34/01/17
تحمیل
الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وثانياً:- يمكن أن نقول:- إن مستندهم فقط وفقط هو حديث لا ضرر ، ودعوى أن لا ضرر يرفع الوجوب فقط ولا يثبت المبطلان مدفوعة بأنه يمكن للفقيه أن يدّعي أنه يدل على البطلان فإنه إذا رُفع الوجوب فكيف نصحح الوضوء ؟ إنه ينحصر تصحيحه بالملاك ، ولكن كيف نكشف عن وجود الملاك ؟ إنه لا كاشف عنه إلا الأمر وحيث أنه قد ارتفع بلا ضرر فيعود الملاك بلا كاشف وبالتالي لا يمكن الحكم بصحة الوضوء.
إذن الأمر لا كما قال الشيخ العراقي(قده) من أن لا ضرر ينفي الوجوب ولا ثبت البطلان بل يمكن أن يثبت البطلان بالبيان الذي أشرنا إليه . ولعل ما أفاده(قده) قد أخذه من استاذه صاحب الكفاية(قده) فإنه ذكر في موردٍ أن الأمر حينما يرتفع فهو يرتفع لوجود المانع وأما الملاك فهو باقٍ - هكذا ذكر في بعض كلماته في مسألة اجتماع الامر والنهي أو غيرها ولكنه التفت في مورد آخر إلى ذلك وردّ على نفسه وقال:- إن ارتفاع الأمر كما يمكن أن يكون لوجود المانع مع بقاء المقتضي يمكن أن يكون لزوال المقتضي من الأساس أيضاً ، وبتعبير آخر:- إنه في مورد الوضوء الضرري لا أمر جزماً وكما يحتمل أن يكون عدم الأمر لأجل وجود المصلحة لكن يوجد مانع يحتمل أيضاً أن مصلحة الوضوء من الأساس في مورد الضرر مرتفعة وهذا الاحتمال موجود فإنّا لا نعرف مصالح التكاليف.
إذن نقول للشيخ العراقي(قده) أن الفقهاء حينما حكموا ببطلان الوضوء الضرري فهذا لا يدل على أنهم لم يستندوا إلى حديث لا ضرر بل يمكن أن يقال باستنادهم إليه في نفي الوجوب فإذا انتفى الوجوب تعود المصلحة والملاك بلا كاشف فيحكم بالبطلان.
ونحن لا نريد أن نمضي هذا الكلام ونقول بصحته وإنما نحن بصدد أن نقول للشيخ العراقي في مقام دفع الاشكال عنهم أنهم حكموا بالبطلان لأجل عدم الوجود الكاشف عن الملاك فشاهدك الأول حينئذ سوف يكون باطلاً.
نعم من حق الفقيه أن يحكم بصحة الوضوء الضرري من جهة بيانات ثلاث:-
البيان الأول:- إن حديث لا ضرر حديث امتناني وما دام كذلك فهو يرفع الوجوب فقط لا أكثر ولا يرفع الملاك إما لأجل أن الملاكات قضايا تكوينية وليست اعتبارية قابلة للرفع والشارع بما هو شارع لا يمكن أن يرفع القضايا التكوينية.
البيان الثاني:- إن حديث لا ضرر لمّا كان امتنانياً فهو يرفع الوجوب لأنه بذلك يتحقق الامتنان والتخفيف على المكلف وأما رفع الملاك فلا حاجة إليه بل هو عبث محض إذ رفعه لا يقتضيه الامتنان وإنما الامتنان يقتضي رفع الوجوب فقط.
البيان الثالث:- إنه لو رفع الملاك فالامتنان لا يصدق لأن الامتنان يصدق لو فرض أن الملاك كان موجوداً ولكن يُرفَع الشيء لأجل وجود المانع ، أما إذا لم يكن الملاك ثابتاً فالامتنان لا معنى له من الأساس نظير أن أقول لشخصٍ ( لا حاجة الى أن تزورني تخفيفاً عليك ) فإن هذا التخفيف وجيه فيما إذا كان يوجد ملاك في زيارتي ولكني رفعتها تخفيفا أما إذا لم يكن هناك ملاك فرفع الزيارة لا معنى لأن يكون تخفيفاً ومنَّة.
إذن هذا طريق لتصحيح الوضوء من خلال الملاك.
وهناك طريق آخر لتصحيحه من غير ناحية الملاك بل من ناحية الاستحباب النفسي من باب أن الوضوء مستحب نفساً ، وهذه مسألة وقعت محلاً للخلاف بين الفقهاء وهي أن الوضوء هل هو مستحب نفساً أو لا - لا من باب الكون على الطهارة فهذا مستحب بلا اشكال- ؟ فإن قلنا هو مستحب في نفسه أمكن تصيح الوضوء في مورد الضرر بالاستحباب النفسي ، يعني لو افترضنا أن الأمر الوجوبي قد سقط لأجل حديث الضرر ولا كاشف للملاك بعد سقوطه ولكن رغم ذلك يمكن تصحيح الوضوء من ناحية أمرٍ آخر غير الأمر الوجوبي وهو الأمر الاستحبابي النفسي المتعلق بذات الوضوء.