1441/03/13
تحمیل
الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الفقه
41/03/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:النوع الرابع ( ما يحرم الاكتساب به لكونه عملاً محرماً ) - المكاسب المحرمة.
كنا في الروايات الواردة في عمل الماشطة في أبواب ما يكتسب به الباب التاسع عشر، والعجيب من صاحب الوسائل يقول ( لا بأس بكسب الماشطة وحكم أعمالها )، فإذا كان هناك توقف في أعمالها فالكسب أيضاً يصير فيه توقف فكيف يحكم بعدم البأس؟!! لأنَّ حلّية الكسب متفرّعة على حلّية العمل، إلا أن يحمل كلامه على التأمل حول بعض أعمال الماشطة وتحريم تدليسها.
الحديث الخامس: - وهو بإسناد الشيخ الطوسي عن أحمد بن محمد وسواء كان أحمد بن محمد هو البرقي أو الأشعري فهو معتبر فإن كتبهم وطرقهم مشهورة عن علي بن الحكم وهو معتبر أيضاً عن يحيى بن مهران وهو لم يحضرني حاله الآن، عن عبد الله بن الحسن هو أيضاً في هذه الطبقة لم يحضرني حاله قال: - ( سألته عن القرامل، قل: وما القرامل ؟ قلت: صوف تجعله النساء في رؤوسهن قال: إن كان صوفاً فلا بأس وإن كان شعراً فلا خير فيه من الواصلة والموصولة )، ولكن كما مرّ بنا مع رواية سعد الاسكاف فلعل هذا للتقية حتى أنه لا يمكن أن نجزم أنه للكراهة، صحيح أنه يستعمل تعبير ( لا خير فيه ) في الحرمة ولكن ليس له دلال قوية على الحرمة بل بالكاد له دلالة على الكراهة ولكن استعملت عبارة ( لا خير ) في موارد الحرمة، فعلى أيّ حال مع ما مرّ من رواية سعد الاسكاف ورواية أخرى ستأتي يصعب البناء حتى على الكراهة.
الرواية السادسة:- مرسلة الصدوق ولكن الصدوق جازم بها، فالصدوق تارة يقول روي عن الصادق وروي عن النبي وروي عن أمير المؤمنين وتارة يقول قال النبي فيجزم بالإسناد، وهذا وإن لم يكن يعوّل عليه ولكنه قرينة من القرائن على أن الطريق إلى الصدوق معتبر ولذلك هو يجزم به قال: ( قال عليه السلام: لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط )، فهنا محمول على الكراهة، والمشارطة يعني المعاقدة، ويوجد بحث أثاره الأعلام فقالوا أصلاً في باب الاجارة يكره للأجير أو المستأجر أن لا يتشارطا في البداية ويعينان الأجرة فهذا مروه جداً، ولماذا لا يقال إنَّ التعاقد على الاجارة إلزامي لأنه إذا لم يحصل ذلك يصير عقد الاجارة مبهم وإذا صارت الأجرة مبهمة مردّدة فبالتالي يصير العقد باطلاً، فإذاً تعيين الأجرة والتعاقد قبل العمل إلزامي لصحة العمل؟
إنه لا يقال ذلك لأنَّ الأمر بالعمل - وهذه نكتة مهمة في حلحلة نزاعات أعمال الأجير أو الوكيل او أي عامل عمله محترم - يوجب الضمان بأجرة المثل، فبالتالي ليس من باب عقد الاجارة بل من باب أنه امر ضمان ملزم والمقصود من الأمر ليس آمرك يا فلان وإنما يكفي أن يقول له أذنت لك أن تصبغ الدار فحتى الالتماس والطلب هو مضمّن، فكثير من مسائل باب الاجارة لو فرض أنَّ الاجارة لم تقع صحيحة فسبب الضمان هو الأمر الضماني، فسبب الضمان هو الأمر، فإن الأمر الضماني سبب للإتلاف، فهو نوع من السببية يعتبرونه عقلائياً، فله أجرة المثل، حتى في نكاح المرأة الدائم إذا لم يعيّن المهر ينصرف إلى مهر المثل لأنه الضمان يذهب إلى القيمة الواقعية، الأصل في ضمان الأعيان أو ضمان المنافع قيمة المثل أو القيمة السوقية فسبب الضمان لا ينحصر بالعقود، العقود تسبب وتوجب ضمان المسمّى يعني الذي ذكر في العقد سواء كان أزيد أو أقل، أما ضمان القيمة السوقية كمهر المثل أو أجرة المثل أو غير ذلك فهذا لا يحتاج إلى تصوير أن السبب في الضمان هو عقد صحيح بل حتى لو لم يكن هناك عقد فإن الأمر موجب له، لذلك هذا الأمر الضماني حلال المشاكل في باب الاجارة.
وهناك وجه وبديل ثالث ذكره المشهور في باب الاجارة:- وسواء كانت اجارة أو مضاربة أو جعالة أو مساقاة ليس فقط الاجارة، والسيد الكلبايكاني وجماعة من الأعلام يعتبرون الاجارة والمضاربة والمزارعة والمساقاة أنواعاً تنطوي تحت الاجارة، وهل هذا صحيح أو لا فهذا بحث آخر، وقد مرّ بنا مراراً أنه في باب المعاملات الأعلام يتشددون في تحديد ماهية المعاملة فإنَّ هذا شيء مهم جداً لأجل ترتيب أحكام الماهيات، ومرّ بنا أيضاً أنَّ الأعلام لا يغترون بالتسميات في تشخيص الماهيات ولا يتخدعون بالتسميات وإنما يركزون على الماهيات، ومرّ بنا مثاله، فالآن البنوك تسمي المعاملة بين الزبون وبين البنك بالوديعة ولكن بعض الأعلام المعاصرين انسقوا مع هذه الدعوى بينما مشهور الفقهاء بل تكاد تكون اطباق عندهم وهي أنَّ هذه عنوانها وديعة ولكن حقيقتها قرض، لذلك الفقيه ليس فقط في المعاملات بل حتى في الايقاعات وحتى في العقد الأخرى غير المعاملية الباحث في الفقه لا يغتر بالعنوان الذي ذكر بل يترصّد ويحلل ويركز على الماهية التي تقصد وإن ألبست اسماً آخر، وما أكثر ما يقع في باب المعاملات في السوق التجارية وما أكثر ما تلبس الماهيات أسماء أخرى، بعاص هذا التلبيس ليس من باب الخداع وإنما يعني الغاية من القرض كأنك تارة تقر شخصاً ليس لأجل قضاء حاجته وإنما غايتك أن تجعل ذمته مثل الصندوق والخزانة لأنه لو وضعت المال في البيت فسوف يسرق فيضعه في البنك فتسلم ، فهو قرض، كمثل شخص عنده قوة وأنت تقرضه لأنك تقول حتى إذا جاءت عصابات أو قطّاع طرق فهو يستطيع أن يحميه، فهدفه من القرض الوديعة لا ان ذال اقدم عليه مع الطرف الآخر وديعة وهذا يعبرون عنه اشتراك الماهيات المعاملية في بعض الغايات، وقد مرت بنا هذه البحوث الصناعية والتدقيق فيها أمر مهم، الكثير ممن اعترض على الحيل الشرعية في الربا أو يعبرون عنه بالوجوه التخلصي عن الربا يستشكل ويقول إنَّ الغاية واحدة ولكن نقول ولتكن الغاية واحدة فكون أحد الغايات مع الربا في وسط الطريق واحدة لا يعني أن هذه الماهية ربوية، ولماذا؟ أنت تشدد في تحليل نفس الماهية الربوية، الآن حتى علماء القانون البنكي المصرفي الربوي يقولون إن هذه الحيل لا تثمر ثمرات الربا على طول الخط وعلى الدوام وإنما في بعض الطريق قد تثمر ولكنها تفترق عن الربا، فمع أنها تتلاقى مع الربا في بعض الطريق إلا أنها تفترق عنه، فلاحظ أن خاصية الماهيات المعاملية قد تشترك في بعض الطريق وقد تشترك في بعض الغايات ولكنها لا تتلازم على طول المسار وهذه نكتة مهمة في ماهيات المعاملات، إذاً الفقهاء لا ينخدعون بالتسميات التي تستعمل في السوق فربما هذه التسميات ليست للخديعة وربما هي ليست للخديعة ولكن بلحاظ اشتراكها في غاية معينة وفي ثمرة معينة هذا لا يعني أنَّ الماهيتين واحدة على طول الخط وعلى الدوام فإذاً هذه نكتة مهمة يلزم الالتفات إليها في بحث ماهيات المعاملات.
نرجع إلى ما كنّا فيه وهو الروايات الواردة في أعمال الماشطة وقضية التشارط في الاجارة:- ففي باب الاجارة لعن الله من لم يعيّن للأجير أجرته، فحتى لعن موجود يعني كراهة شديدة جداً أن الانسان لا يتشارط ولكن كما مرّ بنا أنَّ عقد الاجارة الضمان فيه لا ينحصر بعقد الاجارة وإنما يمكن استبداله ببديل وهو الأمر الضماني، وحينما يقال أمر ضماني ليس يشترط أن تأمره بالعمل وغنما يكفي أن تأذن له، فالمقصود من الأمر الضماني ليس الأمر فقط وإنما هذا الإذن نفسه هو أمرٌ ، كما لو قال العامل هل اصبغ لك الدار فقلت له نعم فأنت رخّصت له بصبغ البيت فهذا أمر، أو قال له إنَّ سيارتك تحتاج إلى صيانة فهل أجري لها صيانة فقال له لا بأس بذلك فهو حينما قال له ( لا بأس ) يعني أمره فيضمن أجرة المثل، مع ذلك هو مكروه لأن أجرة المثل قد يختلف في تعيينها في السوق فيحصل نزاع، أو أنَّ العامل يقول أنا بذلت هذا القدر من العمل فيقال له كلا بل أنت بذلت نصف هذا القدر من العمل فيصير نزاع ، فيصر مكروه جداً، صحيح أنَّ الأمر الضماني يسبب الضمان ولكنه لا يحل النزاع والدعاوى من الطرفين، لذلك عدم تعيين الأجرة في عقد الاجارة مكروه جداً.
وهناك بديل ثالث أو قل وجه ثالث للضمان في باب الاجارات والأعمال أو المنافع حتى الأعيان: - وهو ما يعبرون عنه باستيفاء المنفعة، وهذا يختلف عن الأمر بالضمان، يعني أنت جئت وأكلت تفاحة أو طعام معين فأنت استوفيته، فانت تعتقد أنَّ هذا الطعام لك ولكن في الحقيقة هو ليس لك وإنما هو لزيد مادمت أنت قد استوفيته فأنت له ضامن حتى لو لم تدق اليد عليه، استيفاء عين الغير أو استيفاء منفعة الغير نفس الاستيفاء مضمّن وإن لم تصدق اليد، وهذا بديل وحلال مشاكل في أبواب معاملية كثيرة.
واليد أيضا هي سبب رابع، وأسباب الضمان عديدة وليس فقط عقد الاجارة أو العقود، لذلك الشيخ الأنصاري في باب البيع قال في باب البيع ( إذا فسد العقد فكل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) يعني أنَّ هذه القاعدة في الضمان تختلف عن سببية العقد، يعني هو يريد أن يستعرض الأسباب الأخرى للضمان غير العقد الصحيح كالأمر الضماني والاستيفاء وغير ذلك، فإذاً توجد عندنا جملة من أسباب الضمان غاية الأمر تختلف أسباب الضمان الأخرى عن سببية العقد في الضمان في أن العقد يعيّن العوض الذي سمي بخلاف أسباب الضمان الأخرى فإنها تعين القيمة الواقعية فرغم أن الأجير ولو لم تعقد الاجارة مضمون إلا أنه مكروه جداً الاقدام على أعمال والاجارات من أيّ أنواع عمل المنافع من دون التعاقد والتشارط المسبق، لأنه مثار النزاع، فإنه يوجد بعض الأجراء حتى لو تعطيه أزيد أضعافاً فإنه لا يقبل بذلك ويشعر بأنه مغبون، أما إذا عيّنت المسمّى فحتى لو تزيد له ثلثاً فهو سوف يرضى ولا يصير هناك نزاع، فإذا كان باب الاجارة والأعمال الاجارية مكروه فيها عدم التعاقد وعدم تعيين الأجرة كيف النص في باب الماشطة - صالون المكياج - مكروه أن يعيّنوا الأجرة والحجام نفس الشيء وكذلك النائحة ورد فيها هكذا وكذلك الختّان وهذه الأعمال ورد فهيا النهي عن المشارطة فكيف يصير هذا مع أنه يوجد تشيد في عدم تعيين الأجرة والتعاقد فلماذا هنا بالعكس يكره التشارط من قبل الحجام أو ضراب الفحل وهذه الأعمال؟ اختلفت الوجوه عند الأعمال في تفسير ذلك، ( لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط )، وهذه ليست رواية واحدة وإنما هي روايات عديدة، سواء كانت ماشطة أو غير ذلك من هذه الأعمال، هناك تفسير من قبل الأعلام لما استثني في هذه الأعمال حيث ذكروا عدة وجوه سواء كان في الماشطة أو في ضراب الفحل أو في الجّام او الختّان أو النائحة أو غير ذلك:-
من أحد الوجوه التي ذكروها: - إنَّ هذه الأعمال مع احترام عمل كل عامل هي أعمال دنيئة والأفضل للعامل أنَّ يتنزه عن أن يتقاضى أجرة هذه الأعمال، ولكن ذاك الطرف يعطيه من باب الهدية فإنَّ هذا يكون أنزه وأطهر، وهذا من دون تشبيه في قضية السادة الهاشميين حيث تحرم عليهم الصدقة الواجبة أو مطلق الصدقة على اختلاف الأقوال ولكن نفس المال لو أعطاه الانسان هدية لهم فهذا يكون أطهر بغض النظر عن المصدر فالآن افترض أنَّ المصدر طاهر ولكن المعطي إذا كان يعطيه بعنوان الصدقة فهذا وَسَخٌ، أما إذا أعطاه بعنوان هدية فهذا طاهر، هكذا الأمر في هذه الأعمال، فإذا أخذه كأجره فهو سحت، وسحت ليس بمعنى الحرام وإنما السحت في بعض الأحيان معناه الدنيء، فأخذه من باب الهدية يكون أكرم وأطهر وأنظف لهذا العامل.
وهذا وجه لا بأس به جداً.
وحتى في جملة من الموارد التي فيها شبهة تعليم الأحكام الشرعية فهذه ليست دنيئة وإنما هي عزية أو الخطابة الحسينية، فإنّ هذه الأمور عظيمة فأخذ الأجرة من باب الهدية يكون أكرم لشبهة أنَّ هذه الأمور يجب أن تكون مجانية، أو كتعليم القرآن والارشاد الديني أخذه من باب الهدية أيضاً هو أنظف وأطهر من أن يأخذه بعنوان الأجرة، ولو أنَّ هذا العمل شريف وعظيم ولكن لوجود شبهة أنَّ الوجوب مجاني فتصير الأجرة ليست سليمة، فالأخذ من باب الهدايا من دون تشارط ومن دون تلازم في بعض موارد العقود ليس مكروها بل بالعكس هو الأفضل.
وهناك وجهاً آخر ذكروه وهو لا بأس به: - أنه في هذه الأعمال - السيكولوجية والبيولوجية - المساومة لا هو جيد من قبل الأجير فإن فيه دناءة ولا من قبل المستأجر فهي أيضاً دناءة فمن كلا الطرفين تصير دناءة - كضراب الفحل ومن هذا القبيل - فعدم المشارطة وعدم الاصرار أولى من جهة أنه يصير نوعاً من الدناءة، فصحيح أنَّ المساومة مستحبة ولكن ليس في هذا المجال.
وهذان الوجهان لا بأس بها، ولذلك قال البعض إنه حتى الاصرار والمساومة سيما إذ اشترط في هذه الأعمال لا تكون عندهم حشمة مروّة أو ما شابه ذلك فربما يكون لسانه يكون رذلاً أو ما شاكل ذلك، فتجنّب هذه المعاملات والتعاقدات مستحب وأن يقنع العامل بما يعطى إليه كهدية، هذه جملة من مما ذكر في المشارطة، وسنواصل البقية.