جلسة 82
المفطّرات
ومن خلال هذا اتضح أنّ الروايات المتقدّمة لا يمكن استفادة التعميم منها لمطلق الاستمناء، كالاستمناء من خلال التفكير بالنساء أو رؤية بعض الصور.
وقد يتمسّك لإثبات التعميم بفكرة الأولوية أو إلغاء خصوصية المورد، فيقال: إنّ الإمناء من خلال العبث بالزوّجة إذا كان موجباً لفساد الصوم فبالاُولى يوجب ذلك لو كان من خلال التفكير أو رؤية بعض الصور، فنتمسّك بالاُولوية، أو ندعي أنّ العرف يفهم عدم الخصوصية لذاك.
إلاّ أنّ الجزم بذلك أمر مشكل، وعليه فالفتوى بالتعميم أمر مشكل، ولكن الفتوى بالاختصاص بالعبث مع الأهل أمر أشكل؛ لمخالفة ذلك لمّا اتفقت عليه الكلمة من الحكم بمفطرية الإنزال من دون تفصيل، ومعه يكون المصير إلى الاحتياط هو المتعيّن. نعم، نتعدى بنحو الجزم إلى العبث مع غير الأهل من النساء المحرّمة فإنّ فكرة الأولوية أو إلغاء الخصوصية هما صادقان بنحو الجزم مثل ذلك. هذا كلّه في النقطة الاُولى.
النقطة الثانية: أنّ نزول المني إنّما يكون مفطراً فيما إذا كان قد تحقّق بنحو الاختيار، أمّا إذا تحقّق بدون ذلك ـ كما لو وقعت عين شخص على امرأة اتفاقاً ونزل منه المني بدون اختيار ـ فلا يكون مفطِّراً.
والوجه في ذلك هو القصور في المقتضي، فإنّ الروايات السابقة يختصّ موردها بالإنزال الاختياري من قبيل: عبث بأهله حتّى أنزل، فيبقى الإنزال غير الاختياري بلا دليل يدلّ على مفسديته للصوم، فيتمسّك آنذاك بالبراءة، على أنّه سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ مفطّرية جميع المفطرات تختصّ بحالة الاختيار.
ثمّ أنّه إذا فرض أنّ الشخص لاعب أهله في نهار شهر رمضان وكان واثقاً بعدم نزول المني، ولكنّه سبقه اتفاقاً، فهل يفسد بذلك صومه؟
يظهر من عبارة المتن عدم الفساد، حيث قال قدّس سرّه: وأمّا إذا كان واثقاً بالعدم فنزل اتفاقاً، أو سبقه المني بلا فعل شيء لم يبطل صومه [1]. والمناسب هو الحكم بالفساد، فإنّ الحالة المذكورة مشمولة لإطلاق النصوص، فلاحظ صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني؟[2]، فإنّ مثل هذا التعبير صالح لشمول مثل الحالة المذكورة، وعليه يكون الحكم بالفساد هو المناسب تمسكّاً بالإطلاق أو عدم الاستفصال.
ولقائل أن يقول: إنّه ورد في صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة المقدّمة [3]: «فليتنزّه من ذلك إلاّ أن يثق ألاّ يسبقه منيّه»، وهذا يدلّ على نفي البأس في حالة الوثوق بعدم سبق المني.
والجواب: على ذلك أنّ الفقرة المذكورة تدلّ على عدم لزوم التنزّه عن اللعب في هذه الحالة، لا أنّه لو سبقه المني فلا غضاضة في ذلك أيضاً، إذ النظر متوجّه إلى الملاعبة والمباشرة، فالمنفي عنه البأس هو ذلك لا الفساد على تقدير سبق المني.
(التاسع) الاحتقان بالمائع، ولا بأس بالجامد كما لا بأس بما يصل إلى الجوف من غير طريق الحلق ممّا لا يسمّى أكلاً أو شرباً، كما إذا صبّ دواءً في جرحه أو أذنه أو في إحليله أو عينه فوصل إلى جوفه، وكذا إذا طعن برمح أو سكين فوصل إلى جوفه، وغير ذلك. نعم، إذا فرض إحداث منفذ لوصول الغذاء إلى الجوف من غير طريق الحلق كما يحكى عن بعض أهل زماننا فلا يبعد صدق الأكل والشرب حينئذٍ فيفطر به كما هو كذلك إذا كان بنحو الاستنشاق من طريق الأنف، وأمّا إدخال الدواء بالإبرة في اليد أو الفخذ أو نحوهما من الأعضاء فلا بأس به، وكذا تقطير الدواء في العين أو الأذن [4].
__________________________
لا إشكال في حرمة الاحتقان في الجملة، نعم وقع خلاف في التعميم للجامد أو الاختصاص بالمائع، كما وقع خلاف آخر في أنّ الثابت هل هو الحرمة النفسية فقط، أو مضافاً إلى ذلك تثبت المفطّرية؟ ولكن كما قلنا: الحرمة في الجملة هي الأمر المتفق عليه بقطع النظر عن التفاصيل المذكورة فلاحظ (مدارك الأحكام) [5] و (جواهر الكلام) [6].
وممّن اختار الحرمة بدون فساد من المتأخّرين الشيخ محمّد رضا آل ياسين في حاشيته على العروة الوثقى [7].
ومنشأ الاختلاف المذكور هو الروايات، والمهمّ منها ثلاث:
الاُولى: صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن ـ عليه السلام ـ أنّه سأله عن الرجل يحتقن، تكون به العلّة في شهر رمضان؟ فقال: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن» [8].
الثانية: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن الرجل والمرأة، هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ قال: «لا بأس» [9].
الثالثة: رواية أو موثّقة عليّ بن الحسن عن أبيه: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: ما تقول في التلطّف بالأشياف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب عليه السلام: «لا بأس بالجامد» [10].
والسبب في التردد في الرواية المذكورة بين كونها رواية أو موثّقة هو الاختلاف في سندها، فالشيخ الطوسي ـ قدّس سرّه ـ ذكر الرواية في (التهذيب) بهذا السند: أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحسن، عن أبيه، والمقصود من أحمد بن محمّد هو ابن عيسى أو ابن خالد البرقي، والترديد من هذه الناحية ليس بمهمّ بعد إن كانا ثقتين، وطريق الشيخ إليهما صحيح أيضاً على ما في المشيخة [11] و (الفهرست) [12]، وأمّا عليّ بن الحسن فهو ابن فضّال الثقة، ووالده ثقة أيضاً، فالسند صحيح.
وأمّا الشيخ الكليني ـ قدّس سرّه [13] فقد ذكر الرواية بهذا السند: أحمد بن محمّد، عن عليِّ بن الحسين، عن محمّد بن الحسين، عن أبيه قال: كتبت... ، وأحمد بن محمّد هو العاصمي، أو أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدّة الرجالي المعروف، وكلاهما شيخان للكليني، وهما ثقتان ويروي عنهما الشيخ الكليني كثيراً، وعليه لا مشكّلة في السند من هذه الناحية.
وأمّا علي بن الحسين فهو مجهول الحال إلاّ أن يكون هناك تصحيف، كما هو الظاهر، فيكون هو عليّ بن الحسن الذي هو ابن فضّال.
وأمّا محمّد بن الحسين فهو ابن أبي الخطّاب الثقة الجليل، إلاّ أنّ أباه وهو ابن أبي الخطاب لم يوثق.
فالمشكّلة على هذا هي من ناحيتين: من ناحية عليّ بن الحسين، ومن ناحية والد محمّد بن الحسين، وعلى هذا الأساس يمكن أن يدعى سقوط الرواية عن الاعتبار؛ لأنّها رواية واحدة ونستبعد تعدّدها حتّى يقال هما روايتان، فإذا كانت أحدهما صحيحة كفى، كما أنّه نستبعد أنّ الرواية واحدة وقد وردت بسندين بعد ما نجده من التشابه الواضح في رجال السند، ولا أقل وحدة السند أمر محتمل قوي، ومعه يشكّل الأمر؛ إذ لا يعلم أنّ السند الصحيح هو المذكور في (التهذيب)، أو هو المذكور في (الكافي).
________________________
[1] منهاج الصالحين 1: 267.
[2] الوسائل 10: 39، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 4، ح 1.
[3] الوسائل 10: 100، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 33، ح 13.
[4] منهاج الصالحين 1: 267.
[5] مدارك الأحكام في شرائع الإسلام 6: 63.
[6] الجواهر 16: 272.
[7] حواشي العروة الوثقى 3: 576.
[8] الوسائل 10: 42، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 5، ح 4.
[9] الوسائل 10: 41، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 5، ح 1.
[10] التهذيب 4: 179 / 589، والتلطّف على ما جاء في (مجمع البحرين ج5 ص 121]: إدخال الشيء في الفرج مطلقاً، ومنه: «لا بأس بالتلطف للصائم»، والأشياف على ما جاء في (القاموس: 1067): الشياف ككتاب أدوية للعين ونحوها.
[11] التهذيب 10: 310 ـ 314.
[12] فهرست كتب الشيعة واُصولهم وأسماء المصنفين وأصحاب الاُصول: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي تحت رقم 55 ص 20، أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري تحت رقم 65 ص 25.
[13] الكافي 4: 112 / 6.