33/12/04
تحمیل
الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وفي مقام التعليق نقول:-
أما ما ذكره في الوجه الأول:- - فإنه ذكر أن الوارد في كتب العامة كلمة ( قضى ) وهي لا تتناسب مع الحيثية الأولى يعني تبليغ الأحكام فان ( قضى ) تستعمل لإفادة الحيثيتين الأخريين دون الحيثية الأولى - إن هذا شيء قابل للتأمل والمناقشة فإن كلمة ( قضى ) قد تستعمل بمعنى ( حكم ) من قبيل ما جاء في القرآن الكريم ( وقضى ربك أن لا تعبدوا إلّا إيّاه ) يعني أن الله تعالى حكم بأن لا تعبدوا إلا إياه فهي بمعنى الحكم الإلهي وهنا أيضاً تكون بمعنى ( حكم ) ، ولا نريد أن نقول هو المعنى المتعيّن بل نقول هو احتمال وجيه ، ومن هذا القبيل أيضاً ما جاء في الرواية من أنه صلى الله عليه وآله ( قضى في الركاز بالخمس ) والحال أن هذا القضاء حكم إلهي فإن الله عز وجل قد حكم بثبوت الخمس في الركاز حيث قال ( واعلموا أن ما غنمتم من شيء فان لله خمسه ) وهذا نحو من الركاز - أي المعادن التي توجد تحت الأرض - فالله عز وجل حكم فيها بالخمس فحينما جاء في الحديث قضى صلى الله عليه وآله في الركاز بالخمس لا يراد منه أنه حكم حكماً ولايتيّاً بل هو حكم إلهي.
والخلاصة:- إن ما ذكره من كون كلمة ( قضى ) الواردة في كتب العامة يتعين أن يكون بأحد المعنيين الأخرين دون الأوّل هو أوّل الكلام بل كون المراد هو المعنى الأول شيء محتمل.
وأما ما ذكره بالنسبة إلى كتب الخاصة:- حيث قال إن الأنصاري جاء يتظلم إلى النبي صلى الله عليه وآله... الخ ، ونحن نقول:- صحيح أن الذي يرفع الظلم ليس ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) ولا غيره ولكن النبي صلى الله عليه وآله لم يرفع ظلمه بحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) يعني حينما جاء الأنصاري يتظلم لم يقل له ( طيّب خاطرك أيها الأنصاري فانـه لا ضـرر ولا ضـرار ) كلا وإنما أرسل خلف سمرة وطلب منه أن يستأذن فلم فرفض ثم طلب منه أن يكون له عذق في الجنة فرفض إلى أن عالج النبي الموقف ورفع الضرر ولكن كيف رفع الضرر ؟ إنه قال للأنصاري ( اذهب فاقلعها ) فهو قد رفع ظلمه بإعطائه اجازة بالقلع غايته علل الأمر بالقلع بأنه لا ضرر ولا ضرار فإذا كان هناك إشكال فهو في المناسبة بين التعليل والمعلّل - أي بين الأمر بالقلع وبين لا ضرر ولا ضرار - وهذا هو الوجه الثاني الذي ذكره(قده ) وليس كلاماً جديداً يستحق أن يكون وجهاً مستقلاً وسوف نشير إليه في الوجه الثاني اشاء الله تعالى.
والخلاصة:- إن النبي صلى الله عليه وآله لم يرفع ظلم الأنصاري بحديث لا ضرر ولا ضرار حتى يقال أن ذلك يصير شاهداً على كون المقصود من لا ضرر هو الحكم السلطاني دون ما ذكره الشيخ الأعظم ودون ما ذكره شيخ الشريعة والوجه في ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله رفع ظلم الأنصاري بأن أمر بالقلع لا بحديث لا ضرر وإنما جاء به كعلة.
وأما ما أفاده في الوجه الثاني:- - أعني أنه صلى الله عليه وآله حينما أمر بالقلع علل بحديث لا ضرر ولا مناسبة بين الأمر بالقلع وبين لا ضرر على تفسير الشيخ إذ أن نفس الأمر بالقلع هو حكم ضرري بالنسبة إلى سمرة فكيف يقول النبي صلى الله عليه وآله ( لا ضرر ولا ضرار ) بمعنى لا حكم ينشأ منه الضرر والحال أن هذا ضرر فيحصل تناقض على تفسير الشيخ وهكذا على تفسير شيخ الشريعة فلا بد وأن يحمل هذا النهي على النهي السلطاني فيرد عليه أن المشكلة المذكورة في الوجه الثاني سوف نعقد لها تنيهاً مستقلاً انشاء الله تعالى فان سوف تأتي مجموعة تنبيهات مهمة وأحدها يتعرض إلى هذه القضية وهي أنه كيف نربط بين تعليل النبي صلى الله عليه وآله وبين أمره بالقلع.
ولكن نقول معجّلاً وباختصار:- إن المشكلة لا تنحلّ بتفسير لا ضرر بالنهي السلطاني في مقابل النهي الإلهي أو في مقابل ما ذكره الشيخ الأعظم بل المشكلة باقية سواء فسرنا النفي بهذا أو بهذا أو بذاك فحتى لو فسّرنا النهي بالنهي السلطاني يبقى الاشكال أي اشكال عدم المناسبة على حاله فان النهي السلطاني هو بالتالي نهي عن الظلم في حوزتي ودولتي ودائرة مملكتي وهو بالتالي نهي غايته صدر أنه منه لإدارة البلاد ولكنه بالتالي هو نهي عن الإضرار كالنهي الإلهي فإذا كان النهي الإلهي لا يجدي شيئاً لحل المشكلة فالنهي السلطاني كذلك فتغيير النهي من كونه إلهياً إلى كونه سلطانياً لا يسمن ولا يغني من جوع ولابد وأن نحلّ المشكلة بطريق آخر سوف يأتي التعرض إليه في بعض التنبيهات الآتية انشاء الله تعالى.
مناقشة رأي الفاضل التوني(قده):-
ذكرنا فيما سبق أن الشيخ الأعظم(قده) نقل
[1]
ما حاصله أن الفاضل التوني(قده) فسّر لا ضرر بأنه لا ضرر غير متدارك ، وبشكل أوضح كأنه يريد أن يقول:- كل ضرر إذا وقع فلابد وأن يكون متداركاً فنستفيد من الحديث الحكم بلزوم تدارك كل ضرر يقع في الخارج ، فإذا فرض أن إنساناً كسرت رجله فهذا الضرر لابد وأن يكون متداركاً ، ومن الذي يتداركه ؟ إن كان هناك شخص قد كسرها فهو الضامن وإذا فرض أنه لم يتصد أحد لذلك وإنما هو عثر بحجر فكسرت رجله فبيت المال هو الذي يتداركه - أي الامام عليه السلام أي الدولة - فالدولة والإمام في التشريع واحد فعندما تقول الروايات إن الغنائم ورؤوس الجبال وغير ذلك هي للإمام فمعنى ذلك هو أنها للدولة أي لمنصب الإمامة وعلى هذا الأساس فإذا كسرت رجل الإنسان مثلاً فهذا الضرر متدارك من الدولة ، فالقصود من لا ضرر يعني لا ضرر غير متدارك ، وباعتبار أن كل ضرر يتدارك إما بالتدارك الشخصي أو بالتدارك من قبل الدولة يصحّ أن ينفى الضرر وينزّل منزلة العدم فيقال ( لا ضرر ) ، هذا توجيه ما ذكره الفاضل التوني(قده).
[1] في رسالة لا ضرر المطبوعة ضمن الرسائل الفقهية للشيخ الأعظم 114.