33-11-16
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/11/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 348 ) ، مسألة ( 349 ) / الشك في السعي / أحكـام السعي / الـواجـب الرابــع مــن واجبــات عمــرة التمتــع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
ثم إن هناك شيئاً كان من المناسب أن يشير اليه السيد الماتن:- وهو أن التقصير سوف يكون حاصلاً في بعض الحالات قبل إتمام السعي فإذا فرضنا أنه بعد أن قصرّ وأحلّ التفت إلى أنه قد أتى بستة أشواط ولم يأت بشوطٍ فهنا حكمت الرواية بأنه يأتي بالشوط وعليه بقرة ، وقلنا هذا من موارد استثناء الكفارة على الجاهل فان الجاهل والناسي ليس عليه كفارة إلا في مثل هذا المورد وموارد أخرى ، والسؤال هو عن حكم التقصير فهل هو واقع في محلّه وصحيحٌ أو أنه تلزم إعادته باعتبار أن محله بعد إتمام السعي والمفروض في هذه الحالة أنه وقع في أثناء السعي فهل يحكم بصحته أو بلزوم إعادته ؟
والجواب:- كلا لا تلزم إعادته لوجهين:-
الوجه الأول:- الروايات الدالة على أن أناساً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وقد قدّموا ما يلزم تأخيره وأخّروا ما يلزم تقديمه فأجاب صلى الله عليه وآله بأنه ( لا حرج ) ومن روايات المضمون المذكور صحيحة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام ( ....قال:- إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه الناس يوم النحر فقال بعضهم:- يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح ، وقال بعضهم:- حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّروه إلا قدّموه ، قال:- لا حرج )
[1]
، وفي بعض أسانيد الرواية المذكورة ورد العكس أيضاً فانه هنا ورد ( فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّروه إلّا قدّموه ) وفي الرواية الأخرى ورد العكس أيضاً أي ( ولم يتركوا شيئاً ينبغي تقديمه إلّا أخروه ) والمستفاد من هذه الرواية أن ما وقع ممضي فإن هذا هو المفهوم من كلمة ( لا حرج ).
نعم قد يشكل ويقال:- إنها ناظرة إلى أفعال الحج فانهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله يوم النحر وفرض أنهم قدّموا الحلق على الذبح وهكذا وليست بناظرة إلى أفعال العمرة ومحلّ كلامنا في عمرة التمتع وقد فرضنا أن المكلف قد قدّم التقصير على السعي - أي أنه قصّر قبل أن يكمل السعي -.
والجواب:- للتغلب على هذه المشكلة:-
إما أن يقال :- نحن نلغي الخصوصية فنقول إن هذا لا خصوصية له فان النبي صلى الله عليه وآله قال ( لا حرج ) يعني من حيثية التقديم والتأخير ما داموا جاهلين أو ناسين ، وحينئذ لا يفرق بين كون ذلك في أفعال الحج أو العمرة.
وإما أن يقال:- إنه فرض في نفس الرواية المذكورة التعميم حيث قيل هكذا ( فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّروه إلّا قدّموه ) يعني أنهم صنعوا ذلك في كل الأفعال وهذا التعميم يمكن أن يفهم منه الشمولية لأفعال العمرة أيضاً بالدلالة المطابقية بلا حاجة إلى إلغاء الخصوصية . إذن الوجه الأول للحكم بصحة التقصير المذكور وعدم الحاجة إلى إعادته هو صحيحة جميل وما كان على منوالها في المضمون المذكور.
الوجه الثاني :- نفس صحيحة سعيد بن يسار - التي هي محل كلامنا - فانها دلّت على أن هذا المكلف الذي نسي شوطاً وقصّر قبل أن يتم السعي بأنه مادام حافظاً للستة عليه الاتيان بالشوط كما أن عليه بقرة أما أنه يعيد التقصير فلم يذكر في الصحيحة فلو كانت الإعادة لازمة لأشار الإمام عليه السلام إلى ذلك وحيث أنه سكت فيفهم عرفاً عدم الحاجة إلى إعادة التقصير.
مسألة ( 348 ):- إذا شك وهو على المروة في أن شوطه الأخير كان هو السابع أو التاسع فلا اعتبار بشكّه ويصح سعيه . وإذا كان هذا الشك أثناء الشوط بطل سعيه ووجب عليه الاستئناف.
..........................................................................................................
هذا هو المورد الثاني للاستثناء حيث ذكرنا أن القاعدة تقتضي بطلان السعي عند الشك في أشواطه ويستثنى من ذلك موردان وقد تقدم لمورد الأول في المسألة السابقة وهو من شك بعد التقصير وهذا هو المورد الثاني ، يعني إذا فرض أن المكلف كان واقفاً على المروة وأراد أن يقصّر فشك هل أنه أكمل الشوط السابع أو التاسع فماذا يفعل في مثل هذه الحالة ؟ قال(قده):- لا عبرة بالشك ولا شيء عليه . نعم إذا فرض أن هذا الشك قد طرأ قبل أن يصل إلى المروة فهنا يحكم بالبطلان . إذن لنا دعويان الأولى ان الشك المذكور لو طرأ بعد الوصول إلى المروة فلا يعتنى بالشك ويحكم بصحة سعية ، والثانية أنه إذا طرأ هذا الشك قبل أن يصل إلى المروة فيحكم بالبطلان.
أما بالنسبة إلى الدعوى الأولى:- فالوجه في عدم الاعتناء بالشك هو أن المكلف إن كان قد جاء بسبعة أشواط فهو المطلوب وإلّا فقد حصلت زيادة وحيث أنها سهوية فهي لا تضر بصحة السعي وإنما الذي يؤثر هو الزيادة العمديّة ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية ، وهذا بيان واضح قد أشار إليه صاحب الجواهر(قده)
[2]
.
هذا ويمكن أن نقول أكثر مما أفاده صاحب الجواهر وذلك بأن يقال:- حتى لو سلمنا بأن الزيادة السهويّة مضرّة بصحة السعي ولكن رغم ذلك نحكم بصحة السعي باعتبار أنه يشك هل حصلت زيادة أو لم تحصل ومقتضى الأصل الاستصحاب عدم تحققها بلا حاجة إلى المؤونة التي أبرزاها صاحب الجواهر ، وهذا أكثر فنيّة مما ذكره.
هذا وقد يذكر شيء يصلح أن يكون مؤيداً:- وهو أنه قد ورد في الطواف حول الكعبة في أن من لم يدرِ أسبعة طاف أم ثمانية قال عليه السلام ( أما السبعة فقد استيقن وإنما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين )
[3]
فان موردها وإن كان هو الطواف حول الكعبة ولكن قد يفهم من التعليل والتوجيه الذي ذكره الإمام التعميم ، فيمكن أن يفهم من التعليل أنه مادام هو مستيقن من السبعة ووقع وهمه على الثامن فلا يعير أهمية لوهمه ويأخذ بيقينه ، وهذا المضمون يمكن أن يقال هو مضمون عام ويشمل حتى أشواط السعي.
وأما بالنسبة إلى الدعوى الثانية:- فإنه يحكم بالبطلان تمسكاً بالقاعدة ، فإنا ذكرنا سابقاً أنها تقتضي في باب الشك في عدد أشواط السعي البطلان وخرج من ذلك ما ذا فرض أنه اتى بسبعة وشكّ في حصول زيادة شوطين ، أما إذا فرض أنه أتى بستةٍ ونصف فهذا ليس مشمولاً للمورد المذكور فيتمسك فيه بمقتضى القاعدة ، وهذه مطلب واضح.
ولكن يوجد مطلب نشير إليه وحاصله:- إن القاعدة على ما ذكرنا تقتضي البطلان في باب الشك في عدد أشواط السعي ولكن ما هو المدرك ؟
والجواب:- المدرك هو صحيحة سعيد بن يسار فإنها ذكرت أن من تيقن النقيصة - يعني تذكر أن بعض الأشواط لم يأت بها - فالإمام عليه السلام قال لابد وأن يحفظ الستة فإذا كان حافظاً لها فلا بأس فيأتي بالشوط ولا شيء عليه وأما إذا لم يحفظ الستة فعليه الاعادة ، وحينئذ نقول:- إنه قد فرض في مقامنا أن المكلف حفظ الستة فهو قد أتى بستةٍ ونصف جزماً فلا تكون صحيحة سعد بن يسار دالة على البطلان بعد أن فرض أن المدار على حفظ الستّة فإن الستة هنا محفوظة فدعوى أن القاعدة تقتضي البطلان محلّ تأمل . نعم لو تم إجماع - كما ادعاه بعض - على أن الشك في عدد أشواط السعي مبطل له كان هو المستند لهذه القاعدة وإلّا فيشكل التمسك بصحيحة سعيد بن يسار في الحالة المذكورة ، وحيث أنّا لا نهتم كثيراً بالإجماعات المنقولة فنصير في مثل ذلك إلى الاحتياط.
مسألة ( 349 ):- حكم الشك في عدد الأشواط من السعي حكم الشك في عدد الأشواط من الطواف فإذا شك في عددها بطل سعيه.
..........................................................................................................
قد ذكرنا سابقاً أن هذه القاعدة العامة كان من المناسب تقديمها في البداية ثم ذكر موردي الاستثناء . وقد اتضح أن هذه القاعدة العامة محلّ إشكال في بعض تفاصيلها فهي تامة فيما إذا فرض أن المكلف لم يحفظ الستة أما إذا حفظ الستة فحينئذ يشكل الحكم بأنها تقتضي البطلان كما ذكرنا قبل قليل فالتفت إلى ذلك ، ولابد حينئذٍ من الاستناد إلى الاجماع لأجل إثبات عموميّتها كما أشرنا إليه.
[1] الوسائل 14 155 39 من أبواب الذبح ح4.
[2] الجواهر 19 439.
[3] الوسائل 13 368 35 من أبواب الطواف ح1.