا بحيث وضع أحدهما الى جنب الثاني فإذا فرض أن العرف لم يرَ التنافي بينهما فآنذاك يصلح المورد للجمع العرفي أما إذا كان العرف يرى التنافي بينهما فالمورد يكون من التعارض المستقر الذي لا يقبل الجمع العرفي فمثلاً لو قيل ( صلِّ صلاة الليل ) وجاءت رواية ثانية تقول ( لا بأس بترك صلاة الليل ) فإنه إذا جُمِعا في كلامٍ واحدٍ وقيل ( صلّ صلاة الليل ولا بأس بتركها ) لم يرَ العرف تنافياً بينهما فيحمل الأوّل على الاستحباب بقرينة الثاني المجوّز لترك صلاة الليل ، إن مثل هذا المورد يقبل الجمع العرفي ، أما إذا فرض أن الروايتين كانتا تقولان ( صلّ صلاة الليل ) والرواية الثانية كانت تقول ( لا تصلّ صلاة الليل ) فإنه لو جُمِعا كان ذلك في نظر العرف من قبيل المتنافيين فإن العرف يرى التنافي والتناقض بين ( صلّ صلاة الليل ) و ( لا تصلّ صلاة الليل ) ولا يمكن الجمع العرفي . إذن هذا ميزان كليّ يلزم أن نسير عليه وهو أنه متى ما جمعنا بين الكلامين وجعلناهما كلاماً واحداً فإذا لم يرَ العرف تنافياً بينهما فهذا يصحّ فيه الجمع العرفي كما في المثال الأوّل أما إذا لم يكن كذلك فهذا من التعارض المستقر وهذه القضية الكليّة قد بيّنها(قده) في أكثر من موضعٍ وأراد أن يطبّقها في المقام يعني أنه أراد أن يقول إن بعض الروايات من الطائفة الأولى تقول إنه لا يحلّ له الطيب بينما بعض روايات الطائفة الثانية يقول إنه يحلّ له الطيب ومن الواضح أن ( يحلّ الطيب ) و ( لا يحل الطيب ) لو جمعنا بينهما في كلامٍ واحدٍ لاعتقد العرف التنافي والتناقض بينهما . إذن المورد ليس من موارد إمكان الجمع العرفي فهو(قده) بهذه العبارة يريد أن شير إلى هذا المطلب.
نقول:- وما أفاده(قده) من حيث الكبرى شيءٌ من المسلّمات والبديهيات فإن من الواضح أن العرف إذا كان يرى التنافي بين الكلامين فحينئذٍ لا معنى لأن يكون المورد من موارد الجمع العرفي فالكلام من حيث الكبرى من المسلّمات ولكن الكلام في الصغرى فإنه قد يقع فيها الاختلاف في أن هذا من هذا القبيل أو من ذاك القبيل وفي مقامنا إذا رجعنا إلى الروايات لا نجد أن طائفةً تقول ( لا يحلّ الطيب ) والثانية تقول ( يحلّ الطيب ) حتى يكون ذلك من قبيل المتنافيين وإنما الذي نجده هو أن واحدةً من الطائفتين عبّرت وقالت ( أحل من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والطيب ) هذه من روايات الطائفة الأولى - أعني بذلك صحيحة معاوية بن عمار - وإذا لاحظنا روايات الطائفة الثانية نجد أن الوارد فيها ( يحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء ) . إذن في الطائفة الأولى قالت ( أحلّ إلا من النساء والطيب ) وفي الثانية قالت ( أحلّ إلا من النساء ) لا أن واحدةً تقول أحلّ من الطيب والثانية تقول لا يحلّ من الطيب فلا يوجد مثل هذا التعبير فتعبيرها ليس من هذا القبيل وإنما من قبيل ما أشرت إليه - يعني أن الطائفة الأولى في صحيحة معاوية بن عمار تقول أحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب والطائفة الثانية تقول يحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء ولم تذكر الطيب . إذن ليس التعبير من قبيل أحلّ ولا يحلّ ، نعم التعبير الثاني الذي قال ( يحلّ إلا من النساء ) بمقتضى الاطلاق وعدم إضافة الطيب يدلّ على حليّة الطيب بإطلاق المفهوم وعلى هذا الأساس يكون المورد من موارد المطلق والمقيّد فالطائفة الثانية بمقتضى إطلاق المفهوم تدلّ على أنه كلّ شيءٍ غير النساء هو حلالٌ بما في ذلك الطيب بينما الأولى تقول إن الطيب حرامٌ فيكون المورد من موارد المطلق المقيّد ، فإذن هو من الموارد التي يمكن فيها الجمع.
نعم على مبنانا الذي نقول فيه بأن الاستثناء من المفاهيم التي لا تقبل التقييد عرفاً فحينما نقول ( لم يجئ إلا زيد ) فهذا لا يقبل التقييد عرفاً فالمورد يصير من المتنافيين آنذاك ولكن على مبناه لا يوجد تنافٍ حينئذٍ لأنه يرى أن مفهوم الحصر قابلٌ للتقييد ولذلك هو(قده) ذكر في مسألة ( لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب عن ثلاث ) بأنه يقيّد المفهوم ببقيّة المفطرات فهو يرى أن مفهوم الحصر قابل للتقييد . وعلى أيّ حال المورد من هذا القبيل مطلق ومقيّد فعلى مبناه يمكن الجمع ، نعم على مبنانا لا يمكن الجمع ، فإذن نحن نتوافق في النتيجة ولكن نختلف من حيث الطريق.
هذا مضافاً إلى أن لازم الحمل على الكراهة التفكيك بين النساء وبين الطيب في عبارةٍ واحدةٍ ، يعني في الطائفة الاولى التي قالت ( يحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب ) فإذا حملنا الطيب على الكراهة والنساء على الحرمة يلزم التفكيك في الفقرة الواحدة وهذا مرفوضٌ عرفاً ، وعلى هذا الأساس يكون الجمع بالحمل على الكراهة غير ممكن لما أشرنا إليه وليس إلى ما أشار إليه(قده).
الرواية الخامسة:- صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال:- ( ولد لأبي الحسن مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيصٍ[1] فيه زعفران وكنّا قد حلقنا قال عبد الرحمن فأكلت أنا وأبى الكاهلي ومرازم أن يأكلا منه وقالا لم نزر البيت فسمع أبو الحسن عليه السلام كلامنا فقال لمصادف وكان هو الرسول الذي جاءنا به:- في أي شيءٍ كانوا يتكلمون ؟ فقال:- أكل عبد الرحمن وأبى الآخران فقالا لم نزر بعد البيت ، فقال:- أصاب عبد الرحمن ، ثم قال:- أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه وأبى عبد الله أخي أن يأكل منه فلما جاء أبي حرَّشَهُ عليَّ فقال يا أبَ إن موسى أكل خبيصاً فيه زعفران ولم يزر بعدُ فقال أبي هو أفقه منك أليس قد حلقتم رؤوسكم )[2] وهي تدلّ على جواز استعمال الطيب بعد الحلق أو التقصير وقد دلت على ذلك في فقرات متعددة أحدها ( أصاب عبد الرحمن ) فهي تدلّ على أن فعل عبد الرحمن - وهو أكل الخبيص الذي فيه زعفران - قبل زيارة البيت جائز ، الموضع الثاني هو أن الامام موسى عليه السلام أكل خبيصاً ولم يأكل عبد الله الأفطح وهذا أيضاً فعلٌ للإمام وهو حجّة ، والموضع الثالث هو ( فقال أبي هو أفقه منك أليس قد حلقتم رؤوسكم ) فإنه يدل على أنه بحلق الرؤوس يجوز آنذاك أكل الطيب.
وذكر صاحب الوسائل(قده) في نهاية الحديث أن الشيخ الطوسي(قده) حمل هذه الرواية على غير المتمتع - أي حج القران أو الأفراد - ونحن نعرف أن حج الإفراد أو القران يجوز فيه استعمال الطيب بعد الحلق أو التقصير كما دلت عليه بعض الروايات كما نقلنا ذلك فيما سبق كما رواه محمد بن حمران:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحلّ له ؟ قال:- كلّ شيءٍ إلا النساء وعن المتمتع ؟ قال:- كلّ شيءٍ الا النساء والطيب )[3] ودلالتها واضحة على أن غير المتمتع بكلا قسميه القارن والمفرد قبل زيارة البيت - وإلا بعد زيارة البيت المتمتع أيضاً يحلّ له الطيب - يحلّ له الطيب وعمل بها جملة من الأصحاب ، فالشيخ الطوسي حمل صحيحة بن الحجاج على غير المتمتع ووافقه على ذلك صاحب الجواهر(قده)[4] ، هذا ما قيل.
ولكن يمكن أن يقال:- إن من البعيد إن الامام عليه السلام - وأقصد أبا الحسن عليه السلام - يحج مرتين ولا يكون متمتعاً والحال أن التمتع هو الحج الأفضل واللائق بالإمام أن يأتي بالحج الأفضل وربما في حجةٍ كان هناك عذر من الاتيان بحج التمتع لكن في حجتين فهذا شيءٌ بعيد والمفروض هنا أنه تحقّق ذلك في حجتين لأن الرواية تقول في حجة سابقة ( حرَّشَ أبي أخي عبد الله عليَّ ) والامام أكل وتناول الزعفران وهذه حجّة ثانية التي كان فيها عبد الرحمن ومرازم وعبد بن يحيى الكاهلي ، وعلى أي حال المقصود أنه في حجتين ربما يكون هذا بعيداً فعلى هذا الأساس تكون دلالة الرواية على جواز استعمال الطيب بعد الحلق أو التقصير تامّة ولا إشكال فيها.
نعم عبّر صاحب الجواهر(قده) عن هذه بالصحيحة أو الرواية فردّد بين الأمرين ولكن إذا رجعنا الى السند وجدناه هكذا:- ( محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج ) والجميع من الثقاة الأجلّة فالترديد لا نعرف له وجهاً.
وبهذا قد اتضح أن بعض روايات الطائفة الثانية يمكن أن تتم سنداً ودلالةً إن لم تكن جميعاً كذلك ومعه تقع المعارضة بينها وبين الطائفة الأولى - الروايات السبع - الدالة على أنه بالحلق أو التقصير يحلّ كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب فتحصل المنافاة والمعارضة بين هاتين الطائفتين فماذا نصنع ؟ وهذه هي النقطة الجديرة بالبحث.
وفي هذا المجال قد تذكر عدة وجوه:-
الوجه الأول:- ما ذكره صاحب المدارك(قده) حيث حمل الطائفة الأولى المانعة على الكراهة ونصّ عبارته التي تقدت سابقاً هكذا:- ( ولو قيل يحلّ الطيب للمتمتع وغيره بالحلق على كراهةٍ لم يكن بعيداً من الصواب إن لم ينعقد الاجماع على خلافه )[5] ، إذن هو مال الى حمل الطائفة الأولى على الكراهة ولم يذكر توجيهاً في هذا المجال.
ولكن يمكن أن نوجّه ما ذهب إليه بهذا البيان:- وهو أن الطائفة الثانية صريحة في جواز الطيب بعد الحلق أو التقصير بينما الطائفة الأولى ظاهرة في الحرمة وكلّما اجتمع ظاهر وصريح متنافيان أوّل الظاهر لحساب الصريح بقرينة الصريح ، والوجه في كون الطائفة الثانية صريحة في الجواز هو أنها قالت في الرواية الأولى لسعيد بن يسار:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع قلت:- إذا حلق رأسه يطليه بالحناء ؟ قال:- نعم الحناء والثياب والطيب وكلّ شيءٍ إلا النساء ) ، وهكذا الرواية الثانية وهي صحيحة أبي أيوب الخزاز:- ( رأيت أبا الحسن بعدما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمسك وزار البيت ) . إذن هذا دلالته صريحة على الجواز ، وهكذا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فإن الامام عليه السلام قال:- ( أصاب عبد الرحمن أما تذكر حين أُتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا وأبى عبد الله فلما جاء ....فقال أبي هو أفقه منه أليس قد حلقتم رؤوسكم ) فدلالتها على الجواز ليست بنحو الظهور وإنما بنحو الصراحة وتكفينا رواية واحدة من روايات الطائفة الثانية أن تكون صريحة في الجواز بينما الطائفة الأولى هي ليست صريحة في الحرمة فمثلاً صحيحة معاوية بن عمار قالت:- ( إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والطيب فإذا زار البيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء ) فهذه ظاهرة في أنه بالحلق أو التقصير تبقى حرمة النساء والطيب وكلّما اجتمعت طائفة صريحة وظاهرة أوّل الظاهر لحساب الصريح فنطبقها هنا فتنتج النتيجة التي أرادها صاحب المدارك(قده).
وذكر السيد الخوئي(قده)[6]:- إن الاحلال وعدمه هما من المتناقضين ولا يمكن الجمع بينهما إذا كانا في كلامٍ واحدٍ ويعدّ ذلك من المتنافيين.
وهو بهذه العبارة المجملة يشير الى مطلب تكرر منه في عبائره غير مرَّة وحاصله:- إن الجمع العرفي إنما يكون وجيهاً فيما لو فرض أن الكلامين المنفصلين جُمعا بحيث وضع أحدهما الى جنب الثاني فإذا فرض أن العرف لم يرَ التنافي بينهما فآنذاك يصلح المورد للجمع العرفي أما إذا كان العرف يرى التنافي بينهما فالمورد يكون من التعارض المستقر الذي لا يقبل الجمع العرفي فمثلاً لو قيل ( صلِّ صلاة الليل ) وجاءت رواية ثانية تقول ( لا بأس بترك صلاة الليل ) فإنه إذا جُمِعا في كلامٍ واحدٍ وقيل ( صلّ صلاة الليل ولا بأس بتركها ) لم يرَ العرف تنافياً بينهما فيحمل الأوّل على الاستحباب بقرينة الثاني المجوّز لترك صلاة الليل ، إن مثل هذا المورد يقبل الجمع العرفي ، أما إذا فرض أن الروايتين كانتا تقولان ( صلّ صلاة الليل ) والرواية الثانية كانت تقول ( لا تصلّ صلاة الليل ) فإنه لو جُمِعا كان ذلك في نظر العرف من قبيل المتنافيين فإن العرف يرى التنافي والتناقض بين ( صلّ صلاة الليل ) و ( لا تصلّ صلاة الليل ) ولا يمكن الجمع العرفي . إذن هذا ميزان كليّ يلزم أن نسير عليه وهو أنه متى ما جمعنا بين الكلامين وجعلناهما كلاماً واحداً فإذا لم يرَ العرف تنافياً بينهما فهذا يصحّ فيه الجمع العرفي كما في المثال الأوّل أما إذا لم يكن كذلك فهذا من التعارض المستقر وهذه القضية الكليّة قد بيّنها(قده) في أكثر من موضعٍ وأراد أن يطبّقها في المقام يعني أنه أراد أن يقول إن بعض الروايات من الطائفة الأولى تقول إنه لا يحلّ له الطيب بينما بعض روايات الطائفة الثانية يقول إنه يحلّ له الطيب ومن الواضح أن ( يحلّ الطيب ) و ( لا يحل الطيب ) لو جمعنا بينهما في كلامٍ واحدٍ لاعتقد العرف التنافي والتناقض بينهما . إذن المورد ليس من موارد إمكان الجمع العرفي فهو(قده) بهذه العبارة يريد أن شير إلى هذا المطلب.
نقول:- وما أفاده(قده) من حيث الكبرى شيءٌ من المسلّمات والبديهيات فإن من الواضح أن العرف إذا كان يرى التنافي بين الكلامين فحينئذٍ لا معنى لأن يكون المورد من موارد الجمع العرفي فالكلام من حيث الكبرى من المسلّمات ولكن الكلام في الصغرى فإنه قد يقع فيها الاختلاف في أن هذا من هذا القبيل أو من ذاك القبيل وفي مقامنا إذا رجعنا إلى الروايات لا نجد أن طائفةً تقول ( لا يحلّ الطيب ) والثانية تقول ( يحلّ الطيب ) حتى يكون ذلك من قبيل المتنافيين وإنما الذي نجده هو أن واحدةً من الطائفتين عبّرت وقالت ( أحل من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والطيب ) هذه من روايات الطائفة الأولى - أعني بذلك صحيحة معاوية بن عمار - وإذا لاحظنا روايات الطائفة الثانية نجد أن الوارد فيها ( يحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء ) . إذن في الطائفة الأولى قالت ( أحلّ إلا من النساء والطيب ) وفي الثانية قالت ( أحلّ إلا من النساء ) لا أن واحدةً تقول أحلّ من الطيب والثانية تقول لا يحلّ من الطيب فلا يوجد مثل هذا التعبير فتعبيرها ليس من هذا القبيل وإنما من قبيل ما أشرت إليه - يعني أن الطائفة الأولى في صحيحة معاوية بن عمار تقول أحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب والطائفة الثانية تقول يحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء ولم تذكر الطيب . إذن ليس التعبير من قبيل أحلّ ولا يحلّ ، نعم التعبير الثاني الذي قال ( يحلّ إلا من النساء ) بمقتضى الاطلاق وعدم إضافة الطيب يدلّ على حليّة الطيب بإطلاق المفهوم وعلى هذا الأساس يكون المورد من موارد المطلق والمقيّد فالطائفة الثانية بمقتضى إطلاق المفهوم تدلّ على أنه كلّ شيءٍ غير النساء هو حلالٌ بما في ذلك الطيب بينما الأولى تقول إن الطيب حرامٌ فيكون المورد من موارد المطلق المقيّد ، فإذن هو من الموارد التي يمكن فيها الجمع.
نعم على مبنانا الذي نقول فيه بأن الاستثناء من المفاهيم التي لا تقبل التقييد عرفاً فحينما نقول ( لم يجئ إلا زيد ) فهذا لا يقبل التقييد عرفاً فالمورد يصير من المتنافيين آنذاك ولكن على مبناه لا يوجد تنافٍ حينئذٍ لأنه يرى أن مفهوم الحصر قابلٌ للتقييد ولذلك هو(قده) ذكر في مسألة ( لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب عن ثلاث ) بأنه يقيّد المفهوم ببقيّة المفطرات فهو يرى أن مفهوم الحصر قابل للتقييد . وعلى أيّ حال المورد من هذا القبيل مطلق ومقيّد فعلى مبناه يمكن الجمع ، نعم على مبنانا لا يمكن الجمع ، فإذن نحن نتوافق في النتيجة ولكن نختلف من حيث الطريق.
هذا مضافاً إلى أن لازم الحمل على الكراهة التفكيك بين النساء وبين الطيب في عبارةٍ واحدةٍ ، يعني في الطائفة الاولى التي قالت ( يحلّ من كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب ) فإذا حملنا الطيب على الكراهة والنساء على الحرمة يلزم التفكيك في الفقرة الواحدة وهذا مرفوضٌ عرفاً ، وعلى هذا الأساس يكون الجمع بالحمل على الكراهة غير ممكن لما أشرنا إليه وليس إلى ما أشار إليه(قده).
[1] والخبيص على ما جاء في مجمع البحرين طعام معمول من التمر والزبيب والسمن.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج11، ص222، ب2 من أبواب أقسام الحج، ح3، آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص236، ب14 من ابواب الحلق والتقصير، ح1، آل البيت.
[4] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، 254.
[5] مدارك الاحكام ، الموسوي العاملي، ج8، ص105.
[6] المعتمد، الخوئي، ج5، ص326.