33-11-01
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/10/30
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسـألــة ( 344 ) / أحكــام السـعي / الواجـب الرابـع مـن واجبـات عمـرة التمـتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
هذا وتوجد رواية أخرى لمعاوية بن عمار تدل على المضمون المذكور وهي ما رواه الشيخ الكليني(قده) بسنده الى معاوية ( من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطاً طرح ثمانية واعتد بسبعة ) [1] بينما السابقة رواها الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة وصفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار ، وسند كلتا الروايتين صحيح وقد اتفقتا على أن الثمانية باطلة ولا يهمنا بعد هذا أنهما روايتان أو رواية واحدة فانه مطلب ليس بالمهم هنا .
نعم نلفت النظر إلى أن هذه الرواية لم يروها معاوية عن الإمام بل قال ابتداءً ( من طاف بين الصفا والمروة ... ) والظاهر أن هذا ليس مهماً في حق معاوية لأنه سمع الكثير الكثير من الامام الصادق فيما يرتبط بباب الحج ، والأمر سهل.
الطائفة الثالثة:- ما دل على أن من أتى بأسبوعين متصلين - بمعنى أربعة عشر شوطاً - فسبعة تسقط وسبعة يعتّد بها وتدل على ذلك صحيحة هشام بن سالم ( سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيد الله بن راشد فقلت له:- تحفظ عليَّ ، فجعل يعدّ ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً فبلغ مثل ذلك - وفي نسخة أخرى " فبلغ مني مثل ذلك " ، وفي نسخة ثالثة " فبلغ منا مثل ذلك "- فقلت له كيف تعدّ ؟ قال:- ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً ، فأتممنا أربعة عشر شوطاً ، فذكرنا لأبي عبد الله عليه السلام فقال:- قد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شيء ) [2] ، وقريب منها صحيحة جميل بن دراج ( حججنا نحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطاً فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال:- لا بأس ، سبعة لك وسبعة تطرح ) [3] .
الطائفة الرابعة:- ما دل على أن من أتى بثمانية يكمل الشوط الزائد بستة ، وهي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ( ...... وكذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستّاً ) [4] .
الطائفة الخامسة:- ما دل على أن من أتى بثمانية يحق له أن يكتفي بسبعة ويطرح الواحد ، وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام ( رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه ؟ قال:- إن كان خطأ طرح واحداً واعتد بسبعة ) [5] .
وبعد ذكر طوائف الروايات نأتي إلى الصور السابقة:-
حكم الزيادة العمدية:- لا ينبغي الاشكال ببطلان السعي بذلك ، قال في المدارك ( هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ) [6] .
والسؤال هو:- ما هو التخريج الفنّي لهذا الحكم - أي البطلان - ؟
والجواب:- حاول صاحب الجواهر(قده) [7] التمسك بمقتضى القاعدة ، ببيان:- إن إجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلى دليل وحيث أنه مفقود فيحكم بالبطلان ، وبعبارة أخرى:- إذا زاد على السبعة بأن أتى بثمانية أو بتسعة فهذا ليس هو المأمور به إذ المأمور به هو السبعة وحيث لا دليل على إجزاء ذلك عن المأمور به فيحكم بالبطلان.
وفيه:- إن هذا وجيه لو ثبت أن السبعة بشرط لا أي بشرط عدم الزيادة هي المأمور به فإنه آنذاك نقول إن إجزاءها عن المأمور به يحتاج إلى دليل أما إذا كان الطلوب هو السبعة بلا شرط فيكون ذلك مصداقاً للمأمور به ، ومن أين نثبت أن المطلوب هو السبعة بشرط لا ؟ إنه لابد من الرجوع إلى الروايات وبالتالي صار المدرك هو الرواية دون القاعدة . إذن اتضح أن القاعدة من دون ملاحظة الروايات لا مجال للتمسك بها فلابد من ملاحظة الروايات ، وإذا رجعنا إليها وجدنا أن ما يصلح التمسك به لإثبات البطلان هو الطائفة الأولى أي صحيحة عبد الله بن محمد بناءً على تمامية سندها فانها قالت إن الزيادة في الطواف وفي السعي هما كالزيادة في الصلاة والقدر المتيقن من هذا الحكم هو الزيادة العمديّة بلا حاجة إلى التمسك بالإطلاق بل يكفينا أنه القدر المتيقن ، نعم نحتاج إلى الإطلاق من ناحية كون الزيادة شوطاً أو نصف شوط أو شوط ونصف .... وهكذا - أي التعميم لمصاديق الزيادة - وأما البطلان بالزيادة في الجملة فهو قدرٌ متيقن من هذه الرواية فانه لا يحتمل أن الزيادة السهوية مبطلة دون العمديّة ، وهذا كله مطلب واضح.
وهناك سؤال أشبه بالترف الفكري ولكنّه نافع وهو:- هل توجد رواية ثانية من تلك الروايات السابقة غير رواية عبد الله بن محمد تدل على البطلان بالزيادة العمديّة ؟
والجواب:- أجاب صاحب الحدائق [8] والنراقي [9] والسيد الخوئي [10] بنعم وقالوا توجد رواية ثانية وهي الطائفة الثانية أعني صحيحة معاوية بن عمار ، بتقريب:- إن الزيادة إذا لم تكن مبطلة فلماذا حكم الإمام عليه السلام بطرح الثمانية والأخذ بشوطٍ واحدٍ واكماله بستّة ؟! وهكذا حكم عليه السلام بالبطلان إذا أتى بثمانية أشواط وحدها ؟ إن هذا يكشف عن أن الزيادة - والقدر المتيقن منها هو العمديّة - مبطلة وإلّا فلا وجه للبطلان . هذا ما أفاده الأعلام الثلاثة.
وفيه:- إن الرواية المذكورة - أعني صحيحة معاوية - لابد من ردّ علمها إلى أهلها فانها تشتمل على حكم لا يمكن الالتزام به وبالتالي يكون التمسك بها أمر غير ممكن ، والوجه في ذلك هو أنها إما أن تكون ناظرة إلى حالة العمد فقط بخصوصه ، أو تكون ناظرة إلى حالة السهو فقط بخصوصه ، أو تكون ناظرة إلى الأعم من العمد والسهو ولا احتمال رابع في البين ، ولا يمكن الالتزام بها على التقادير الثلاثة:-
أما الأول:- فالمناسب هو الحكم بالبطلان بلا فرق بين الثمانية والتسعة فكل التسعة يلزم أن تبطل وكل الثمانية يلزم أن تبطل والحال أن الرواية فرّقت وقالت إذا أتى بتسعة فثمانية تبطل وواحد يصح ويكمله بستّة أما إذا أتى بثمانية فتبطل بأكملها ، ونحن نقول إن المناسب مادامت الزيادة عمديّة هو البطلان فان الزيادة العمديّة توجب بطلان السعي سواء كانت بشوطٍ أو بشوطينٍ أو بثلاثةٍ بل ولو بنصف شوطٍ باتفاق الأصحاب ولا شك في ذلك ، إذن التفرقة في الرواية بين الثمانية والتسعة يدل على أنها ليست ناظرة إلى حالة العمد ، وبهذا يكون هذا الاحتمال باطل.
وربما يقال هناك وجه آخر لبطلان هذا الاحتمال وذلك بأن يقال:- إن المؤمن الذي يأتي بالسعي فهو مادام قد أتى لامتثال أمر الله عز وجل فلا يزيد عمداً فإن هذا ليس من شأن المؤمن !! إن هذا بنفسه قرينة على أن الرواية ليست ناظرة إلى حالة الزيادة العمديّة وإنما هي ناظرة إلى حالة الزيادة السهوية.
والجواب:- وهو شيء وإن كانت له درجة ضعيفة من الوجاهة لكنه قابل للرد إذ يقال:- صحيح أن المؤمن لا يقدم على المخالفة بالزيادة العمديّة ولكنه قد يتخيّل في البداية أن السبعة هي المقدار الأقل فان الأحكام في تلك الفترة لم تكن واضحة فلعل الحاج يتخيل أن من حقه أن يأتي بالزيادة فيأتي بها عن عمدٍ باعتقاد أن المطلوب هو السبعة بنحو أنها أقل شيء لا أنه لا يجوز له الزيادة في ذلك كما هو الحال في باب الرمي فان من رمى أكثر من سبعة هل يبطل ؟ كلا لا يبطل ، نعم لا ينوي بذلك الوجوب إذ يصير تشريعاً ولعله أيضاً لا يبطله ، فالمقصود أن الزيادة العمديّة في الرمي لا تؤثر فمن الممكن في باب السعي أن يكون الأمر كذلك ، فالزيادة العمديّة في حق المؤمن شيء متصور في تلك الفترة الزمنية إذ الأحكام لم تكن واضحة كما هو في زماننا ، فالمهم إذن ما أشرنا إليه وهو أن تفرقة الإمام عليه السلام في الرواية بين الثمانية والتسعة دليل على أن النظر ليس إلى الزيادة العمديّة.
[1] الوسائل 13 491 13 من أبواب السعي ح4.
[2] الوسائل 13 488 11 من أبواب السعي ح1.
[3] الوسائل 13 492 13 من السعي ح5.
[4] الوسائل 13 490 13 من السعي ح1.
[5] المصدر السابق ح3.
[6] المدارك 8 213.
[7] الجواهر 19 431.
[8] الحدائق 16 279 .
[9] المستند 12 177.
[10] المعتمد 5 83.