33/06/15
تحمیل
الموضوع :- مسألة ( 328 ) / الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
والجواب:- كلا لا يمكن ذلك ، والوجه فيه:- هو أن الشك في الموالاة العرفيّة تارةً يكون بنحو الشبهة المفهومية وأخرى يكون بنحو الشبهة المصداقية ، فتارةً لا ندري هل أن العرف يرى تحقق الموالاة بخمس دقائق أو أنه حتى لو كان الفاصل ستة دقائق فالموالاة باقية أيضاً فالشك كان شكاً على مستوى النظر العرفي وهذا شك بنحو الشبهة المفهومية ولازم ذلك هو الشك بنحو الشبهة الحكمية فان كل شك مفهومي يستتبع الشك في الحكم وليس العكس صحيحاً - يعني ليس كل شك حكمي يستتبع الشك المفهومي - فالتدخين مثلاً نشك في حكمه وأنه حرام أو لا وهو شبهة حكمية ولكنه ليس شبهة مفهومية فان مفهومه واضح.
إذن الشك في هذا المثال - أي أن العرف يرى أن الموالاة باقية بستة دقائق أو أنها تبقى بخمس دقائق لا بست - شك بنحو الشبهة المفهومية وبالتالي بنحو الشبهة الحكمية.
وأما لو جزمنا بأن العرف يرى أن المدار في الموالاة على فترة أكثرها وأقصاها خمسة دقائق ولكن لا ندري هل الخمسة دقائق قد انتهت أو أن هناك دقيقة واحدةً باقية ؟ فهنا يكون الشك بنحو الشبهة الموضوعية بعد اتضاح المفهوم والحكم.
والآن نتكلم إذا كان الشك بالنحو الأول - أي نفترض أنه عرفاً يشك في أن أقصى الفترة لتحقق الموالاة هل هو خمس دقائق أو ست - فهنا هل يمكن اجراء استصحاب بقاء الموالاة أو لا ؟
والجواب - كما عرفنا - كلّا ، وذلك لأنه اما أن نستصحب بقاء الموالاة بوجودها المحمولي
[1]
أي هكذا نقول:- كانت الموالاة ثابتة قبل قليل جزماً والآن نشك في بقائها وهذا استصحاب للموالاة بوجودها المحمولي ، وأخرى نستصحب بقاءها بوجودها النعتي يعني كانت الصلاة سابقاً متصفة بكونها بعد الطواف وبنحو الموالاة العرفية - أي أنها متصفة بالموالاة العرفية - والآن نشك هل هي متّصفة بالموالاة العرفيّة أو لا فنستصحب اتصافها بالموالاة العرفية ، فان إجراء الاستصحاب لا يخلو من أحد هذين الشقّين وكلاهما لا يجري.
أما أن الأول فانه لا يجري لنكتتين:-
الأولى:- ان المولاة بوجودها المحمولي لا أثر لها شرعاً وبالتالي لا فائدة باستصحابها فان الأثر مترتب على كون الصلاة متصلة بالطواف اتصالاً عرفياً أما أصل وجود الموالاة بقطع النظر عن الصلاة هو شيء لا أثر له . اللهم إلّا أن تقصد من ابقاء الموالاة ترتيب اللازم - أعني أن الصلاة إذن قد اتصلت بالطواف اتصالاً عرفياً - وهذا اللازم حيث أنه ليس بشرعي إذ لا نصَّ شرعي يقول ( إذا كانت الموالاة باقية إذن الصلاة متصلة اتصالاً عرفياً بالصلاة ) وإنما هي ملازمة عقلية.
الثانية:- بقطع النظر عما ذكرناه لا يجري الاستصحاب المذكور في حدّ نفسه - بقطع النظر عن مسألة أنه لا أثر شرعي له - فانه استصحاب في شبهة مفهومية والاستصحاب لا يجري في الشبهات المفهومية وذلك لتردد الأمر بين اليقين بالارتفاع واليقين بالبقاء ولا يوجد شك في البقاء حتى يجري الاستصحاب.
مثال ذلك:- ما لو فرض أن المولى قال ( أكرم العالم في كل يوم ) وفرضنا أن شخصاً كان عالماً وكنّا نكرمه ولكن لأجل عارضٍ أصابه نسيان فشُكّ بذلك في صدق العالم عليه ، ان هذا شك بنحو الشبهة المفهومية وهنا لا يمكن إجراء الاستصحاب
[2]
لا في الموضوع ولا في الحكم.
أما نه لا يجري في الموضوع:- - يعني بأن نقول ( هذا بالأمس كان عالماً واليوم هو عالم بالاستصحاب
[3]
) - فالوجه هو أن العالم الذي تتيقن بثبوته سابقاً وبكونه صادقاً في حقّ هذا الإنسان هو بأي مفهوم ؟ هل نجزم بصدقه بالمفهوم الوسيع - أي هل المفهوم الصادق عليه هو مفهوم وسيع أو مفهوم ضيق ؟ - فإذا كان مفهوم العالم الذي نتيقن به كان وسيعاً - أي كل من كان عالماً ولو نسي - فهذا نتيقن ببقائه ولا حاجة إلى استصحابه ، وأما إذا فرضنا أن مفهوم العالم هو من كان عالماً بالفعل فهذا منتفٍ جزماً ، فأي شيء تريد أن تستصحب ؟ لأنه بالمعنى الأوّل نجزم بالبقاء وبالمعنى الثاني نجزم بالارتفاع ولا يوجد شق ثالث نشك في بقاءه حتى نجري فيه الاستصحاب .
اللهم إلا أن يقول قائل:- نستصحب الاسم - أي اسم ( عالم ) - ونقول هذا اللفظ وهذا العنوان كاسم كان صادقا والآن نستصحب صدقه.
والجواب:- ان الاسم بما هو اسم ليس موضوعاً للحكم وإنما الموضوع هو واقع العالم المسمى دون اللفظ والاسم فالاسم ليس محطّاً للأثر حتى تريد أن تستصحبه وانما مركز الأثر هو المسمّى والمسمى كما قلنا يدور أمره بين اليقين بالبقاء واليقين بالارتفاع ، ومن هنا ذكرت هذه القاعدة في الأصول وهي ( أن الاستصحاب الموضوعي لا يجري في الشبهات الموضوعية ).
وأما أن الاستصحاب الحكمي لا يجري:- يعني قد يقترح مقترح ويقول:- دعنا عن استصحاب عنوان العالم بل نستصحب الحكم فنقول ( جزماً كان بالأمس يجب إكرام هذا واليوم نشك هل يجب اكرامه فنستصحب بقاء وجوب اكرامه ) أي نستصحب الحكم.
والجواب:- ان هذا الاستصحاب لا يجري أيضاً لأن اجراء الاستصحاب في الحكم فرع إحراز بقاء الموضوع والموضوع هو العالم والمفروض أنا نشك في صدقه فإذا لم يحرز بقاء الموضوع كيف نستصحب الحكم !!
ان قلت:- نحن نشير إلى الذات - أي ذات هذا الشخص - ونقول ( هذا كان يجب اكرامه بالأمس وإذا شككنا اليوم فنقول يجب اكرامه ) فنشير إلى هذا فيجري الاستصحاب.
والجواب:- ان الموضوع لوجوب الاكرام ليس ( هذا ) وانما هو ( العالم ) ، يعني أن عنوان العالم مأخوذ بنحو الحيثية التقييدية
[4]
لا بنحو الحيثية التعليلية
[5]
، كلا بل ان مصب لحكم هو العالم.
وذا عرفنا هذا فنأتي لتطبيق ذلك في مقامنا - وهو استصحاب الفورية بوجودها المحمولي - فنقول:- ان الشك في بقاء الفورية قد فرضنا أنه شكاً بنحو الشبهة المفهومية فلا يجري استصحاب بقائها إذ الفورية بمعناها الوسيع الشامل لستة دقائق هي وان كانت ثابتة قبلاً إلا أنها باقية الآن جزماً ولا شك ، وبمفهومها الضيّق نجزم بارتفاعها فلا يوجد شك في البقاء حتى يجري الاستصحاب.
إذن الخلاصة التي انتهينا إليها هي:- لو شككنا في بقاء الفورية بنحو الشبهة المفهومية أو الحكمية فلا يجري الاستصحاب.
هذا كلّه إذا أرنا استصحاب الموالاة بنحو الوجود المحمولي
وأما استصحابها بنحو الوجود النعتي:- أي نقول ( ان الصلاة أوّلاً كانت متصفة بالموالاة فالآن هي متصفة بذلك بالاستصحاب ) فهذا لا يجري أيضاً ، والوجه في ذلك:- هو أن هذا استصحاب تعليقي وهو لا جري . إذن لنا دعويان الأولى أنه استصحاب تعليقي ، والثانية أنه لا يجري.
أما بالنسبة إلى الدعوى الأولى:- فباعتبار انا نقول هكذا ( الصلاة قبلاً كانت متصفة بالموالاة ) ونحن نقول المفروض أن الصلاة بَعدُ لم تقع فكيف تقول ان الصلاة كانت سابقاً متّصفة بالموالاة بل هي لم تقع بَعدُ !! نعم لابد وأن يكون المقصود هكذا ( ان كانت الصلاة واقعة سابقاً لكانت متصفة بالموالاة والآن لو وقعت فهي متصفة بالموالاة بالاستصحاب ) وهذا كما ترى استصحاب لمطلب معلّق وليس استصحاب لمطلب منجّـز نظير مسـألـة الـزبيب الـذي نقـول فيـه ( ان كان هذا الزبيب قد غلى سابقاً لحرم ) وهذا استصحاب لأمر معلّق ، ومقامنا من هذا القبيل فهو استصحاب تعليقي وهو لا يجري.
[1] وهو مفاد كان التامة - اي أصل الوجود -.
[2] وهذا مطلب كليّ يمكن الاستفادة منه.
[3] وهذا ما يصلح عليه بالاستصحاب في شبهة مفهومية.
[4] أي هو مصب الحكم.
[5] أي أن مصب الحكم هو الذات وعنوان العالم هو العلّة.