32/05/27
تحمیل
الرواية السادسة :- ما رواه الصدوق بسنده عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام ( المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها)[1] ،وسند الشيخ الصدوق إلى زرارة صحيح على ما هو مذكور في المشيخة.
الرواية السابعة:- ما رواه الشيخ الصدوق أيضا بإسناده إلى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة )[2] وسند الشيخ الصدوق إلى معاوية بن عمار صحيح أيضا.
الرواية الثامنة:- ما رواه الشيخ الصدوق أيضا بإسناده إلى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ( سأله عن المحرمة فقال: إن مر بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تتستر بيدها من الشمس )[3] وسند الشيخ الصدوق إلى سماعة معتبر أيضا.
الرواية التاسعة:- صحيحة زرارة المتقدمة ( قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي وجهه من الذباب ؟ قال:- نعم ولا يخمر رأسه، والمرأة لا بأس أن تغطي وجهها كله )[4]
وقد اتفقت هذه الروايات من دون وجود معارض فيها وهذه قضية نادرة،فان الغالب وجود رواية معارضة على حرمة ستر المرأة المحرمة وجهها،وهذا هو ما أردنا إثباته في النقطة الأولى ،وقد اتضح أن الروايات متفقة على الحرمة ولا معارضة فيما بينها.
النقطة الثانية:- الأحوط أن لا تستر وجهها بأي ساتر كان، يعني لا تختص الحرمة بما إذا كان الساتر من جنس الثياب والقماش كالبرقع والنقاب وما شاكل ذلك بل يعم حتى إذا لم يكن من الجنس المذكور كما إذا سترت وجهها بالطين مثلا أو بغير ذلك من وسائل الستر .
والوجه في ذلك أمور من قبيل:- صحيحة البزنطي التي جاء فيها ( مر أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها ) ، بتقريب إن المروحة لا تكون عادة من جنس القماش ، وهذا يظهر منه إن الحرمة لا تختص بذلك أي بجنس القماش ، اللهم إلا أن يناقش بمناقشتين:-
الأولى:- إن هذا فعل من الإمام عليه السلام والفعل لا يدل على الحرمة ، فلعل ذلك مكروه والإمام عليه السلام أراد أن لا تفعل المحرمة شيئا مكروها فانه لم يعلل بتعليل حتى نفهم منه التحريم وإنما أماط المروحة لا أكثر.
والثانية:- لعل تلك المروحة التي كانت قد سترت بها وجهها كانت من جنس القماش ، فنحن نسلم أن المروحة قد تكون من جنس آخر ولكن هنا لا يصح التمسك بالإطلاق إذ لم يقل عليه السلام ( لا يجوز التستر بالمروحة ) حتى يتمسك بالإطلاق أو بعدم الاستفصال ، وإنما الرواية تنقل واقعة وتلك الواقعة مجملة ، ولعل تلك المرأة كانت مستترة بمروحة هي من جنس القماش . إذن هذه الرواية يشكل الاستناد إليها.
ومن قبيل التعليل الوارد في صحيحة الحلبي ( مر أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة وهي متنقبة فقال: أحرمي وأسفري وأرخ ثوبك من فوق راسك فانك إن تنقبتِ لم يتغير لونكِ) أنها دلت على تحريم الستر ولزوم الكشف عن الوجه حيث قال عليه السلام ( وأسفري ) وعلل بـ ( انك إن تنقبت لم يتغير لونك ) فهي دالة على حرمة الستر ولا مشكلة فيها من هذه الناحية ، والتعليل يمكن التمسك به لإثبات العموم ، فان هذا التعليل لا يختص بمورد القماش بل هو ساري المفعول في غيره ، وهو شيء جيد
ومن قبيل صحيحة عبد الله بن ميمون ( المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه ) فان هذا يفهم منه أن المحرمة يلزمها أن تكشف عن وجهها إذ أن إحرامها بوجهها ، والإمام عليه السلام وان لم يذكر جنس الساتر المانع وسكت وإنما قال ( إحرام المرأة في وجهها ) ولكن يمكن بمناسبات الحكم والموضوع التعميم لكل ساتر أعم من أن يكون من جنس القماش أو من غيره ، فانه لا خصوصية عرفاً لجنس القماش.
إذن الصحيحة دلت على لزوم كشف الوجه وعدم جواز ستره ، وهي وان لم تبين الساتر المحرم إلا انه بمناسبات الحكم والموضوع يمكن التعميم ، أن هذين الوجهين يمكن التمسك بهما لإثبات التعميم.
يبقى أن مستوى هذين الوجهين هل ينهض إلى درجة تمنح الفقيه الإفتاء بالتعميم ، هل هكذا ؟ أو انه تمنحه التخويل في الاحتياط بالترك ، أي بترك غير القماش أيضاً ؟
والسيد الماتن (قده) لم يفتِ وإنما قال ( الأحوط أن لا تستر وجهها بأي ساتر كان )، ولكن يمكن لفقيهٍ أن يستند إلى هذين الوجهين ويرى قوةً فيهما بحيث يجوز الفتوى بالتحريم.
إذن من أراد أن يفتي بالتعميم بنحو الفتوى فهو شيء قريب.
النقطة الثالثة:- الأحوط أن لا تستر قسماً من وجهها أيضا ولا تختص الحرمة بستر كامل وجهها.
وقد يوجه ذلك بالرواية المانعة للنقاب كصحيحة ابن ميمون فإنها قالت ( المحرمة لا تتنقب ) وحيث أن النقاب كاللثام بالنسبة إلى الرجل ويستر قسماً من الوجه فهذا يدل على أن ستر قسم من الوجه لا يجوز أيضاً وإلا لما حرم النقاب. هكذا قد يقال.
والإشكال عليه واضح:- فان النقاب يستر القسم الأسفل من الوجه فأقصى ما يثبت بهذه الرواية هو أن ستر قسم من الوجه وهو الأسفل بالهيئة المعروفة لا يجوز ولا يثبت به أنها لو أرادت أن تستر القسم الأعلى فلا يجوز ذلك فلعل للقسم الأسفل بهيئته المعروفة خصوصية ، وعليه استفادة حرمة ستر بعض الوجه ولو كان هو الأعلى شيء مشكل.
والأحسن التمسك بالتعليل أي بقوله عليه السلام ( لان إحرام المرأة في وجهها ) فيفهم من ذلك أن الوجه لابد من كشفه وإبرازه من دون فرق بين كامله وبعضه إذ بالتالي يلزم أن تحرم بوجهها أي تكشف عنه.
إذن ما يمكن الاستناد إليه هو هذا التعليل في الصحيحة المذكورة ولعل قوته بدرجة تخول الفقيه أن يفتي بالتعميم لا أن يحتاط كما صنع السيد الماتن (قده) فانه احتاط وقال ( الأحوط أن لا تستر بعض وجهها أيضا ) ولكن لا مانع من الفتوى بالتعميم لا مجرد الاحتياط.
النقطة الرابعة:- يجوز للمرأة المحرمة حالة النوم أن تستر وجهها من ذباب أو من غيره . والوجه في ذلك - رغم أن المناسب بمقتضى صحيحة ابن ميمون ( إحرام المرأة في وجهها ) عدم الجواز هو صحيحة زرارة التي هي آخر رواية نقلناها وقد جاء فيها ( والمرأة لا بأس أن تغطي وجهها كله ) وهي صحيحة . إذن لا مانع من ذلك.
ومن الغريب ما جاء في مناسك الشيخ النائيني (قده) كما ورد في دليل الناسك[5] حيث قال ( وتغطية المرأة وجهها كلاً أو بعضاً ولو عند النوم بنقاب أو غيره ) انه أفتى بعدم الجواز حالة النوم والحال انه يوجد نص صريح صحيح بالجواز.
ومن الملفت للنظر أيضا أن صاحب الجواهر[6] نقل هذه الصحيحة كمستند لجواز الستر حالة النوم وبعد أن نقل قال ( ولم أقف على رادٍّ له ) أي لهذا النص ، يعني أن الفقهاء قد عملوا به ، فماذا يريد الشيخ النائيني بعد ذلك . وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.,
النقطة الخامسة:- لا باس أن تستر المحرمة بعض وجهها كمقدمة لستر الرأس في الصلاة ، ولا بد وان نلتفت إلى أن المقصود من نفي البأس هنا ليس هو الجواز بمعنى الإباحة بالمعنى الأخص ، بل لابد وان يكون المقصود هو الجواز بالمعنى الأعم الصادق على الوجوب فـ( لا بأس ) بمعنى ( يجب ) أي المقصود منه بيان الوجوب ، فان ستر الرأس في الصلاة شيء واجب فمقدمته واجبة ، وإنما عبر بنفي البأس من باب دفع توهم الحظر ، لأنه قد يتوهم أن ذلك لا يجوز فيراد أن يقال لا مانع من هذه الناحية ولكن بالتالي يجب ، فان السيد الماتن سوف ينتهي كما سنرى إلى الوجوب ، فحينما عبر بنفي البأس لا يقصد من ذلك بيان الإباحة بالمعنى الأخص بل بالتالي يقصد أن ذلك يجب وإنما عبر بنفي البأس من باب أن المورد مورد توهم الحضر . وهذه قضية جانبية ينبغي الالتفات إليها.
وعلى أي حال وقع الكلام بين الفقهاء في انه ماذا يلزم أن تصنع المرأة إذ أمرها يدور بين تكليفين ، فالرأس يلزم ستره في باب الصلاة ومن باب المقدمة يلزم ستر شيء من الوجه ، بينما في باب الإحرام يلزم على المرأة أن تسفر عن وجهها ومن باب المقدمة يلزمنها أن تكشف شيئاً من رأسها فأيهما المقدم ؟
وصاحب المدارك[7] ذكر كلاماً يمكن عده غريباً ، حيث ذكر انه توجد لدينا عمومات في باب الصلاة تقول أن المرأة يلزمها أن تصلي ويلزمها أن تستر رأسها ، فتوجد هذه العمومات ولا يوجد مخصص لها ، فالمناسب إذن الأخذ بهذه العمومات ، وبالتالي يلزم ستر الرأس بالكامل ومن باب المقدمة فلتستر شيئاً من الوجه إذ لا مخصص لها ، ونص عبارته ( ويستثنى من الوجه ما يتوقف عليه ستر الرأس ، فيحب ستره في الصلاة تمسكاً بمقتضى العمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عما يصلح للتخصيص ) هذا ما ذكره.
ويــرده:-
أولا:- إن وجود مثل هذه العمومات في باب الصلاة هو أول الكلام فلا بد من مراجعة ذلك الباب للفحص عن وجود مثل العمومات المذكورة ، وببالي انه يصعب تحصيل عموم يدل على ذلك.
وثانياً:- أن هذا معارض بالمثل فانه كما يوجد عموم يقتضي ستر الرأس في باب الصلاة يوجد عموم في باب الإحرام وان المراءاة يلزمها أن تكشف عن وجهها كما دلت عليه صحيحة ابن ميمون بأن ( إحرام المرأة في وجهها ) ، فكما عندنا عموم هناك عندنا هنا أيضا.
ومن هنا قال صاحب الجواهر[8] في رد صاحب المدارك ( ضرورة إمكان معارضته بمثله ) يعني صاحب الجواهر أشار إلى الجواب الثاني الذي ذكرناه. هذا بالنسبة إلى ما ذكره صاحب المدارك.
[1] المصدر السابق ح7
[2] المصدر السابق ح8
[3] المصدر السابق ح10
[4] يعني مقصود الإمام أنها يجوز لها حالة النوم. الوسائل 167 -55 تروك الإحرام ح5
[5] دليل الناسك 167
[6] الجواهر 18 - 393
[7] المدارك 7 360
[8] الجواهر 18 - 391