جلسة 103
مفطرات الصوم
سادساً: التمسك بما دل على أن من تمضمض ودخل الماء في حلقه فعليه القضاء إن كان وضوء لصلاة النافلة، كما في صحيحة حمّاد، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه، فقال: «إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شيء، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء»[1] ، فإن موردها وإن كان هو المضمضة إلاّ أنه بإلغاء الخصوصية يحكم بالعموم، كما أنها مطلقة من حيث القصد وعدمه، بل لعلها منحصرة بحالة عدم القصد التي هي محل بحثنا، وبذلك يثبت المطلوب وهو وجوب القضاء في حالة ارتكاب المفطر من دون قصد.
وفيه: أنها وإن كانت مطلقة من حيث القصد وعدمه، إلاّ أنها مقيدة بموثقة عمّار الساباطي، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم؟ قال: «ليس عليه شيء إذا لم يتعمد ذلك»، قلت: فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال: «ليس عليه شيء»، قلت: فإن تمضمض الثالثة؟ قال: «قد أساء، ليس عليه شيء ولا قضاء» [2]، فإنها تدل على أنه إذا لم يتعمد ذلك فليس عليه شيء، فيكون وجوب القضاء بناء على هذا مختصاً بحالة العمد.
هذا مضافاً إلى إمكان دعوى كون الحكم المذكور تعبدياً وخاصاً بمورده، ولا يمكن التعدي منه إلى غيره بقرينة التخصيص بوضوء النافلة، فإنه إذا فُرض أن الشخص ليس بقاصد فلماذا التفرقة بين وضوء النافلة ووضوء الفريضة، بعد فرض فقدان القصد في كليهما، وهكذا يأتي التساؤل لو فرض وجود القصد في كليهما، فعلى كلا التقديرين ـ أي تقدير فقدان القصد في كليهما وتقدير وجوده في كليهما ـ لا وجه للتفرقة إلاّ من باب التعبد، ومعه فالتعدي يكون مشكلاً ويلزم تخصيص الحكم المذكور بمورده.
سابعاً: روايات القيء، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه» [3]، فإنها مطلقة وتدل على أن التقيء موجب للقضاء من دون تخصيص بحالة العمد، وإذا ثبت ذلك في المورد المذكور يثبت في غيره أيضاً بعد ضعف احتمال التفصيل بين الموارد.
وفيه: أنه ورد في ذيل الصحيحة قوله ـ عليه السلام ـ: «وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه»، وهذا يدل على اختصاص الصدر بحالة القصد والعمد.
ثامناً: التمسك بالتسالم والارتكاز المتشرعي، على أن ارتكاب المفطرات يوجب القضاء.
وفيه: أن الارتكاز المذكور وإن كان مسلماً ولكن حيث إنه دليل لبي فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو حالة القصد والعمد.
والنتيجة من كلّ هذا: هي أننا لا نملك دليلاً مطلقاً يدل بإطلاقه على وجوب القضاء في حالة ارتكاب بعض المفطرات ليتمسك بإطلاقه في موارد الشك، ومعه فيكفي لنفي وجوب القضاء على غير الناسي ممّن لا قصد له القصور في مقتضي وجوب القضاء، حيث لا إطلاق لكي يتمسك به، فنتمسك آنذاك بأصل البراءة لنفي وجوب القضاء. هذا كله في النقطة الاُولى.
النقطة الثانية: إن من كان له قصد إلى ارتكاب أحد المفطرات وارتكبه بالفعل فيجب عليه القضاء حتى وإن كان جاهلاً بحرمته ومفطريته، كما في الصائم في أوائل بلوغه، حيث قد يأكل قطعة صغيرة من الخبز أو حبة من الأرز أو قطرة من الماء بتخيل أنها لا تضر، ففي هذه الحالة يجب عليه القضاء حتى وإن كان الجهل عن قصور فضلاً عمّا إذا كان عن تقصير، بل يجب القضاء حتى في حالة الجهل المركب، كما لو كان الشخص يعتقد 100% أن الغسل الارتماسي لا يضر بالصوم ثم اتضح أنه يضر، إنه في كلّ ذلك يجب القضاء بعد فرض أن الارتكاب وقع عن قصد.
نعم، قد يحكم بعدم وجوب الكفارة كما سيأتي في الفصل الثالث، إلاّ أن هذا مطلب آخر، ونحن الآن نريد التحدث عن القضاء فقط وندعي أنه من كان له قصد وارتكب أحد المفطرات فيجب عليه القضاء في جميع الحالات المتقدمة. هذا هو المشهور، وخالف في المسألة ابن إدريس ـ قدّس سرّه ـ حيث قال: (وجميع ما قدمناه في ذلك الباب متى فعله الإنسان ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً غير عالم بالحكم لم يكن عليه شيء، ومتى فعله متعمداً وجب عليه ما قدمناه) [4].
وعبارته واضحة في عدم وجوب القضاء على الجاهل بالحرمة والمفطرية، وربما يستفاد ذلك أيضاً من شيخ الطائفة قدّس سرّه، فإنه بعد أن ذكر موثقة الساباطي ـ التي جاء فيها: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل وهو صائم فيجامع أهله فقال: «يغتسل ولا شيء عليه» [5] ـ قال ما نصه: (ويحتمل أيضاً أن يكون المراد به من لا يعلم أن ذلك لا يسوغ له في الشريعة) [6].
وقد اختار الرأي المذكور صريحاً صاحب (الحدائق) [7] قدّس سرّه.
ولتوضيح مدرك رأي المشهور لابدّ من التكلم في مقامين:
الأوّل: إثبات المقتضي، وأن الأدلة تثبت بإطلاقها وجوب القضاء في حق الجاهل بالحكم، ومع عدم ثبوت ذلك يتمسك بالبراءة بعد فرض القصور في المقتضي.
الثاني: نفي المانع عن المقتضي، إذ لو كان هناك مقيد يستثني من الإطلاق حالة الجهل بالحكم لكانت النتيجة عدم وجوب القضاء.
أمّا بالنسبة إلى المقتضي فقد استدل صاحب (المدارك) [8] ـ قدّس سرّه ـ له بإطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية للفساد، وقال: إنه يتناول العالم والجاهل، ولكنه لم يشر إلى حديث معين ليلاحظ هل فيه إطلاق حقاً أم لا، وإنما اكتفى بدعوى الأدلة المطلقة.
والسيد الخوئي [9] ـ قدّس سرّه ـ تمسك بذلك أيضاً حيث ادعى إطلاق الأدلة من دون إشارة إلى رواية بعينها، وأضاف إلى ذلك التمسك بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [10]، بتقريب أنه خطاب عام يشمل جميع المكلفين بما في ذلك الجاهل، وعليه فالمقتضي تام بنظر المشهور، وهو دعوى إطلاق الأدلة.
وأمّا بالنسبة إلى المانع فهناك روايتان يمكن أن يفهم منهما استثناء الجاهل من وجوب القضاء.
_____________________________
[1] الوسائل 10: 70، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب23، ح1.
[2] الوسائل 10: 72، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب23، ح5.
[3] الوسائل 10: 87، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب29، ح3.
[4] السرائر 1: 386.
[5] تهذيب الأحكام في شرح المقنعة 4: 183/ 601.
[6] تهذيب الأحكام في شرح المقنعة 4: 183/ ذيل الحديث 601.
[7] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 13: 66.
[8] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام 6: 66.
[9] مستند العروة الوثقى 1: 252.
[10] البقرة: 187.