جلسة 101
مفطرات الصوم
إلاّ أن ما أفاده ـ قدّس سرّه ـ قابل للمناقشة:
أمّا الوجه الأوّل فباعتبار أن لدينا عنوانين: عنوان الاجتناب، وعنوان الارتكاب، وبالنسبة إلى عنوان الارتكاب ربما يقال: هو لا يصدق إلاّ في حالة القصد، فمن لا قصد له إلى الأكل ـ بأن وقع في قدر الطعام وأخذ يأكل من دون اختيار ـ لا يصدق عليه أنه قد ارتكب الأكل أو المفطر، وهذا بخلاف عنوان الاجتناب، فإنه كيف يصدق في حق من زاول الأكل بالفعل؟ إنه غريب حقاً. نعم، هو قد لا يصدق عليه أنه ارتكب الأكل ولكن في نفس الوقت لا يصدق عليه أنه اجتنب عنه.
وأمّا الوجه الثاني فباعتبار أن الناسي وإن كان له قصد إلى الأكل مثلاً، ولكنه غافل عن حيثية الصوم، وباعتبار هذه الحيثية يقال هو ناسٍ، فهو ملتفت إلى شيء وغافل عن شيء آخر، فهو ملتفت إلى أنه يزاول الأكل وغافل عن كونه صائماً، وأمّا غير الناسي ممن لا قصد له ـ كمن وقع في قدر الطعام ـ فهو وإن لم يكن قاصداً للأكل ولكنه ملتفت إلى كونه صائماً، ومعه فلا تتحقق الأولوية، وإنما تتحقق لو فرض أنه غير قاصد للأكل وغير ملتفت إلى حيثية الصوم، أما بعد إلتفاته إلى حيثية الصوم وعدم تحقق قصد الأكل فلا تكون الأولوية متحققة، إذ يحتمل أن حيثية الغفلة عن الصوم هي الموجبة لرفع القضاء، والحيثية المذكورة خاصة بالناسي. وعليه لا يمكن التمسك بالوجهين المذكورين لإثبات عدم وجوب القضاء في حق غير الناسي ممّن لا قصد له.
والأولى أن يتمسك بفكرة القصور في المقتضي، ولكن لا بالبيان الذي ذكره ـ قدّس سرّه ـ في الوجه الأوّل، بل ببيان آخر حاصله: أن إثبات وجوب القضاء في المقام يحتاج إلى وجود دليل مطلق يدل بإطلاقه على أن من ارتكب أي مفطر من المفطرات وجب القضاء في حقه بحيث يكون شاملاً لحالة عدم القصد، وبعد ثبوت هذا الإطلاق نحتاج لإثبات عدم وجوب القضاء إلى مقيد يقيد الإطلاق المذكور ويخرج منه من لا قصد له، أمّا إذا لم يكن لدينا مطلق من هذا القبيل وإنما كان وجوب القضاء ثابتاً في حالة العمد ولم يتحقق ثبوته فيما زاد على ذلك فنفي وجوب القضاء آنذاك يكفي فيه عدم الدليل على القضاء، حيث يتمسك حينئذٍ بأصل البراءة.
فالبيان الذي نريد التمسك به هو البراءة بعد عدم الدليل المطلق الدال على وجوب القضاء، وعلى هذا الأساس لابدّ وأن نستعرض الأدلة التي قد يستفاد منها الإطلاق لنرى هل هي تامة أو لا؟
أوّلاً: التمسك بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة [1]: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث»... حيث تدل بالمفهوم على أنه إذا لم يجتنب عن الثلاث فذلك يضره، والمقصود من الإضرار هو القضاء، إذ لا يحتمل كون المقصود وجوب الصدقة على الفقير، أو قراءة القرآن الكريم مثلاً، فالمتعين من الإضرار؛ إمّا هو القضاء مع الكفارة، أو مجرد القضاء، وحيث إن القدر المتيقن هو القضاء فيثبت المطلوب.
وقد يقال: من المحتمل أن يراد من الإضرار الحرمة التكليفية، فالثلاث تضر بمعنى الحرمة التكليفية والعقوبة، أمّا غيرها فلا تضر، بمعنى عدم ذلك.
إلاّ أنه يمكن الجواب عن ذلك بأن الصحيحة عبّرت بكلمة الصائم وقالت: «لا يضر الصائم»… ولم تقل لا يضر المكلف، فلو كان المقصود هو الحرمة التكليفية فمن المناسب نسبة ذلك إلى ذات الشخص المكلف، بينما الصحيحة نَسَبَتْ ذلك إلى الصائم، وظاهر ذلك أن حيثية الصوم لا تتصدع ولا تتأثر بغير الثلاث، فيكون المستفاد أن هذه الثلاث تؤثر على حيثية الصوم وغيرها لا يؤثر، ولا معنى لتأثير الثلاث على حيثية الصوم إلاّ وجوب القضاء.
وعلى أي حال نحن الآن نريد أن نسلم بكون المقصود من الإضرار هو وجوب القضاء لنرى هل تتم الصحيحة آنذاك كدليل على ثبوت وجوب القضاء بشكل مطلق أو لا؟
والصحيح أنه لا يمكن ذلك؛ لأن منطوق الصحيحة سالبة كلية، حيث قالت: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث»… ومفهوم ذلك هو النقيض، ونقيض السالبة الكلية موجبة جزئية، أي أنه لو ارتكب الثلاث فذلك يضره في الجملة، والقدر المتيقن حالة العمد، أما أنه يضره بالجملة ـ أي دائماً وفي جميع الحالات ـ فلا يستفاد ذلك، والقضية عرفية قبل أن نحتاج إلى تطعيمها بالمصطلحات المنطقية، فنحن نفهم عرفاً أن من اجتنب الثلاث فلا يضره شيء، وإذا لم يجتنبها وارتكبها أضرته، ولكنه لا يفهم أنها تضره في جميع الحالات وإنما تضره في الجملة، وهذه النكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها في مقامنا وما شاكله. وعليه فالصحيحة المذكورة تدل على وجوب القضاء في الجملة بناءً على تفسير الإضرار بوجوب القضاء، وأمّا لو فسر بالحرمة التكليفية فعدم صحة الاستدلال بالصحيحة يكون أولى.
______________________________
[1] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب1، ح1.