35/06/05
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة/ منجّزية العلم الإجمالي
كان الكلام في الموانع الثبوتية من جريان الأصول في تمام أطراف العلم الإجمالي، ذكرنا كلاماً للمحقق النائيني ولصاحب الكفاية(قدّس سرّهما) والكلام الذي نذكره اليوم للمحقق العراقي(قدّس سرّه) حيث ذكر بأنّ حكم العقل بالاشتغال والمنجّزية هو على نحو التنجيز لا على نحو التعليق، واستدلّ على ذلك، على أنّ الحكم العقلي تنجيزياً وليس تعليقياً؛ ولذا تحصل المضادّة بين الترخيص الظاهري في جميع الأطراف وبين هذا الحكم العقلي التنجيزي، استدل على كونه تنجيزياً لكي يكون الترخيص في تمام الأطراف مضادّاً له وبالتالي يكون ممنوعاً؛ لأنّه يكون مضادّاً للحكم العقلي، استدلّ على ذلك كما يظهر من عبارته في(نهاية الأفكار)[1] بوجدان المناقضة بين الترخيص في جميع الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال على غرار وجدان المناقضة في موارد العلم التفصيلي، يقول كما أنّه من الواضح جدّاً أنّه في موارد العلم التفصيلي بالتكليف يكون الترخيص الظاهري في ما قام العلم التفصيلي على ثبوت التكليف فيه منافياً للتكليف المعلوم بالتفصيل، المناقضة والمنافاة واضحة بين تكليف معلوم بالتفصيل وبين ترخيصٍ يُجعل في مورده، هذه المناقضة والمضادّة موجودة بنفسها بالوجدان في موارد العلم الإجمالي، يقول هذه المناقضة والمضادة المعلومة بالوجدان وبالارتكاز، المناقضة الارتكازية كما يسمّيها، لا يمكن أن تكون إلاّ إذا افترضنا أنّ حكم العقل بالاشتغال وبلزوم الامتثال حكماً تنجيزياً، لا يمكن أن تحصل هذه المناقضة والمضادة الارتكازية بينهما إلاّ إذا كان الحكم العقلي بالمنجّزية، أو بالاشتغال بوجوب الامتثال حكماً تنجيزياً؛ لأنّه في هذه الحالة تحصل المضادة بين الترخيص الموجود في تمام الأطراف وبين حكم العقل بلزوم الامتثال والاشتغال والمنجّزية، فكأنّه يستكشف من باب استكشاف العلّة من المعلول ـــــــــــــ استكشاف أنّي ـــــــــــ تنجيز الحكم العقلي بالاشتغال والمنجّزية، أنّه حكم منجّز وليس معلّقاً، يستكشف من ارتكازية المضادّة وارتكازية المناقضة بين الترخيص وبين التكليف المعلوم بالإجمال، يقول ارتكازية المضادّة والمناقضة هي دليل على أنّ حكم العقل بالمنجّزية هو حكم تنجيزي وليس حكماً تعليقياً؛ لوضوح أنّ الحكم العقلي بالاشتغال وبالموافقة لو كان حكماً معلّقاً على عدم ورود ترخيص من قبل الشارع لما كانت هناك مضادّة ومناقضة ارتكازية بينهما؛ لماذا تكون مناقضة ؟ والحال أنّ الحكم العقلي معلّق على عدم ورود الترخيص، فإذا ورد الترخيص يرتفع موضوع الحكم العقلي، فليست هناك مضادة بين الترخيص وبين ما يحكم به العقل، إنّما تكون هناك مضادّة عندما يكون الحكم العقلي بلزوم امتثال التكليف المعلوم بالإجمال حكماً تنجيزياً، الترخيص يضاد هذا الحكم العقلي، أمّا إذا كان الحكم العقلي معلّقاً على عدم ورود الترخيص، إذا ورد الترخيص يرتفع موضوع الحكم العقلي، فلا منافاة ولا مضادّة بينهما، فحيث أنّ المضادة ثابتة بالوجدان وبالارتكاز على غرار ثبوتها في العلم التفصيلي؛ حينئذٍ يمكن أن نستكشف من وجدان المناقضة وارتكازيتها أنّ حكم العقل بالمنجّزية في محل الكلام حكماً تنجيزياً وليس حكماً تعليقياً. هذا خلاصة ما يمكن أن يُستفاد من عبارته(قدّس سرّه)..
على كل حال، ظاهر عبارته المذكورة في نهاية الأفكار أنّ الترخيص الظاهري في تمام الأطراف يناقض أمرين، يناقض حكم العقل بالاشتغال ولزوم الامتثال والموافقة الذي نعبّر عنه بالمنجّزية، أنّ العقل يحكم بالمنجّزية، ثمّ يقول هو أيضاً يناقض الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال، لكن إنّما يناقضهما ويضادّهما ويكون محالاً إذا كان الحكم العقلي بالمنجّزية تنجيزياً وليس تعليقياً؛ لأنّه إن كان حكم العقل بالاشتغال ووجوب الامتثال، أو نعبّر بالمنجّزية إذا كان تعليقياً، فلا مضادّة بين الترخيص في جميع الأطراف وبين حكم العقل بالمنجّزية؛ لأنّ الترخيص يرفع موضوع الحكم العقلي، فلا يكون منافياً له، كما أنّه لا يكون مناقضاً ومضادّاً للتكليف المعلوم بالإجمال، والسرّ في ذلك هو أنّ المناقضة بين الترخيص في جميع الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال إنّما يكون حين يكون التكليف فعلياً وتام الفعلية بحيث تكون له داعوية ومحرّكية، فيحصل التنافي والتضاد بين الترخيص في جميع الأطراف وبين ذلك التكليف المعلوم بالإجمال؛ لأنّ التكليف المعلوم بالإجمال له داعوية ومحرّكية خاصّة به، بينما الترخيص في جميع الأطراف يعني عدم التحريك، ويعني إطلاق العنان للمكلّف ومن هنا تحصل بينهما مضادة ومنافاة، بين الترخيص في جميع الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال، أمّا إذا فرضنا أنّ التكليف المعلوم بالإجمال ليست له داعوية ولا محرّكية، فمن الواضح أنّ الترخيص في جميع الأطراف لا يكون منافياً له؛ لأنّ المنافاة بين الترخيص والتكليف حتّى في موارد العلم التفصيلي إنّما هي في مرحلة الداعوية والمحرّكية، بمعنى أنّ التكليف يحرّك المكلّف نحو الفعل بينما الترخيص يطلق العنان له، هذان بينهما منافاة، في آنٍ واحد لا يمكن أنّ المولى يحرّك نحو شيء وفي نفس الوقت هو لا يحرّك، وإنّما يطلق العنان للمكلّف، فالتنافي بينهما إنّما هو في هذه المرحلة. هذا التنافي إنّما يتحقق في محل الكلام بين الترخيص في جميع الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال عندما يكون التكليف تام الفعلية، يعني عندما تكون له محرّكية وداعوية، فيكون الترخيص في تمام الأطراف منافياً له، أمّا إذا فرضنا أنّ التكليف لم يصل إلى هذه المرحلة، التكليف ليس تام الفعلية ولم تثبت له داعوية ومحرّكية، ففي هذه الحالة لا يكون الترخيص في تمام الأطراف منافياً له، وفي محل الكلام يريد أن يقول أنّ كون التكليف تام الفعلية وله داعوية ومحرّكية بحيث يتنافى مع الترخيص، فيكون الترخيص محالاً؛ لأنّه منافٍ للتكليف المعلوم بالإجمال، هذا إنّما يكون حينما يحكم العقل بمنجّزية هذا التكليف لا على نحو التعليق، عندما يكون حكم العقل بالاشتغال وبلزوم الامتثال كما يُعبّر، عندما يكون الحكم العقلي تنجيزياً، إذا كان تنجيزياً يكون التكليف تام الفعلية، التكليف يكون له داعوية ومحرّكية، فيكون الترخيص في تمام الأطراف منافياً أيضاً للتكليف المعلوم بالإجمال الذي له داعوية ومحرّكية كما هو منافٍ لحكم العقل التنجيزي بالاشتغال ولزوم الامتثال، لكن كل هذه المضادّة والمنافاة بين الترخيص في تمام الأطراف من جهة وبين الحكم العقلي بالمنجّزية وبين التكليف المعلوم بالإجمال من جهة أخرى موقوفة على أن يحكم العقل بمنجّزية هذا التكليف المعلوم بالإجمال على نحوٍ غير معلّق، أن يكون الحكم العقلي حكماً تنجيزياً، فالترخيص في تمام الأطراف كما يُضاد الحكم العقلي هو أيضاً يضاد التكليف المعلوم بالإجمال؛ لأنّ التكليف المعلوم بالإجمال إذا كان العقل يحكم بمنجّزيته ووجوب موافقته واشتغال الذمّة به حكماً تنجيزياً لا تعليقياً، هذا التكليف يكون تامّ الفعلية وله داعوية ومحرّكية والترخيص الذي يعني إطلاق العنان وعدم التحريك يكون منافياً له. هذا الذي يمكن أن يُستفاد من عبارة المحقق العراقي(قدّس سرّه).
حينئذٍ لتتميم المطلب: هو في البداية ثبّت المنافاة بين الترخيص في تمام الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال فيما إذا كان حكم العقل بالمنجّزية حكماً تنجيزياً، وإذا ثبت كون الحكم العقلي تنجيزياً لا تعليقياً؛ حينئذٍ يكون الترخيص محالاً، ويكون هذا هو المانع الثبوتي من جريان الأصول في تمام الأطراف، وهو أنّ إجراء الأصول في تمام الأطراف ينافي التكليف المعلوم بالعلم الإجمالي بعد فرض كون حكم العقل بلزوم امتثاله ووجوب موافقته حكماً تنجيزياً لا تعليقياً. بعد أن ثبّت هذا يريد أن يستدل على التنجيزية في قبال التعليقية ودليله هو ما أشار إليه سابقاً، يستدل على ذلك بالمضادة الارتكازية كما سمّاها، يقول نحن نشعر بوجداننا وارتكازاتنا نشعر بوجود مضادّة بين الترخيص في تمام الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال، هذه المضادة التي يشعر بها الإنسان بوجدانه لا تكون إلاّ إذا كان الحكم العقلي بالمنجّزية حكماً تنجيزياً، فنستكشف بطريق الإنّ كون الحكم العقلي تنجيزياً من ارتكازية المضادّة على غرار الارتكازية التي نشعر بها في موارد العلم التفصيلي؛ لأنّ هذه الارتكازية لا يمكن تفسيرها بأيّ شيءٍ سوى أنّ الحكم العقلي بلزوم الامتثال حكم تنجيزي، وإلاّ بمجرّد أن نفترض أنّه حكم تعليقي معلّق على عدم ورود الترخيص؛ حينئذٍ لا مضادّة بين الترخيص في تمام الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال. هذا ما يُفهم من كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه).
هذا الوجه الذي يذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) في مقام بيان المانع الثبوتي من جريان الأصول في تمام الأطراف، من الواضح أنّه يبتني على أن يكون حكم العقل بالمنجّزية حكماً تنجيزياً لا تعليقياً. ومن هنا يظهر أنّ المهم في هذا البحث هو التركيز على هذه النقطة، أنّ العقل عندما يلاحظ التكليف المعلوم بالإجمال هل يحكم بمنجّزيته حكماً تنجيزياً، أو أنّه يحكم بمنجّزيته معلّقاً على أن لا يرخص الشارع في مخالفته ؟ إذا حكم حكماً تنجيزياً غير تعليقي، يعني يحكم بكونه منجّزاً حتّى إذا ورد ترخيص من الشارع، حتّى مع ورود الترخيص يكون الحكم العقلي ثابتاً، هذا التكليف المعلوم بالإجمال منجّز على المكلّف؛ لذا يعتبر الترخيص الوارد الذي تقتضيه ظواهر الأدلّة ملغياً؛ لأنّه يصطدم مع الحكم العقلي؛ ولذا يستحيل جريانه، فالمهم تحقيق هذه الجهة، أو نقول أنّ الحكم الذي يحكم به العقل بمنجّزية التكليف المعلوم بالعلم الإجمالي هو حكم تعليقي، معلّق على عدم ورود الترخيص من قبل الشارع. المهم تحقيق هذه النقطة.
هذه الوجوه الثلاثة، بعد استبعاد ما نقلناه عن المحقق الخراساني صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، هو لم يتعرّض إلى هذه الجهة، وإنّما تعرّض إلى فعلية الحكم وعدمها وتقدّم مناقشته سابقاً، الوجه الأوّل الذي اختاره المحقق النائيني(قدّس سرّه)، والوجه الثالث الذي نقلناه عن المحقق العراقي(قدّس سرّه) كلٌ منهما يبتني على دعوى أنّ حكم العقل بمنجّزية التكليف المعلوم بالإجمال هو حكم تنجيزي لا تعليقي.
بعد ذلك نتعرّض إلى ما ورد في تقريرات السيد الخوئي(قدّس سرّه) في كلٍ من الدراسات ومصباح الأصول. السيد الخوئي(قدّس سرّه) ذكر مانعاً آخر في تعداد الموانع الثبوتية المانعة من جريان الأصول في تمام الأطراف، ذكر المانع الأوّل الذي ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) وهو أنّ جريان الأصول في تمام الأطراف محال؛ لأنّه يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال وهو محال.[2] [3] ثمّ ذكر الوجه الثاني[4] [5] واعتبره من الموانع الثبوتية من جريان الأصول في تمام الأطراف، وحاصل المانع الذي يذكره هو مناقضة الحكم الظاهري الذي هو الترخيص الذي نستفيده من جريان الأصول العملية في تمام الأطراف، مناقضة الحكم الظاهري الناظر إلى الواقع، وقيد(الناظر إلى الواقع) مهم؛ لأنّه سوف يخرج جملة من الأحكام الظاهرية التي تثبت بأصول عملية ليس لها نظر إلى الواقع، منافاة الحكم الظاهري الناظر إلى الواقع مع العلم الوجداني الإجمالي. يقول هذا الحكم الظاهري الناظر إلى الواقع كما في موارد الإمارات، أو في موارد الاستصحاب، على خلاف بينه وبين المحقق النائيني، المحقق النائيني(قدّس سرّه) يرى أنّ الاستصحاب أيضاً ناظر إلى الواقع، والسيد الخوئي(قدّس سرّه) لا يراه ناظراً إلى الواقع. الحكم الظاهري، أي الترخيص في محل كلامنا في تمام الأطراف إذا كان مستفاداً من إمارة أو من استصحاب، إذا قلنا أنّ الاستصحاب له نظر إلى الواقع، هذا الترخيص الظاهري ينافي العلم الوجداني بالتكليف في موارد العلم الإجمالي، كيف يُعقل أنّ نجمع بين جعل ترخيص في هذا الطرف وترخيص في هذا الطرف، وكل منهما ناظر إلى الواقع ولسانه لسان إحراز الواقع، وبين العلم الوجداني بأنّ هنا بين الطرفين يوجد تكليف، الترخيص في كلا الطرفين مع فرض وجود جنبة الإحراز للواقع يتنافى مع العلم الوجداني بوجود التكليف في أحد هذين الطرفين. هذه هي المناقضة التي ذكرها في الوجه الثاني وذكر بأنّ هذه المناقضة وهذا المانع يختص بما إذا كان الحكم الظاهري ثابتاً بالإمارة؛ لأنّ ما يثبت بالإمارة تكون فيه جنبة إحراز للواقع ونظر إلى الواقع، فيختص بما إذا كان الترخيص في الطرفين يثبت بإمارة، كما لو فرضنا أنّ الإناءين اللذين نعلم بنجاسة أحدهما، قامت إمارة أو بيّنة على طهارة هذا الإناء بخصوصه، وقامت بينة أخرى على طهارة الإناء الآخر. هنا يقول هذا الوجه المانع من جريان الترخيص في الطرفين إذا كان مستنداً إلى الإمارة يختص بما إذا كان الترخيص الثابت في الطرفين الثابت بإمارة لها نظر إلى الواقع، ولا يشمل ـــــــــــ على رأيه ــــــــــــ سائر الترخيصات التي تثبت بغير الإمارة، سواء ثبتت بأصالة البراءة، أو ثبتت بالاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب عنده هو من الأصول العملية وليس أصلاً عملياً محرزاً. نعم، يقول: لا يختص بما إذا كان المعلوم بالإجمال حكماً إلزامياً، وإنّما يشمل ما إذا كان المعلوم بالإجمال حكماً ترخيصياً، كما إذا علمنا بطهارة أحد الإناءين النجسين سابقاً، مرّة نعلم بنجاسة أحد الإناءين المعلومي الطهارة سابقاً ومرّة نعلم بطهارة أحد إناءين كنّا نعلّم بنجاستهما سابقاً، يقول حتّى في هذا المورد يجري هذا الوجه الثاني، الوجه الأوّل لا يجري إلاّ إذا علمنا بنجاسة إناءين كانا طاهرين سابقاً؛ لأنّ الوجه الأوّل كان يرى أنّ جعل الترخيص في الطرفين يستلزم الترخيص في المخالفة العملية للتكليف المعلوم بالإجمال، إذن: لابدّ أن نفترض أنّ ما نعلمه إجمالاً تكليف له مخالفة عملية حتّى يقال أنّ الترخيص في الطرفين يستلزم الترخيص في المخالفة العملية لهذا التكليف المعلوم بالإجمال، وهذا يتحقق فيما إذا علمنا بنجاسة أحد إناءين كانا طاهرين سابقاً؛ لأنّ العلم بالنجاسة يُحدث تكليفاً وهذا التكليف له مخالفة عملية، العلم بالنجاسة يُحدِث تكليفاً وهو أن ّهذا النجس المعلوم بالإجمال لا يجوز استعماله في ما يشترط فيه الطهارة، بينما الترخيص في الطرفين يكون مخالفة عملية لهذا التكليف المعلوم بالإجمال؛ فلذا يكون ممنوعاً ويكون محالاً. أمّا هذا الوجه، فلا يجري في هذا فقط؛ بل يجري حتّى فيما إذا كان المعلوم بالإجمال ترخيصاً، إذا علمنا بطهارة أحد إناءين الوجه الأوّل لا يجري؛ لأنّ المعلوم بالإجمال ليس تكليفاً، ليس له مخالفة عملية، العلم بالطهارة لا يخلق تكليفاً له مخالفة عملية حتّى يقال أنّ جريان الأصل في الطرفين يمنع من ذلك ويستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، ليس هناك مخالفة قطعية، لو استصحبنا النجاسة في الإناء الأوّل، واستصحبنا النجاسة في الإناء الثاني؛ لأنّ الحالة السابقة هي النجاسة بحسب الفرض، لم نخالف المعلوم بالإجمال مخالفة عملية؛ لأنّ المعلوم بالإجمال ليس إلاّ مجرّد طهارة، والطهارة لا تحدث تكليفاً وليس له مخالفة عملية، لكنّ الوجه الثاني يجري؛ لأنّ الوجه الثاني ليس مبتنياً على المخالفة العملية والترخيص في المخالفة العملية، وإنّما هو مبتنٍ على المناقضة بين الحكم الظاهري في تمام الأطراف وبين المعلوم بالإجمال، وهذه المناقضة موجودة سواء كان المعلوم بالإجمال تكليفاً كما في المثال الأوّل، أو كان المعلوم بالإجمال ليس تكليفاً كما في المثال الثاني، في المثال الثاني نعلم بطهارة أحد الإناءين والأصل الذي يجري في هذا الطرف يثبّت النجاسة والأصل الذي يجري في هذا الطرف يثبّت النجاسة، هل يمكن أن نجمع بين إحراز نجاسة كلا الإناءين عندما يجري الاستصحاب إذا قلنا أنّ الاستصحاب إحرازي، وبين العلم الوجداني بطهارة أحدهما ؟ لا يمكن الجمع بينهما، بقطع النظر عن لزوم المخالفة العملية.
كان الكلام في الموانع الثبوتية من جريان الأصول في تمام أطراف العلم الإجمالي، ذكرنا كلاماً للمحقق النائيني ولصاحب الكفاية(قدّس سرّهما) والكلام الذي نذكره اليوم للمحقق العراقي(قدّس سرّه) حيث ذكر بأنّ حكم العقل بالاشتغال والمنجّزية هو على نحو التنجيز لا على نحو التعليق، واستدلّ على ذلك، على أنّ الحكم العقلي تنجيزياً وليس تعليقياً؛ ولذا تحصل المضادّة بين الترخيص الظاهري في جميع الأطراف وبين هذا الحكم العقلي التنجيزي، استدل على كونه تنجيزياً لكي يكون الترخيص في تمام الأطراف مضادّاً له وبالتالي يكون ممنوعاً؛ لأنّه يكون مضادّاً للحكم العقلي، استدلّ على ذلك كما يظهر من عبارته في(نهاية الأفكار)[1] بوجدان المناقضة بين الترخيص في جميع الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال على غرار وجدان المناقضة في موارد العلم التفصيلي، يقول كما أنّه من الواضح جدّاً أنّه في موارد العلم التفصيلي بالتكليف يكون الترخيص الظاهري في ما قام العلم التفصيلي على ثبوت التكليف فيه منافياً للتكليف المعلوم بالتفصيل، المناقضة والمنافاة واضحة بين تكليف معلوم بالتفصيل وبين ترخيصٍ يُجعل في مورده، هذه المناقضة والمضادّة موجودة بنفسها بالوجدان في موارد العلم الإجمالي، يقول هذه المناقضة والمضادة المعلومة بالوجدان وبالارتكاز، المناقضة الارتكازية كما يسمّيها، لا يمكن أن تكون إلاّ إذا افترضنا أنّ حكم العقل بالاشتغال وبلزوم الامتثال حكماً تنجيزياً، لا يمكن أن تحصل هذه المناقضة والمضادة الارتكازية بينهما إلاّ إذا كان الحكم العقلي بالمنجّزية، أو بالاشتغال بوجوب الامتثال حكماً تنجيزياً؛ لأنّه في هذه الحالة تحصل المضادة بين الترخيص الموجود في تمام الأطراف وبين حكم العقل بلزوم الامتثال والاشتغال والمنجّزية، فكأنّه يستكشف من باب استكشاف العلّة من المعلول ـــــــــــــ استكشاف أنّي ـــــــــــ تنجيز الحكم العقلي بالاشتغال والمنجّزية، أنّه حكم منجّز وليس معلّقاً، يستكشف من ارتكازية المضادّة وارتكازية المناقضة بين الترخيص وبين التكليف المعلوم بالإجمال، يقول ارتكازية المضادّة والمناقضة هي دليل على أنّ حكم العقل بالمنجّزية هو حكم تنجيزي وليس حكماً تعليقياً؛ لوضوح أنّ الحكم العقلي بالاشتغال وبالموافقة لو كان حكماً معلّقاً على عدم ورود ترخيص من قبل الشارع لما كانت هناك مضادّة ومناقضة ارتكازية بينهما؛ لماذا تكون مناقضة ؟ والحال أنّ الحكم العقلي معلّق على عدم ورود الترخيص، فإذا ورد الترخيص يرتفع موضوع الحكم العقلي، فليست هناك مضادة بين الترخيص وبين ما يحكم به العقل، إنّما تكون هناك مضادّة عندما يكون الحكم العقلي بلزوم امتثال التكليف المعلوم بالإجمال حكماً تنجيزياً، الترخيص يضاد هذا الحكم العقلي، أمّا إذا كان الحكم العقلي معلّقاً على عدم ورود الترخيص، إذا ورد الترخيص يرتفع موضوع الحكم العقلي، فلا منافاة ولا مضادّة بينهما، فحيث أنّ المضادة ثابتة بالوجدان وبالارتكاز على غرار ثبوتها في العلم التفصيلي؛ حينئذٍ يمكن أن نستكشف من وجدان المناقضة وارتكازيتها أنّ حكم العقل بالمنجّزية في محل الكلام حكماً تنجيزياً وليس حكماً تعليقياً. هذا خلاصة ما يمكن أن يُستفاد من عبارته(قدّس سرّه)..
على كل حال، ظاهر عبارته المذكورة في نهاية الأفكار أنّ الترخيص الظاهري في تمام الأطراف يناقض أمرين، يناقض حكم العقل بالاشتغال ولزوم الامتثال والموافقة الذي نعبّر عنه بالمنجّزية، أنّ العقل يحكم بالمنجّزية، ثمّ يقول هو أيضاً يناقض الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال، لكن إنّما يناقضهما ويضادّهما ويكون محالاً إذا كان الحكم العقلي بالمنجّزية تنجيزياً وليس تعليقياً؛ لأنّه إن كان حكم العقل بالاشتغال ووجوب الامتثال، أو نعبّر بالمنجّزية إذا كان تعليقياً، فلا مضادّة بين الترخيص في جميع الأطراف وبين حكم العقل بالمنجّزية؛ لأنّ الترخيص يرفع موضوع الحكم العقلي، فلا يكون منافياً له، كما أنّه لا يكون مناقضاً ومضادّاً للتكليف المعلوم بالإجمال، والسرّ في ذلك هو أنّ المناقضة بين الترخيص في جميع الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال إنّما يكون حين يكون التكليف فعلياً وتام الفعلية بحيث تكون له داعوية ومحرّكية، فيحصل التنافي والتضاد بين الترخيص في جميع الأطراف وبين ذلك التكليف المعلوم بالإجمال؛ لأنّ التكليف المعلوم بالإجمال له داعوية ومحرّكية خاصّة به، بينما الترخيص في جميع الأطراف يعني عدم التحريك، ويعني إطلاق العنان للمكلّف ومن هنا تحصل بينهما مضادة ومنافاة، بين الترخيص في جميع الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال، أمّا إذا فرضنا أنّ التكليف المعلوم بالإجمال ليست له داعوية ولا محرّكية، فمن الواضح أنّ الترخيص في جميع الأطراف لا يكون منافياً له؛ لأنّ المنافاة بين الترخيص والتكليف حتّى في موارد العلم التفصيلي إنّما هي في مرحلة الداعوية والمحرّكية، بمعنى أنّ التكليف يحرّك المكلّف نحو الفعل بينما الترخيص يطلق العنان له، هذان بينهما منافاة، في آنٍ واحد لا يمكن أنّ المولى يحرّك نحو شيء وفي نفس الوقت هو لا يحرّك، وإنّما يطلق العنان للمكلّف، فالتنافي بينهما إنّما هو في هذه المرحلة. هذا التنافي إنّما يتحقق في محل الكلام بين الترخيص في جميع الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال عندما يكون التكليف تام الفعلية، يعني عندما تكون له محرّكية وداعوية، فيكون الترخيص في تمام الأطراف منافياً له، أمّا إذا فرضنا أنّ التكليف لم يصل إلى هذه المرحلة، التكليف ليس تام الفعلية ولم تثبت له داعوية ومحرّكية، ففي هذه الحالة لا يكون الترخيص في تمام الأطراف منافياً له، وفي محل الكلام يريد أن يقول أنّ كون التكليف تام الفعلية وله داعوية ومحرّكية بحيث يتنافى مع الترخيص، فيكون الترخيص محالاً؛ لأنّه منافٍ للتكليف المعلوم بالإجمال، هذا إنّما يكون حينما يحكم العقل بمنجّزية هذا التكليف لا على نحو التعليق، عندما يكون حكم العقل بالاشتغال وبلزوم الامتثال كما يُعبّر، عندما يكون الحكم العقلي تنجيزياً، إذا كان تنجيزياً يكون التكليف تام الفعلية، التكليف يكون له داعوية ومحرّكية، فيكون الترخيص في تمام الأطراف منافياً أيضاً للتكليف المعلوم بالإجمال الذي له داعوية ومحرّكية كما هو منافٍ لحكم العقل التنجيزي بالاشتغال ولزوم الامتثال، لكن كل هذه المضادّة والمنافاة بين الترخيص في تمام الأطراف من جهة وبين الحكم العقلي بالمنجّزية وبين التكليف المعلوم بالإجمال من جهة أخرى موقوفة على أن يحكم العقل بمنجّزية هذا التكليف المعلوم بالإجمال على نحوٍ غير معلّق، أن يكون الحكم العقلي حكماً تنجيزياً، فالترخيص في تمام الأطراف كما يُضاد الحكم العقلي هو أيضاً يضاد التكليف المعلوم بالإجمال؛ لأنّ التكليف المعلوم بالإجمال إذا كان العقل يحكم بمنجّزيته ووجوب موافقته واشتغال الذمّة به حكماً تنجيزياً لا تعليقياً، هذا التكليف يكون تامّ الفعلية وله داعوية ومحرّكية والترخيص الذي يعني إطلاق العنان وعدم التحريك يكون منافياً له. هذا الذي يمكن أن يُستفاد من عبارة المحقق العراقي(قدّس سرّه).
حينئذٍ لتتميم المطلب: هو في البداية ثبّت المنافاة بين الترخيص في تمام الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال فيما إذا كان حكم العقل بالمنجّزية حكماً تنجيزياً، وإذا ثبت كون الحكم العقلي تنجيزياً لا تعليقياً؛ حينئذٍ يكون الترخيص محالاً، ويكون هذا هو المانع الثبوتي من جريان الأصول في تمام الأطراف، وهو أنّ إجراء الأصول في تمام الأطراف ينافي التكليف المعلوم بالعلم الإجمالي بعد فرض كون حكم العقل بلزوم امتثاله ووجوب موافقته حكماً تنجيزياً لا تعليقياً. بعد أن ثبّت هذا يريد أن يستدل على التنجيزية في قبال التعليقية ودليله هو ما أشار إليه سابقاً، يستدل على ذلك بالمضادة الارتكازية كما سمّاها، يقول نحن نشعر بوجداننا وارتكازاتنا نشعر بوجود مضادّة بين الترخيص في تمام الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال، هذه المضادة التي يشعر بها الإنسان بوجدانه لا تكون إلاّ إذا كان الحكم العقلي بالمنجّزية حكماً تنجيزياً، فنستكشف بطريق الإنّ كون الحكم العقلي تنجيزياً من ارتكازية المضادّة على غرار الارتكازية التي نشعر بها في موارد العلم التفصيلي؛ لأنّ هذه الارتكازية لا يمكن تفسيرها بأيّ شيءٍ سوى أنّ الحكم العقلي بلزوم الامتثال حكم تنجيزي، وإلاّ بمجرّد أن نفترض أنّه حكم تعليقي معلّق على عدم ورود الترخيص؛ حينئذٍ لا مضادّة بين الترخيص في تمام الأطراف وبين التكليف المعلوم بالإجمال. هذا ما يُفهم من كلام المحقق العراقي(قدّس سرّه).
هذا الوجه الذي يذكره المحقق العراقي(قدّس سرّه) في مقام بيان المانع الثبوتي من جريان الأصول في تمام الأطراف، من الواضح أنّه يبتني على أن يكون حكم العقل بالمنجّزية حكماً تنجيزياً لا تعليقياً. ومن هنا يظهر أنّ المهم في هذا البحث هو التركيز على هذه النقطة، أنّ العقل عندما يلاحظ التكليف المعلوم بالإجمال هل يحكم بمنجّزيته حكماً تنجيزياً، أو أنّه يحكم بمنجّزيته معلّقاً على أن لا يرخص الشارع في مخالفته ؟ إذا حكم حكماً تنجيزياً غير تعليقي، يعني يحكم بكونه منجّزاً حتّى إذا ورد ترخيص من الشارع، حتّى مع ورود الترخيص يكون الحكم العقلي ثابتاً، هذا التكليف المعلوم بالإجمال منجّز على المكلّف؛ لذا يعتبر الترخيص الوارد الذي تقتضيه ظواهر الأدلّة ملغياً؛ لأنّه يصطدم مع الحكم العقلي؛ ولذا يستحيل جريانه، فالمهم تحقيق هذه الجهة، أو نقول أنّ الحكم الذي يحكم به العقل بمنجّزية التكليف المعلوم بالعلم الإجمالي هو حكم تعليقي، معلّق على عدم ورود الترخيص من قبل الشارع. المهم تحقيق هذه النقطة.
هذه الوجوه الثلاثة، بعد استبعاد ما نقلناه عن المحقق الخراساني صاحب الكفاية(قدّس سرّه)، هو لم يتعرّض إلى هذه الجهة، وإنّما تعرّض إلى فعلية الحكم وعدمها وتقدّم مناقشته سابقاً، الوجه الأوّل الذي اختاره المحقق النائيني(قدّس سرّه)، والوجه الثالث الذي نقلناه عن المحقق العراقي(قدّس سرّه) كلٌ منهما يبتني على دعوى أنّ حكم العقل بمنجّزية التكليف المعلوم بالإجمال هو حكم تنجيزي لا تعليقي.
بعد ذلك نتعرّض إلى ما ورد في تقريرات السيد الخوئي(قدّس سرّه) في كلٍ من الدراسات ومصباح الأصول. السيد الخوئي(قدّس سرّه) ذكر مانعاً آخر في تعداد الموانع الثبوتية المانعة من جريان الأصول في تمام الأطراف، ذكر المانع الأوّل الذي ذكره المحقق النائيني(قدّس سرّه) وهو أنّ جريان الأصول في تمام الأطراف محال؛ لأنّه يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال وهو محال.[2] [3] ثمّ ذكر الوجه الثاني[4] [5] واعتبره من الموانع الثبوتية من جريان الأصول في تمام الأطراف، وحاصل المانع الذي يذكره هو مناقضة الحكم الظاهري الذي هو الترخيص الذي نستفيده من جريان الأصول العملية في تمام الأطراف، مناقضة الحكم الظاهري الناظر إلى الواقع، وقيد(الناظر إلى الواقع) مهم؛ لأنّه سوف يخرج جملة من الأحكام الظاهرية التي تثبت بأصول عملية ليس لها نظر إلى الواقع، منافاة الحكم الظاهري الناظر إلى الواقع مع العلم الوجداني الإجمالي. يقول هذا الحكم الظاهري الناظر إلى الواقع كما في موارد الإمارات، أو في موارد الاستصحاب، على خلاف بينه وبين المحقق النائيني، المحقق النائيني(قدّس سرّه) يرى أنّ الاستصحاب أيضاً ناظر إلى الواقع، والسيد الخوئي(قدّس سرّه) لا يراه ناظراً إلى الواقع. الحكم الظاهري، أي الترخيص في محل كلامنا في تمام الأطراف إذا كان مستفاداً من إمارة أو من استصحاب، إذا قلنا أنّ الاستصحاب له نظر إلى الواقع، هذا الترخيص الظاهري ينافي العلم الوجداني بالتكليف في موارد العلم الإجمالي، كيف يُعقل أنّ نجمع بين جعل ترخيص في هذا الطرف وترخيص في هذا الطرف، وكل منهما ناظر إلى الواقع ولسانه لسان إحراز الواقع، وبين العلم الوجداني بأنّ هنا بين الطرفين يوجد تكليف، الترخيص في كلا الطرفين مع فرض وجود جنبة الإحراز للواقع يتنافى مع العلم الوجداني بوجود التكليف في أحد هذين الطرفين. هذه هي المناقضة التي ذكرها في الوجه الثاني وذكر بأنّ هذه المناقضة وهذا المانع يختص بما إذا كان الحكم الظاهري ثابتاً بالإمارة؛ لأنّ ما يثبت بالإمارة تكون فيه جنبة إحراز للواقع ونظر إلى الواقع، فيختص بما إذا كان الترخيص في الطرفين يثبت بإمارة، كما لو فرضنا أنّ الإناءين اللذين نعلم بنجاسة أحدهما، قامت إمارة أو بيّنة على طهارة هذا الإناء بخصوصه، وقامت بينة أخرى على طهارة الإناء الآخر. هنا يقول هذا الوجه المانع من جريان الترخيص في الطرفين إذا كان مستنداً إلى الإمارة يختص بما إذا كان الترخيص الثابت في الطرفين الثابت بإمارة لها نظر إلى الواقع، ولا يشمل ـــــــــــ على رأيه ــــــــــــ سائر الترخيصات التي تثبت بغير الإمارة، سواء ثبتت بأصالة البراءة، أو ثبتت بالاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب عنده هو من الأصول العملية وليس أصلاً عملياً محرزاً. نعم، يقول: لا يختص بما إذا كان المعلوم بالإجمال حكماً إلزامياً، وإنّما يشمل ما إذا كان المعلوم بالإجمال حكماً ترخيصياً، كما إذا علمنا بطهارة أحد الإناءين النجسين سابقاً، مرّة نعلم بنجاسة أحد الإناءين المعلومي الطهارة سابقاً ومرّة نعلم بطهارة أحد إناءين كنّا نعلّم بنجاستهما سابقاً، يقول حتّى في هذا المورد يجري هذا الوجه الثاني، الوجه الأوّل لا يجري إلاّ إذا علمنا بنجاسة إناءين كانا طاهرين سابقاً؛ لأنّ الوجه الأوّل كان يرى أنّ جعل الترخيص في الطرفين يستلزم الترخيص في المخالفة العملية للتكليف المعلوم بالإجمال، إذن: لابدّ أن نفترض أنّ ما نعلمه إجمالاً تكليف له مخالفة عملية حتّى يقال أنّ الترخيص في الطرفين يستلزم الترخيص في المخالفة العملية لهذا التكليف المعلوم بالإجمال، وهذا يتحقق فيما إذا علمنا بنجاسة أحد إناءين كانا طاهرين سابقاً؛ لأنّ العلم بالنجاسة يُحدث تكليفاً وهذا التكليف له مخالفة عملية، العلم بالنجاسة يُحدِث تكليفاً وهو أن ّهذا النجس المعلوم بالإجمال لا يجوز استعماله في ما يشترط فيه الطهارة، بينما الترخيص في الطرفين يكون مخالفة عملية لهذا التكليف المعلوم بالإجمال؛ فلذا يكون ممنوعاً ويكون محالاً. أمّا هذا الوجه، فلا يجري في هذا فقط؛ بل يجري حتّى فيما إذا كان المعلوم بالإجمال ترخيصاً، إذا علمنا بطهارة أحد إناءين الوجه الأوّل لا يجري؛ لأنّ المعلوم بالإجمال ليس تكليفاً، ليس له مخالفة عملية، العلم بالطهارة لا يخلق تكليفاً له مخالفة عملية حتّى يقال أنّ جريان الأصل في الطرفين يمنع من ذلك ويستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، ليس هناك مخالفة قطعية، لو استصحبنا النجاسة في الإناء الأوّل، واستصحبنا النجاسة في الإناء الثاني؛ لأنّ الحالة السابقة هي النجاسة بحسب الفرض، لم نخالف المعلوم بالإجمال مخالفة عملية؛ لأنّ المعلوم بالإجمال ليس إلاّ مجرّد طهارة، والطهارة لا تحدث تكليفاً وليس له مخالفة عملية، لكنّ الوجه الثاني يجري؛ لأنّ الوجه الثاني ليس مبتنياً على المخالفة العملية والترخيص في المخالفة العملية، وإنّما هو مبتنٍ على المناقضة بين الحكم الظاهري في تمام الأطراف وبين المعلوم بالإجمال، وهذه المناقضة موجودة سواء كان المعلوم بالإجمال تكليفاً كما في المثال الأوّل، أو كان المعلوم بالإجمال ليس تكليفاً كما في المثال الثاني، في المثال الثاني نعلم بطهارة أحد الإناءين والأصل الذي يجري في هذا الطرف يثبّت النجاسة والأصل الذي يجري في هذا الطرف يثبّت النجاسة، هل يمكن أن نجمع بين إحراز نجاسة كلا الإناءين عندما يجري الاستصحاب إذا قلنا أنّ الاستصحاب إحرازي، وبين العلم الوجداني بطهارة أحدهما ؟ لا يمكن الجمع بينهما، بقطع النظر عن لزوم المخالفة العملية.