33/11/20
تحمیل
الموضوع / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وأصحاب هذا الاتجاه بعد اتفاقهم على نتيجة واحدة وهي أن المقصود من فقرة ( لا ضرر ) هو نفي الحكم الضرري اختلفوا في الوسيلة الموصلة إليها ، وبتعبير آخر:- كيف استعمل النبي صلى الله عليه وآله فقرة ( لا ضرر ) وأراد بها نفي الحكم الضرري والحال أن كلمة ( حكم ) ليست موجودة وإنما هو نفى الضرر فقط فكيف ينفي الضرر ويقصد نفي الحكم الضرري ، فما هي الوسيلة الموصلة إلى ذلك ؟
والجواب:- توجد آراء ثلاثة في هذا المجال:-
الرأي الأول:- ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) وهو أن يكون المقصود هو نفي السبب من خلال نفي المسبب فان من أحد الوسائل البلاغية هو أن ينفي الشخص السبب ولكن لا بلسان نفي السبب بل بلسان نفي المسبب وهنا يقال كذلك حيث أن الحكم الشرعي كوجوب الوضوء في حالة البرد والزكام الشديدين يكون سبباً لتحقق الضرر والضرر مسبّب والمولى ينفي الضرر الذي هو المسبب عن الحكم بالوجوب والحال أن مقصوده الحقيقي هو نفي السبب - أعني الحكم الشرعي - وكأنه صلى الله عليه وآله يريد أن يقول ( لا ضرر يحصل أو ينشأ من الحكم الشرعي ) فبالتالي يقيّد كلمة ( ضرر ) ففصيح أن كلمة ( ضرر ) جاءت مطلقة في الحديث ولكن نحن نقيدها فيصير المقصود ( لا ضرر ينشأ من زاويتي أنا الشارع ).
وإذا قلنا للشيخ الأعظم(قده):- أليس هذا تقييداً زائداً يكون منفياً بالأصل فان الأصل عدم التقدير والعناية الزائدة إلا مع قيام قرينة ؟ فانه يجيب:- بأن هذا التقييد تعيش قرينته معه وتصاحبه فلا يكون مخالفاً للأصل وللظاهر إذ أن هذا النفي قد صدر من الشارع ومادام قد صدر منه فهذا بنفسه قرينة على أن مقصوده ( أنه لا ضرر من زاويتي أو من ناحية أحكامي )
[1]
. وهذه نكتة ظريفة مهمة.
الرأي الثاني:- ما صار إليه صاحب الكفاية(قده) وهو أن المقصود نفي الحكم من خلال نفي الموضوع فإنه ينفى الموضوع أحياناً ويقصد منه نفي الحكم من قبيل ( لا ربا بين الوالد وولده ) فان الربا موضوع ويقصد من نفيه نفي الحرمة - أي لا حرمة في الربا بين الوالد والولد - والشيخ الآخوند(قده) يريد أن يطبق هذه الفكرة هنا فهو لا يلحظ أن الضرر مسبب والحكم الشرعي سبب كلا فهو لا ينظر إلى علاقة السببيّة والمسببّيّة بل يقول إن الضرر عنوان للموضوع فالوضوء في حالة البرد يتصف بأنه ضرر فهو عنوان للموضوع ، إن هذا هو نفس الموضوع ، فاستعملت كلمة الضرر وأريد منها الوضوء الضرري ونفي الوضوء الضرري بقصد نفي الوجوب.
والمهم الذي أريد أن أسلط الأضواء عليه هو أن الشيخ الخراساني(قده) جعل كلمة الضرر عنواناً للموضوع - أي الموضوع - ومن حقك أن تحذف كلمة الموضوع وتضع بدلها ( الوضوء الضرري ) أو ( حالة البرد ) ولا ينظر إلى الضرر بما هو مسبّب عن الحكم الشرعي بل يلحظه بما هو موضوع فنفي الموضوع وقصد بذلك نفي الحكم ، وهذا من أحد أساليب البلاغة أيضاً.
وإذا سألت وقلت:- ما الفارق العملي بين هذين الرأيين ؟ وبتعبير آخر:- إن الفارق النظري بينهما واضح فالأول يستعين بعلاقة السببيّة ويقول إن المقصود الحقيقي من نفي المسبب هو نفي السبب بينما الثاني يقول إن المقصود الحقيقي من نفي الموضوع هو نفي الحكم ، ولكن السؤال هو:- هل توجد وثمرة وفارق عملي بين الرأيين ؟
والجواب:- يمكن ذكر موردين للثمرة ولعله بالتأمل توجد موارد أخرى:-
المورد الأول:- ما إذا فرض أن واجباً من الواجبات لم يكن هو شاقّاً بنفسه ولكن المشقة في مقدماته من قبيل الحج أحياناً فالحج بنفسه قد لا يكون شاقاً لبعض الأشخاص ولكن الصعوبة في مقدماته فالمقدمات قد تكون ضررية دون نفس العمل الواجب ففي مثل هذه الحالة هل يمكن نفي هذا الحكم الشرعي على رأي الشيخ الأعظم(قده) ونقول لا يجب الحج مادامت مقدماته موجبة للضرر ؟ والجواب:- نعم يمكن ذلك فانه لو ثبت الوجوب للحج فسوف يصير منشأ وسبباً لتضرر هذا المكلف لأنه سوف يقوم بتهيئة المقدمات والمفروض أنها ضررية ووقوعه في هذا الضرر حصل بسبب الحكم الشرعي بوجوب الحج ، بينما على رأي الشيخ الخراساني(قده) لا يمكن نفي الوجوب لأن الذي ينفى في لسان الحديث هو الموضوع الضرري فيلزم في المرحلة الأولى أن يثبت عندنا أن الموضوع للحكم ضرري فإذا كان ضررياً أمكن تطبيق الحديث لنفي الحكم والمفروض في مقامنا أن الحج بنفسه ليس ضررياً وإنما الضرر في مقدماته فعلى هذا الأساس لا يمكن تطبيق الحديث ، وعليه فلا يمكن تطبيق الحديث لنفي وجوب الحج لأنه ليس بضرري.
المورد الثاني للثمرة:- ما أشار إليه نفس الشيخ الخراساني(قده)
[2]
وحاصله:- إنه إذا ثبت انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام الشرعية - إذا افترضنا ذلك - ونحن نريد من وراء ذلك إثبات حجيّة الظن ولكن هذا لا يكفي بل لابد من ضم مقدمات أخرى منها أن الاحتياط ليس بواجب إذ لو كان ممكناً وواجباً لا تصل النوبة إلى حجيّة الظن ولكن كيف ننفي وجوب الاحتياط - والكلام هنا - ؟ ذكر(قده) أنه إذا كان الاحتياط التام في كل قضية غير ممكن لأنه يوجب اختلال النظام أو اختلال القدرة أو غير ذلك فهذا يكون منفياً لأن اختلال النظام لا يرضى به الإسلام جزماً أما إذا كان الاحتياط ليس موجباً لاختلال النظام بل كان موجباً للعسر والضرر في حق المكلف من دون أن يبلغ درجة اختلال النظام فعلى مختاري في تفسير قاعدة لا ضرر ولا حرج لا يمكن . نعم هذا يمكن على رأي الشيخ الأنصاري والوجه في ذلك هو أن موضوع الحكم الشرع الثابت في الواقع ليس ضررياً وإنما الجهل به سبّب لنا عدّة احتمالات والاحتياط بالجمع بينها صار ضررياً فالضرر ليس في نفس الموضوع للحكم الشرعي وإنما هو في الجمع بين الاحتمالات لفرض الجهل بموضوع الحكم الشرعي فإذا أردنا تحصيله بالجمع بين الاحتمالات تولد حينئذ الضرر أو الحرج والمفروض أن ( لا ضرر ) تنفي الحكم إذا فرض أن موضوعه كان بنفسه ضررياً فينفى الموضوع ويُقصد بذلك نفي الحكم ، والمفروض في مقامنا أن الموضوع ليس ضررياً فلا يمكن نفي الحكم ، نعم على رأي الشيخ الأعظم(قده) سوف يكون ثبوت الحكم مسببِّاً للوقوع في الضرر إذ لابد من الاتيان بذلك الموضوع وحيث أنه مجهول فيلزم الجمع بين الاحتمالات فيقع المكلف في الضرر وبالتالي صار الحكم الشرعي سبباً للضرر فينتفي الوجوب الشرعي لأن ثبوته صار سبباً للضرر ، وأما على رأيي فلا إذ المدار ليس على السببية وإنما على ملاحظة الموضوع هل هو ضرري أو لا.
[1] وألفت أنظاركم إلى أنكم لو راجعتم الرسائل قد لا تجدون هذا التفصيل موجوداً بهذا الشكل بل أنا أحتمل أن الشيخ الأعظم حينما كتب هذا الموضوع لم يكن هذا التفصيل في ذهنه ولكن روح المطلب كانت فيه فهو يريد أن ينفي الضرر من زاوية الحكم الشرعي ولكن نحن نوضحه بهذا الشكل.
[2] كفاية الأصول - مبحث الانسداد - المقدمة الرابعة.