33/07/05
تحمیل
الموضوع:- مسألة ( 331 ) / الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
تقدم الحديث عمن كان جاهلاً بأصل وجوب صلاة الطواف وذكرنا أن حكمه حكم الناسي فالناسي يصلي في مكانه إذا شق عليه العود بل ربما يقال بذلك مطلقاً على الخلاف المتقدم ، وحكم الجاهل بأصل وجوب الركعتين كذلك للرواية الصحيحة الدالة على ذلك ، وهنا نريد أن نتحدث عن قسم آخر من الجاهل وهو من يعلم بوجوب الركعتين ولكنه يجهل بالقراءة الصحيحة ، وحكم هذا لم يتعرض إليه في كلمات المتقدمين وإنما تعرضوا إلى من جهل بأصل الوجوب فلم يأت بصلاة الطواف رأساً أما من علم بالوجوب وجهل بالقراءة الصحيحة فلم يتعرضوا إليه وهذا من أحد الموارد التي لم يتعرض إليها المتقدمون وتعرض إليها المتأخرون .
وهذه المسالة لا تختص بركعتي الطواف بل تعم الصلاة اليومية أيضاً فهناك شريحة من الناس تجهل بالقراءة الصحيحة ولا تعلم فتبدل حرفاً مكان حرفٍ وهذا ما يصطلح عليه بالأعجمي والجمع عُجم فان الأعجمي من كان في لسانه لُكنة ولا يفصح ، فان حكم هذا في باب الصلاة اليومية ما هو ؟ ان الكلام في ركعتي الطواف هو الكلام في اليومية وبالعكس فهما من وادٍ واحدٍ تقريباً ، والكلام يقع في نقاط ثلاث:-
النقطة الأولى:- إذا فرض أن الشخص لا يمكنه أن يتعلم القراءة الصحيحة لا لأجل ضيق الوقت بل هو فيه قصور لا يمكنه أن يتعلم كبعض أهل القرى والأرياف أو أصحاب اللغات الأخرى ، والسؤال ما هو حكم هذا المكلف ؟ هل يأتي بما يحسنه ويتمكن عليه أو أن وظيفته الاستنابة أو الجماعة أو الجمع بين الأمور الثلاثة مثلاً من باب أن واقعه لا يخلو من أحد هذه الثلاثة بعد الجزم من الخارج بأن الصلاة لا تسقط رأساً في حقه ؟ ان السيد الماتن(قده) حكم بأنه يأتي بما يحسن ويتمكن عليه واستدل على ذلك ببعض الروايات التي يمكن أن يفهم منها أن من لا يحسن يأتي بالمقدار الميسور له فالله عز وجل لم يكلف مثل هذا ما أثبته في حق المحسن فالمحسن أثبت في حقه القراءة الصحيحة أما مثل هذا فقد كلّفه بالميسور.
من قبيل الرواية التي قالت ( ان سين بلال عند الله شين ) فهذا يدل على أن المقدار الميسور كافٍ.
ومن قبيل رواية السكوني الواردة في الأخرس حيث قال عليه السلام ( تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه واشارته بإصبعه )
[1]
، وهي أيضاً يستفاد منها أن الاخرس يأتي بما هو المقدور له.
ويمكن أن يناقش الاستدلال بهاتين الروايتين:-
أما بالنسبة إلى الأولى:- فهي خاصة بالأذان ، وحيث أنه مستحب فربما يتسامح فيه ما لا يتسامح في الواجب والجزم بعدم الخصوصية من هذه الناحية أمر مشكل.
هذا مضافاً إلى امكان المناقشة فيها سنداً باعتبار أنه قد رواها الشيخ ابن فهد الحلي في كتابه المعروف بـ( عدة الداعي ) بسند مرسل
[2]
.
أما بالنسبة الى رواية السكوني:- فهي أيضا واردة في حق الأخرس والتعدي منه إلى غيره مشكل لاحتمال شرعية النيابة بالنسبة إلى صلاة الطواف فيمكن أن تكون الوظيفة هي النيابة بخلافه في الصلاة اليومية فان النيابة فيها لا معنى لها فالجزم بالخصوصية أمر مشكل ، ولا نريد أن ندعي الجزم بوجود الخصوصية كلا بل نحن نظن بعدم الخصوصية بيد أن الظن لا يغني من الحق شيئاً بل يحتاج التعدي إلى الجزم وهو مشكل.
وأحسن رواية يمكن التمسك بها في هذا المجال هي رواية مسعدة بن صدقة قال:- ( سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول:- انك قد ترى من المُحرَّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العُجم ، والمُحرَّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح
[3]
)
[4]
.
وإذا رجعنا إلى اللغة وجدنا أن كلمة ( المُحرَّم ) يراد منها الجافِ الذي لم يخالط الحضر ، ففي المنجد ( أعرابي مُحرَّم:- جافٍ لم يخالط الحضر ) ، وفي أقرب الموارد ذكر ذلك أيضاً ، والعُجم هو جمع أعجمي وهو من كان في لسانه لُكنة كمـا جـاء فـي مجمـع البحـريـن حيث قـال ( الأعجم:- الذي في لسانه عُجمة بضم العين وهي لُكنة وعدم فصاحة ، والأعجمي من لا يُفصح وان كان عربياً ) ، وعلى هذا الأساس يكون معنى الرواية هكذا ( ان الأعرابي الذي لم يخالط الحضر والذي هو من العُجم - أي الذي في لسانه لكنة وعدم فصاحة - لا يطلب الله عز وجل منه ما يطلب من العالم الفصيح ) ثم قال عليه السلام ( وهكذا الأخرس فانه بمنزلة العُجم ) أي لا يطلب منه ما يطلب من الفصيح.
وأما العبارة الثالثة ، أي قوله ( والمُحرَّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح ) فالظاهر أنها تكرار لمضمون الفقرة الأولى إذ مضمون الفقرة الأولى التي هي ( انك قد ترى من المُحرَّم من العجم لا يراد منه مثل ما يراد من العالم الفصيح ) فان ما يراد من هذه الفقرة هو نفس ما يراد من تلك الفقرة وهذا تكرار.
وموضع الشاهد هو أنه عليه السلام أعطى قانوناً وحكماً عاماً وهو ( ان من يوجد في لسانه لُكنة وعذر فوظيفته هي ليست وظيفة المتكلم الفصيح ) . نعم هذا المقدار لا يكفينا بل لابد من ضم ضميمة ومن دونها لا يتم الاستدلال بهذه الرواية إذ قد يقول قائل ان غاية ما ذكرته هذه الرواية هو أن من كان في لسانه عذر لا يطلب منه ما يطلب من الفصيح ولكن هذا لا يلازم الاكتفاء بما يحسن إذ لعل المطلوب منه هو النيابة فهو لا يطلب منه ما يطلب من الفصيح أما بعد هذا ماذا يترتب ؟ لعل الذي يترتب هو النيابة وعليه فالرواية لا تنفعنا.
هكذا قد يقول قائل ولذلك نحتاج إلى ضميمة وهي أن نقول:- ان من يقرأ الرواية يفهم أن المقصود هو التخفيف عن مثل هذا الشخص بما في ذلك في الصلوات اليومية وأنه يكتفى منك بما تتمكن عليه ، هكذا لابد وأن نقول والّا فمن دون ضمّ هذه الضميمة يكون الأمر مشكلاً.
وعلى أي حال يمكن أن تكون دلالة الرواية وجيهة ولا بأس بها ، ولكن مع غض النظر عن سندها فانه يشتمل على مسعدة بن صدقة وهو لم تثبت وثاقته.
هذا مضافاً إلى أنه قد يناقش في هذه الرواية باعتبار أنه قد رواها صاحب الوسائل بسند يشتمل على النوفلي عن السكوني ، والنوفلي قد يشكك في وثاقته - على الخلاف - ، ومضافاً إلى أنه رواها صاحب الوسائل عن قرب الأسناد وطريقه إلى قرب الأسناد قد يشكك فيه من ناحية الاشكال العام الذي أثرناه وهو أن طرق صاحب الوسائل إلى الكتب التي ينقل عنها لا نجزم بكونها طرقاً إلى نسخةٍ معيّنةٍ فانه لا توجد قرائن تساعد على ذلك بل نحتمل أنها طرق تبركيّة فلا تنفعنا شيئاً آنذاك وتفصيل ذلك قد أشرنا إليه سابقاً.
ولكن يمكن أن ندعم هذه الرواية بالبيان الذي تمسكنا به أكثر من مرة وذلك بأن يقال:- ان ظاهرة العُجم ليس ظاهرة عزيزة الوجود ففي كل زمان توجد شريحة من الناس هم من العُجم - أي لا يتمكن ان يقرأ القراءة الصحيحة - ففي هذا الزمان توجد شريحة من سكان القرى والأرياف أو من غير العرب هم كذلك وحكم هؤلاء لو كان شيئاً آخر غير الاكتفاء بما يحسن كان يستحق التنبيه والاشارة إليه والحال أن الروايات وكلمات الفقهاء ساكتة عن ذلك وهذا ما يورث للفقيه أن الوظيفة ليست هي النيابة ولا لزوم الجماعة وإنما هي الإتيان بما يحسن ، ان هذا البيان يدعم رواية مسعدة بن صدقة ، وعليه فيمكن للفقيه أن يفتي بالاكتفاء بما يحسن.
[1] الوسائل 6 136 59 من أبواب القراءة في الصلاة ح1.
[2] فلاحظ مستدرك الوسائل 4 278 23 من أبواب قراءة القران.
[3] المصدر السابق من الوسائل ح2.
[4] ولصاحب الوسائل تعليقة في هذا المورد موجودة في الطبعة الجديد لمؤسسة آل البيت كتب ( ان المُحرَّم أول شـهور السـنة الهجريـة ) ولا أعرف ربط هذا التعليق بهذا الحديث!!