1441/03/18
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
41/03/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: - مسألة ( 69 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.
وأما الحالة الثانية[1] : - فالمناسب هو الحكم بالصحة، لأنه حيما كان يعتقد أنه أجنبي فقد قصد البيع عن المالك وحينما اتضح أنه ولي أو وكيل فأيضاً المناسب أن يقع البيع عن المالك، لأنه إذا كان ولياً فهو يبيع عن المالك المولّى عليه، وإذا كان وكيلاً فهو يبيع عن الموكِّل المالك، فإذاً هو قصد المالك وإن كان يعتقد أنه أجنبي والآن اتضح من المناسب أنه يبيع عن المالك غايته أولاً لم يكن يتصور أنه ليس له الحق في أن يبيع أما الآن فقد اتضح أنَّ له الحق في البيع لأنه ولي أو كيل فالمناسب الحكم بالصحة ولا موجب للتوقف.
أجل من المناسب ذكر قيد، وهو أنه يحكم بالصحة فيما إذا فرض أن المصلحة كانت تقتضي البيع عن المولّى عليه أو عن الموكّل، أما إذا لم تقتضِ المصلحة ذلك فالحكم بالبطلان من باب أنه لا مصلحة في البيع لا أنه تحقق اشتباه في قصده أو غير ذلك، فإذاً هذا القيد لابد من اضافته، والشيخ الأعظم(قده) لم يذكر هذا القيد في المكاسب إما لشدة وضوحه أو للغفلة عنه.
ومن الغريب ما نقل عن القاضي:- من أنه يحكم بالبطلان، حيث حكي عنه أنه ( لا يجوز شيء منه شيء مما فعله ) - أي لا يصح - فإنَّ الجواز هنا ليس التكليفي وإنما الوضعي - وقد حكى الشيخ هذا عن القاضي في المكاسب[2] ، ولكن كما قال العلامة المناسب هو الحكم بالصحة لأنه صادف الإذن، لأنَّ المفروض أنه مأذون واقعاً لأنه وكيل أو ولي، فيقع بيعه صحيحاً.
وقبل أن ننهي هذه الصورة الثانية نقول:- ذكر السيد الخوئي(قده) في التنقيح حكم بصحة البيع كما حكم القوم وعلل بهذا التعليل أيضاً ( المفروض أنَّ المالك آذن وقد أذن للبائع في بيع ماله غاية الأمر أنه نسيه أو لم يصل إليه.[3]
والذي نريد أن نقوله:- هو أنه في مسألة بيع الفضولي التي تقدمت ذكر من جملة أدلة صحة بيع الفضولي رواية القمّط التي يقع حقكم بأدينا - المساكن والمتاجر والمناكح - ونحن نبيعها والامام عليه السلام أجازه وقال له ما أنصفناكم إذا لم نجوز ذلك، وهذه الرواية جعلها السيد الخوئي(قده) من أحد أدلة صحة بيع الفضولي، وهي معتبرة يونس بن يعقوب، ونصّها:- ( قال:- كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال:- جعلت فداك تقع في أيدينا الرباح والأموال وتارات نعلم أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله عليه السلام:- ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم )[4] يعني بالتالي البيع صحيح.
والذي يقرأ الرواية فبادئ ذي بدء يحملها على المعنى الوسيع، يعني أنا لم أدفع الخمس، فمرة من الغير هو يبيع لي الشيء وأنا أعلم بأنه لا يخمّس هذه صورة، وهناك صورة ثانية وهي أنَّ المقصود هو أنَّ المال لي ولكني لا أخمّس، والمناسب حملها على الأوّل كما حملها الفقهاء، وليس من البعيد أن يكون هذا الحمل لقرينة ( تقع ) لأنها تقال في مال الغير فإنَّ متعلق الخمس ( تقع في أيدينا )، وإلا إذا فرض أنَّ المال لي فلا يعبّر بـ( تقع )، فهذه قرينة على أنه مال الغير وذاك الشخص لم يدفع الخمس، فإذاً الرواية دلت على أنَّ الأئمة عليهم السلام حلّلوا ذلك، وقد أفتى الفقهاء بأنَّ الشخص إذا لم يخمّس ودعاني إلى عام أو أهدى إلي هدية فيجوز الأخذ فـ( لك المهنأ وعليه الوزر )، وواحدة من الروايات التي يستندون عليها هي هذه الرواية، والفقهاء يفتون على طبقها، كما أنَّ أخبار التحليل تحمل على هذا الشيء، فالمقصود ان ورايات التحليل محمولة على هذه الحالة - وهي حالة ما لم يكن الشخص يخمس فأهدى لك هدية أو دعاك إلى بيته - لا أموال نفسك، وإلا فتوجد روايات كثيرة تذم وتشنّع على من لم يدفع الخمس عن نفسه، فإذاً هذه الرواية ناظرة إلى هذا المعنى كما ذكرنا.
فهذه الرواية استدل بها السيد الخوئي(قده) على صحة بيع الفضولي، لأنَّ المفروض أنَّ أربعة أخماس هي ملك المالك ومقدار الخمس أيضاً حلّله الامام عليه السلام فكله سوف يصير مملوكاً فلا مشكلة، فأنا حينما أشتري لا أكون حينئذٍ قد اشتريت بالبيع الفضولي، بل يجوز لي الشراء، لأنَّ المفروض أنَّ المالك للخمس قد أجاز فلا فضولية في البين، فكيف استدل بها السيد الخوئي(قده) على صحة بيع الفضولي؟
قال:- حيث إنه لم يصله الخبر فشراؤه يصير فضلياً، يعني لا يكفي في زوال الفضولية الاباحة الواقعية بل لابد من الاباحة الواصلة، وحيث لم تصل إليه فالبيع حينئذٍ يكون فضولياً، لأنَّ خبر التحليل لم يصل إلى هذا الشخص ومع ذلك الامام عليه السلام أمضى الفضولية الموجودة فيها - التي هي بمقدار الخمس - فتدل على صحة بيع الفضولي[5] .
فإذاً حصل تنافي في كلام السيد الخوئي(قده)، لأنه قال هناك المعاملة لا تخرج عن الفضولية بمجرد الاباحة الواقعية بل لابد من وصول الاباحة إلى الشخص فحينئذٍ تخرج معاملته عن الفضولية، بينما في مقامنا الشخص الذي يبيع عن الشخص الذي يتخيل أنه أجنبي ثم تبين أنه وكيل أو مولّى عليه غاية الأمر هو لا يدري بقضية الوكالة أو الولاية ولكن لم يصل إليه خبر الولاية أو الوكالة فهنا حكم بالصحة وقال ( غاية الأمر إنه نسيه أو يصل إليه )، ونحن نقول له: إذا لم يصل إليه الخبر صدق عنوان الفضولية بمقتضى كلامك الثاني، وهذا نحو من التنافي؟!!
وأما الحالة الثالثة: - وهي ما إذا فرض أنَّ الشخص باع بتخيل أنه أجنبي ثم اتضح أنه مالك، كما لو باع الابن أموال أبيه كداره ثم تبين بعد ذلك أنَّ الأب مات قبل البيع فهذا الولد يصدق عليه أنه باع باعتقاد أنه أجنبي ثم اتضح أنه مالك، وقد وقعت هذه الحالة معركة للآراء، فقيل بالصحة بنحو اللزوم، وقيل بالبطلان رأساً، وقيل بالصحة ولكن بشرط أن يجيز البائع نفسه.
وقد ذكرت وجوه ثلاثة لإثبات البطلان: -الوجه الأول: - إنَّ هذا الابن قصد النقل عن والده بينما اتضح أنه هو المالك، فما قصده وأنشأه لا يمكن اجازته لأنه قصد البيع عن الأب والأب لا يمكن اجازته لأنه ميت، والذي يمكن اجازته - أي الولد العاقد عن نفسه - لم ينشئ عن نفسه وإنما أنشأ عن الأب، فلا تصح المعاملة.
والجواب: - إنه قصد انشاء المعاملة عن المالك غايته حصل اشتباه في مصداق المالك، ومادامت المعاملة قد انشأت عن المالك والابن الآن هو المالك فيكون مشمولاً لهذا الانشاء وعنوان المالك ينطبق عليه، فلا مشكلة من هذه الناحية بعدما فرض أنَّ الانشاء كان عن عنوان المالك وليس عنوان أبي وإذا قصد الأب فهو يقصده من باب أنه مالك، فالحيثية ليست حيثية تقييدية بل هي حيثية تعليلية، أي لأنه مالك لا لأنه أبٌ بخصوصه، فالمنشأ عنه هو المالك، فلا مشكلة.
هذا مضافاً إلى أنه ربما يقال:- إنَّ المعاملة هي عبارة عن قصد المبادلة أما هي عن أي شخصٍ فهذا ليس دخيلاً في أصل المعاملة ومقوماً لها، وإنما المقوم للمعاملة هو قصد المبادلة بين المالين أما كونه عن هذا أو ذاك فهذا شيء جانبي، ولعل العادة هي كذلك، فالإنسان حينما يبيع مال الغير فهو لا ينوي البيع عن نفسه أو عن غيره - أي عن المالك - وإنما يقصد تبديل هذا المال بذاك المالك أما أنَّ الثمرة تصير لمن فهذه قضية جانبية وليست هي قوام المعاملة، فإذا كانت المعاملة متقومة بالمبادلة، فعلى هذا الأساس الاجازة تتعلّق بالمبادلة، ولا تدخل عليَّ عنصر أنه قصد البيع عن أبيه فإنَّ هذا شيء جانبي وليس أساساً للمعاملة وهو كضم الحجر إلى جنب الانسان، وإلا فالمعاملة هي قصد تبديل هذا المال بذاك.
الوجه الثاني: - أن نقول: إنَّ هذه المعاملة منجّزة في الصورة معلّقة في الواقع، لأنَّ الولد حينما يبيع دار أبيه ويقول بعتها يعني إن كان أبي ميتاً، فهناك تعليق في الواقع، فصحيح أنه في الصورة لا يأتي بالتعليق ولكن في الواقع هو معلّق، والتعليق مبطلٌ للعقود.