34/05/17
تحمیل
الموضوع/ الأصول العملية/ البراءة الشرعية
كان الكلام في الوجوه التي يستدل بها على وثاقة احمد بن محمد بن يحيى العطّار، وانتهينا إلى الوجه الثاني الذي كان خلاصته أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) كثيراً ما يروي في الاستبصار عن محمد بن يحيى العطّار بطريقٍ واحدٍ يتكرّر في رواياتٍ كثيرة، والطريق هو(عن الغضائري، عن احمد بن محمد بن يحيى العطّار، عن أبيه) ويبدوا أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) أخذ هذه الروايات التي كرّر فيها هذا الطريق من كتاب محمد بن يحيى العطّار، والحال أنّه(قدّس سرّه) يمتلك طريقاً صحيحاً لا إشكال، ولا شبهة فيه إلى كتاب محمد بن يحيى العطّار، وهو ما ذكره في المشيخة، والطريق عبارة عن(الشيخ المفيد، عن ابن قولويه، عن الكليني، عن محمد بن يحيى العطّار)، فيقال: أنّ عدول الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) عن هذا الطريق الواضح الصحّة إلى هذا الطريق لا يمكن تفسيره إلاّ على اساس أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) يعتبر هذا الطريق مثل ذاك الطريق في الصحّة والاعتبار، يعني لو لم يكن الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) بانياً على صحّة هذا الطريق، وكانت هناك شبهة من جهة احمد بن محمد بن يحيى العطّار، لما كان هناك وجه لهذا الإصرار على ذكر هذا الطريق في كل هذه الروايات الكثيرة في الاستبصار. هذه خلاصة هذا الوجه.
قد يقال: إذا كان الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) قد أخذ هذه الروايات من كتاب محمد بن يحيى العطّار، فلماذا لم يبدأ بمحمد بن يحيى العطّار، كما هو معروفٌ أنّ عادته أنّه يبدأ سند الرواية بصاحب الكتاب الذي أخذ الرواية منه، وقد صرّح بذلك في الاستبصار، وفي التهذيب؟
وجوابه: أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) ــــ بحسب تعبيره ــــ قد سار على طريقةٍ أخرى في الاستبصار، وهي أنْ يذكر تمام سند الرواية، لا أنّه يبدأ الرواية باسم صاحب الكتاب، ثمّ يذكر طريقه إليه في المشيخة؛ بل هو صرّح بهذا المعنى في خاتمة الاستبصار، وقال: أنا لم استخدم هذه الطريقة في الجزء الأوّل، والثاني من الاستبصار، وإنّما استخدمتها في الأجزاء الأخرى، وكذا استخدمها في التهذيب.
[1]
إذن: هو في الأجزاء الأولى من الاستبصار هو لم يستخدم هذه الطريقة، وكان يذكر تمام السند، كما هو الحال في الكافي للشيخ الكليني.
الشيء الذي يبقى هو: نحن إذا سلّمنا أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) أخذ كل هذه الروايات من كتاب محمد بن يحيى العطّار؛ حينئذٍ لا يكون لذكر هذا السند ظهور في اعتماده على هذا الطريق، باعتبار أنّ كتاب محمد بن يحيى العطّار في زمان الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) القريب العهد به، والذي لا تفصله عنه إلاّ واسطتان، كان من الكتب المشهورة والمعروفة بانتسابها إلى محمد بن يحيى العطّار، ولا يحتاج الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) أساساً في ذلك الزمان إلى أنْ يذكر طريقاً إلى كتاب محمد بن يحيى العطّار؛ إذ ليس هذا الكتاب من قبيل كتاب زرارة ــــ مثلاً ــــ أو كتب الرواة المتقدمين الذين تفصلهم فاصلة زمنية طويلة عن الشيخ الطوسي(قدّس سرّه)؛ بل هو كتاب معاصر له تقريباً، أو متقدّم عليه بطبقةٍ أو طبقتين، فكتاب محمد بن يحيى العطّار من الكتب المشهورة والمعروفة، وليست من الكتب التي لم يهتم بها الأصحاب؛ بل اهتم به الأصحاب، وتعدّد الرواة، وتعدّد الطرق إلى هذا الكتاب مؤشر واضح على أنّ الكتاب كان مشهوراً ومعروفاً في زمان الشيخ الطوسي(قدّس سرّه)، ونحن نعلم أنّ الكتاب الذي يكون من الكتب المشهورة، والمعروفة، والمعلومة الانتساب إلى صاحبها، لا يحتاج الذي يخرج عنه رواية إلى طريقٍ، وإنّما يذكر الطريق لمحض الاتّصال لكي تخرج الرواية عن كونها مرسلة، ولا يهتم بالطريق؛ لأنّه ــــ بحسب الفرض ــــ أخذ الرواية عن نفس الكتاب، والكتاب من الكتب المشهورة والمعروفة، فالشيخ الطوسي(قدّس سرّه) لا يحتاج إلى طريقٍ إلى هذا الكتاب، وإنّما ذكر الطريق لأجل اتّصال السند بصاحب الكتاب، فلا يكون في ذكر هذا السند دلالة على اعتماده على هذا الطريق.
إذن: هناك فرق بين أنْ نقول أنّ الكتاب ليس من الكتب المعروفة والمشهورة، فلابدّ من ذكر السند، وبين أنْ نقول أنّ الكتاب من الكتب المشهورة، ففي الحالة الأولى عندما يذكر طريقاً؛ حينئذٍ يأتي هذا الكلام من أنّه ذكر طريقاً وهو يملك طريقاً معتبراً جزماً، فإذن: لابدّ أنْ يكون هذا الطريق معتمداً عليه عند الشيخ الطوسي(قدّس سرّه).
إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك؛ لأنّ الكتاب من الكتب المشهورة والمعروفة، ونعلم بانتسابه إلى صاحبه كما نعلم أنتساب كتاب الكافي إلى الشيخ الكليني، فلا نحتاج إلى ذكر طريقٍ إلى صاحب الكتاب، فالشيخ الطوسي(قدّس سرّه) بالنسبة إلى كتاب محمد بن يحيى العطّار هكذا كان حاله، فإذا ذكر طريقاً لا نستطيع أنْ نستكشف منه أنّه يعتمد على هذا الطريق.
قد يقال: بالرغم من هذا، يبقى إصرار الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) على ذكر هذا الطريق في كل هذه الروايات لا يخلو من دلالةٍ على اعتماده على هذا الطريق.
الجواب: الظاهر أنّ النكتة في ذكره هي علو السند، وهذه المسألة كانوا يهتمون بها كثيراً، فإذا لاحظنا أنّ الواسطة بين الشيخ الطوسي(قدّس سرّه)، وبين محمد بن يحيى العطّار في هذا الطريق هو عبارة عن واسطتين، وهما(الغضائري، واحمد بن محمد بن يحيى العطّار)، بينما الواسطة في الطريق الصحيح الذي لا إشكال في صحّته الذي يذكره في المشيخة ثلاثة وسائط، وهم(الشيخ المفيد، وابن قولويه، والشيخ الكليني)، فلعلّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) ذكر هذا الطريق باعتباره يتميّز بعلو السند؛ فلذا ذكره.
إذن: من الصعب جدّاً أن نستظهر من هذا المعنى وحده أنّ الشيخ الطوسي(قدّس سرّه) يعتمد على هذا الطريق ويصحّحه، ويبني على وثاقة احمد بن محمد بن يحيى العطّار.
الوجه الثالث: الذي يمكن أنْ يُستدَل به لإثبات وثاقة احمد بن محمد بن يحيى العطّار ــــ غير الوجوه التي ذكرها السيد الخوئي(قدّس سرّه) سابقاً ــــ هو مسألة إكثار الرواية عنه.
نحن نؤمن بأنّ إكثار الأجلاّء الرواية عن راوٍ فيها دلالة على الاعتماد عليه ووثاقته، والظاهر أنّ هذه الكبرى صغراها متحققّة في المقام، باعتبار أنّ الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) أكثر الرواية عن احمد بن محمد بن يحيى العطّار في مجموع كتبه، فقد روى عنه في سائر كتبه غير الفقيه روايات كثيرة؛ بل حتى في الفقيه، حيث روى عنه بطريقٍ ينتهي إلى ستة أشخاصٍ من أصحاب الكتب الذين روى عنهم في نفس الفقيه، فقد وقع في طريقه إلى:(ابن أبي يعفور، وعبد الرحمن بن الحجاج، وميمون بن مهران، ومحمّد بن علي بن محبوب، وأميّة بن عمرو، وعمرو بن سعيد الساباطي)، ممّا يعني أنّ جميع رواياته في الفقيه عن هؤلاء رواها عن احمد بن محمّد بن يحيى.
إذن: هو يقع في سلسلة هذه الروايات، ويكون هو المروي عنه مباشرةً من قِبل الشيخ الصدوق(قدّس سرّه)؛ لأنّه يبدأ الطريق بأحمد بن محمد بن يحيى العطّار. نعم، في بعض هذه الطرق روى عن أبيه، وفي بعضها روى عن غير أبيه، والظاهر أنّه يروي عن سعد بن عبد الله الأشعري في سائر الطرق الأخرى.
إذن: الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) أكثر الرواية عن احمد بن محمد بن يحيى العطّار في الفقيه وغيره من كتبه، فقد روى عنه بعنوان(احمد بن محمد بن يحيى العطّار) ما يقارب، أو يزيد على مائة وسبعون مورداً، وبعنوان(احمد بن محمد، عن أبيه) أيضاً روى عنه كثيراً، لكنْ لا تبلغ هذا العدد؛ بل هي أقل، وغالب الروايات يذكرها بعنوان(حدّثنا)، و(أخبرنا)، فهذا العدد يحققّ الإكثار في الرواية عنه، كما أنّه وقع في طريقه إلى ستة من أصحاب الكتب في المشْيَخة، والظاهر أنّ الإكثار في الرواية عن راوٍ هو من الأمور التي فيها دلالة على الاعتماد على هذا الشخص.
والسرّ في هذا هو أنّه يظهر من كلماتهم أنّ الرواية عن الضعفاء كانت تُعدّ عندهم عيباً ونقصاً في الراوي، وقد طعنوا في كثيرٍ من الرواة بأنّهم كانوا يروون عن الضعفاء، وقد وصل الأمر إلى طردهم من البلد؛ لأنّهم كانوا يروون عن الضعفاء، فما بالك في إكثار الرواية عن الضعيف، وهو أمرٌ يتحاشى منه الرواة العاديّون، فضلاً عن أجلاّء الرواة، وأجلاّء الطائفة ومنهم الشيخ الصدوق(قدّس سرّه).
إذن: عندما يُكثر الجليل الرواية عن شخصٍ، فأننّا نستكشف من هذا أنّ هذا الشخص معتمد، وثقة عنده؛ ولذا يعتمد على رواياته، وهناك شواهد كثيرة على هذا المطلب، في رجال النجاشي يوجد شواهد على هذا الشيء، حيث لديه عبارة ذكرها في ترجمة أحد الرواة، والذي هو(جعفر بن مالك الفزاري)
[2]
فأنّه كان يتعجّب من شيخه أبو غالب الزراري، وشخص آخر أنّهما كيف يرويان عن هذا الشخص، وهو شخص ضعيف، فقد يستكشف منه هذا الشيء.
قد يناقش في بعض هذه الأمور: بأنّ الرواية عن الضعفاء قد يُراد بها ليس مجرّد الرواية عن ضعيفٍ، وإنّما الرواية عن الضعفاء بحيث يتميّز هذا الشخص بأنه يروي عن الضعفاء بحيث أنّ مجموع من يروي عنه إذا كانوا عشرة، فالأغلبيّة في هؤلاء العشرة هم من الضعفاء، فيصدق عليه أنّه يروي عن الضعفاء، فقد يمكن التفريق بين الرواية عن الضعيف، وبين الرواية عن الضعفاء، فقد يروي شخص عن تسعة ثقات، ولكنّه يروي عن واحدٍ ضعيف، والطعن الموجود في الكتب الرجاليّة هو في من يروي عن الضعفاء، وهذا لا يشمل الرواية عن ضعيفٍ.
لكن الأمر قد يتعدّى هذا، ليس فقط الرواية عن ضعافٍ كثيرين يوجب الطعن؛ بل أنّ إكثار الرواية عن ضعيفٍ أيضاً يوجب الطعن في الشخص، ويُتحاشى منه؛ لذا يلتزم جميع الرواة أنْ لا يروون إلاّ عن ثقةٍ، طبعاً المقصود بالضعيف وعدم الرواية عن الضعيف، ليس الضعيف بالمعنى الأخص، وإنمّا الظاهر أنّ المقصود به هو الضعيف بالمعنى الأعم الذي يشمل حتّى الرواية عن المجاهيل، فالمجهول ضعيف أيضاً، وإنْ كان ليس بالمعنى الخاص الاصطلاحي، لكنْ بالنتيجة هو ضعفٌ يوجب عدم الاعتماد على روايته؛ ولذا في بعض العبائر يعطف الرواية عن المجاهيل على الرواية عن الضعفاء، أي أنّه يروي عن الضعفاء ويروي عن المجاهيل، فالرواية عن المجاهيل أيضاً هي عيبٌ ونقصٌ في الراوي. فمثل الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) عندما يُكثر الرواية عن شخصٍ بهذا الشكل، وبهذا المقدار، فهذا لا يخلو من دلالةٍ على اعتماده على ذلك الشخص، وهذا يكفي لإثبات أنّ هذا الشخص محل اعتمادٍ من قِبل الشيخ الصدوق(قدّس سرّه)، وبالتالي هو محل اعتمادٍ، ويمكن التعويل على كلامه.
هذا بالنسبة إلى هذه الرواية والطعن السندي فيها من جهة احمد بن محمد بن يحيى العطّار، يبقى مشكلة أخرى يمكن أنْ تُثار في حديث الرفع، وهي مسألة رواية حريز عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وأنّه هل يمكن أنْ يروي حريز عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أو لا؟ منشأ الإشكال هو أنّ الشيخ الكشّي روى في كتابه رواية تنتهي إلى يونس بن عبد الرحمن، سند الرواية هو(محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن عيسى، عن يونس، قال: لم يسمع حريزاً عن أبي عبد الله "عليه السلام" إلاّ حديثاً أو حديثين).
[3]
والظاهر أنّ الشيخ النجاشي قد مرّت عليه هذه الفقرة؛ ولذا ذكر في ترجمة حريز(قيل روى عن أبي عبد الله "عليه السلام"، وقال يونس: لم يسمع من أبي عبد الله "عليه السلام" إلاّ حديثين، وقيل: روى عن أبي الحسن موسى "عليه السلام" ولم يثبت ذاك).
[4]
وهناك تتمّة لنفس الرواية السابقة للكشّي تتعلّق بعبد الله بن مسكان، وقرينة تتعلّق بحريز، ويونس له رأي أيضاً في رواية عبد الله بن مسكان عن الإمام الصادق(عليه السلام)، تتمّة الحديث السابق، يقول:(وكذلك عبد الله بن مسكان لم يسمع إلاّ حديثه من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، وكان من أروى أصحاب أبي عبد الله "عليه السلام"). قال النجاشي في ترجمة عبد الله بن مسكان:(روى عن أبي الحسن موسى "عليه السلام" وقيل: أنّه روى عن أبي عبد الله "عليه السلام"، وليس بثبت).
[5]
الكلام يقع في هذه الرواية التي ينقلها الشيخ الكشّي بالسند الذي ذكرناه، أولاً يقع الكلام في سند هذه الرواية، وهناك شبهة نريد دفعها، السند الذي ذكرناه لهذه الرواية لا مشكلة فيه؛ لآنّه يروي عن محمد بن مسعود، يعني العيّاشي، ولا إشكال في وثاقته، قال: حدّثني محمّد بن نصير، وهو أيضاً لا إشكال في وثاقته،
[6]
قال: حدّثني محمد بن عيسى، الذي بنينا على وثاقته، عن يونس، وهو ثقة أيضاً، يقول يونس:(لم يسمع حريز ... الرواية). فالظاهر أنّ الرواية تامّة سنداً. لكنْ يظهر من بعضهم، وهو صاحب الحاوي، أنّ الذي يروي عنه محمد بن نصير في هذه الرواية ليس هو محمّد بن عيسى العبيدي، وإنّما هو محمّد بن قيس، وناقش في الرواية، وقال أنّها ضعيفة سنداً؛ لأنّ الوارد فيها هو محمد بن قيس، وهو في هذه الطبقة مشترك بين جماعة ثقات وغير ثقات، فتسقط الرواية عن الاعتبار.
عندما نقل السيّد الخوئي (قدّس سرّه) في المعجم عن الكشّي هذه العبارة السابقة جعل محمد بن قيس نسخة بدل عن محمد بن عيسى، ويظهر أنّه يرى أنّ هناك نسختين من رجال الكشّي، نسخة تقول محمد بن عيسى، ونسخة أخرى تقول محمد بن قيس، ويظهر منه هذا في ترجمة حريز، ويظهر منه أيضاً في ترجمة محمد بن نصير، هناك أيضاً ذكر نفس المعنى.
[7]
لكنّ الظاهر هو صحّة ما هو موجود في رجال الكشّي المطبوع بطبعات متعدّدة، وفيه محمد بن عيسى، لا محمد بن قيس، باعتبار أنّ رواية محمد بن نصير، عن محمد بن عيسى كثيرة ومعروفة، وليست شيئاً نادراً؛ بل كثيرة جدّاً، ولعلّه في رجال الكشّي فقط هناك أكثر من عشرين مورداً يروي فيه محمد بن نصير، عن محمد بن عيسى، وحمدويه، وإبراهيم أبنا نصير أيضاً كثيراً ما يرويان عن محمد بن عيسى بن عبيد في رجال الكشّي، فالظاهر أنّ المقصود به هو محمد بن عيسى بن عبيد، ومن البعيد أنْ يكون المقصود هو محمد بن قيس. والسيد الخوئي(قدّس سرّه) ذكر أنّ محمد بن قيس محرّف عن محمد بن عيسى. ومن هنا يظهر أنّ الرواية تامّة سنداً.
لكنْ قد يقدح في هذه الرواية من حيث السند، باعتبار أنّ هناك كلاماً في رواية محمد بن عيسى، عن يونس، وقد صرّح النجاشي بذلك، وإنْ كان نفاه، فقد ذكر في ترجمة محمد بن عيسى بن عبيد، نقلاً عن الشيخ الصدوق(قدّس سرّه)، عن محمد بن الحسن بن الوليد أنّه قال:(ما تفرّد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه).
[8]
وفي ترجمة احمد بن محمد بن يحيى، صاحب نوادر الحكمة، أيضاً هناك ذكر(بأنّ ابن الوليد استثنى من رواية صاحب نوادر الحكمة ما رواه عن جماعة، وعدّ منهم ما يرويه عن محمد بن عيسى بإسنادٍ منقطعٍ).
[9]
هذا قد يُجعل سبباً للتوقّف في سند هذه الرواية، باعتبار أنّ محمد بن عيسى يروي فيها عن يونس.
هذا الكلام نوقش فيه، ومن تأخّر عن الشيخ الصدوق(قدّس سرّه)، وابن الوليد لم يرتضوا ذلك في خصوص محمد بن عيسى بن عبيد، هذا بناءً على شمول هذه العبارات للرواية التي نتحدّث عنها، حيث يمكن التشكيك في ذلك، باعتبار أنّ هذه الرواية ليست روايةً تتضمّن حكماً شرعيّاً، أو فيها نقل عن المعصوم(عليه السلام) وإنّما هي إخبار عن رأي يونس بن عبد الرحمن في رواية حريزٍ عن الإمام الصادق(عليه السلام) مباشرةً، فلعلّ نقل الشيخ الصدوق(قدّس سرّه) قول استاذه وشيخه(ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه) لا يشمل الرواية التي نحن فيها؛ لأنّها ليست من كتب يونس، ولا هي من الأحاديث التي يرويها يونس، وإنّما هي نقل رأيٍ ليونس، فلعلّ هذا القول لا يشمل ما نحن فيه، وعلى تقدير الشمول، فأصل المطلب هو محل مناقشةٍ، كما ناقشه الشيخ النجاشي نفسه؛ لأنّه بعد أنْ نقل هذا ذكر ما مضمونه أنّ الأصحاب كلّهم ينكرون ذلك، ويقول:(ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول، ويقولون: من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى)
[10]
، وفي عبارته في ترجمة صاحب نوادر الحكمة يقول:(قال أبو العباس ابن نوح وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه وتبعه أبو جعفر بن بابويه رحمه الله على ذلك، إلاّ في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة).
[11]
فالظاهر أنّ هذا أيضاً لا يمنعنا من قبول مثل هذه الرواية، فالرواية تامّة سنداً.
وأمّا من حيث الدلالة، فالرواية فيها ظهور أوّلي في أنّ يونس يقول أنّ حريز لم يروِ عن الإمام الصادق(عليه السلام) إلاّ حديثاً واحداً، أو حديثين. وهذا الشيء على تقدير صحّته سوف يؤدي إلى مشكلة، وهي أنّ هناك روايات كثيرة جدّاً رواها الأصحاب في كتبهم، واستدلّ بها فقهاؤنا على أحكام شرعيّة يروي فيها حريز عن الإمام الصادق(عليه السلام) وهي روايات كثيرة جدّاً، وليست رواية أو روايتين، أو عشرة أو عشرين رواية. ويُضاف إلى ذلك أنّه لم يشِر أحدٌ من علمائنا المتقدّمين إلى ذلك، مع أنّ شهادة يونس بمرأى ومسمع منهم، واطّلعوا على النجاشي الذي يبدو أنّه متحفظ على هذه القضية، لكنْ مع ذلك لا يبدو عليهم أنّهم اهتموا بهذا الأمر، أو رتّبوا أثراً على هذا الكلام؛ بل الظاهر أنّهم لم يذكروا إطلاقاً أنّ هناك مشكلة في رواية حريز عن الإمام الصادق(عليه السلام) مباشرةً. نعم، المتأخّرون أشاروا إلى ذلك، لكنّهم نفوا الموضوع بضرسٍ قاطع، من قبيل أنّ السيّد الخوئي(قدّس سرّه) الذي يرى أنّ مثل هذه الرواية غير قابلة للتصديق؛ لأنّه قد ثبت بطرقٍ صحيحةٍ أنّ حريز يروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) مباشرة. فنحن بين أمرين: إمّا أن نقبل شهادة يونس، فلابدّ حينئذٍ أنْ نعالج هذه القضيّة، ونبني على أنّ روايات حريز عن الإمام الصادق(عليه السلام) فيها واسطة ساقطة، ولذلك تدخل في المرسلات، هذا على افتراض أننّا لا نستطيع أنْ نحدّد هذه الواسطة، وهذه مسألة أخرى، لكنْ لابدّ أنْ نتعامل مع هذه الروايات على أنّها مرسلة، وأنّ هناك واسطة ساقطة. وإمّا أن نعكس الأمر، فنقبل بهذه الروايات الكثيرة والمتكررّة، ونرد شهادة يونس، أو نأوّلها، فأنّ كل رواية تمثّل شهادة على أنّ حريز يروي عن الإمام الصادق(عليه السلام)، فبحسب ظاهر العبارة أنّ حمّاد بن عيسى عندما يقول: عن حريز، عن الإمام الصادق(عليه السلام) كأنّه يشهد بأنّ حريزاً أخبره بأنّه يروي مباشرة عن الإمام الصادق(عليه السلام). وللكلام تتمّة تأتي إنْ شاء الله تعالى.
[1] الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج 4، ص 304.
[2] رجال النجاشي، النجاشي، ص 122.
[3] اختيار معرفة الرجال(رجال الكشّي)، الشيخ الطوسي، ج 2، ص 680، ح 716.
[4] رجال النجاشي، النجاشي، ص 144.
[5] رجال النجاشي، النجاشي، ص 214.
[6] يبدو أنّ هؤلاء أخوة ثلاثة(حمدويه، وإبراهيم، ومحمد) كلّهم أولاد نصير الكشّي، بحسب ما يظهر، ولا جزم في المسألة.
[7] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج 18، ص 316.
[8] رجال النجاشي، النجاشي، ص 333.
[9] رجال النجاشي، النجاشي، ص 348.
[10] رجال النجاشي، النجاشي، ص 333.
[11] رجال النجاشي، النجاشي، ص 348.