11-08-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/08/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة (
430 )، الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
الأمر السادس:- ذكر الشيخ النائيني(قده) في مناسكه[1] أنّ من جملة من يستثنى من وجوب المبيت والكفارة هم الرعاة والسقاة حيث قال ما نصّه:- ( نعم لا تجب الفدية على الرعاة والسقاة على الأقوى ).
وما أفاده بالنسبة إلى الرعاة لا نعرف له وجهاً إذ لا توجد رواية تدلّ على استثنائهم من وجوب المبيت والكفارة، نعم ربما يدخل في بعض الحالات تحت عنوان المضطرّ كما لو فرض أنه لا يمكنه ترك غنمه ويخاف عليها فهو بالتالي مضطرٌّ إلى ترك المبيت في منى، إنّه أحياناً قد يصدق عليه ذلك ومعه يرتفع عنه الحكم التكليفي والأثر الوضعي لأجل حديث ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) ،أمّا إذا لم يدخل تحت العنوان المذكور فلا وجه لاستثنائه.
وأمّا بالنسبة إلى السقاة فقد تقدّم في الاستثناء الاوّل - أعني المعذور - حيث ذكرنا أنّه قد يقال إنّ من جملة من يُعذَر عن المبيت ولا يجب عليه المبيت هو الطبيب وقلنا قد يستشهد لذلك برواية مالك بن أعين التي رخّص فيها النبي صلى الله عليه وآله لعمه العباس في ترك المبيت في منى لأجل السقاية ونصّ الرواية هو:- ( عن أبي جعفر عليه السلام أنّ العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبيت بمكة ليالي منى فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله من أجل سقاية الحاج )[2]، إنّ قول النبي صلى الله عليه وآله لعمّه ( لأجل الساقية ) يدلّ على أنّه لو كان هناك حاجة فيجوز والسقاية ذكرت من باب أنها أحد مصاديق الحاجة، هكذا ذكرنا هناك، وذكرنا أنّ السيد الخوئي(قده) قال إنّ هذه الرواية لا يمكن التمسّك بها من جهة أنها قضيّة شخصيّة فلعله صلى الله عليه وآله من باب أنه له الولاية فإذن لعمّه ومن حقّه أن يأذن لهذا ولا يأذن لذاك فإنّ هذا هو حقُّ المنصب فإذن لا يمكن أن نستفيد منها أنّ كلّ صاحب عذرٍ أو كلّ ساقٍ يجوز له أن لا يبيت في منى، ونحن علّقنا على ذلك فيما سبق وقلنا إنّه وردت عبارة في هذه الرواية يمكن أن نستفيد منها العليّة حيث جاء في ذيل الرواية ( من أجل سقاية الحاج )، فإذن هذا الإذْن هو لأجل أنه يسقي الحاج، فعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم منها أنّ الخصوصيّة للعبّاس منتفية وإنما الخصوصيّة هي لأجل سقاية الحاج، وهذا كلّه قد تقدم سابقاً.
والذي أريد أن أذكره الآن هو أنّ هذا - أي التعليق الذي ذكرناه مع ما ذكره السيد الخوئي(قده) - سواءً تم أم لم يتم فهناك طريق آخر لإثبات استثناء ساقي الحجيج بلا حاجة إلى روايةٍ حتى يقال يحتمل أنّ هذه واقعة شخصيّة مع ما يرد عليها من ملاحظات، بل يمكن أن يستدلّ على الجواز فيما إذا فرض أن الحجيج كانوا بحاجة إلى السقي وفرض أنّ الساقي كان يقصد القربة إلى الله عز وجل فيشتري الماء المعدّ في زماننا للشرب ويوزّعه على الحجيج أثناء الطواف أو غيره، إنّ هذا يمكن أن يقال باستثنائه بلا حاجة إلى روايةٍ من باب أنّه مشغولٌ في طاعة الله عز وجل والمفروض أنّ السيد الخوئي(قده) يرضى باستثناء من كان مشغولاً بطاعة الله فمن يرتضي هذا ويرى أنّ المشغول بطاعة الله عز وجل يستثنى من وجوب المبيت فحينئذٍ هذا طريق يمكن أن نستفيد منه في إثبات المطلوب ولا يختص بهذا بل كلّ قضيّة من هذا القبيل - إذا كان قاصداً القربة -، إنّ هذا شغلٌ في طاعة الله عز وجل، وهذا بابٌ وسيعٌ يمكن أن يستفاد منه في موارد مختلفة.
وعلى أيّ حال المسألة لا تستدعي أن تذكر ونبحث من جهة أنه لا ابتلاء بها في زماننا وإنما أشرنا إليها لأجل النكتة العلميّة لا أكثر.
مسألة:- ( 430 ):- من أفاض من منى ثم رجع إليها بعد دخول الليل في الليلة الثالثة عشر لحاجةٍ لم يجب عليه المبيت بها.
..........................................................................................................
تقدّم فيما سبق الاشارة إلى مضمون هذه المسألة - أي في مسألة ( 426 ) - حيث ذكرنا أموراً هناك وأحدها كان هو مضمون هذه المسألة وحاصله أنّه لو فرض أنّ الحاج لم يخرج من منى بعد ظهر اليوم الثاني عشر إلى أن أدركه الغروب فلا إشكال في أنّه يجب عليه أن يبيت تلك الليلة وهكذا يجب أن يبيت من لم يحترز عن النساء والصيد وهذا واضح، ولكن الفرع الذي ذكرناه هو أنّه لو فرض أنّ الحاج خرج من منى بعد الزوال وعاد إليها بعد الغروب لنسيان شيءٍ فيها مثلاً فهنا هل يجب عليه أن يبيت تلك الليلة بعد أن فرض أنّه كان قد خرج بعد الزوال ؟ ذكرنا هناك أنّه لا موجب لوجوب المبيت عليه لأجل أنّه لم يدركه المساء وهو في منى وظاهر الروايات هو أنّ من أدركه المساء وهو في منى وجب عليه المبيت وهذا مطلب واضح، وقلنا سيأتي من السيد الماتن(قده) الاشارة إلى ذلك في مسألةٍ مستقلّة وهي هذه المسألة . إذن هذه المسألة ليس فيها مطلب جديد، وذكرنا هناك - من باب القضيّة الفنيّة لا من باب القضيّة العلميّة - أنّ ذِكر هذه المسألة في الكتب الاستدلالية قد لا يكون مناسباً ومهمّاً باعتبار أنّها لا تشتمل على نكتة علميّة فإنه من الواضحات أنّه لا يجب عليه المبيت في منى بعدما فرض أنّه قد خرج منها، ولكن إذا أردنا أن نذكرها في المناسك فمن المناسب أن لا تُذكر هنا وإنما تذكر في مسالة المبيت بمنى فإنّه(قده) قال في البداية:- ( وتجوز لغيرهما[3] الافاضة من منى بعد ظهر اليوم الثاني عشر ولكن إذا بقي في منى إلى أن دخل الليل وجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً )وكان من المناسب أن يذكر عقيب هذه العبارة هذا المطلب فيقول ( نعم لو نفر قبل الزوال وقبل الغروب ولكنه عاد إلى منى لنسيان شيءٍ مثلاً فلا يجب عليه المبيت ) لا أن يذكرها بعد هذا الفاصل الطويل فإن المسائل المرتبطة بقضيّة واحدةٍ لابد وأن تذكر في مكانٍ واحد.
رمي الجمار:-
الثالث عشر من واجبات الحج رمي الجمرات الثلاث الأولى والوسطى وجمرة العقبة . ويجب الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر . وإذا بات ليلة الثالث عشر في منى وجب الرمي في اليوم الثالث عشر أيضاً على الأحوط . ويعتبر في رمي الجمرات المباشرة فلا تجوز الاستنابة اختياراً.
..........................................................................................................
يشتمل هذا المتن على مجموعة نقاط:-
النقطة الأولى:- إنّ رمي الجمار واجب.
ويلزم أنّ نفرّق بين مصطلحين بين مصطلح رمي الجمرة - أي جمرة العقبة - في اليوم العاشر وبين مصطلح رمي الجمار - بالجمع - يعني في اليوم الحادي عشر والثاني عشر فذاك واجبٌ وهذا واجبٌ إلا أنّ رمي جمرة العقبة هو واجبٌ وجزءٌ من الحج وأمّا رمي الجمار في اليومين ما بعد يوم العيد فهو واجبٌ ولكنه خارج من الحج.
وعلى أيّ حال المعروف هو وجوب ذلك - أي وجوب رمي الجمرات الثلاث في اليومين - بل ادّعي الاجماع على ذلك، قال في الشرائع:- ( ويجب أن يرمي في كلّ يوم من أيام التشريق الجمار الثلاث ) ، وعلّق في المدارك بقوله:- ( هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب بل قال العلامة في التذكرة أنه لا نعرف فيه خلافاً ونحوه قال في المنتهى )[4]، وقال في الجواهر:- ( بلا خلافٍ محقّقٍ أجده فيه كما اعترف به بعضهم )[5]، وقال في السرائر:- ( وهل رمي الجمار واجبٌ أو مسنونٌ ؟ لا خلاف بين أصحابنا بكونه واجباً ولا أظن أنّ أحداً من المسلمين يخالف في ذلك )[6].
هذا ولكن جاء في بعض عبائر الشيخ الطوسي وهكذا القاضي بن البرّاج ولعله في كلام آخرين أيضاً أنّه سنّة الذي يشعر بالاستحباب، وقد وجّهه جمعٌ من الأصحاب بأن مقصوده من السنّة يعني ما ثبت وجوبه من الرسول صلى الله عليه وآله فإن التكاليف بعضها يثبت من خلال القرآن وبعضها يثبت من خلال كلام الرسول صلى الله عليه وآله فالذي يثبت من كلام الرسول يعبّر عنه في الروايات بالسنّة أي هو تشريعٌ من الرسول ولذلك يقال بالنسبة إلى الركعتين الأوليين في الصلاة بأنهما فرض الله - هكذا موجودٌ في الروايات - ولذلك يبطلهما الشك بينما الركعتان الأخيرتان فهما سنّة من الرسول أي هي واجبٌ من الرسول.
وسواء قبلنا هذا التوجيه أو لم نقبله - وقد مرّ كلّ ذلك منا في مبحث رمي جمرة العقبة فلا حاجة إلى التكرار فسواء تم هذا التوجيه أو لم يتم - فالمناسب هو البحث عن المدار للوجوب.
واستدل السيد الخوئي(قده) ببعض الروايات:-
الرواية الأولى:- صحيحة عمر بن أذينه عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:- ( سألته عن قول الله تعالى " الحج الأكبر " قال:- الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار .. )[7]، إنّ هذه الرواية تدلّ على مدى الاهتمام برمي الجمار حتى عُدَّ عِدْلاً للوقوف بعرفة . إذن يثبت وجوب وأهمية رمي الجمار من خلال ذلك، هكذا ذكر(قده) في المعتمد[8]، وهكذا ذكر السيد الحكيم(قده) في دليل الناسك[9]، وتقدّم منّا سابقاً أنه(قده) لم يذكر وجه الدلالة على الوجوب فإنه لا يوجد طلبٌ أو أمرٌ في الرواية ومجرد أنّه جُعِل عدلاً للوقوف بعرفة لا يدلّ على الوجوب إذ لعلّ المقصود هو شيء آخر فلعلّ الإمام عليه السلام حينما سأله السائل أنّه ما المقصود من الحج الأكبر يعني في قوله تعالى:- ﴿ وأذانٌ من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أنّ الله بريء من المشركين ... ﴾ فهو يسأل عن تفسير يوم الحج الأكبر فأجابه الإمام عليه السلام بأنّ المقصود هو أن يكون الأذان في موقف عرفات وعند رمي الجِمار حيث يجتمع الحجيج هناك فالأذان والإعلان بالبراءة يكون هناك، لعلّ هذا هو المقصود فالإمام عليه السلام عطف هذا على هذا إشارة إلى المقصود من يوم الحج الأكبر وهذا لا يدلّ على وجوب رمي الجمار بل لعلّه شيء مستحبّ أكيد والمسلمون يأتون به . نعم إذا أردت أن تستدلّ بطريقٍ آخر فهذا سوف يأتي أمّا هذا المقدار فلا يأتي فلعله من باب اجتماع المسلمين لأداء هذا المنسك المستحب فالأذان والبراءة يكونان هناك أي عند موقف عرفة وعند الجمرات، هكذا تريد أن تقول الرواية فكيف نستفيد الوجوب منها ؟!!
الرواية الثانية:- هي ما دلّ على أنّ من ترك الرمي جهلاً أو نسياناً يرجع فيرمي، وهي عدّة روايات، من قبيل صحيحة معاوية بن عمار قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة، قال:- فلترجع فلترم الجِمار كما كانت ترمي . والرجل كذلك )[10]، ونحوها غيرها من الروايات المذكورة في نفس الباب، وتقريب الدلالة واضحٌ فإنه عليه السلام أمرها بالعود إذا نسيت أو جهلت رمي الجمار وظاهر الأمر الوجوب وهذا يدلّ على أنّ رمي الجمار واجبٌ إذ لو لم يكن واجباً فلماذا يأمر الإمام عليه السلام بالعود ؟ إنّ الأمر بالعود يدلّ بوضوحٍ على أنّ رمي الجِمار واجب.
الأمر السادس:- ذكر الشيخ النائيني(قده) في مناسكه[1] أنّ من جملة من يستثنى من وجوب المبيت والكفارة هم الرعاة والسقاة حيث قال ما نصّه:- ( نعم لا تجب الفدية على الرعاة والسقاة على الأقوى ).
وما أفاده بالنسبة إلى الرعاة لا نعرف له وجهاً إذ لا توجد رواية تدلّ على استثنائهم من وجوب المبيت والكفارة، نعم ربما يدخل في بعض الحالات تحت عنوان المضطرّ كما لو فرض أنه لا يمكنه ترك غنمه ويخاف عليها فهو بالتالي مضطرٌّ إلى ترك المبيت في منى، إنّه أحياناً قد يصدق عليه ذلك ومعه يرتفع عنه الحكم التكليفي والأثر الوضعي لأجل حديث ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) ،أمّا إذا لم يدخل تحت العنوان المذكور فلا وجه لاستثنائه.
وأمّا بالنسبة إلى السقاة فقد تقدّم في الاستثناء الاوّل - أعني المعذور - حيث ذكرنا أنّه قد يقال إنّ من جملة من يُعذَر عن المبيت ولا يجب عليه المبيت هو الطبيب وقلنا قد يستشهد لذلك برواية مالك بن أعين التي رخّص فيها النبي صلى الله عليه وآله لعمه العباس في ترك المبيت في منى لأجل السقاية ونصّ الرواية هو:- ( عن أبي جعفر عليه السلام أنّ العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبيت بمكة ليالي منى فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله من أجل سقاية الحاج )[2]، إنّ قول النبي صلى الله عليه وآله لعمّه ( لأجل الساقية ) يدلّ على أنّه لو كان هناك حاجة فيجوز والسقاية ذكرت من باب أنها أحد مصاديق الحاجة، هكذا ذكرنا هناك، وذكرنا أنّ السيد الخوئي(قده) قال إنّ هذه الرواية لا يمكن التمسّك بها من جهة أنها قضيّة شخصيّة فلعله صلى الله عليه وآله من باب أنه له الولاية فإذن لعمّه ومن حقّه أن يأذن لهذا ولا يأذن لذاك فإنّ هذا هو حقُّ المنصب فإذن لا يمكن أن نستفيد منها أنّ كلّ صاحب عذرٍ أو كلّ ساقٍ يجوز له أن لا يبيت في منى، ونحن علّقنا على ذلك فيما سبق وقلنا إنّه وردت عبارة في هذه الرواية يمكن أن نستفيد منها العليّة حيث جاء في ذيل الرواية ( من أجل سقاية الحاج )، فإذن هذا الإذْن هو لأجل أنه يسقي الحاج، فعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم منها أنّ الخصوصيّة للعبّاس منتفية وإنما الخصوصيّة هي لأجل سقاية الحاج، وهذا كلّه قد تقدم سابقاً.
والذي أريد أن أذكره الآن هو أنّ هذا - أي التعليق الذي ذكرناه مع ما ذكره السيد الخوئي(قده) - سواءً تم أم لم يتم فهناك طريق آخر لإثبات استثناء ساقي الحجيج بلا حاجة إلى روايةٍ حتى يقال يحتمل أنّ هذه واقعة شخصيّة مع ما يرد عليها من ملاحظات، بل يمكن أن يستدلّ على الجواز فيما إذا فرض أن الحجيج كانوا بحاجة إلى السقي وفرض أنّ الساقي كان يقصد القربة إلى الله عز وجل فيشتري الماء المعدّ في زماننا للشرب ويوزّعه على الحجيج أثناء الطواف أو غيره، إنّ هذا يمكن أن يقال باستثنائه بلا حاجة إلى روايةٍ من باب أنّه مشغولٌ في طاعة الله عز وجل والمفروض أنّ السيد الخوئي(قده) يرضى باستثناء من كان مشغولاً بطاعة الله فمن يرتضي هذا ويرى أنّ المشغول بطاعة الله عز وجل يستثنى من وجوب المبيت فحينئذٍ هذا طريق يمكن أن نستفيد منه في إثبات المطلوب ولا يختص بهذا بل كلّ قضيّة من هذا القبيل - إذا كان قاصداً القربة -، إنّ هذا شغلٌ في طاعة الله عز وجل، وهذا بابٌ وسيعٌ يمكن أن يستفاد منه في موارد مختلفة.
وعلى أيّ حال المسألة لا تستدعي أن تذكر ونبحث من جهة أنه لا ابتلاء بها في زماننا وإنما أشرنا إليها لأجل النكتة العلميّة لا أكثر.
مسألة:- ( 430 ):- من أفاض من منى ثم رجع إليها بعد دخول الليل في الليلة الثالثة عشر لحاجةٍ لم يجب عليه المبيت بها.
..........................................................................................................
تقدّم فيما سبق الاشارة إلى مضمون هذه المسألة - أي في مسألة ( 426 ) - حيث ذكرنا أموراً هناك وأحدها كان هو مضمون هذه المسألة وحاصله أنّه لو فرض أنّ الحاج لم يخرج من منى بعد ظهر اليوم الثاني عشر إلى أن أدركه الغروب فلا إشكال في أنّه يجب عليه أن يبيت تلك الليلة وهكذا يجب أن يبيت من لم يحترز عن النساء والصيد وهذا واضح، ولكن الفرع الذي ذكرناه هو أنّه لو فرض أنّ الحاج خرج من منى بعد الزوال وعاد إليها بعد الغروب لنسيان شيءٍ فيها مثلاً فهنا هل يجب عليه أن يبيت تلك الليلة بعد أن فرض أنّه كان قد خرج بعد الزوال ؟ ذكرنا هناك أنّه لا موجب لوجوب المبيت عليه لأجل أنّه لم يدركه المساء وهو في منى وظاهر الروايات هو أنّ من أدركه المساء وهو في منى وجب عليه المبيت وهذا مطلب واضح، وقلنا سيأتي من السيد الماتن(قده) الاشارة إلى ذلك في مسألةٍ مستقلّة وهي هذه المسألة . إذن هذه المسألة ليس فيها مطلب جديد، وذكرنا هناك - من باب القضيّة الفنيّة لا من باب القضيّة العلميّة - أنّ ذِكر هذه المسألة في الكتب الاستدلالية قد لا يكون مناسباً ومهمّاً باعتبار أنّها لا تشتمل على نكتة علميّة فإنه من الواضحات أنّه لا يجب عليه المبيت في منى بعدما فرض أنّه قد خرج منها، ولكن إذا أردنا أن نذكرها في المناسك فمن المناسب أن لا تُذكر هنا وإنما تذكر في مسالة المبيت بمنى فإنّه(قده) قال في البداية:- ( وتجوز لغيرهما[3] الافاضة من منى بعد ظهر اليوم الثاني عشر ولكن إذا بقي في منى إلى أن دخل الليل وجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً )وكان من المناسب أن يذكر عقيب هذه العبارة هذا المطلب فيقول ( نعم لو نفر قبل الزوال وقبل الغروب ولكنه عاد إلى منى لنسيان شيءٍ مثلاً فلا يجب عليه المبيت ) لا أن يذكرها بعد هذا الفاصل الطويل فإن المسائل المرتبطة بقضيّة واحدةٍ لابد وأن تذكر في مكانٍ واحد.
رمي الجمار:-
الثالث عشر من واجبات الحج رمي الجمرات الثلاث الأولى والوسطى وجمرة العقبة . ويجب الرمي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر . وإذا بات ليلة الثالث عشر في منى وجب الرمي في اليوم الثالث عشر أيضاً على الأحوط . ويعتبر في رمي الجمرات المباشرة فلا تجوز الاستنابة اختياراً.
..........................................................................................................
يشتمل هذا المتن على مجموعة نقاط:-
النقطة الأولى:- إنّ رمي الجمار واجب.
ويلزم أنّ نفرّق بين مصطلحين بين مصطلح رمي الجمرة - أي جمرة العقبة - في اليوم العاشر وبين مصطلح رمي الجمار - بالجمع - يعني في اليوم الحادي عشر والثاني عشر فذاك واجبٌ وهذا واجبٌ إلا أنّ رمي جمرة العقبة هو واجبٌ وجزءٌ من الحج وأمّا رمي الجمار في اليومين ما بعد يوم العيد فهو واجبٌ ولكنه خارج من الحج.
وعلى أيّ حال المعروف هو وجوب ذلك - أي وجوب رمي الجمرات الثلاث في اليومين - بل ادّعي الاجماع على ذلك، قال في الشرائع:- ( ويجب أن يرمي في كلّ يوم من أيام التشريق الجمار الثلاث ) ، وعلّق في المدارك بقوله:- ( هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب بل قال العلامة في التذكرة أنه لا نعرف فيه خلافاً ونحوه قال في المنتهى )[4]، وقال في الجواهر:- ( بلا خلافٍ محقّقٍ أجده فيه كما اعترف به بعضهم )[5]، وقال في السرائر:- ( وهل رمي الجمار واجبٌ أو مسنونٌ ؟ لا خلاف بين أصحابنا بكونه واجباً ولا أظن أنّ أحداً من المسلمين يخالف في ذلك )[6].
هذا ولكن جاء في بعض عبائر الشيخ الطوسي وهكذا القاضي بن البرّاج ولعله في كلام آخرين أيضاً أنّه سنّة الذي يشعر بالاستحباب، وقد وجّهه جمعٌ من الأصحاب بأن مقصوده من السنّة يعني ما ثبت وجوبه من الرسول صلى الله عليه وآله فإن التكاليف بعضها يثبت من خلال القرآن وبعضها يثبت من خلال كلام الرسول صلى الله عليه وآله فالذي يثبت من كلام الرسول يعبّر عنه في الروايات بالسنّة أي هو تشريعٌ من الرسول ولذلك يقال بالنسبة إلى الركعتين الأوليين في الصلاة بأنهما فرض الله - هكذا موجودٌ في الروايات - ولذلك يبطلهما الشك بينما الركعتان الأخيرتان فهما سنّة من الرسول أي هي واجبٌ من الرسول.
وسواء قبلنا هذا التوجيه أو لم نقبله - وقد مرّ كلّ ذلك منا في مبحث رمي جمرة العقبة فلا حاجة إلى التكرار فسواء تم هذا التوجيه أو لم يتم - فالمناسب هو البحث عن المدار للوجوب.
واستدل السيد الخوئي(قده) ببعض الروايات:-
الرواية الأولى:- صحيحة عمر بن أذينه عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:- ( سألته عن قول الله تعالى " الحج الأكبر " قال:- الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار .. )[7]، إنّ هذه الرواية تدلّ على مدى الاهتمام برمي الجمار حتى عُدَّ عِدْلاً للوقوف بعرفة . إذن يثبت وجوب وأهمية رمي الجمار من خلال ذلك، هكذا ذكر(قده) في المعتمد[8]، وهكذا ذكر السيد الحكيم(قده) في دليل الناسك[9]، وتقدّم منّا سابقاً أنه(قده) لم يذكر وجه الدلالة على الوجوب فإنه لا يوجد طلبٌ أو أمرٌ في الرواية ومجرد أنّه جُعِل عدلاً للوقوف بعرفة لا يدلّ على الوجوب إذ لعلّ المقصود هو شيء آخر فلعلّ الإمام عليه السلام حينما سأله السائل أنّه ما المقصود من الحج الأكبر يعني في قوله تعالى:- ﴿ وأذانٌ من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أنّ الله بريء من المشركين ... ﴾ فهو يسأل عن تفسير يوم الحج الأكبر فأجابه الإمام عليه السلام بأنّ المقصود هو أن يكون الأذان في موقف عرفات وعند رمي الجِمار حيث يجتمع الحجيج هناك فالأذان والإعلان بالبراءة يكون هناك، لعلّ هذا هو المقصود فالإمام عليه السلام عطف هذا على هذا إشارة إلى المقصود من يوم الحج الأكبر وهذا لا يدلّ على وجوب رمي الجمار بل لعلّه شيء مستحبّ أكيد والمسلمون يأتون به . نعم إذا أردت أن تستدلّ بطريقٍ آخر فهذا سوف يأتي أمّا هذا المقدار فلا يأتي فلعله من باب اجتماع المسلمين لأداء هذا المنسك المستحب فالأذان والبراءة يكونان هناك أي عند موقف عرفة وعند الجمرات، هكذا تريد أن تقول الرواية فكيف نستفيد الوجوب منها ؟!!
الرواية الثانية:- هي ما دلّ على أنّ من ترك الرمي جهلاً أو نسياناً يرجع فيرمي، وهي عدّة روايات، من قبيل صحيحة معاوية بن عمار قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة، قال:- فلترجع فلترم الجِمار كما كانت ترمي . والرجل كذلك )[10]، ونحوها غيرها من الروايات المذكورة في نفس الباب، وتقريب الدلالة واضحٌ فإنه عليه السلام أمرها بالعود إذا نسيت أو جهلت رمي الجمار وظاهر الأمر الوجوب وهذا يدلّ على أنّ رمي الجمار واجبٌ إذ لو لم يكن واجباً فلماذا يأمر الإمام عليه السلام بالعود ؟ إنّ الأمر بالعود يدلّ بوضوحٍ على أنّ رمي الجِمار واجب.