33/11/21
تحمیل
الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الرأي الثالث:- أن يدعى أن النفي منصب على الحكم ابتداءً ومباشرةً فالحديث ينفي الحكم من دون توسيط فكرة السبب والمسبب أو فكرة الحكم والموضوع بل ابتداءً ينفى الحكم ، ولكن كيف هذا والحديث ليس فيه كلمة ( حكم ) إذ هو لم يقل ( لا حكم حالة الضرر ) فكيف يكون الحكم منفياً بالمباشرة ؟
إن هذا يمكن تصويره بوجوه ثلاثة:-
الوجه الأول:- أن تقدّر كلمة ( حكم ) وهذا أسلوب من أساليب البلاغة أيضاً نظير ( واسأل القرية ) فان المقصود ( واسأل أهل القرية ) فكلمة ( أهل ) محذوفة ، فإذا قبلنا في الآية الكريمة وجود محذوف فلنقل في المقام بذلك أيضاً ، يعني أن كلمة ( حكم ) محذوفة والتقدير هكذا ( لا حكم عند الضرر أو حالة الضرر ) والمهم تقدير كلمة ( حكم ).
الوجه الثاني:- أن نقول إن كلمة ( ضرر ) قد استعملت في الحكم مجازاً وأريد منها الحكم الضرري مجازاً ومسامحةً وعنايةً فـ( لا ضرر ) يعني لا حكم ضرري ، والاستعمال هنا مجازي بخلافه على الوجه الأول إذ لا توجد مجازية في استعمال الكلمة بل يوجد تقدير وحذف.
الوجه الثالث:- ما ذهب إليه الشيخ النائيني(قد)
[1]
وحاصله:- إن كلمة ( ضرر ) مستعملة في الحكم كما يقوله صاحب الوجه الثاني ولكن الفارق هو أن صاحب الوجه الثاني كان يقول إن كلمة ( ضرر) مستعملة في الحكم مجازاً وأنا أقول إنها مستعملة حقيقةً لا مجازاً فكلمة ( ضرر ) أريد منها الحكم الشرعي بنحو الحقيقة ، وإذا تم هذا فحينئذ نقول:- إن المنفي هو الحكم لأن الضرر حقيقةً هو الحكم الشرعي ولا نحتاج حينئذ إلى دليلٍ وقرينةٍ
[2]
، وكيف ذلك ؟ قال(قده) إنه يوجد عندنا مسببات وأسباب توليدية وعندنا أفعال مباشرية ، ثم قال في باب المسببات والاسباب التوليدية - أو التسبيبية - إنه قد يستعمل المسبب ويراد به السبب بنحو الحقيقة.
ونحن نحتاج في فهم مطلبه إلى استذكار سريع لهذا المصطلح ونحتاج بعد ذلك إلى أنه كيف يستعمل المسبب في باب المسببات التوليدية وقد ويراد السبب بنحو الحقيقة ؟
أما بالنسبة إلى المصطلح فيمكن أن نقول:- إن الأشياء التي تصدر من الإنسان هي على نحوين فبعضها واقعٌ تحت اختياره بالمباشرة كإشعال النار فان اشعالها مقدور له مباشرة وذلك بأن يصب النفط على الحطب ثم يشعله عبود الثقاب وهذا ما يصطلح عليه بـ( الفعل المباشري ) فالفعل المباشري هو ما يقع تحت الاختيار بالمباشرة ومن أمثلته شرب الماء وغير ذلك من الأمور المقدورة بالمباشرة . وهناك بعض الأفعال التي تنسب إلى الإنسان ولكنها ليست مقدورة له وتحت اختياره بالمباشرة من قبيل الإحراق فإن المقدور للإنسان هو إشعال النار أما احتراق الخشب فهو ليس فعلاً واقعاً تحت اختياره بالمباشرة ولذلك سواء أراد أم لم يرد فهو يحترق وإنما يتمكن من حرق الخشب من خلال إشعال النار وإلا فالإحراق ليس مقدوراً له بالمباشرة كما هو واضح ، إن مثل هذا ما يصطلح عليه بـ( الفعل التسبيبي ) أو بـ( الفعل التوليدي ) فالفعل التسبيبي أو التوليدي هو ما كان مقدوراً بالواسطة.
وأما الطلب الذي ذكره(قده) بعد ذلك - وهو أن المسبب التوليدي قد يطلق ويراد به السبب بنحو الحقيقة لا بنحو المجاز فقد ذكر في إثباته ما حاصله:- إن الأمر عند العرف كذلك فتقول عرفا مثلاً ( أحرق فلاناً ) والحال أن المقصود عرفاً هو ( ألقه في النار ) التي هي السبب فالحرق هو مسبّب وأنت تقول ( أحرقه ) أي تطلب منه المسبّب التوليدي ولكن مقصودك الحقيقي هو الإلقاء في النار لأن مقصودك هو السبب ، وتقول مثلاً ( أقتله ) ومقصودك هو ( أطلق عليه الرصاصة ) الذي هو السبب فان القتل مسبّب توليدي وليس مقدوراً بالمباشرة فاستعمل المسبّب التوليدي وقيل ( أقتله ) ولكن المقصود الحقيقي هو( أطلق عليه الرصاصة ) . إذن ثبت أن العرف يستعملون المسبب بنحو الحقيقة ويريدون منه السبب ، وإذا قبلنا بهذا في باب المسبّبات التوليدية فتعال إلى مقامنا حيث نقول إن الضرر مسبّب عن الحكم الشرعي فالضرر مسبّب توليدي وسببه الحكم الشرعي فاستعمل الضرر - الذي هو المسبب التوليدي - وأريد منه سببه بنحو الحقيقة - الذي هو الحكم الشرعي فـ( لا ضرر ) بمعنى لا حكم.
ثم أشكل على نفسه قائلاً:- إنه في باب الأسباب والمسببات التوليديّة يلزم أن نفترض أن اختيار الإنسان ليس متوسطاً بين السبب والمسبب فمن أطلق الرصاصة وحقق السبب فالمسبب سوف يتحقق - أي يتحقق القتل - والإرادة والاختيار ليس لهما دور آنذاك ويصير المورد من السبب والمسبب التوليدي ، أما إذا كانت الإرادة لها دور فسوف يصير من الفعل لمباشري دون التوليدي وحينئذٍ نقول إن الأحكام الشرعية صحيح هي تؤدي إلى الضرر ولكن بتوسط إرادة المكلف فالشارع أوجب الوضوء ولكن المكلف حينما يقع في الضرر فهو يقع بسبب أنه أراد الوضوء وإلّا فلو فرض أنه لم يرده فسوف لا يقع في الضرر رغم وجود الحكم الشرعي . إذن الحكم الشرعي ليس سبباً توليدياً وتسبيبياً للضرر والضرر ليس مسبّبا توليدياً من الحكم الشرعي لفرض توسط الارادة في البين.
واجاب(قده) عن ذلك بقوله:- صيح أن إرادة المكلف متوسطة بين الحكم الشرعي وبين تحقق الضرر ولكن حيث أنها إرادة مقهورة للحكم الشرعي فان المؤمن دائماً هو في خضوع تامٍ للشارع المقدس ولا إرادة له في مقابل إرادة الشارع فإرادته سوف تكون أرادة مقهورة فإذا كانت مقهورة فهذا يعني أنها بحكم العدم وبالتالي يصير المورد من مصاديق المسبّب والسبب التوليدي فالحكم الشرعي سبب توليدي والضرر مسبّب توليدي إذ المفروض أن الإرادة المتوسطة في البين إرادة مقهورة وبالتالـي هـي بحكــم العـدم ، وعليـه يصـح أن نستعمـل كلمـة ( ضرر ) ونريد بها بنحو الحقيقة الحكم الشرعي.
[1] في رسالة لا ضرر المطبوعة في نهاية منية الطالب 96 في السطر ما قبل الاخير .
[2] وهذا لمطلب الذي يريد بيانه وان كان مرفوضاً إلا أن فيه دلالة على سعة وعمق تفكيره (قده).