33/06/08
تحمیل
الموضوع / شرطية الفحص في جريان أصل البراءة / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الوجه الثاني:- ما ذكره السيد الشهيد(قده)
[1]
وحاصله:- ان أدلة البراءة على نحوين ، فبعضها مطلق لا يشترط الفحص من قبيل حديث الرفع فانه مطلق ولم يقيد الرفع فيه بما بعد الفحص ، وهناك طائفة ثانية تدل على أنه لا تجري البراءة إلا بعد الفحص في مضانّ وجود الدليل وعدم العثور عليه وهذا من قبيل قوله تعالى ( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ) فان المقصود من قوله ( آتاها ) ليس هو الإتيان باليد - أي ليس المقصود ( إلا إذا أوصل التكليف اليها باليد ) - وإنما المقصود ايتاؤه في مضانه - أي أن يكون موجوداً في مضانه ككتاب الوسائل - ، أو بتعبير آخر يكون في معرض الوصول العثور عليه لو فحص عنه فانه لو كان الدليل موجوداً في مضانه فيصدق آنذاك عنوان ( آتاها ) ، وعليه فيلزم الفحص في مضان وجود الدليل فإذا لم نعثر عليه فآنذاك تجري البراءة.
إذن عندنا نحوان من أدلة البراءة والنسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه ، ومادة المعارضة بينهما - التي هي مادة الاجتماع - هي ما لو فرض أن الدليل كان موجوداً في مضانّ الوصول ولكن المكلف لا يعلم بوجوده فان مقتضى حديث الرفع هو تطبيق البراءة وأنها تجري هنا لأنه سوف يصدق أني لا أعلم بثبوت التكليف فالحديث يقول ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) وأنا لا أعلم بهذا الحكم .
ولكن لو نظرنا إلى الآية الكريمة فهي تدل على عدم جريان البراءة إذ هي تقول ( التكليف مرفوع إذا لم يكن في مضان الوصول ) وحيث أنه في المقام هو موجود في مضان الوصول فهي تدل على عدم جريان البراءة ، إذن يتعارضان في هذا المورد ومعه تُقدَّم الآية الكريمة باعتبار أنها قطعية السند فقطعي السند مقدم في مقام المعارضة.
ثم قال(قده):- ولو تنزلنا وقلنا انه لا مرجح في البين فالمناسب بعد المعارضة هو التساقط في مادة المعارضة وبعد التساقط نرجع إلى منجزيّة الاحتمال
[2]
والنتيجة هي النتيجة - أي أن البراءة لا تجري ما دام المكلف لم يفحص - اما لأن الآية الكريمة مقدّمة على الحديث والمفروض أنها تدل على أن الرفع والبراءة خاصة بحالة ما إذا فحص ولم يعثر على دليل التكليف ، أو باعتبار أنهما يتساقطان بعد المعارضة ونرجع إلى منجزيّة الاحتمال ، وبهذا نصل إلى المقصود.
وفيه:- ان الآية الكريمة تدل على أن التكليف لا يثبت إلا إذا كان دليله موجوداً في مضانه - ككتاب الوسائل مثلاً - فإذا كان موجوداً فلا محذور في التكليف وان لم يصل الدليل بعد بيد المكلف ، وإذا لم يكن الدليل موجوداً في مضانه فلا تكليف ، فان غاية ما تدل عليه الآية هو هذا ، أما أنه لو شك المكلف في أن الدليل موجود في مضانه أو لا - أي قبل أن يفحص - فالآية لا تدل على أنه يجب الفحص عن وجود الدليل وعدمه بل غاية ما تقول ( ان الدليل لو كان موجوداً فالتكليف ثابت وإذا لم يكن موجوداً فالتكليف ليس بثابت ) أما لو شك في أن هذا الدليل ثابت في مضانه أو لا فالفحص لا زم ؟! فهي ساكتة عن ذلك فلا يستفاد منها أن البراءة تجري أو لا تجري قبل الفحص . إذن الآية الكريمة أجنبية عن المقام ، وبذلك لا يمكن أن تجعل معارضة لحديث الرفع فيبقى إطلاقه من دون معارض . وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
الدليل الثالث على لزوم الفحص:- التمسك بالعلم الإجمالي بأن يقال:- ان الشبهات التي يشك في حكمها لو فرضنا أنها ألف شبهة مثلاً فيمكن أن نقول:- انه لا يحتمل ثبوت البراءة في جميع هذه الموارد بحيث أن جميع الالف يكون حكمها هو البراءة وبالتالي تصير كل شريعة الاسلام هي الاباحة ، فحتماً يكون قسم من هذه الألف - ولنفترض أنه مائة - يوجد فيه تكليف ، وإذا قبلنا بهذا فحينئذ لا يجوز إجراء البراءة قبل الفحص ، لأنه لو أجريناها في الجميع فذلك خلف العلم الاجمالي بثبوت التكليف في بعض هذه الموارد ، وان اجريناها في بعض دون بعض فهذا ترجيح بلا مرجح كما في سائر موارد العلم الإجمالي كما لو كان عندنا عشرة أواني نعلم بأن واحداً منها نجساً فلا يجوز تطبيق أصل الطهارة على الجميع ولا على والبعض ، فان نفس هذا الكلام نأتي به في موردنا فيلزم الفحص ، فإذا فحصنا فسوف يخرج عن الطرفيَّة للعلم الإجمالي فيجوز إجراء البراءة فيه آنذاك.
الاعتراض الأول:- ويتوقف بيانه على الإشارة إلى مقدمة وهي:- أنه توجد مسألتان وقعتا محلاً للكلام ينبغي التمييز بينهما:-
المسألة الاولى:- مسألتنا هذه ، وهي أن البراءة هل تجري قبل الفحص أو لا ؟ ولنصطلح عليها بـ( المسألة الأولى ) ، وقد قلنا ان المعروف بين الأصوليين - بل كاد أن يكون اتفاقاً - أنه يلزم الفحص ، وعلّلوا ذلك بالعلم الإجمالي فان الدليل الثالث الذي أشرنا إليه هو العلم الإجمالي.
والمسألة الثانية:- والتي وقعت محلّاً للنزاع بين الأصوليين والاخباريين:- وهي أن الفقيه لو فحص ولم يجد دليلاً على التحريم - كالتدخين مثلاً - فهل الأصل هو البراءة أو هو الاشتغال ؟ والمعروف بين الأصوليون هو القول بالبراءة ، بينما المعروف بين الاخباريين هو الاشتغال ، وأحد الادلة التي استدل بها الاخباريون على لزوم الاحتياط هو العلم الإجمالي فقالوا نحن نعلم إجمالاً بوجود تكاليف في دائرة الشبهات ومعه لا يمكن إجراء البراءة في جميعها لأنه خلف العلم الإجمالي فيلزم إذن الاحتياط ، وهذا أحد الادلة التي استدلوا بها.
واجابهم الاصوليون وقالوا:- ان هذا العلم الإجمالي منحلّ لأن الفقيه وان كان يعلم بأن مقداراً من هذه الشبهات يوجد فيها تكليف حتماً ولكن هو قد عثر على المقدار المعلوم بالإجمال فثبت عنده أن الصلاة واجبة والحج واجب والسرقة حرام .... وهكذا وهو بمقدار المعلوم بالإجمال ، إذن هذا العلم الإجمالي منحلّ فلا مانع من الرجوع إلى البراءة . هذه هي المقدمة.
أما حاصل الاعتراض الذي ذكره(قده) فهو:- انكم قلتم أيها الأصوليون ( ان الفحص لازم هنا لأجل وجود العلم الاجمالي بوجود تكليف في مائة موردٍ من بين ألف مورد ) ، وأنا أقول:- ان الفقيه بعد أن فحص وعثر على مقدار مائة - بل قد يزيد عليها - فأسأل وأقول:- هل انحل العلم الإجمالي بوجود التكاليف الألف أو لا ؟ فإذا قلتم قد انحل فحينئذ لا يجب الفحص بلحاظ الموارد البقية غير هذه المائة ، وإذا قلتم بأنه لم ينحل فكيف قلتم لمعاشر الاخباريين في المسألة الثانية بالبراءة وان العلم الإجمالي منحلّ ؟! ان هذا تهافت ؟!
[1] التقرير 5 -397.
[2] لأنه(قده) لا يقبل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
[3] الرسائل.