36/07/16
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
15 ) - المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
الدليل الثاني:- التمسك بحرمة أكل المال بالباطل - أي بقوله تعالى ﴿ ولا تأكلوا أموالك بينكم بالباطل ﴾[1]-.
هذا دليل قد تمسّك به الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب، وتقريب الدلالة واضحٌ فإنه إذا اشترطت الصرف في الحرام كان هذا أكلاً للمال، أي الثمن في مقابل الباطل - أي بقابل لا شيء - فإنّ الحرام لا شيء بالنظر الشرعي.
ويرده:- ما تقدّم من الأجوبة السابقة وهي:-
أوّلاً:- إنّ ما ذكر تامّ إذا فرض أنّ الباء كانت للمقابلة، أي لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل - يعني لا شيء -، ولكن يحتمل - ويكفينا الاحتمال ولا نريد أن نستظهر ذلك - أنّ الباء هنا للسببيّة، أي لا تأكلوا اموالكم بينكم بالأسباب الباطلة كالغش والسرقة وما شاكل ذلك، وبناءً عليه لا تكون الآية الكريمة شاملة للمقام فإنّ السبب الذي استعين به في المقام هو البيع والبيع ليس سبباً باطلاً وإنما هو سببُ ممضىً شرعاً وعقلائياً.
ثانياً :- لو سلّمنا أنّ الباء للمقابلة فيمكن أن نقول إنّ المورد ليس من الأكل مقابل الباطل فإنّ المقابل للثمن هو العنب والعنب مالٌ شرعاً وعرفاً، نعم ضُمَّ إلى جنبه اشتراط صنعه خمراً وهذا لا يخرجه عن كونه مالاً ولا تكون المقابلة لغير المال والمعدوم بل المقابلة هي للمال فإنّ العنب مالٌ، أجل إذا فرضنا أنّ جزءاً من الثمن كان في مقابل الشرط - والذي هو في مقامنا صنع العنب خمراً - فإذا بنينا أنّ الشروط تقابل بجزءٍ من الثمن فسوف تكون المعاوضة بين هذا الجزء وبين ما يقابله - أعني الشرط - باطلة ويكون الأكل أكلاً للمال بالباطل لا أنّ المعاملة ككل تصير أكلاً للمال بالباطل فإنّه بلحاظ ما يقابل العنب ليس أكلاً بالباطل.
ثالثاً:- لو تنزّلنا وسلّمنا أنّ الباء للمقابلة وبنينا على أنّ الشروط تقابل بجزءٍ من الثمن فرغم هذا لا يمكن تطبيق الآية الكريمة فإنّ المقصود من الباطل هو الباطل العرفي وليس الشرعي، وجَعْلُ العنب خمراً باطلٌ شرعاً وليس باطل عرفاً.
وألفت النظر إلى أنّه هنا يكفيني الاحتمال أيضاً، فصحيحٌ أنّه يمكن أن يستظهر من الباطل هنا هو الباطل العرفي لأنّ كلّ الأحكام تتوجّه إلى الموضوعات العرفيّة، ولكن بقطع النظر عن هذا الاستظهار لو أردنا التنزّل فيحتمل ذلك ويكفينا الاحتمال من أنّ المقصود من الباطل هو الباطل العرفي، ومعه لا يمكن التمسّك بالآية الكريمة.
إذن هذه ثلاث مناقشات لإثبات عدم إمكان التمسّك بالآية الكريمة لإثبات الحرمة التكليفية والبطلان.
وقبل إن ننهي هذا الموضوع نلفت النظر إلى أنّه لو تمّ الاستدلال بهذه الآية الكريمة فيمكن استفادة كلتا الحرمتين التكليفيّة والوضعيّة على خلاف آية النهي عن التعاون على الإثم والعدوان، إذ لو تمّ الاستدلال بآية النهي عن الإثم والعدوان فغاية ما يثبت هو الحرمة التكليفية وأمّا الحرمة الوضعيّة فلا طريق لإثباتها، أمّا هنا فيمكن أن يقال بإمكان استفادة كلتا الحرمتين التكليفيّة والوضعيّة، أمّا التكليفيّة فمن النهي عن الأكل حيث قالت:- ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ فنفس النهي عن الأكل ظاهرٌ في الحرمة التكليفيّة يعني لا تستفيدوا من أموالكم بالباطل فظاهر النهي هو النهي التكليفي، وأمّا الحرمة الوضعيّة فنستفيدها من قوله تعالى:- ﴿ بالباطل ﴾ فإنّه إذا كان الأكل بالباطل لا يحتمل أنّ الشارع يمضي الباطل وإلّا صار حقّاً ولم يصر باطلاً . إذن كلتا الحرمتين يمكن استفادتهما من هذه الآية الكريمة، ولكن قلنا إنّ الاستدلال بها غير تامّ لما ذكرنا من المناقشات الثلاث.
إن قلت:- تكرّر أكثر من مرّة أنّ ظاهر الاستعمال كونه استعمالاً في معنىً واحدٍ وإرادة أكثر من معنىً واحدٍ منه وإن كان ممكناً - لو قال به أحد - لكنه خلاف الظاهر ولا يصار إليه إلّا مع القرينة، ولذلك قلنا في آية ﴿ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾[2]لا يمكن استفادة كلتا الحرمتين لأنّه مخالفٌ للظاهر، وهنا لماذا لم تقل بذلك وخالفت ما ذكرته والتزمت بأنه نستفيد كلتا الحرمتين فكيف يكون ذلك ؟! إنّه إذا كان مخالفٌ للظاهر فيلزم أنّه لا يمكن استفادة كلتا الحرمتين هنا أيضاً ؟!
قلت:- اتضح الجواب من خلال ما ذكرته، فإنّ الحرمة التكليفيّة استفدناها من نفس النهي ولم نستفد منه إلّا حرمًة واحدةً، والبطلان استفدناه من دالٍّ آخر وقرينةٍ أخرى وهو التعبير بـــ( الباطل ) فإنّ الشرع لا يحتمل أنّه يمضي الباطل أو هناك منافاة بين الامضاء وبين الباطل . إذن نحن لم نستفد ذلك من كلمةٍ واحدة حتى تقول هو مخالفٌ للظاهر وإنما استفدناه من موردين مختلفين.
هذا كلّه في الدليل الثاني وقد اتضح أنّه قابل للمناقشة أيضاً.
الدليل الثالث:- ما أفاده النراقي(قده) حيث قال ما نصّه:- ( إن فعل المباح يقصد التوصل به إلى الحرام محرّم )[3].
ومقصوده هو أنّ قصد المباح - وهو في مقامنا بيع العنب - بقصد التوصّل به إلى الحرام - لأنّه اشترط صنع الخمر منه - يصير حراماً.
وإذا أردنا توجيهه فنّياً نقول:- إنّه يقصد الاشارة إلى فكرة المقدّميّة، فإنك تفعل المباح بقصد أن يكون مقدّمةً للحرام، ومقدّمة الحرام حرامٌ، فلا بدّ وأن يكون مقصوده هو هذا وإلّا إذا لم يتمّم كلامه بما قلنا فسوف يكون الكلام ناقصاً عن الاثبات، فلابد إذن من تتميمه بما أشرنا إليه، فتصير النتيجة هي أنّ فعل المباح إذا قصد التوصّل به إلى الحرام يصير حراماً من باب حرمة مقدّمة الحرام.
ويرد عليه ما قرأناه في علم الأصول وذكره غير واحدٍ:- من انّه يوجد فرقٌ بين مقدّمة الواجب ومقدّمة الحرام، فالواجب تصير جميع مقدّماته واجبة - بناءً على وجوب مقدّمة الواجب - إذ وجوده يتوقّف على كلّ واحدةٍ واحدة ٍمنها فيصير الجميع واجباً، وهذا بخلافه في مقدّمة الحرام فإنّ المطلوب هو الترك - أي العدم - والعدم يتحقّق بترك واحدةٍ من مقدّماته، بخلاف الوجود فإنّ الوجود يتوقّف على تحقّق جميع مقدّماته، أما ما يطلب فيه العدم فهو يتحقّق بترك واحدةٍ من مقدّماته، فذلك لا يحكم بأنّ مقدمات الحرام حرامٌ، نعم الحرام هو تلك المقدّمة التي لو فُعِلَت تحقّق الحرام بعدها حتماً كضغط الاصبع على زناد المسدّس فهذا حرامٌ، أمّا شراء المسدّس ووضع الاطلاقات فيه وغير ذلك فهذه كلّها ليست محرّمة لأنّ صنع كلّ واحدةٍ منها لا يلازم تحقّق الحرام حتى تصير محرّمةً، بخلافه في الواجب فإنّ ترك كلّ واحدةٍ يوجب ترك الواجب، أما هنا ففعل أيّ واحدةٍ لا يوجب فعل الحرام إلّا المقّدمة الأخيرة.
وبناءً على هذا نقول في مقامنا:- إنّ بيع العنب بشرط صنعه خمراً ليس مقدّمةً أخيرةً لوجود الخمر بل يحتاج إلى مقدّماتٍ أخرى كعصره وغير ذلك من المقدّمات الأخرى وبمجرد البيع بشرط صنعه خمراً لا يتحقّق الخمر إذ ليس هو المقدّمة الأخيرة فلا يكون ذلك حراماً.
الدليل الرابع:- ما ذكره الأردبيلي(قده) حسب ما نقل الشيخ الأعظم(قده)[4]، وقد ذكره في مسألة بيع العنب على من يُعلَم أنّه يصنعه خمراً لا على من يشترط أن يصنعه خمراً ولكن نحن نسحبه هنا لوحدة النكتة حيث قال:- إنّ دفع المنكر كرفع المنكر هو واجبٌ، يعني إنّ رفع المنكر لا إشكال في أنّه واجبٌ، فلو فرضنا أنّ شخصاً كان يزاول المعصيّة كأن ينظر إلى الأجنبية فنحن لابدّ وأن نرفع هذا المنكر فننهاه عن ذلك - إن استطعنا -، فإذا كان النهي عن المنكر بعد تحقّقه واجباً فدفعه كرفعه[5] يكون واجباً أيضاً، وهنا أيضا كذلك فالرفع يتحقّق بِمَ ؟ إنّه إذا صنع الخمر فسوف يؤخذ ويراق في البالوعة مثلاً، أمّا الدفع فيصير بأنّ نحول دون أن نبيع له العنب لأجل أن يصنعه خمراً، إنَّ هذا دفعٌ وحيلولةٌ دون تحّقق الخمر، فإذا كان الرفع واجباً كان الدفع واجباً أيضاً.
الدليل الثاني:- التمسك بحرمة أكل المال بالباطل - أي بقوله تعالى ﴿ ولا تأكلوا أموالك بينكم بالباطل ﴾[1]-.
هذا دليل قد تمسّك به الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب، وتقريب الدلالة واضحٌ فإنه إذا اشترطت الصرف في الحرام كان هذا أكلاً للمال، أي الثمن في مقابل الباطل - أي بقابل لا شيء - فإنّ الحرام لا شيء بالنظر الشرعي.
ويرده:- ما تقدّم من الأجوبة السابقة وهي:-
أوّلاً:- إنّ ما ذكر تامّ إذا فرض أنّ الباء كانت للمقابلة، أي لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل - يعني لا شيء -، ولكن يحتمل - ويكفينا الاحتمال ولا نريد أن نستظهر ذلك - أنّ الباء هنا للسببيّة، أي لا تأكلوا اموالكم بينكم بالأسباب الباطلة كالغش والسرقة وما شاكل ذلك، وبناءً عليه لا تكون الآية الكريمة شاملة للمقام فإنّ السبب الذي استعين به في المقام هو البيع والبيع ليس سبباً باطلاً وإنما هو سببُ ممضىً شرعاً وعقلائياً.
ثانياً :- لو سلّمنا أنّ الباء للمقابلة فيمكن أن نقول إنّ المورد ليس من الأكل مقابل الباطل فإنّ المقابل للثمن هو العنب والعنب مالٌ شرعاً وعرفاً، نعم ضُمَّ إلى جنبه اشتراط صنعه خمراً وهذا لا يخرجه عن كونه مالاً ولا تكون المقابلة لغير المال والمعدوم بل المقابلة هي للمال فإنّ العنب مالٌ، أجل إذا فرضنا أنّ جزءاً من الثمن كان في مقابل الشرط - والذي هو في مقامنا صنع العنب خمراً - فإذا بنينا أنّ الشروط تقابل بجزءٍ من الثمن فسوف تكون المعاوضة بين هذا الجزء وبين ما يقابله - أعني الشرط - باطلة ويكون الأكل أكلاً للمال بالباطل لا أنّ المعاملة ككل تصير أكلاً للمال بالباطل فإنّه بلحاظ ما يقابل العنب ليس أكلاً بالباطل.
ثالثاً:- لو تنزّلنا وسلّمنا أنّ الباء للمقابلة وبنينا على أنّ الشروط تقابل بجزءٍ من الثمن فرغم هذا لا يمكن تطبيق الآية الكريمة فإنّ المقصود من الباطل هو الباطل العرفي وليس الشرعي، وجَعْلُ العنب خمراً باطلٌ شرعاً وليس باطل عرفاً.
وألفت النظر إلى أنّه هنا يكفيني الاحتمال أيضاً، فصحيحٌ أنّه يمكن أن يستظهر من الباطل هنا هو الباطل العرفي لأنّ كلّ الأحكام تتوجّه إلى الموضوعات العرفيّة، ولكن بقطع النظر عن هذا الاستظهار لو أردنا التنزّل فيحتمل ذلك ويكفينا الاحتمال من أنّ المقصود من الباطل هو الباطل العرفي، ومعه لا يمكن التمسّك بالآية الكريمة.
إذن هذه ثلاث مناقشات لإثبات عدم إمكان التمسّك بالآية الكريمة لإثبات الحرمة التكليفية والبطلان.
وقبل إن ننهي هذا الموضوع نلفت النظر إلى أنّه لو تمّ الاستدلال بهذه الآية الكريمة فيمكن استفادة كلتا الحرمتين التكليفيّة والوضعيّة على خلاف آية النهي عن التعاون على الإثم والعدوان، إذ لو تمّ الاستدلال بآية النهي عن الإثم والعدوان فغاية ما يثبت هو الحرمة التكليفية وأمّا الحرمة الوضعيّة فلا طريق لإثباتها، أمّا هنا فيمكن أن يقال بإمكان استفادة كلتا الحرمتين التكليفيّة والوضعيّة، أمّا التكليفيّة فمن النهي عن الأكل حيث قالت:- ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ فنفس النهي عن الأكل ظاهرٌ في الحرمة التكليفيّة يعني لا تستفيدوا من أموالكم بالباطل فظاهر النهي هو النهي التكليفي، وأمّا الحرمة الوضعيّة فنستفيدها من قوله تعالى:- ﴿ بالباطل ﴾ فإنّه إذا كان الأكل بالباطل لا يحتمل أنّ الشارع يمضي الباطل وإلّا صار حقّاً ولم يصر باطلاً . إذن كلتا الحرمتين يمكن استفادتهما من هذه الآية الكريمة، ولكن قلنا إنّ الاستدلال بها غير تامّ لما ذكرنا من المناقشات الثلاث.
إن قلت:- تكرّر أكثر من مرّة أنّ ظاهر الاستعمال كونه استعمالاً في معنىً واحدٍ وإرادة أكثر من معنىً واحدٍ منه وإن كان ممكناً - لو قال به أحد - لكنه خلاف الظاهر ولا يصار إليه إلّا مع القرينة، ولذلك قلنا في آية ﴿ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾[2]لا يمكن استفادة كلتا الحرمتين لأنّه مخالفٌ للظاهر، وهنا لماذا لم تقل بذلك وخالفت ما ذكرته والتزمت بأنه نستفيد كلتا الحرمتين فكيف يكون ذلك ؟! إنّه إذا كان مخالفٌ للظاهر فيلزم أنّه لا يمكن استفادة كلتا الحرمتين هنا أيضاً ؟!
قلت:- اتضح الجواب من خلال ما ذكرته، فإنّ الحرمة التكليفيّة استفدناها من نفس النهي ولم نستفد منه إلّا حرمًة واحدةً، والبطلان استفدناه من دالٍّ آخر وقرينةٍ أخرى وهو التعبير بـــ( الباطل ) فإنّ الشرع لا يحتمل أنّه يمضي الباطل أو هناك منافاة بين الامضاء وبين الباطل . إذن نحن لم نستفد ذلك من كلمةٍ واحدة حتى تقول هو مخالفٌ للظاهر وإنما استفدناه من موردين مختلفين.
هذا كلّه في الدليل الثاني وقد اتضح أنّه قابل للمناقشة أيضاً.
الدليل الثالث:- ما أفاده النراقي(قده) حيث قال ما نصّه:- ( إن فعل المباح يقصد التوصل به إلى الحرام محرّم )[3].
ومقصوده هو أنّ قصد المباح - وهو في مقامنا بيع العنب - بقصد التوصّل به إلى الحرام - لأنّه اشترط صنع الخمر منه - يصير حراماً.
وإذا أردنا توجيهه فنّياً نقول:- إنّه يقصد الاشارة إلى فكرة المقدّميّة، فإنك تفعل المباح بقصد أن يكون مقدّمةً للحرام، ومقدّمة الحرام حرامٌ، فلا بدّ وأن يكون مقصوده هو هذا وإلّا إذا لم يتمّم كلامه بما قلنا فسوف يكون الكلام ناقصاً عن الاثبات، فلابد إذن من تتميمه بما أشرنا إليه، فتصير النتيجة هي أنّ فعل المباح إذا قصد التوصّل به إلى الحرام يصير حراماً من باب حرمة مقدّمة الحرام.
ويرد عليه ما قرأناه في علم الأصول وذكره غير واحدٍ:- من انّه يوجد فرقٌ بين مقدّمة الواجب ومقدّمة الحرام، فالواجب تصير جميع مقدّماته واجبة - بناءً على وجوب مقدّمة الواجب - إذ وجوده يتوقّف على كلّ واحدةٍ واحدة ٍمنها فيصير الجميع واجباً، وهذا بخلافه في مقدّمة الحرام فإنّ المطلوب هو الترك - أي العدم - والعدم يتحقّق بترك واحدةٍ من مقدّماته، بخلاف الوجود فإنّ الوجود يتوقّف على تحقّق جميع مقدّماته، أما ما يطلب فيه العدم فهو يتحقّق بترك واحدةٍ من مقدّماته، فذلك لا يحكم بأنّ مقدمات الحرام حرامٌ، نعم الحرام هو تلك المقدّمة التي لو فُعِلَت تحقّق الحرام بعدها حتماً كضغط الاصبع على زناد المسدّس فهذا حرامٌ، أمّا شراء المسدّس ووضع الاطلاقات فيه وغير ذلك فهذه كلّها ليست محرّمة لأنّ صنع كلّ واحدةٍ منها لا يلازم تحقّق الحرام حتى تصير محرّمةً، بخلافه في الواجب فإنّ ترك كلّ واحدةٍ يوجب ترك الواجب، أما هنا ففعل أيّ واحدةٍ لا يوجب فعل الحرام إلّا المقّدمة الأخيرة.
وبناءً على هذا نقول في مقامنا:- إنّ بيع العنب بشرط صنعه خمراً ليس مقدّمةً أخيرةً لوجود الخمر بل يحتاج إلى مقدّماتٍ أخرى كعصره وغير ذلك من المقدّمات الأخرى وبمجرد البيع بشرط صنعه خمراً لا يتحقّق الخمر إذ ليس هو المقدّمة الأخيرة فلا يكون ذلك حراماً.
الدليل الرابع:- ما ذكره الأردبيلي(قده) حسب ما نقل الشيخ الأعظم(قده)[4]، وقد ذكره في مسألة بيع العنب على من يُعلَم أنّه يصنعه خمراً لا على من يشترط أن يصنعه خمراً ولكن نحن نسحبه هنا لوحدة النكتة حيث قال:- إنّ دفع المنكر كرفع المنكر هو واجبٌ، يعني إنّ رفع المنكر لا إشكال في أنّه واجبٌ، فلو فرضنا أنّ شخصاً كان يزاول المعصيّة كأن ينظر إلى الأجنبية فنحن لابدّ وأن نرفع هذا المنكر فننهاه عن ذلك - إن استطعنا -، فإذا كان النهي عن المنكر بعد تحقّقه واجباً فدفعه كرفعه[5] يكون واجباً أيضاً، وهنا أيضا كذلك فالرفع يتحقّق بِمَ ؟ إنّه إذا صنع الخمر فسوف يؤخذ ويراق في البالوعة مثلاً، أمّا الدفع فيصير بأنّ نحول دون أن نبيع له العنب لأجل أن يصنعه خمراً، إنَّ هذا دفعٌ وحيلولةٌ دون تحّقق الخمر، فإذا كان الرفع واجباً كان الدفع واجباً أيضاً.
[5] والفرق بين الدفع والرفع الرفع أن يتحقق الشيء ثم تزيله أما
الدفع فهو يريد أن يرتكب المحرم ونحن نمنعه من ارتكابه.