35/04/18
تحمیل
الموضوع:- التنبيه السابع ( استصحاب
الكلّي واستصحاب الفرد المردّد وغير المردّد ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
هذا كلّه في استصحاب الكلّي من القسم الثاني.
استصحاب الكلّي من القسم الثالث:-
وأما استصحاب الكلّي من القسم الثالث - الذي هو اليقين بوجود الكلّي ضمن فردٍ مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد ولكن يحتمل حدوث فردٍ آخر عند ارتفاع الفرد الأوّل أو حين وجود الفرد الأوّل - فالمعروف عدم جريانه، وهو المناسب، والوجه في ذلك هو أنه لو فسّرنا الكلّي بالحصّة كما يظهر من الشيخ العراقي(قده) فتلك الحصّة ضمن الفرد الأوّل قد ارتفعت جزماً والحصّة ضمن الفرد الثاني نشك في أصل حدوثها فلا توجد حصّة واحدة نتيقّن بحدوثها ونشك في بقائها وإنما هناك حصّتان حصّةٌ نتيقّن بارتفاعها وحصّةٌ نشكّ في حدوثها مقارنةً لتلك الحصّة أو عند وجودها، وأما بناءً على تفسيره بالجامع العرفي كما صرنا إليه فالأمر كذلك لأن الجامع العرفي وإن وجِدَ ضمن الفرد الأوّل لكنّا نتيقّن بأن ذلك الجامع بمقدار وجوده في الفرد الأوّل وبلحاظه قد ارتفع جزماً ونشك في حدوثه ضمن الفرد الثاني، فمثلاً الجامع العرفي بين زيد وعمروٍ هو الانسان أو الموجود الذي يتكلّم فهذا الجامع وإن علمنا بوجوده ضمن زيدٍ ولكننا علمنا بارتفاعه ولكن نشك في حدوث الانسان بواسطة عمروٍ فلا يوجد جامعٌ واحدٌ يمكن أن نقول هو متيقّنُ الحدوث مشكوك البقاء . اللهم إلّا على رأي الرجل الهمداني على احتمالٍ - وقلنا إن رأي الرجل الهمداني مردّد فهو قال كلمة وصارت فيها احتمالات - وهو أن يكون الكلّي موجوداً بوجودٍ واحدٍ إما مستقلاً أو متحداً مع أفراده فمادام هو موجودٌ بوجودٍ واحدٍ فنتمكن أن نقول إن ذلك الكلّي الموجود بوجودٍ واحدٍ نتيقّن بحدوثه ونشك في بقائه . ولكنّ هذا باطلٌ لأن هذا الرأي مضحكٌ للثكلى - وهو أن الكلّي موجودٌ بها الشكل أو بذاك الشكل - فالصحيح إذن هو أنه لا يجري الاستصحاب في الكلّي من القسم الثالث.
إن قلت:- ما هي النكتة الفارقة بين استصحاب الكلّي من القسم الثالث واستصحاب الكلّي من القسم الثاني فإن الثاني قبلنا بجريانه وأما الثالث فلا فما هي النكتة الفارقة بين القسمين ؟
قلت:- إنه في القسم الثاني يوجد فردٌ واحدٌ مردّد بين فردين فهناك حيوانٌ له خرطومٌ حدث ضمن واحدٍ إما البقُّ أو الفيل، فالكلّي قد حدث ضن فردٍ واحدٍ لا أكثر ولكن ذلك الواحد مردّدٌ بيد أنّه واحدٌ ليس أكثر جزماً ولكن نحتمل أن ذلك الواحد له قابلية البقاء بأن يكون طويلاً - يعني عبارة عن الفيل - فبالتالي يصحّ أن نقول نحن نجزم بوجود حيوانٍ له خرطومٌ قد تحقّق جزماً ونشك الآن في بقائه فهو واحدٌ لا أكثر نجزم بحدوثه ونشك في بقائه، بينما في القسم الثالث ليس المتحقّق شيئاً واحداً بل هناك شيء واحد قد تحقّق وانتفى جزماً ولكن نحتمل حدوث فردٍ آخر متّصلاً بارتفاعه فلذلك نقول إن الكلّي الذي تحقّق ضمن الفرد الأوّل قد ارتفع جزماً وحدوثه مع الفرد الثاني مشكوكٌ . هذا هو الفارق بين القسم الثالث والقسم الثاني.
وللشيخ الأعظم(قده) في الرسائل كلامان في هذا المجال[1]:-
الكلام الأوّل:- التفصيل بين ما إذا كان الفرد الثاني الذي نشكّ في حدوثه نحتمل حدوثه حين وجود الفرد الأوّل وبين ما إذا كنّا نحتمل حدوثه عند ارتفاع الفرد الأوّل ومقارناً لذلك، يعني تارة نحتمل وجود عمروٍ حينما كان زيد موجوداً ومرّة أخرى نحتمل حدوث عمروٍ مقارناً لخروج زيدٍ - أي عندما خرج زيدٌ دخل عمروٌ - وفي الأولى قال يجري استصحاب الكلّي - أي كلّي الانسان - وفي الثانية قال لا يجري . وما هو الوجه في ذلك ؟ الوجه هو أنه في الحالة الأولى يمكن أن نقول إن الكلّي الذي نجزم بتحقّقه نحتمل أنه حدث بنحوٍ لا يرتفع بارتفاع الفرد الأوّل ونحتمل أنه يرتفع فبالتالي هل إن وجود هذا الكلّي مستمرٌّ أو ليس بمستمرّ فنستصحب استمراره - هذا في الحالة الأولى التي نحتمل فيها أن عمرواً دخل أثناء وجود زيدٍ -، وأما في الحالة الثانية التي نحتمل فيها أن عمرواً دخل أثناء خروج زيد فالكلّي الذي نتيقّن بوجوده سابقاً نتيقّن بارتفاعه الآن لأنّا كنّا نتيقّن بحدوثه ضمن الفرد الأوّل والفرد الأوّل قد ارتفع وحدوثه ضمن الفرد الثاني مشكوكٌ . هكذا ذكر(قده)، والمهمّ هو ما ذكره في الحالة الأولى.
وفيه:- إن ما ذكره في الحالة الأولى قابلٌ للتأمّل فإن الكلّي الذي نجزم بحدوثه لا نحتمل أنه حدث بنحوٍ لا يرتفع بارتفاع الفرد الأوّل بل جزماً هو قد ارتفع بارتفاع الفرد الأوّل فعمروٍ وإن دخل حينما كان زيدٌ في المسجد ولكن وجود الكلّي ضمن الفرد الأوّل قد ارتفع جزماً - يعني الانسان ضمن زيدٍ - ووجوده ضمن عمروٍ نشك في حدوثه لا أن وجود الكلّي سوف يكون واحداً مادام عمرواً قد دخل وزيدٌ بَعدُ موجودٌ في المسجد، إن هذا لو كان هذا يكفي لصيرورة وجود الكلّي واحداً للزم في الحالة الثانية أيضاً كذلك إذ حينما دخل عمروٌ متصلاً بخروج زيدٍ من دون فاصلٍ زمنيّ يلزم أن هذا أيضاً يكفي لكون الوجود الكلّي واحداً والحال أنه حكم بعدم كفاية ذلك فيلزم الحكم أيضاً بعدم كفاية ذلك في الحالة الأولى، إنه لا فرق من هذه الناحية وما صدر منه(قده) غريبٌ، وهو وإن لم يذكر هذا الوجه في البداية منه(قده) وإنما نقله وقال هناك احتمالات ثم ذكر أن أحد هذه الاحتمالات التفرقة بين ما إذا دخل عمروٌ أثناء وجود زيدٍ وبين ما إذا دخل أثناء خروجه ووجّه بهذا التوجيه وقال في آخر كلامه إن هذا أحسن الوجوه - أي أنّه أمضاه - ولكن كيف تمضيه ؟!! إنه شيء غريب . هذا كلّه بالنسبة إلى الكلام الاوّل وقد اتضح أنه لا فرق من هذه الناحية.
الكلام الثاني:- إن استصحاب الكلّي من القسم الثالث وإن حكمنا بعدم جريانه ولكن يمكن أن نستثني حالةً وهي ما إذا فرض أن المشكوك حدوثه جديداً كان مرتبةً من مراتب المتيقّن السابق لا أنه يُعَـدُّ شيئاً مغايراً بل يُعَـدُّ مرتبةً له عرفاً، كما لو فرض أن الورقة كانت سوداء بسوادٍ شديدٍ وجزمنا بأن السواد الشديد قد ارتفع ولكن نحتمل أن الشدة ارتفعت مع بقاء السواد لا أن السواد قد ارتفع رأساً بأن حدث البياض مكانه كلّا وإنما ارتفعت شدّته فقط فهنا يمكن أن يقال بجريان الاستصحاب رغم أنه من استصحاب الكلّي من القسم الثالث.
أما أنّه من القسم الثالث؛ فباعتبار أن ذلك السواد قد ارتفع ونحتمل حدوث سوادٍ آخر وفردٍ آخر مقارناً لارتفاع ذاك فهو كلّي من القسم الثالث، ولكن رغم ذلك يجري الاستصحاب لأن العرف يعدُّ السواد الخفيف مرتبةً من مراتب السواد لا أنه شيءٌ مغايرٌ فيجري حينئذٍ استصحاب بقاء الكلّي إذ المدار في تحديد بقاء وحدة الموضوع هو النظر العرفي لا النظر الدّقّي فيجري حينئذٍ الاستصحاب دون أيّ اشكال . ويترتّب عليه أنه جزم الانسان بعدما كان كثير الشكّ بالمرتبة لعالية بأن تلك الشدّة قد زالت فحينئذٍ يحتمل أنه حدثت عنده مرتبةٌ جديدة أخفّ من السابقة فرغم أنه من استصحاب الكلّي من القسم الثالث لكن الاستصحاب يجري لأن الموضوع واحدٌ والمستصحب يُعَـدُّ شيئاً واحداً بنظر العرف والمدار على النظر العرفي . إذن هذه حالة مستثناة من عدم جريان الاستصحاب في الكلّي من القسم الثالث وهي ما إذا فرض أن المشكوك كان مرتبة من مراتب ذلك المتيقّن الحدوث سابقاً والذي نجزم بزواله . هذا ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)[2].
فيه:- إن ما ذكره وجيهٌ بيد أن الاستصحاب في مثل المورد المذكور ليس من استصحاب الكلّي من القسم الثالث أو غيره بل هو من استصحاب الجزئي فإن السواد بالمرتبة الخفيفة والشديدة هو واحدٌ فيمكن أن نشير إلى ذلك السواد الواحد ونقول إن ذلك السواد الواحد كان ثابتاً سابقاً جزماً والآن نشك في بقائه والشدّة والضعف هما من أحوال المستصحب لا أنها مقوّمة له بالنظر العرفي فالسواد هو ذاك السواد، نظير الانسان الذي كان سمينا قبلاً والآن صار ضعيفاً فهذا يبقى هو هو لا أنه موجودٌ آخر[3]، هنا أيضاً الشدّة والضعف هي بالنظر العرفي فالعرف مادام يعدُّ السواد واحداً وهذا السواد الخفيف ليس فرداً ثانياً وإنما هو عين الفرد الأوّل ولكن الحالة قد اختلفت فيصير المورد من استصحاب الفرد والجزئي وليس من استصحاب الكلّي . إذن نحن نوافقه في أن الاستصحاب جارٍ في هذا المورد وما شاكله من مثال كثير الشك وغير ذلك ولكن ليس من الصحيح أن نجعل ذلك استثناءً من القسم الثالث وإنما هو عودة إلى استصحاب الجزئي والفرد.
هذا كلّه في استصحاب الكلّي من القسم الثاني.
استصحاب الكلّي من القسم الثالث:-
وأما استصحاب الكلّي من القسم الثالث - الذي هو اليقين بوجود الكلّي ضمن فردٍ مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد ولكن يحتمل حدوث فردٍ آخر عند ارتفاع الفرد الأوّل أو حين وجود الفرد الأوّل - فالمعروف عدم جريانه، وهو المناسب، والوجه في ذلك هو أنه لو فسّرنا الكلّي بالحصّة كما يظهر من الشيخ العراقي(قده) فتلك الحصّة ضمن الفرد الأوّل قد ارتفعت جزماً والحصّة ضمن الفرد الثاني نشك في أصل حدوثها فلا توجد حصّة واحدة نتيقّن بحدوثها ونشك في بقائها وإنما هناك حصّتان حصّةٌ نتيقّن بارتفاعها وحصّةٌ نشكّ في حدوثها مقارنةً لتلك الحصّة أو عند وجودها، وأما بناءً على تفسيره بالجامع العرفي كما صرنا إليه فالأمر كذلك لأن الجامع العرفي وإن وجِدَ ضمن الفرد الأوّل لكنّا نتيقّن بأن ذلك الجامع بمقدار وجوده في الفرد الأوّل وبلحاظه قد ارتفع جزماً ونشك في حدوثه ضمن الفرد الثاني، فمثلاً الجامع العرفي بين زيد وعمروٍ هو الانسان أو الموجود الذي يتكلّم فهذا الجامع وإن علمنا بوجوده ضمن زيدٍ ولكننا علمنا بارتفاعه ولكن نشك في حدوث الانسان بواسطة عمروٍ فلا يوجد جامعٌ واحدٌ يمكن أن نقول هو متيقّنُ الحدوث مشكوك البقاء . اللهم إلّا على رأي الرجل الهمداني على احتمالٍ - وقلنا إن رأي الرجل الهمداني مردّد فهو قال كلمة وصارت فيها احتمالات - وهو أن يكون الكلّي موجوداً بوجودٍ واحدٍ إما مستقلاً أو متحداً مع أفراده فمادام هو موجودٌ بوجودٍ واحدٍ فنتمكن أن نقول إن ذلك الكلّي الموجود بوجودٍ واحدٍ نتيقّن بحدوثه ونشك في بقائه . ولكنّ هذا باطلٌ لأن هذا الرأي مضحكٌ للثكلى - وهو أن الكلّي موجودٌ بها الشكل أو بذاك الشكل - فالصحيح إذن هو أنه لا يجري الاستصحاب في الكلّي من القسم الثالث.
إن قلت:- ما هي النكتة الفارقة بين استصحاب الكلّي من القسم الثالث واستصحاب الكلّي من القسم الثاني فإن الثاني قبلنا بجريانه وأما الثالث فلا فما هي النكتة الفارقة بين القسمين ؟
قلت:- إنه في القسم الثاني يوجد فردٌ واحدٌ مردّد بين فردين فهناك حيوانٌ له خرطومٌ حدث ضمن واحدٍ إما البقُّ أو الفيل، فالكلّي قد حدث ضن فردٍ واحدٍ لا أكثر ولكن ذلك الواحد مردّدٌ بيد أنّه واحدٌ ليس أكثر جزماً ولكن نحتمل أن ذلك الواحد له قابلية البقاء بأن يكون طويلاً - يعني عبارة عن الفيل - فبالتالي يصحّ أن نقول نحن نجزم بوجود حيوانٍ له خرطومٌ قد تحقّق جزماً ونشك الآن في بقائه فهو واحدٌ لا أكثر نجزم بحدوثه ونشك في بقائه، بينما في القسم الثالث ليس المتحقّق شيئاً واحداً بل هناك شيء واحد قد تحقّق وانتفى جزماً ولكن نحتمل حدوث فردٍ آخر متّصلاً بارتفاعه فلذلك نقول إن الكلّي الذي تحقّق ضمن الفرد الأوّل قد ارتفع جزماً وحدوثه مع الفرد الثاني مشكوكٌ . هذا هو الفارق بين القسم الثالث والقسم الثاني.
وللشيخ الأعظم(قده) في الرسائل كلامان في هذا المجال[1]:-
الكلام الأوّل:- التفصيل بين ما إذا كان الفرد الثاني الذي نشكّ في حدوثه نحتمل حدوثه حين وجود الفرد الأوّل وبين ما إذا كنّا نحتمل حدوثه عند ارتفاع الفرد الأوّل ومقارناً لذلك، يعني تارة نحتمل وجود عمروٍ حينما كان زيد موجوداً ومرّة أخرى نحتمل حدوث عمروٍ مقارناً لخروج زيدٍ - أي عندما خرج زيدٌ دخل عمروٌ - وفي الأولى قال يجري استصحاب الكلّي - أي كلّي الانسان - وفي الثانية قال لا يجري . وما هو الوجه في ذلك ؟ الوجه هو أنه في الحالة الأولى يمكن أن نقول إن الكلّي الذي نجزم بتحقّقه نحتمل أنه حدث بنحوٍ لا يرتفع بارتفاع الفرد الأوّل ونحتمل أنه يرتفع فبالتالي هل إن وجود هذا الكلّي مستمرٌّ أو ليس بمستمرّ فنستصحب استمراره - هذا في الحالة الأولى التي نحتمل فيها أن عمرواً دخل أثناء وجود زيدٍ -، وأما في الحالة الثانية التي نحتمل فيها أن عمرواً دخل أثناء خروج زيد فالكلّي الذي نتيقّن بوجوده سابقاً نتيقّن بارتفاعه الآن لأنّا كنّا نتيقّن بحدوثه ضمن الفرد الأوّل والفرد الأوّل قد ارتفع وحدوثه ضمن الفرد الثاني مشكوكٌ . هكذا ذكر(قده)، والمهمّ هو ما ذكره في الحالة الأولى.
وفيه:- إن ما ذكره في الحالة الأولى قابلٌ للتأمّل فإن الكلّي الذي نجزم بحدوثه لا نحتمل أنه حدث بنحوٍ لا يرتفع بارتفاع الفرد الأوّل بل جزماً هو قد ارتفع بارتفاع الفرد الأوّل فعمروٍ وإن دخل حينما كان زيدٌ في المسجد ولكن وجود الكلّي ضمن الفرد الأوّل قد ارتفع جزماً - يعني الانسان ضمن زيدٍ - ووجوده ضمن عمروٍ نشك في حدوثه لا أن وجود الكلّي سوف يكون واحداً مادام عمرواً قد دخل وزيدٌ بَعدُ موجودٌ في المسجد، إن هذا لو كان هذا يكفي لصيرورة وجود الكلّي واحداً للزم في الحالة الثانية أيضاً كذلك إذ حينما دخل عمروٌ متصلاً بخروج زيدٍ من دون فاصلٍ زمنيّ يلزم أن هذا أيضاً يكفي لكون الوجود الكلّي واحداً والحال أنه حكم بعدم كفاية ذلك فيلزم الحكم أيضاً بعدم كفاية ذلك في الحالة الأولى، إنه لا فرق من هذه الناحية وما صدر منه(قده) غريبٌ، وهو وإن لم يذكر هذا الوجه في البداية منه(قده) وإنما نقله وقال هناك احتمالات ثم ذكر أن أحد هذه الاحتمالات التفرقة بين ما إذا دخل عمروٌ أثناء وجود زيدٍ وبين ما إذا دخل أثناء خروجه ووجّه بهذا التوجيه وقال في آخر كلامه إن هذا أحسن الوجوه - أي أنّه أمضاه - ولكن كيف تمضيه ؟!! إنه شيء غريب . هذا كلّه بالنسبة إلى الكلام الاوّل وقد اتضح أنه لا فرق من هذه الناحية.
الكلام الثاني:- إن استصحاب الكلّي من القسم الثالث وإن حكمنا بعدم جريانه ولكن يمكن أن نستثني حالةً وهي ما إذا فرض أن المشكوك حدوثه جديداً كان مرتبةً من مراتب المتيقّن السابق لا أنه يُعَـدُّ شيئاً مغايراً بل يُعَـدُّ مرتبةً له عرفاً، كما لو فرض أن الورقة كانت سوداء بسوادٍ شديدٍ وجزمنا بأن السواد الشديد قد ارتفع ولكن نحتمل أن الشدة ارتفعت مع بقاء السواد لا أن السواد قد ارتفع رأساً بأن حدث البياض مكانه كلّا وإنما ارتفعت شدّته فقط فهنا يمكن أن يقال بجريان الاستصحاب رغم أنه من استصحاب الكلّي من القسم الثالث.
أما أنّه من القسم الثالث؛ فباعتبار أن ذلك السواد قد ارتفع ونحتمل حدوث سوادٍ آخر وفردٍ آخر مقارناً لارتفاع ذاك فهو كلّي من القسم الثالث، ولكن رغم ذلك يجري الاستصحاب لأن العرف يعدُّ السواد الخفيف مرتبةً من مراتب السواد لا أنه شيءٌ مغايرٌ فيجري حينئذٍ استصحاب بقاء الكلّي إذ المدار في تحديد بقاء وحدة الموضوع هو النظر العرفي لا النظر الدّقّي فيجري حينئذٍ الاستصحاب دون أيّ اشكال . ويترتّب عليه أنه جزم الانسان بعدما كان كثير الشكّ بالمرتبة لعالية بأن تلك الشدّة قد زالت فحينئذٍ يحتمل أنه حدثت عنده مرتبةٌ جديدة أخفّ من السابقة فرغم أنه من استصحاب الكلّي من القسم الثالث لكن الاستصحاب يجري لأن الموضوع واحدٌ والمستصحب يُعَـدُّ شيئاً واحداً بنظر العرف والمدار على النظر العرفي . إذن هذه حالة مستثناة من عدم جريان الاستصحاب في الكلّي من القسم الثالث وهي ما إذا فرض أن المشكوك كان مرتبة من مراتب ذلك المتيقّن الحدوث سابقاً والذي نجزم بزواله . هذا ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)[2].
فيه:- إن ما ذكره وجيهٌ بيد أن الاستصحاب في مثل المورد المذكور ليس من استصحاب الكلّي من القسم الثالث أو غيره بل هو من استصحاب الجزئي فإن السواد بالمرتبة الخفيفة والشديدة هو واحدٌ فيمكن أن نشير إلى ذلك السواد الواحد ونقول إن ذلك السواد الواحد كان ثابتاً سابقاً جزماً والآن نشك في بقائه والشدّة والضعف هما من أحوال المستصحب لا أنها مقوّمة له بالنظر العرفي فالسواد هو ذاك السواد، نظير الانسان الذي كان سمينا قبلاً والآن صار ضعيفاً فهذا يبقى هو هو لا أنه موجودٌ آخر[3]، هنا أيضاً الشدّة والضعف هي بالنظر العرفي فالعرف مادام يعدُّ السواد واحداً وهذا السواد الخفيف ليس فرداً ثانياً وإنما هو عين الفرد الأوّل ولكن الحالة قد اختلفت فيصير المورد من استصحاب الفرد والجزئي وليس من استصحاب الكلّي . إذن نحن نوافقه في أن الاستصحاب جارٍ في هذا المورد وما شاكله من مثال كثير الشك وغير ذلك ولكن ليس من الصحيح أن نجعل ذلك استثناءً من القسم الثالث وإنما هو عودة إلى استصحاب الجزئي والفرد.